مظهرية أهل البيت لجمال الله وجلاله

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث عن مفهوم الجمال، وعن جلال الله وجماله، وعن مظهرية أهل البيت لجمال الله وجماله، وأن معركة كربلاء مظهر من مظاهر جمال الله تبارك وتعالى.

المحور الأول: ما هو مفهوم الجمال؟

الجمال هو عبارة عن التناسق والتناسب بين الأشياء المتقاربة.

مثلا: عندما يقال هذا صوت جميل، الصوت الجميل هو الذي تتناسق نبراته ونغماته، بحيث يكون مستوى النغمات والنبرات فيه مستوى مناسب ومتناسق.

عندما يقال هذا وجه جميل، الوجه الجميل هو الذي يضم تناسق بين أجزاءه، هناك تناسق بين حجم العين، وحجم الأنف، وحجم الفم، وحجم الوجه، إذا كان هناك تناسق بين أعضاء الوجه، يعبر عنه بأنه وجه جميل.

جمال الخلق هو بالتناسق بين قوى الإنسان، الإنسان لديه قوى انفعالية، وقوى عقلية، قوى ضميرية، إذا كانت هذه القوى متناسقة، ليست قوى على حساب أخرى، وليست قوى تعيش إفراطا على حساب أخرى، القوى المتناسقة يعبر عنها بجمال الخلق.

إذن الجمال هو التناسق والتناسب بين الأشياء المتقاربة، هذا الوجود كله جميل، ليس في الوجود شيء قبيح، الوجود كله خير، الحياة ليس فيها موطن للقبح، وللشر، الحياة كلها خير، وكلها جمال، وكلها بهاء كما يقول علماء الكلام، باعتبار أن مصدر هذه الحياة هو الجمال، هو الله تبارك وتعالى، بما أن مبدأ الحياة هو الله، والله عين الخير، وعين الجمال، إذن ما صدر من الجميل هو جميل، وما صدر من الخير هو خير، وما صدر من الحياة هو حياة، بما أن المبدأ تبارك وتعالى جمال وخير وحياة، فالصادر منه كذلك، هذا الوجود كله جمال وحياة وخير، لأن مصدره كذلك.

إذن من أين يأتي القبح، والشر، لماذا نقول أن المرض شر، القتل شر، الظلم شر، من أين أتت هذه الشرور إذا كان الوجود كله خير، وكله جمال وحياة لأن مبدأه كذلك، إذن من أين انبثقت هذه الشرور والقبائح؟

القبح ليس أمرا وجوديا، الشر ليس أمرا وجوديا، الشر أمر عدمي وليس أمرا وجوديا، فكيف ذلك؟

الشر والقبح يحصل نتيجة عدم التناسق، التناسق جمال، وحسن، الشر يرد ويحصل نتيجة عدم التناسق بين الأشياء.

مثلا: هذا الوجود كله طاقات، النبات طاقة، الإنسان طاقة، الجماد طاقة، حتى الحشرة طاقة، لا يوجد شيء في هذا الوجود إلا ويحمل طاقة، حتى هذه الحشرة التي تحسبها ضارة هي طاقة، هي جمال، هي حياة، لأن هذه الحشرة نافعة لبعض الأشياء، مفيدة لبعض الأمور، لا يوجد شيء في هذا الكون إلا وهو جميل، لأنه طاقة ينفع بعض الأمور، ويفيد بعض الجهات، لكن هذه الحشرة لو دخلت جسم الإنسان نتيجة عدم التناسق بين الحشرة وبين خلايا الجسم يحل المرض، فالمرض ما جاء عن شيء وجودي، بل جاء عن شيء عدمي، نتيجة عدم التناسق حصل المرض، لو كان هناك تناسق بين الحشرة وبين خلايا الجسم وأنسجته لما حصل مرض، ولما حصل شر، الشر والمرض ليس أمرا وجوديا، الشر والمرض يكمن في عدم التناسق، وعدم التلاؤم بين الحشرة وبين الجسم.

مثلا: إذا جمعت بين أمرين لا يجتمعان، بين النار وبين أي جسم آخر، نتيجة عدم التناسق بين النار وهذا الجسم يحصل الشر، والأذى.

إذن ليس في الكون مساحة للشر، لأن الكون كله طاقات، وكل طاقة هي وجود، وكل وجود هو خير وجمال، إنما الشر والقبح دائما يحصل بواسطة أمر عدمي، نتيجة عدم التناسق، وعدم التلاؤم بين الأشياء يحصل ما نسميه شرا، أو ما نسميه قبحا، وإلا فالكون كله جمال وحسن وعطاء، كما تكلم عنه القرآن الكريم ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ خلق الرحمن خلق كله عطاء وكله جمال ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ.

