الدرس 140

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: انه قد استدل على التفصيل بين داخل الوقت وخارجه برواية علي ابن نزار قال: كتب اليه سليمان ابن رشيد يخبره: انه لا يفي ظلمة الليل وأنه اصاب كفه برد نقطة من البول وانه مسحه بخرقه ثم نسي ان يغسله ثم تمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلّى، فقال الإمام بعد ذلك: «فإن حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات اللواتي صليتهم بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها وما فات وقتها فلا اعادة عليك» من قبل ان الرجل اذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقتٍ.

وذكرنا: انه اشكل على الاستدلال بالرواية: بانها مشتملة على ما هو خلاف المعروف من منجزية المتنجس، وانه يشترط في صحة الوضوء طهارة الاعضاء. وقلنا: بانه أجيب عن هذا الاشكال بوجوه، مضى الإشكال في جوابي السيد الخوئي والسيد الشهيد «قدس سرهما».

الجواب الثالث: ما ذكره سيدنا «قده»: «ج3، ص348»: حيث قال: ان اجمال جملة من جملات الرواية واضطراب بعضها من حيث الدلالة لا يكاد يسري الى جمالتها الصريحة بوجه، فالقاعدة ان يؤخذ بصريحها ويطرح مجمالتها ومتشابهاتها، وقوله : «لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت» ليس فيه اجمال او اضطراب، فلا اجمال في دلالته. ومقتضى كلامه: التبعيض في الحجية. اي أن هذه الرواية قد اشتملت على فقرتين: فقرة: ان كفه مع تنجسها لم تنجس الماء الملاقي لها، وان كفه مع تنجسها والوضوء فيها مع ذلك صح الوضوء مع ان الكف متنجسة، فهذه الفقرة المتشملة على هذين الحكمين ساقطة عن الحجية لمخالفتها لما هو المعروف بين الإمامية، او معارضتها للنصوص الدالة على اشتراط طهارة الاعضاء في صحة الوضوء وعلى منجسية المتنجس.

واما قوله في الفقرة الثانية وهو: «من صلى في الثوب النجس نسيانا لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت» فهذه الفقرة تامة الدلالة، ومقتضى ظهورها حجيتها، فلأجل ذلك: نلتزم بالتبعيض في الحجية. وبناء على هذا: تكون هذه الرواية تامة الدلالة على من صلى في الثوب النجس لا يعيد الصلاة ان ذكر بعد خروج الوقت، ويعيدها ان كان في الوقت. فمجرد سقوط بعض فقراتها عن الحجية لا يوجب سقوط جميع فقراتها عن الحجية، وما ذكره متين. فلاجل ذلك يصح التفصيل اذا تم سند هذه الرواية. فالكلام في سندها.

وقد ذكر سيدنا «قده» الاشكال على سندنا: «ج3، ص229»، قال: الصحيح ان الرواية مضمرة، لان علي ابن مهزيار قال: «كتب الي سليمان ابن رشيد يخبره» ولم يبين من الذي كتب اليه، فلعله امام من ائمة العامة مثلا، ولا اعتبار بالمضمرات الا اذا ظهر من حال السائل اي عرف عنه انه لا يسال غير الامام كما في زرارة ومحمد ابن مسلم وهكذا علي ابن مهزيار.

لكن الكاتب فيما نحن فيه ليس هو علي بن مهزيار وانما سليمان ابن رشيد، ولم يثبت انه مما لا يسأل غير الامام بل لانعرفه ولا ندري ما هو. ولعله من اكابر اهل السنة، وقد سأل المسالة عن احد المفتين في احد مذهبه او احد فقهاء العامة وعلي ابن مهزيار كان في معرض نقل هذه الرواية في العامة، ان سليمان ابن رشيد وهو من اكابركم قد سال من هذه المسالة من احد فقهائكم فأجابه بكذا. وغاية ما هناك: ان علي ابن مهزيار ظن انه سأل الامام - يعني لو اصررتم ان ظاهر المسئول هو الامام، فغايته ان علي مهزيار ظن ان المسئول هو الامام فاطمئمن -، الا ان ظنه واطمئنانه غير مفيد، كما لعله ظاهر. فتسقط الرواية بذلك عن الحجية.

وقال في صفحة «349»: تأكيد على الاشكال نفسه: نعم، الرواية مخدوشة السند حيث لم يظهر انه من هو ولعله قاض من قضاء الجمهور، ومثله إنما ينقل عن ائمة مذهبه لا عن أئمتنا فلم يثبت ان الرواية منقولة عنه، ومعه كيف يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال؟!.

ويلاحظ على ما افاده سيدنا «قده»: بالنقض والحل:

اما النقض: فلما ذكره «قده»: في «ج21، باب الصوم، ص465»: حيث اورد رواية لعلي ابن مهزيار نقلا عن الكافي والتهذيبين، وهذه الرواية المنقولة في باب الصوم عن الكافي والتهذيبين، هي:

علي ابن مهزيار، قال: «كتب بندر مولى ادريس: يا سيدي نذرت ان اصوم كل يوم سبت، فان انا لم اصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب اليه وقرأته: لا تتركه الا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض الا ان تكون نوية ذلك... الخ».

