الدرس 142

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في مسألة 278 من العروة، وذكرنا أنّ في هذه المسألة مطالب:

المطلب الأول: من غسل ثوبه المتنجّس وأحرز طهارته، ثم صلى فيه، فتبيّن بقاء النجاسة، فإنّ الظاهر صحّة صلاته، لما مضى من الأدلّة، وقد سبق الكلام في ذلك.

المطلب الثاني: استُدلّ على صحّة صلاة من طهّر ثوبه ثمّ تبيّنت النجاسة بحسنة ميسر، باب 18 من أبواب النجاسات، الحديث 1: «قلت لأبي عبد الله : آمرُ الجارية فتغسل ثوبي من المني، فلا تبالغ في غسله، فأصلّي فيه، فإذًا هو يابس - أي تبيّن أن المني باقٍ -. قال: أعِدْ صلاتك، أما إنّك لو كنت غسلت أنت، لم يكن عليك شيء»، حيث استُدلّ بهذه الفقرة، على أنّه إذا باشر المكلّف عملية التطهير بنفسه، فأحرز الطهارة، صحّت صلاته، وإن تبيّنت النجاسة. ولكن، وقع الكلام في مفاد الرواية من حيث أنّها فصّلت بين كون المباشر للتطهير هو المكلّف، وكون المباشر للتطهير من أمره المكلّف بغسل ثوبه.

فعلى فرض أنّ المباشر بالتطهير هو غير المكلّف، فإنّ الصلاة فاسدة إذا تبيّنت النجاسة، فما هو الوجه في هذا التفصيل؟ فهنا ذكر سيدنا «قده» وجهًا للتفصيل، ص 351، قال: وأمّا الأمر بالإعادة على تقدير أن غسله غيره، فهو في الحقيقة تخصيصٌ للأدلّة المتقدمّة، النافية للإعادة عن الجاهل بموضوع النجاسة، حيث إنّ ظاهر الأدلّة المتقدمة، أنّ من صلى بالنجاسة جاهلًا بها فصلاته صحيحة، وهذا المكلف الذي غسل ثوبه المتنجّس غيره، فأحرز الطهارة بتطهير غيره، صلّى في النجاسة جاهلًا، فمقتضى الأدلة المتقدمة صحة صلاته، لكنّ مفاد هذه الحسنة تخصيص تلك الأدلة، وأنّه: إذا كان الجهل بالنجاسة مستندًا لفعل غيره، فإنّ هذا لا يشمله الإطلاق الدالّ على أنّ من صلى في النجاسة جاهلًا فصلاته صحيحة.

ثمّ عقّب، قال: ومرجعه إلى الردع عن العمل بأصالة الصحة في عمل الغير بحسب البقاء، وبعد انكشاف الخلاف، لا بحسب الحدوث والابتداء، وإلا لم يجُز له الشروع في الصلاة، ولا دلالة في الرواية على عدم جواز الشروع فيها، بل فيها دلالة على الجواز. ومحصّل كلامه أنّ: من أعطى الثوب بيد غيره ليطهّره فطهّره، فإنّ المكلّف قد أجرى أصالة الصحّة في فعل غيره وبنى عليه، والرواية لا تردع عن العمل بأصالة الصحّة بلحاظ الحدوث، وإنّما تردع عن العمل بأصالة الصحّة بلحاظ البقاء، أي: تارةً ننظر للعمل بأصالة الصحّة حين الشروع في الصلاة، حيث إنّ هذا المكلّف أجرى أصالة الصحة في فعل الجارية وشرع في الصلاة، فالرواية لا تردع عن ذلك، إذ لو كان العمل بأصالة الصحة ليس مبررًا للشروع في الصلاة، لم يجُز له الشروع في الصلاة، مع أنّه لا إشكال في أنّه يجوز له الشروع في الصلاة، بل الرواية نفسها دالّة على جواز الشروع في الصلاة، حيث لم ينبّه الإمام على خطئه في الشروع في الصلاة.