المحور الثاني: جلال وجمال الله

الله تبارك وتعالى له جلال وله جمال، له صفات جمالية، وله صفات جلالية، ونحن نقرأ في الأدعية المباركة «اللهم إني أسألك من جمالك بأجمله، وكل جمالك جميل، اللهم إني أسألك بجمالك كله، اللهم إني أسألك من جلالك بأجله، وكل جلالك جليل، اللهم إني أسألك بجلالك كله» له صفات جمالية، وله صفات جلالية.

هناك في بعض الأدعية «يا جميلا في جلاله، ويا جليلا في جماله» جماله عين جلاله، وجلاله عين جماله، كيف يتحد الجمال والجلال بالنسبة لله تبارك وتعالى؟

عندما نقول لله جمال وجلال، كل صفة تعبر عن الحياة فهي صفة جميلة، القدرة تعبر عن الحياة، إذن هي جمال، العلم يعبر عن الحياة، إذن هو جمال، الخالقية والرازقية تعبر عن الحياة، إذن هي جمال، أي صفة لله تعبر عن الحياة، وتحكي عن الوجود فهي صفة جمال، حياته، علمه، قدرته، كل ذلك صفات جمال.

وأما صفات الجلال، فكل صفة تعبر عن النزاهة، النزاهة عن النقص تسمى صفة جلال، ليس بجسم، هذه صفة جلال، لأنها تنزهه عن النقص، الجسم نقص، ليس بجسم، ليس بمحدود، ليس تبارك وتعالى بمركب، ليس له شريك، ليس له ند، كل هذه الصفات التي نعبر عنها بالصفات الليسية، كل هذه الصفات التي تحكي نزاهته ورفعته عن النقص وعن الأدران المادية يعبر عنها بصفات الجلال، فهناك صفات جمال، وصفات جلال.

كيف يكون جماله في جلاله، وجلاله في جماله، كيف يتحد الجمال والجلال في ذاته المقدسة تبارك وتعالى؟

مثلا: الشمس المشرقة المضيئة التي نراها، جمالها في جلالها، وجلالها في جمالها، جمال الشمس بنورها، بشعاعها المضيء، وجلالها بأنها امتلكت من النور المادي أقوى درجة، وأقوى مرتبة، إذن الشمس لها جمال وهو نورها، ولها جلال وهو أنها ملكت من النور أعلى مرتبة، وأعلى درجة، فليس فوقها درجة من درجات النور المادي، لذلك جمال الشمس في جلالها، وجلالها في جمالها، جلالها وهو أن نورها لا مثيل له، هو في جمالها - أي نورها - وجمالها في هذه الصفة التي امتلكتها وهي أن نورها لا مثيل له، ولا نظير له.

كذلك الله تبارك وتعالى، جماله في جلاله، جلاله في جماله، مثلا: القدرة صفة جمالية، إذا لاحظنا القدرة من ناحية إيجابية نعتبرها صفة جمال، وإذا لاحظنا القدرة من ناحية سلبية، هو قادر بمعنى أنه ليس لقدرته حد، وليس لقدرته أمد، صارت القدرة صفة جلالية، هذه القدرة مظهر لجماله إذا لاحظناها بناحية إيجابية، وعبرنا عنها بعبارة إيجابية، وهذه القدرة عينها هي مظهر لجلاله إذا عبرنا عنها بصفة سلبية، قلنا ليس لقدرته حد، وليس لقدرته أمد، إذن قدرته جمال وجلال.

أيضا حياته، عندما نعبر عن الحياة بعبارة إيجابية، نقول الله حي، هذه صفة جمالية، أما عندما نعبر عنها بصفة سلبية فنقول حياته لا يحدها موت، ولا يحدها عدم، أصبحت حياته صفة جلالية، جلاله في جماله، وجماله في جلاله تبارك وتعالى.

المحور الثالث:

ورد في الحديث القدسي: «كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لكي أعرف» الله ما خلق الخلق وهو محتاج لهم، الله لو لم يخلق الخلق لم يرد عليه نقص أبدا، ولم تطرأ عليه حاجة، لم يخلق الخلق كله عن حاجة أبدا، ولم يخلق الخلق عن غاية ترجع إلى شخصه، وترجع إلى ذاته.

