الدرس 128

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في ما إذا صلّى بالنجس جاهلًا بالموضوع، وقلنا بأنّ في المسألة أقوالًا ثلاثة، ووصل الكلام إلى القول الثاني وهو التفصيل بين الالتفات إلى النّجاسة أثناء الوقت، فوظيفته الإعادة، وبين الالتفات إليها بعد خروج الوقت فلا قضاء عليه. وذكرنا أنّ المستنَد في هذا القول يبتني على وجود روايتين دلّتا على وجوب الإعادة إذا عَلِم بالنجاسة، وهما صحيحة وهب بن عبد ربه وموثّقة أبي بصير. والملاحظ أنّ سيدنا «قده» ذكر وكذلك سيد المستمسك ذكر مع أن هاتين الصحيحتين معارضتان لمصحَّح عبد الرحمن، حيث إن مصحّح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد. وهاتان الصحيحتان قالتا يعيد إذا لم يكن علم، فعليه إعادة الصلاة إذا علم، ونتيجة التعارض بين الطرفين ذكر سيدنا عين ما ذكره سيد المستمسك «قده» بأن الصحيح حمل الروايتين الدالتين على لزوم الإعادة على استحباب الإعادة في الوقت، والحكم بعدم وجوبها لا في الوقت ولا في خارجه باعتبار أن مصحّح عبد الرحمن صحيح في عدم الإعادة حيث قال «لا يعيد»، بينما هاتان الصحيحتان ظاهرتان في وجوب الإعادة، فبمقتضى حمل الظاهر على الأظهر حمل هاتين الصحيحتين على الاستحباب، هذا ما أفاده سيدنا «قده» ص 327 من الجزء الثالث، وهو أيضًا ما أشار إليه سيد المستمسك «قده» في الجزء الأول ص 531. ويلاحظ على ما أُفيد،

أولًا: بأن السيدين «قدهما» جريا على نسخة الوسائل، والموجود في نسخة الوسائل هو «يعيد» في صحيح وهب بن عبد ربه، فإنه قال في الصحيحة: في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبُه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ذلك، قال: يعيد إذا لم يكن علم. وظاهر كلام صاحب الوسائل أنه كذلك، ولذلك وجّه الرواية، حيث إنّ الرواية معارضة للروايات السابقة القائلة «لا يعيد»، وكذلك قام بتوجيه موثقة أبي بصير التي بعدها، والحمل على الاستحباب الذي ذكره السيدان ذكره صاحب الوسائل نفسه، مما يعني أن النسخة التي وجدها صاحب الوسائل واعتمد عليها هي أيضًا نسخة «يعيد». بينما صاحب الوسائل نفسه ينقل الرواية عن التهذيب والاستبصار أي عن الشيخ، والموجود في التهذيب والاستبصار بحسب النسخ المطبوعة وبحسب ما أشار إليه المحقق في التهذيب والاستبصار هو «لا يعيد»، أي أن صحيحة وهب بن عبد ربه «قال لا يعيد إذا لم يكن علم» الذي هو موافق للروايات الأخرى، فلذلك لا تنافيَ أصلًا بين صحيحة وهب بن عبد ربه والروايات الأخرى، لأن منطوقها «لا يعيد» وهذا ما ذكره الشيخ في تهذيبه واستبصاره معًا بحسب النسخ المطبوعة، ويظهر أنّه كذلك في النسخ الخطّية لأنّ المحقق لم يشِرْ إلى اختلاف النسخ عمّا هو موجود في النسخة المطبوعة. وبالتالي، حيث لم نحرز ما هو اللفظ الصادر عن الراوي المباشر عن الإمام هل هو «يعيد» أو «لا يعيد» نتيجة تعارض نقل التهذيب والاستبصار المطبوع مع نقل صاحب الوسائل عنهما، فلم يُحرز ما هو اللفظ الصادر، فلا تنهض الرواية للمعارضة حتى نتكلّف الجمع بين الطائفتين. ولكن مقتضى توجيه الشيخ نفسه في التهذيب والاستبصار لصحيحة وهب بن عبد ربه بأنها لا تنافي الأخبار السابقة لأن المنظور فيها فرْض ما إذا علم قبل الشروع في صلاته، بينما الأخبار الأخرى المنظور فيها فرْض ما إذا علم بعد الفراغ من صلاته، فإن نفس هذا التوجيه كاشفٌ عن أنّ ما وصل للشيخ هو بدون حرف النفي وهو قوله «يعيد»، وبالتالي فهذا هو أحد مناشئ رواية صاحب الوسائل لها من دون حرف النفي المذكور في النسخ المطبوعة.

وثانيًا: على فرْض التسليم بأن ما هو وارد هو عنوان «يعيد»، فقد ذكرنا مرارًا - وهو بحسب مسلكنا «قده» - أن هذا اللسان ظاهر في الإرشاد لا في الحكم المولويّ، فقوله «يعيد» ظاهر في الإرشاد للفساد، وقوله «لا يعيد» ظاهرٌ في الإرشاد للصحة، ومع كونهما بحسب اللسان إرشادًا، فمقتضى ذلك استقرار التعارض، لأن الحمل على الاستحباب فرعُ كون اللسان لسان الحكم المولويّ، حينئذٍ يصح الحمل على الاستحباب، وأما إذا كان اللسان لسان الإرشاد فالحمل على الاستحباب غير عرفيّ، فما ذكره السيدان تخلُّصًا من هذا الإشكال وهو إشكال التعارض بين الطائفتين من الروايات من الحمل على الاستحباب غير تامّ. إذًا فنحن لو كنا وهاتين الطائفتين، الطائفة الدّالّة على أنّ من صلّى في النجاسة جهلًا ولم يلتفت إلا بعد الفراغ من صلاته فإن صلاته صحيحة، والطائفة الدّالّة على فساد صلاته، فإنّنا بحسب مبانينا نرجِّح الطائفة الأولى بلحاظ شُهرةِ العمل بها، حيث إنّ المشهور لم يعملْ بهاتين الروايتين، بل يظهر من كلام الشيخ وتوجيهه لهما أنه لا يمكن العمل بهما في حدِّ أنفسهما. إذًا مقتضى عمل المشهور بالطائفة الدّالّة على الصّحة هو سقوط هذه الطائفة عن الحجّية، باعتبار أنه وإن كان موضوع الحجية خبر الثّقات، إلّا أنّه إنّما يكون الثقة حجة ما لم تقُم إمارة عقلائية على خلافه، وعمل المشهور بغيره أو عدم عمل المشهور به مع صحّته ووضوح دلالته يكون إمارةً عقلائيةً على الخلاف، فموضوع الحجّية غير متحقّقٍ في هذه الطائفة الثانية، وبالتالي لا حاجة لتوجيه أو رفع هذا التعارض بين الطائفتين.

القول الثالث: التفصيل بين من شكّ في طهارة ثوبه أو بدنه ولم يفحص، ثم انكشفت النّجاسة بعد الصلاة، وبين من فحص ثم انكشفت، فمن فحص عن النجاسة فلم يجدها فصلّى ثم وجدها فصلاته صحيحه، ومن لم يفحص مع شكّه فيها ثم وجدها بعد صلاته فصلاته فاسدة. وقد استُند في هذا القول لجملة من الأخبار، منها صحيحة زرارة المتقدمة «فإن ظننتُ أنه قد أصاب ولم أتيقّن بذلك فنظرتُ فلم أرَ شيئًا ثم صليتُ فرأيتُ فيه، قال: تغسله ولا تعيد الصلاة؟ قلتُ: لم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت، فليس ينبغي لك أن تنقضَ اليقين بالشّكّ أبدًا». وقد ادُّعي ظهورها في أنّ الحكم بصحة الصلاة منوط بالفحص، ولكنّ سيدنا «قده» أشكل على الاستدلال كما في ص 328 من الجزء الثالث،

الإشكال الأول، قال: بأنّ التعليق لو كان في جواب الإمام ، بأن قال «تغسله ولا تعيد لأنك فحصت»، أو «تغسله ولا تعيد إن فحصت»، فحينئذٍ يتم هذا الاستدلال، أمّا أنّ الفحص ذكر في كلام السائل «قال: فنظرت فلم أرَ شيئًا فصلّيتُ فرأيتُ، قال: تغسله ولا تعيد»، فإنّ غاية ما يُستفاد من جواب الإمام أنّ الحكم في هذا الفرض هو الصحّة، لا أنّ الحكم هو الفساد إذا لم يتحقّق هذا الفحص، فغاية ما يُستفاد من الجواب في فرض معين حُكم الفرض لا انتفاء الصحة في فرض آخر لعدم التعليق في جواب الإمام .

وثانيًا: قال: إنّ الصحيحة صريحة في عدم وجوب الفحص، حيث قال: «فهل عليّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ فقال : لا، ولكنّك إنّما تريد أن تُذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»، أي ليس الأمر بالفحص أمرًا شرعيًّا، وإنما هو مجرّد إرشاد لتحصيل الاطمئنان، أي إذا أردت أن تطمئن بعدم نجاسة ثوبك فعليك بالفحص، لا أنّ الأمر بالفحص أمرٌ شرعي. وظاهر قوله «فهل عليّ إن شككتُ في أنّه أصاب» النظر للحكم الوضعيّ وليس التكليفيّ، حيث إنّ بعض الكتب ناقش في ذلك وقال لا يُستفاد من الرواية عدم دخالة الفحص في صحّة الصلاة، بل غاية ما يُستفاد عدم وجوبه تكليفًا، أي أنّ زرارة يسأل الإمام هل يجب عليّ تكليفًا الفحص؟ الإمام قال الفحص تكليفًا ليس بواجب، أمّا لو لم تفحص وصلّيت ثم تبيّن أنّك صلّيت في النجس فإنّ صلاتك فاسدة، فلا منافاة بين عدم وجوب الفحص تكليفًا وفساد الصلاة لو صلّى من دون فحص. ولكنّ ظاهر سؤال زرارة أنه يسأل عمّا هو دخيل في صحة صلاته وما ليس دخيلًا، «فهل عليّ إنْ شككت» يعني هل يشترط في صحة الصلاة في الثوب المشكوك من حيث الطهارة أن أفحص، فقال الإمام لا، فهذا هو الظاهر من سياق سؤال زرارة، ولذلك قال سيدنا بأن هذه الفقرة ظاهرةٌ في عدم دخالة الفحص في الصحة.

الوجه الثالث: قال سيدنا: إن الإمام علّل عدمَ الإعادة بالاستصحاب ولم يعلّله بالفحص، وتعليل عدم الإعادة بالاستصحاب ظاهرٌ في أنّ الفحص لا دخل له في الصحة. ثم قال: وحيث علّل عدم الإعادة بالاستصحاب كان مرجعه إلى أنّ شرط صحة الصلاة أعمُّ من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة وهو متحقّق في مورد السؤال، أي أن من استصحب الطاهرة هو واجد للشرط واقعًا، لأن الطهارة المعتبرة في الصلاة أعمّ من الطهارة الواقعيّة والظاهرية، فاستصحاب الطهارة محققٌ للشرط الواقعي لصحة الصلاة، فهل هذا الكلام تام وينسجم مع سياق الرواية أم لا؟

والحمد لله رب العالمين