قال: بأن المحقق في الشرائع في «ج1، ص232»، توقف عن ذلك، ولعله لضعف الرواية في نظره، كما صرح به في المعتبر - ان الرواية ضعيفة صحيحة علي ابن مهزيار -، السيد الخوئي يقول: لماذا توقف عن الرواية؟: اما لان الطريق الى علي ابن مهزيار غير صحيح او لان الواسطة وهو بندر مولى ادريس غير ثقة، او لأن الرواية مضمرة. مناشئ الضعف احد ثلاثة: فان كان منشأ التضعيف: ان الطريق الى علي ابن مهزيار غير صحيح، فهو صحيح بلا كلام، خصوصا بلحاظ الكافي، حيث ان الرواية مروية في الكافي. قال: الكليني، عن ابي علي الاشعري عن محمد ابن عبد الجبار عن علي ابن مهزيار. سند تام فلا موجب للتوقف.

وان كان منشأ التوقف التضعيف، ان الواسطة لا توثيق له، وهو بندر مولى ادريس فهو واضح التهفة، الاعتبار بقراءة ابن مهزيار فالكاتب وان كان مجهولا بل حتى لو كان اكذب البرية فهو غير ضائر لان ابن مهزيار الثقة يخبرنا انه راى الكتاب وقرا جواب الامام بنفسه وهو المعتمد والمستند، وهذا اوضح من ان يخفى على ابسط المحققين كيف المحقق الحلي؟. فلعله اغفل عن ذلك او انه اسرع في النظر، فتخيل ان بندر هو المشكلة.

او ان منشأ تضعيفه هو الاضمار، وهو واضح التهف، اذ لو كان المسئول غير الامام فكيف يرويه ابن مهزيار، - كيف يروي الرواية والمسؤول هو الامام - وهو - ابن مهزيار - من الطبقة العليا من الراوة، فكيف يثبته - اي الرواية -، اصحاب المجامع الحديثية من كتبهم.

فإذن: من خلال هاتين القرينتين وهو ان الناقل ابن مهزيار وان الرواية ذكرها اصحاب المجاميع في كتبهم الحديثي ان الرواية عن الامام .

نحن نطبق كل ما قاله على محل الكلام:

الذي ذكره في «ج3، ص229»، ان الرواية غير حج، لانها مضمرة والثانية ايضا مضمرة: ان سليمان ابن رشيد لا نعرفه ولا ندري،، اذا علي ابن مهزيار هناك - في رواية بندر - قال: «وقرأته» هنا قال: «..... وقرأته بخطه».

واما الحل: فمجموع القرائن يؤدي الى الوثوق بان الرواية عن الامام المعصوم ع: اولا: ان الناقل علي ابن مهزيار وقد اعتمد عليه الاعلام في باب الخمس في قسم المكاتبات التي شهد فيها بانه قرأ بخط الإمام : «باب 8 من ابواب ما يوجب فيه الخمس»: توجد عندنتا عدة روايات لولا شهادة علي ابن مهزيار بانه قرأ المكتوب وأنه خط الإمام لما أفتي بالأحكام، معتمد الاحكام الشرعية هو هذا:

لاحظوا الرواية الاولى: «من الباب 8، من ابواب ما يجب فيه الخمس، ج9، من الوسائل، ص499»، محمد بن الحسن، بأسناده عن سعد ابن عبد الله عن أبي جعفر عن علي ابن مهزيار، عن محمد بن الحسن الاشعري قال: «كتب بعض اصاحبنا، الى ابي جعفر الثاني اخبرني على الخمس، اعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الظروف ومن الضياع، وكيف كذلك؟.. «فكتب بخطه - علي ابن مهزيار يقول - الخمس بعض المؤونة». واعمد الاعلام عليها بأن ابن مهزيار يقول خط الامام .

نحن نقول: في هذه الروايات لولا شهادة ابن مهزيار انه خط الامام اخذتم بها؟ فلماذا تتوقفون في غيره تقولون هذا ظن؟ أما انه شخص خبير بخط الامام فتأخذون بنقله او لا؟ نحن ذاكرين هذه كقرينة من قرائن الوثوق وهو الاعتماد على علي ابن مهزيار.

وقال في الحديث الرابع وعنه: قال: «كتب اليه ابراهيم ابن محمد الهمداني اقرأني علي كتاب ابيك فيما اوجبه على اصحاب الضياع... الى ان قال: وكتبه وقرأه علي ابن مهزيار. فكتب وقرأه علي ابن مهزيار، يعني لولا هذه الكلمة لكان هناك اشكال لان ابراهيم ابن محمد الهمداني محل كلام، فكتب وقرأه علي ابن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله.

الحديث الخامس: عن علي ابن مهزيار، قال: كتب اليه ابو جعفر الثاني «الجواد ع» وقرأت انا كتابه.

فاذن: عدة روايات في باب الخمس ظاهر اعتماد الطائلفة على شهادة علي ابن مهزيار انه قرأ خط الإمام ان علي ابن مهزيار من الطبقة التي يعول على اطمئنانها.

ثانيا: ان اصحاب المجاميع نقلوا هذه الرواية ممن دأبهم انهم لا ينقلون الا روايات اهل البيت، نقلوا هذه الرواية في كتبهم كما نقلوا الروايات الاخرى في كتبهم.

ثالثا: ان راوية علي ابن مهزيار لأي حديث لعامة المؤمنين مع كون المؤمنين انما يعملون بكلام الائمة المعصوين لا بكلام غيرهم. فمقتضى نقل علي ابن مهزيار الرواية للمؤمنين مع التفاته أنهم لا يعملون بغير كلام اهل البيت خلاف الامانة والوثاقة لو كان المجيب غير الامام ، فمقتضى مجموع هذه القرائن: أن يحصل لنا الوثوق والاطمئنان بأن هذه الرواية منقولة عن المعصوم فهي تامة سندا، ومقتضاها صحت التفصيل بين داخل الوقت فيعيد او التذكر خارجه فلا يعيد.

المطلب الاخير: بناء على ان الصلاة في الثوب النجس نسيانا مبطلة فلا فرق بين ان يتذكر النجاسة بعد الصلاة او يتذكر في اثناء الصلاة، واستدل على ذلك سيدنا ق بوجوه ثلاثة:

الوجه الاول: فحوى الاخبار الواردة في الجاهل اذا التلفت الى النجاسة اثناء الصلاة، وهي: موثق ابي بصير: عن ابي عبد الله : في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به، قال: عليه ان يبتدا الصلاة. قال: وسألته عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابة او دم؟ حتى فرغ من صلاته؟ قال: مضت صلاته ولا شيء عليه».

فيقول سيدنا «قده»: ان هذه الرواية تقول: ان علم بالنجاسة وهو في الصلاة يعيد صلاته، فمن باب اولى من نسي النجاسة، لان الجاهل مع انه لم يكن يعلم بالنجاسة من الاصل وانما علم بها اثناء الصلاة، اذا بطلت صلاته ووجب عليه الاعادة فمن باب اولى تجب الاعادة على من كان يعلم بالنجاسة قبل الصلاة ولكنه صلى فيها نسيانا.

ومفهوم صحيح زرارة الذي مر علينا: بأنك لا تدري بانه شيخ اوقع عليه. ان ظاهرها: ان المصحح للصلاة ان تكون النجاسة طارئة واما اذا اكتشف ان النجاسة سابقة وليس مما اوقع عليه فان صلاته فاسدة، فاذا كانت الصلاة فاسدة مع الجهل، فمع النسيان من باب أولى.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم: أنه ذكر المني، فشدده، ثم قال: «ان رايت المني قبل او بعد ما تدخل في الصلاة فعليك اعادة الصلاة».

الوجه الثاني: قال: صحيحة ابن سنان: الواردة بخصوص هذا المطلب، وهي: «ان رايت في ثوبك دما وانت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك فاتم صلاتك فان انصرفت فاغسله وان كنت رأيته قبل ان تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد وانت في صلاتك فانصرف فاغسله واعد صلاتك».

فان مقتضى اطلاقها: «وان كنت رأيته قبل ان تصلي فلم تغسله» يعني: فلم تغسله عمدا او نسيانا. ثم رايته بعد وانت في صلاتك فاغسله واعد صلاتك. لكنها مطلقة، ومقتضى تقييدها بصحيحة علي ابن مهزيار هو التفصيل.

الوجه الثالث: قال صحيحة علي ابن جعفر عن اخيه موسى : قال: سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته انه لم يستنج من الخلاء، قال: ينصرف ويستنج ويعيد الصلاة. الا ان هذه الرواية مطلقة من حيث البراز او البول، اي لم تفصل بين ان تكون عدم استنجاءه بعد بول او عدم استنجائه بعد البراز.

ولكن هناك روايات فصلت بينهما وهي:

موثقة سماعة: في «الكافي ج3، ص19»، قال: عن ابي عبد الله ع: «اذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت ونسيت ان تستنجي وذكرت بعدما صليت فعليك الاعادة، فان كنت اهرقت الماء فنسيت ان تغسل ذكرك حتى صليت - اهرقت الماء: اي بلت - فعليك اعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك لان البول ليس مثل البراز.

وتؤيده روايات اخرى: مثلا منها: موثقة عمار ابن موسى، سمعت ابا عبد الله يقول: «لو أن رجلا نسي ان يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة».

والحمد لله رب العالمين