إذن الله تبارك وتعالى هدفه وغايته من هذا الخلق، هو التفضل على هذا الخلق بمعرفته، هو أراد أن يتفضل علينا بمعرفته فخلقنا، خلقنا لأننا إذا خلقنا تعرفنا عليه، وإذا تعرفنا عليه بلغنا درجات الكمال، لأن الكمال في معرفته «كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق تفضلا وامتنانا لكي يتعرفوا علي، فإن كمالهم في معرفتي، فخلقت الخلق لكي أعرف» ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ.

كيف يمكن التعرف على الله عز وجل؟

الله تبارك وتعالى عندما خلق الخلق، أيضا ابتدع مظاهر لجماله ولجلاله، هناك مظاهر أبدعها الله لجماله وجلاله إذا قرأناها وتأملناها بلغنا الكمال بالتعرف على جماله وجلاله وتبارك وتعالى.

الشمس المضيئة مظهر لجمال الله وجلاله، هناك مظاهر لجماله وجلاله ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِيخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ومن مظاهر جماله وجلاله محمد وآل محمد «ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة، ولا فلكا يسري، ولا بحرا يجري، إلا لأجل هؤلاء الخمسة» أنا خلقت هذا الكون لأجل أن يكون مظهرا لجمالي وجلالي، ولما أن أبرز مظهر لجمالي وجلالي هم هؤلاء الخمسة، إذن ما خلقت هذا الكون كله إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء، قيل: ومن تحت الكساء؟ قال: «هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها» أهل البيت مظهر له، ولذلك تقرأ في الزيارة الجامعة «السلام على محال معرفة الله» لا يمكن معرفة الله إلا عن طريقهم، هم محال معرفته، لأنهم مظاهر جماله وجلاله «السلام على محال معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله»

من أهل البيت الذين هم مظهر لجماله ولجلاله القدسيين الإمام الحسن الزكي وهنا نركز على ثلاث سمات من سمات شخصية الحسن الزكي التي هي مظهر لجمال الله ولجلاله تبارك وتعالى:

الصفة الأولى: القيومية

نحن نقرأ أنه من صفات الله أنه قيوم ﴿لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ما معنى القيوم؟

القيومية بمعنى السيطرة، بمعنى الحكومة، السيطرة والحكومة ونفوذ الأمر في هذا الوجود كله هو قيوميته تبارك وتعالى ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ قيوميته يعني سيطرة أمره ونفوذ حكمه.

كل إنسان يسيطر على أعصابه فهو يحمل صفة من صفات الله، ألا وهي صفة القيومية، الإنسان الذي يمتلك سيطرة على انفعالاته، وعواطفه، ومشاعره، من كان عقله حاكما على انفعالاته، من كانت إرادته هي المسيطرة على قواه، على انفعالاته، على عواطفه ومشاعره، فهذا الإنسان يحمل صفة القيومية، الإنسان المسيطر على مشاعره وانفعالاته إنسان قيوم، يعني قائم على جميع انفعالاته، وحركاته، وسكناته.

كان الإمام الحسن الزكي مظهرا لحكومة الإرادة، ومظهرا لسيطرة العقل، ومظهرا للقيومية، فهو مظهر لجمال الله وجلاله، الإمام الحسن الزكي كان يمشي، فلحقه رجل شامي، قال: من هذا؟ قالوا: هذا الحسن ابن علي ابن أبي طالب، لحقه الرجل الشامي وشتمه وشتم أباه أمير المؤمنين لإلى أن انتهى من سبابه وشتمه، التفت الإمام الحسن الزكي إليه، قال: يا هذا، أظنك غريبا، ولعلك اشتبهت فينا، فإن كنت طريدا آويناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عطشا أرويناك، فهلا حولت رحلك إلينا، ونزلت ضيفا علينا، فإن لنا منزلا رحبا، وجاها عريضا، ومالا وفيرا، فما تمالك الشامي حتى انكب عليه يقبله، وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته فيكم أهل بيت النبوة.

الصفة الثانية: عطاؤه

العطاء صفة لله، الله هو مصدر الفيض، كما يعبر العلماء الفيض الأقدس والمقدس، الله هو الفياض، هو مصدر الفيض والعطاء، فأي إنسان يحمل صفة الكرم والعطاء، فهو قد حمل صفة من صفات الله تبارك وتعالى، ورد عن النبي محمد : ”تخلقوا بأخلاق الله“ ومن أبرز صفات الله صفة الكرم، صفة العطاء، صفة الجود، الذي لا يبالي بمال، ولا يبالي بجهد، ولا يبالي بعطاء، لأن طبعه الكرم، طبعه العطاء، هذا يحمل صفة من صفات الله، هذا مظهر لجمال الله تبارك وتعالى.