وتارةً ننظر إلى ما بعد الفراغ من الصلاة وانكشاف الخلاف، حيث انكشف أن الثوب نجس، فهنا يأتي دور الرواية في الردع، حيث قالت «أعد صلاتك»، أي أنّ العمل بأصالة الصحّة في عمل الغير، إنّما هو مبررٌ للشروع في الصلاة، لكنّه ليس مبررًا لصحّة الصلاة حتّى مع انكشاف الخلاف، فهي ردعٌ عن العمل بأصالة الصحّة بلحاظ انكشاف الخلاف، وليست ردعًا عن العمل بأصالة الصحّة بالنظر إلى الشروع في الصلاة. وبما أنّها ردعٌ عن العمل بأصالة الصحّة بلحاظ حال الانكشاف، إذًا فمفادها تخصيص لمفاد الأدلّة السابقة، وهو: أنّ من صلّى في النجاسة جاهلًا بها فصلاته صحيحة، فهو يقول: إلا أن يكون جهله مستندًا إلى إجراء أصالة الصحّة في عمل الغير مثلًا، فهل أنّ ما أفاده سيدنا تامٌّ؟

وهنا يلاحظ أولًا: أنّ الرواية مطلقة، حيث قال «إن غسلته الجارية أعد صلاتك»، فأمره بالإعادة، أي حكمه بفساد الصلاة مطلق، يشمل ما إذا حصل له الاطمئنان والوثوق بفعل الجارية، ويشمل ما لو اعتمد على فعل الجارية من باب أصالة الصحة، ويشمل ما إذا اعتمد على إخبار الجارية من باب حجّية خبر الثقة، ويشمل ما إذا اعتمد على إخبار الجارية من باب حجّية خبر ذي اليد، فبما أنّ الرواية مطلقة، - قالت متى ما غسله غيرك أعد الصلاة -، فإنّ مقتضى إطلاقها أنّه إذا اعتمد على فعل غيره بأيِّ نحو، ولو كان بنحو الوثوق والاطمئنان، فإنّ مقتضى ذلك إعادة الصلاة. وبناءً على هذا، فهل يمكن أن يُقال بأنّ الرواية تردع عن جميع هذه الإمارات؟ ومنها إماريّة الوثوق والاطمئنان، لا أنّ الردع خاصٌّ بأصالة الصحة، فيُقال: إنّ مقتضى إطلاقها الردع عن جميع الإمارات إذا انكشف الخلاف، والحال بأنّ أحدًا لا يقول بأنّه: لو حصل للإنسان اطمئنان بطهارة ثوبه نتيجة تطهير غيره، أو اعتمد على خبر الثقة في طهارة الثوب، فصلّى، ثم تبيّنت النجاسة، بأنّ صلاته فاسدة، فالجميع يقول - حتى هو «قده» - بصحّة صلاته. فإذًا، دعوى أنّ الرواية ردعٌ عن العمل بأصالة الصحّة بلحاظ مرحلة الانكشاف تخصيص بلا مخصِّص، فإنّ الرواية مطلقة، فلو التزمنا بأنّ مفادها ردعٌ لكانت ردعًا عن جميع الإمارات، وهو منافٍ للمرتكز الثابت، من أنّ هذه الإمارات حجّة، ويعتمَد عليها في صحة صلاته.

وثانيًا، بأنّه: ما هو المصحّح للصلاة؟ إنّ المصحّح للصلاة إمّا الطهارة الواقعية، وإمّا وجود المعذّر أو المؤمّن عن النجاسة، وبعبارة السيد الخوئي «قده»: عدم تنجّز النجاسة. فإذا قال الإمام بأنّ العمل بأصالة الصحّة - بناءً على ذلك - لا يفيد بعد انكشاف الخلاف، فهذا ليس من باب التخصيص، بل من باب انتفاء الموضوع، لأنّه تبيّن بذلك أنّه ليس معذِّرًا، والنجاسة ليست غير متنجّزة، فهذا يكون من باب انتفاء الموضوع، أي بقول الإمام أن أعد صلاتك، تبيّن أنّ العمل بأصالة الصحّة ليس معذِّرًا كي يكون محقّقًا لموضوع صحّة الصلاة، إذ البحث ليس في الجواز التكليفيّ، فلا أحد يقول بالحرمة التكليفيّة، حتّى مع عدم وجود مؤمِّن، إذ لا أحد يقول بحرمة الشروع في الصلاة تكليفًا، حتى مع عدم وجود المؤمن، فضلًا عمّا إذا وُجد، وإنّما البحث في الحكم الوضعيّ، أي أنّه هل تصحّ صلاته اعتمادًا على حجّة شرعيّة؟ إمّا أصالة الصحّة، أو خبر ذي اليد، أو خبر الثقة، أو الاطمئنان.. وأشباه ذلك.

فلأجل هذا، إذا قال الإمام بأنّ عملك بأصالة الصحّة لم يكن في محلّه، فعليك الإعادة، تبيّن من ذلك أنّ موضوع الصحّة منتفٍ لا أنّ هذا تخصيص.

