الخطيب البصارى وَالوجاهة

في أربعين البصارى سماحة السيد: الخطيب البصارى وَالوجاهة

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله وَالصلاة على المصطفى وَآله المصعومين

ورد في زيارة عاشوراء العظيمة «اَللّهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ»، وَنتسائل ماهي الوجاهة المطلوبة هنا؟

وَالجواب أن الوجاهة مأخوذةٌ لغةً من الوجه، وَالوجه له ثلاث صفات:

1. أنه قوام الإنسان لإنه بالوجه يتميز كل إنسان عن غيره، قال تعالى ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ.

2. وَأنه الحاكي عن شخصية الإنسان وَخواطره، كما قال أمير المؤمنين : «ما أضمر أحد في قلبه شيئاً إلا ظهر على قسمات وجهه، أو فلتات لسانه».

3. وَأنه هو الذي يقصد ويتوجه إليه إذ لا يمكن التعامل مع أي شخص إلا عن طريق وجهه، قال تعالى ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا.

وّهذا يعني أن الوجاهة هي المعزة التي لها ثلاث سمات:

1. حيث أن الوجيه هو قوام مجتمعه فكيان أمته وَرفعتهم به لأنه الوجه لهم أمام الآخرين فكلما كانت له قدرات متميزة كان ذلك بروزاً لمجتمعه وَليس له وحده.

2. وَأن الوجيه هواللسان الحاكي عن واقع مجتمعه هابطاً أو شامخاً لأن الوجيه وجه أمته، وَالوجه معبر عما في النفوس.

3. كما أن الوجيه هوالذي يُقصد ويُتوجه إليه من قبل مجتمعه لحمايته وصيانته، فإنه هوالمتحمّل لعبئ المسؤولية، هذا مايرتبط بتحديد الوجاهة.

وَهنا جهة أخرى وهي أن الوجاهة قد تكون اعتبارية وهمية، كالوجاهة الناشئة من الثروة أو العائلة أو التزلف للحاكمين، وَقد تكون حقيقية وَهي ماكانت ناشئة عن علم وَمعرفة أو تفاني في خدمة المجتمع.

وَمن هنا نقول أن المراد في فقرة الزيارة هو الوجاهة الحقيقية لأن الداعي يطلب وجاهة بالحسين لا وجاهة بالمال أوغيره، وَالوجاهة الحسينية الحقة ليست لقباً وَلاشهرةً وَلا منصباً، وَإنما هي صورة مستقاة من وجاهة الحسين نفسه.

وَوجاهة الحسين هي عبارة عن الإمتداد الروحي في القلوب وَالعقول في الدنيا التي عبر عنها الإمام الصادق «إن لجدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا» وَوجاهته في الآخرة هي شفاعته.

فكل واحد منا عندما يقرأ الزيارة ويدعوا بهذا الدعاء «اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ» فإنه يقصد أن يعطيه الله رشحة من وجاهة الحسين وَهي محبة القلوب في الدنيا وَالشفاعة للخلق في الآخرة.

وَهكذا كان الشيخ عبد الرسول البصارى وجيهاً بالحسين في مجتمعه، لما تتمتع به مكانته من معزة في القلوب وَسيطرة منبره وَلسانه وَنعيه على العقول وَالمشاعر، وَكل هذا التوفيق لم يحصل له جزافاً بل لأنه كان منصهراً بالحسين في سلوكه وَفي أطروحاته وَخطابته.

وَكان إذا استمعت إليه وَهو يتلوا فاجعة كربلاء تشعر أن الحزن يغلي في قلبه، وَأن الحسين متغلغل في أعماقه فكلماته تنبعث من القلب وَتخترق القلوب لا من شفتيه فقط كما الحال في بعض أهل المنبر.

وَلذلك كان جديراً بأن يكون مصداقا حياً للوجيه الذي هو امتداد لوجاهة الحسين رزقنا الله جميعاً فيضاً من وجاهة الحسين في الدنيا وَالآخرة وَحشرنا في زمرته وَأهل شفاعته..

وَالحمدلله رب العالمين