وهكذا كان الإمام الحسن الزكي، كريم أهل البيت، لأنه مثل الذروة في العطاء والجود، تعرفون أن زمان الحسن كان زمان بؤس وفقر خصوصا على شيعة آل محمد، الأمويون حاربوا شيعة أمير المؤمنين، وقطعوا أرزاقهم، كما ورد عن الإمام الباقر : ”لما قتل جدي أمير المؤمنين، غار معاوية على بيوت شيعتنا في الكوفة، فنهب دورهم، وأحرق منازلهم، وهدم عليهم دورهم، وقطع أرزاقهم“ إذن كان الزمان زمان بؤس، وفقر، واضطهاد، وهنا جاءت رسالة الأئمة الطاهرين كالحسن الذي أفاض جوده وعطاءه على المسلمين المضطهدين المحرومين في زمان الظلم الأموي آنذاك، فكان يعطي من دون أن يبالي بالعطاء.

جاءه رجل فطرق بابه، قال:

لم يخب الآن من رجاك ومن
أنت    جواد   وأنت   iiمعتمد
لولا  الذي  كان  من iiأوائلكم

 
حرك  من  دون بابك iiالحلقة
أبوك  قد  كان  قاتل iiالفسقة
كانت  علينا السماء iiمنطبقة

فأخرج إليه صرة الدراهم والدنانير من وراء الباب، قال: إنني أستحي أن أرى ذل السؤال على وجهه، فأخرجها من وراء الباب وقال:

خذها    فإني   إليك   iiمعتذر
لو كان في سيرنا الغداة عصا
لكن  ريب  الزمان  ذو  iiغير

 
واعلم  بأني  عليك ذو iiشفقة
أمست  سمانا  عليك iiمندفقة
والكف   مني   قليلة   النفقة

أقبل إليه أحد شيوخ العشائر، قبل أن يتكلم قال الإمام الحسن: أعطوه ما في الخزانة، قال: سيدي هلا انتظرت مسألتي وعرفت حاجتي، قال:

نحن   أناس   نوالنا   iiخضل
تجود   قبل   السؤال   أنفسنا
لو  علم  البحر  فضل  iiنائلنا

 
يرتع   فيه   الرجاء   iiوالأمل
خوفا على ماء وجه من يسل
لغاض  من  بعد فيضه iiخجل

الصفة الثالثة: إظهاره للمملوكية

كما يقول علماء العرفان: العبودية هي إظهار المملوكية، من أظهر أنه مملوك لله، فهو الذي عبد الله حق عبادته.

الإمام الحسن كان يظهر مملوكيته، وبإظهاره للمملوكية أظهر المالكية، من أظهر مملوكيته لربه، أظهر مالكية ربه، إذن إظهار المملوكية مظهر لجمال الله، لأنه مظهر لمالكية الله تبارك وتعالى.

الإمام الحسن الزكي إذا توضأ ارتعدت فرائصه، واصفر لونه، وإذا وقف على باب المسجد، وقف وقفة الخاشع الذليل وهو يقول: إلهي مسكينك ببابك، أسيرك بفنائك، يا محسن قد أتاك المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، يا محسن تجاوز عن قبيح ما عندي، بجميل ما عندك يا كريم، وقيل له: ما الذي يعتريك إذا توضأت، قال: أتدرون أنني أقف بين يدي من؟ إني أقف بين يدي جبار الجبابرة، وملك الملوك، وكان قد حج 25 حجة من المدينة إلى مكة ماشيا على قدميه، والنجائب تقاد بين يديه، وهو يقول: أستحي أن أركب الراحلة وأنا أسير لربي تبارك وتعالى، فحتى أعداؤه إذا رأوه ينزلون، سعد ابن أبي وقاص كان إذا رأى الحسن يمشي على الأرض، نزل من على راحلته، وصار يمشي بمشيته.

إذن هذا المظهر وهو مظهر العبودية، وإبراز المملوكية، أيضا مظهر لجمال الله، لأنه مظهر لمالكية الله تبارك وتعالى، أهل البيت مظهر لجماله، ومظهر لجلاله.