النتيجة أنّ الحكم في الرواية تعبّديّ، وإلا التفصيل بين أن يغسله غيره أو يغسله هو، مع أنّ غسل غيره موضوع لإمارات شرعيّة معتبرة، فإنّ هذا التفصيل تفصيلٌ تعبّديّ، فإن لم يكن منافيًا لإجماعٍ، أخذنا به بحرفيّته، وقلنا بأنّ من شرع في الصلاة بعد تطهير ثوبه من النجاسة، فإن كان هو المباشر فصلاته صحيحة، وإلا فصلاته فاسدة. وإن كان هذا التفصيل منافيًا للمرتكز فتسقط الرواية عن الحجّيّة، من جهة منافاة التفصيل فيها للمرتكز.

المطلب الثالث في هذه المسألة: لو شكّ في النجاسة، ثمّ تبيّن بعد الصلاة أنّه كان نجسًا صحّت صلاته، لأنّه مجرىً لاستصحاب الطهارة، فإذا كان مجرىً لاستصحاب الطهارة، فالنجاسة لم تتنجّز، والمانع من صحّة الصلاة تنجُّز النجاسة.

المطلب الرابع: قال صاحب العروة: إذا أخبره الوكيل بتطهير الثوب، أو شهدت البيّنة بالطهارة، ثمّ تبيّن الخلاف، فإنّ صلاته صحيحة. وهنا أفاد سيدنا «قده» أنّ في المقام فرضين: فرض قيام البينة، وفرض إخبار الوكيل، أمّا في فرض قيام البينة، فلا إشكال حينئذٍ في صحّة صلاته، فإذا قامت البيّنة على طهارة الثوب، فاعتمد عليها فصلّى، فتبيّنت النجاسة فإنّ صلاته صحيحة، لا كلام في ذلك. الفرض الثاني: أنّ الوكيل وكّل شخصًا بالتطهير، فأخبره الوكيل بأنّه طهّر الثوب، فاعتمد عليه فصلّى، فتبيّنت النجاسة، فهنا تعرّض سيدنا «قده» لمطلبين كُبرويين:

الكبرى الأولى: هل تصحّ الوكالة في الأمور التكوينية؟ إذ لا كلام في صحّة الوكالة في الأمور الاعتبارية، كالتوكيل في إجراء عقدٍ، أو التوكيل في إجراء إيقاعٍ، وما يتبع القضايا الاعتبارية، يعني ما يُعدّ من توابعها، كالقبض والإقباض، فإنّ القبض والإقباض من توابع العقد، لذلك صحّة الوكالة في العقد، تمتدّ للوكالة بالقبض والإقباض، فإذا قبض الوكيل كان قبضًا من الموكِّل، وإذا أقبض الوكيل كان إقباضًا من الموكِّل. وأمّا الأمور الخارجيّة، مثل الأكل والتطهير، فهي غير قابلة للوكالة، والتزم بذلك في بحث الإجارة في مسألة الحيازة، فلو وكّلت شخصًا في حيازة سمكة، أو حيازة طير، أو حيازة خشبٍ، فإنّ حيازة الوكيل لا توجب الملكيّة للموكّل، لأنّ الوكالة لا تصحّ في الأمور التكوينية، كالحيازة والغسل والتطهير.

والأمر الثاني، قال: إذا أخبر الوكيل بأنّه أتمّ العمل، فلا يكون خبر حجّة من باب أنّه إخبار وكيل، لأنّنا قلنا بأنّ الوكالة لا تصحّ في الأمور التكوينيّة، إذًا من أي بابٍ يُقبَل خبره؟ قال: وعليه، فلو كان الغاسل موثوقًا، وقلنا باعتبار خبر الثقة في الموضوعات الخارجية، كان إخباره معتبرًا، فلا إشكال في ثبوت الطهارة بإخباره، ولكنّ هذا لا يختص بالوكيل. أو يكون من باب حجّيّة خبر ذي اليد، أو ما أشبه ذلك من المثبِتات.

فنحن نبحث غدًا يوم الخميس، وندرّس هذا المطلب الكبرويّ المهمّ، وهو أنّه: هل تصحّ الوكالة في الأمور التكوينيّة؟ أم أنها تختصّ بالأمور الاعتبارية؟ وهل هذا ينسجم مع مباني سيّدنا ومع فتاواه أم لا؟ حيث أفتى في الحجّ بأنّه يصحّ الحلق، ويصحّ الذبح من غير الحاجّ وغير المحرِم، وأنّه حتّى لو كان المباشِر للحلق والذبح مخالفًا، لا يصحّ العمل منه على نحو العبادة، مع ذلك يصحّ الاعتماد على ذبحه وحلقه.

والحمد لله رب العالمين