المحور الرابع: كيف نتناول سيرة أهل البيت؟

مثلا معركة كربلاء، كيف نتناول معركة كربلاء؟

كثير منا يتناول الجانب المأساوي في معركة كربلاء، كربلاء مأساة وفاجعة، لكن التركيز على جانبها المأساوي فقط وفقط، يقضي على هذه المدرسة العظيمة، كربلاء مدرسة حافلة بالجمال والعطاء، كربلاء كما أن لها جانب مأساوي، فلها جانب مشرق بالجمال والجلال.

جماليات كربلاء تستحق التركيز والتأمل والتبصر، فهي لا تقل عن جانبها المأساوي، الحسين ابن علي كما كان يظهر المأساة، كان يظهر الجهة الجمالية في قصة كربلاء، الحسين ابن علي الذي بكى على ولده علي الأكبر، وبكى على أخيه أبي الفضل، وانحنى ظهره، وأبرز الجانب المأساوي في كربلاء، الحسين نفسه عندما صعد الشمر على صدره ابتسم في وجه الشمر، وما كانت ابتسامته إلا مظهرا جماليا من جمال كربلاء، أراد الحسين أن يقول لقاتله حتى آخر لحظة أنه يعيش اطمئنانا وهدوء، ليس قلقا ولا جزعا، وإن كان الموت أمامه ونصب عينيه، لكنه ليس جزع، وليس قلق، وليس خائف من ملاقاة الموت، هو يلقى الموت باطمئنان، بهدوء، برضى وتسليم ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً الحسين يبتسم في وقت مصرعه ليجمع لنا بين الجمال والجلال في قصة كربلاء، الحسين الذي بكى على ولده، وبكى على ابن أخيه، بكى على أعدائه، بكى على القوم الذين قاتلوه يوم عاشوراء، وقالوا ما يبكيك يا أبا عبدالله وأنت سيد شباب أهل الجنة، قال: أبكي على هؤلاء القوم، يدخلون النار بسبب قتلي، أراد أن يبرز رحمته وحنانه وعطفه، حتى على أعدائه، حتى على المناوئين له، وهذا مظهر جمالي من المظاهر الجمالية لقصة كربلاء، ومدرسة كربلاء.

إذن الحسين جمع بين الجانب المأساوي وبين الجانب الجمالي، بل نفس المأساة هي جميلة، مأساة الحسين هي جميلة، نفس المأساة إذا قرأتها وجدت مظهرا جماليا، المأساة كما أنها فاجعة، هي مظهر جمالي من مظاهر جمال أهل البيت .

كيف تتحول المأساة أو الفاجعة إلى مظهر جمالي، لأمر جميل لأهل البيت ؟

كثرة المصائب التي وردت على العقيلة زينب هي مظهر مأساوي، ولكنها في نفس الوقت مظهر لصبرها وقوة إرادتها وصمودها، إذن مأساتها لها صفة جمالية، مأساة زينب مظهر لفاجعتها، ومظهر لصبرها وقوة إرادتها وتحديها هذه المأساة أيضا لها سمة جمالية برزت وتحققت يوم كربلاء.

الحسين عندما ينحني ويبكي على ولده علي الأكبر، هذا البكاء مظهر حزين، مظهر مأساوي، لكنه أيضا مظهر جميل لأنه يعكس حنان الأبوة، ومدى عمق النبل والعطف الإنساني الذي تجسد في الحسين .

هذه المأساة كما هي حافلة بالحزن، فإنها حافلة بلوحات الجمال، ولوحات الحسن، لذلك نرى العقيلة زينب لم تعبر عن المصيبة بالحزن، وإنما عبرت عن المأساة بالجمال، زينب قرأت المأساة أنها جمال، قرأت المصيبة أنها جمال، ولم تقرأ المصيبة أنها حزن وأسى، بل عبرت عنها بعبارات الجمال، بعبارات الجلال، العقيلة زينب وقفت على جسد أخيها الحسين، ومدت يديها من تحت الجسد وما ولولت ولا أعولت، ولكن قالت: اللهم تقبل منا هذا القربان، حولت المأساة إلى صفة جمال، حولت الفاجعة إلى تسليم وارتباط وثيق بالله تبارك وتعالى.

هذه المرأة البطلة العظيمة التي صبغت كربلاء بصبغة الجمال، بصبغة الجلال، هذه المرأة البطلة لما دخلت على عبيد الله ابن زياد، فقال لها متبخترا: كيف رأيت صنع الله بأخيك، والعتاة المردة من أهل بيتك، قالت: «ما رأيت إلا جميلا» نحن نعتبر المأساة نعمة أنعم الله بها علينا، لأنه ابتلانا بما لم يبتلي به غيرنا «ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ».