الدرس 143

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا في ما سبق، أنّ الكلام في مطلبين:

الأول: هل أنّ الوكالة تنفذ في الأمور التكوينيّة كما تنفذ في الأمور الاعتبارية أم لا؟ فهل تصحّ الوكالة في تطهير الثوب مثلًا، كما تصحّ في العقد والإيقاع أم لا؟ والمطلب الثاني: على فرض صحّة الوكالة في الأمور الخارجية، هل يُقبل إخبار الوكيل بحصول العمل أم لا؟ فهنا مطلبان: أما بالنسبة إلى المطلب الأول، فيبتني البحث فيه على حقيقة الوكالة، فإذا تبيّن لنا ما هي حقيقة عقد الوكالة، يتبيّن أنّ لها سعةً تشمل التصرّفات الخارجيّة، أم تختصّ بالأمور الاعتبارية، وفي المقام عدّة تعريفات لحقيقة الوكالة: التعريف الأول: ما ذكره سيدنا الخوئي «قده» في مستند العروة، في كتاب الإجارة، وملخّص كلامه «قده» هو أمران:

الأمر الأول: إنّ الوكالة تسبيبٌ من شخصٍ لصدور فعلٍ من شخصٍ آخر، ولأجل أنّ الوكالة تسبيبٌ، فمقتضى هذا التسبيب صحّة انتساب فعل الوكيل للموكّل، فإذا وكّل الزوج رجلًا في طلاق زوجته، فإنّ معنى التوكيل التسبيب من الزوج لصدور الطلاق من الرجل الكذائيّ، وأثر هذا التسبيب صحّة الانتساب، إذ ينتسب الفعل الصادر من الوكيل للموكِّل، فيُقال: فلان طلّق زوجته، مع أنّ الذي صدر منه إيقاع الطلاق هو الوكيل.

الأمر الثاني: بما أنّ الوكالة مساوقةٌ لصحّة الانتساب، فإذًا إنّما تُتصَوَّر الوكالة في المورد القابل للانتساب، ففي المورد الذي يكون فعل الغير قابلًا للانتساب لغير فاعله، وهنا تُتصوّر الوكالة، وأمّا في المورد الذي يكون الفعل غير قابل للانتساب لغير فاعله، فالوكالة غير مُتصوّرة. فلأجل ذلك، اختصّت الوكالة بالأمور الاعتبارية دون الأمور الخارجيّة، لأنّ الأمور الاعتبارية، من عقدٍ وإيقاع، قابلة لأن تنتسب لغير من صدرت منه، باعتبار أنّ الأمور الاعتبارية متقوّمة بركنين: الركن الأول: الاعتبار، والركن الثاني: المبرز لذلك الاعتبار. لهذا، يُتصوّر أن يتحقّق الاعتبار من شخص والمبرز من آخر، فالموكّل حينما يوكل شخصًا في إجراء عقد الطلاق، فهو قام بالاعتبار، أي اعتبار بينونة زوجته منه، بفعل هذا، أي بإجراء الطلاق من هذا الشخص، والمبرز لهذا الاعتبار صدر من الوكيل. إذًا، ما دام الأمر الاعتباريّ قابلًا لأن ينتسب لغير فاعله، فلأجل ذلك تصحّ فيه الوكالة، فيقال فلان نكح، وفلان طلّق، وفلان باع، وفلانٌ أمهر، وكلّ ذلك بتوكيله شخصًا آخر.

وأمّا الأمور التكوينية كالأكل والصلاة والطّواف، فلا تقبل الانتساب لغير فاعلها، لأنّها متقوّمةٌ بفاعلها، فلا يُقال: أكل الشيخ عادل لأنّ الشيخ عبّاس أكل، فمجرّد صدور الفعل من شخصٍ، لا يعني السراية والامتداد لشخص آخر، فمقتضى ذلك عدم صحّة الوكالة في الأمور التكوينية.

قال: إنّها لا تجري في الأمور التكوينية، وإنّما تُعقل في الأمور الاعتبارية، فإنّ معنى الوكالة جعل الوكيل بمثابة الموكِّل، بحيث إنّ الفعل الصادر منه مستندٌ للموكِّل حقيقةً، ومن دون أيّة عنايةٍ، غاية ما في الأمر، أنّه صدر من الموكِّل بالتسبيب لا بالمباشرة، وهذا مضطرد في الأمور الاعتبارية، فيقال: باع وطلّق، وإن كان إنشاء البيع والطلاق قائمًا بغيره وهو الوكيل، إذ لا تعتبر المباشرة في الأمور الاعتبارية. وكذلك الحال في القبض والإقباض الملحقين بالأمور الاعتبارية، فيتحقّق فراغ ذمّة المدين بإقباض وكيله المبلغ للدائن، من دون مسامحة، وأمّا سائر الأمور التكوينية كالنوم والشرب، ومنها الحيازة، فلا تجري الوكالة في شيء منها، إذ لا يستند الفعل التكوينيّ كالأكل إلى غير فاعله بالمباشرة، وإن قصد أنّه يأكل لفلانٍ مثلًا. وأُوردَ على كلام سيدنا «قده» بإيرادين: الإيراد الأول: لا ملازمة بين التسبيب وصحّة الانتساب، فإنّ ظاهر كلام سيدنا أنّ مقتضى التسبيب صحّة الانتساب، فلا ملازمة بين الأمرين، والوجه في ذلك أنّه: يصحّ التسبيب لبعض الأمور الاعتبارية، ومع ذلك لا يصحّ الانتساب، فمثلًا: من رغّب شخصًا في تطليق زوجته، وصار يرغّبه في طلاقها حتّى طلّقها، فإنّه لا يُقال طلّقها المرغّب، مع أنّه سبّب في وقوع الفعل من زوجها، فلو كان مجرّد التسبيب مصحّحًا للانتساب، لصحّ الانتساب في هذا المورد، مع أنّه ممّا لا يصحّ.

ولكنّ هذا الإيراد غير وارد على كلام سيدنا «قده»، والوجه في ذلك أنّ: ظاهر كلامه ليس هو التسبيب الخارجيّ، وإنّما مقصود كلامه التسبيب الاعتباريّ، بمعنى قائم مقام، فهو يقول بأنّ: مرجع الوكالة إلى التسبيب الاعتباريّ، والمقصود بالتسبيب الاعتباريّ، جعل الغير قائمًا مقام الموكِّل، فهذه القائميّة مقام هي التي اعتبرها الموكّل، وهي حقيقة التسبيب الاعتباريّ، ولا ريب أنّ مقتضى هذا النوع من التسبيب، وهو جعل الغير قائمًا مقامي، أنّ ما يصدر منه ينتسب إليّ، لأنّني جعلته بمثابة نفسي، قائمًا مقامي.

ولذلك قال سيدنا «قده» في عبارته: فإنّ معنى الوكالة جعل الوكيل بمثابة الموكّل، بحيث أنّ الفعل الصادر منه يستند إليه، فليس مدّعاه أنّ مطلق التسبيب موجبٌ لصحّة الانتساب، وإنّما نوعٌ من التسبيب. الإيراد الثاني على كلام سيدنا «قده»: إنّ ما أفاده من أنّه مقتضى الوكالة صحّة الانتساب، ومقتضى صحّة الانتساب، عدم صحّة الوكالة في الأمور الخارجية، لأنّ الأمور الخارجيّة لا تقبل الانتساب لغير فاعلها، مع أنّ جملةً من الأمور الخارجية، ممّا لا علاقة لها بالاعتباريات، ممّا يصحّ انتسابها لغير فاعلها، فيُقال مثلًا: حلق فلان لأنّه وكّل من يحلق رأسه، وذبح فلان لأنّه وكّل من يذبح عنه، وبنى فلان داره لأنّه وكّل من يقوم بالبناء، وقتل فلان زيدًا لأنّه وكّل من يقوم بالقتل.

والضابطة في ذلك أنّ: كلّ فعلٍ متعدٍّ، فإنّ هناك فرقًا بين الأفعال اللازمة والأفعال المتعدّية، فالأفعال اللازمة لأنّها أفعال حلوليّة، كالأكل والنوم والشرب مثلًا، وليس المقصود باللازمة يعني الاصطلاح النحوي، بل الاصطلاح الأصوليّ، يعني ما كان قائمًا بفاعله، حالًّا في بدنه، فإنّ هذا لا يصحّ انتسابه لغير فاعله.

وأمّا الأفعال المتعدّية، أي المتقوّمة بطرف آخر، كالبناء والقتل والضرب وما أشبه ذلك، فهذه الأفعال المتعدّية على نوعين: نوع تعارف عند العقلاء الاتّكال فيه على الغير، كالبناء والقتل والغسل والصبغ. وقسم لم يتعارف لديهم الاتّكال فيه على الغير، فما تعارف فيه الاتّكال على الغير يصحّ النسبة فيه، وإن لم يكن من الأمور الاعتبارية، فيُقال: بنى فلان، وقتل فلان، وحلق فلان، وذبح فلان.. لأنّه كان موكِّلًا، ولم يصدر الفعل منه مباشرةً. وقسمٌ لم يتعارف عند العقلاء الاتّكال فيه على الغير، فهنا نعم، الفعل الذي لم يتعارف فيه الاتّكال على الغير، حيئنئذٍ يُقال بأنّه: لا يصحّ انتسابه لغير فاعله. فما ذكره سيدنا، من أنّ الوكالة تعني صحّة الانتساب، وحيث لا يصحّ الانتساب في الأمور الخارجيّة لا تصحّ الوكالة في الأمور الخارجية، ممنوعٌ لأنّه يصحّ الانتساب في جملة من الأمور التكوينيّة التي تعارف لدى العقلاء الاتّكال فيها على الغير.

ولذلك، التزم «قده» في الذبح والحلق، بأنّهما من باب الوكالة لا من باب النيابة، حيث قد يقول قائل بأنّ الحلق والذبح من باب النيابة، أي استناب من يذبح عنه، وليس من باب الوكالة، والسرّ في ذلك أنّه: لو كان من باب النيابة، لاشتُرط في المباشر قصد القربة، لأنّ النائب يقوم مقام المنوب عنه في الفعل الذي أُمر المنوب عنه به، وما أُمر المنوب عنه هو الذبح العباديّ والقربيّ، فلو كان الذبح من باب النيابة لقلنا بأنّه يعتبر في الذابح أن يكون مؤمنًا، ويعتبر في الذابح أن يقصد القربة، لأنّ العبادة من المخالف لا تصحّ وإن قصد القربة، فلا بدّ أن يكون مؤمنًا قاصدًا للتقرّب، مع أنّ سيدنا «قده» لا يعتبر ذلك، فيكفي توكيل المخالف وإن لم يقصد القربة، ما دام الموكِّل قاصدًا للقربة، ممّا يكشف عن أنّ الذبح ليس من باب النيابة وإنّما من باب الوكالة، مع أنّ الذبح أمرٌ خارجيٌّ. هذا هو التعريف الأول للوكالة.

التعريف الثاني للوكالة: التوكيل تنزيلٌ لعمل الوكيل منزلة عمل الموكّل، فإذا نزّله منزلته شملته أدلة الصحّة، ك «أوفوا بالعقود» و«أحلّ الله البيع» وأمثال ذلك. وأُشكلَ على هذا التعريف بأنّه لا ملازمة بين التنزيل، وبين صحّة الانتساب، أو صحّة الإسناد، لأنّ غاية ما يترتّب على التنزيل هو شمول الحكم من المنزّل عليه للمنزّل. مثلًا: من وكّل شخصًا في البيع عنه، فقال: أنت وكيلٌ في بيع سيارتي عني، فباع الوكيل السيارة، فإنّ معنى تنزيل عمل الوكيل منزلة عمل الموكّل، أنّ حكم المنزَّل عليه وهو «أوفوا بالعقود»، يترتّب على عمل الوكيل. فكما أنّه لو صدر البيع بالمباشرة من مالك السيارة، لكان موضوعًا لهذا الحكم، وهو «أوفوا بالعقود»، فكذلك إذا صدر من وكيله. فغاية ما يُستفاد من التنزيل هو نفوذ الحكم وترتُّبه من المنزَّل عليه على المنزّل، لا أنّه يترتّب على التنزيل صحّة الانتساب، بأن ينتسب فعل الوكيل للموكِّل، حتّى نقول: إذًا بذلك تختصّ الوكالة بالأمور الاعتبارية دون الأمور الخارجيّة.

التعريف الثالث: ما ذهب إليه السيد الشهيد «قده» في كتابه «اقتصادنا»، ص 721، هامش رقم 13، قال: إنّ الوكالة هي: إنشاء مضمون المعاملة على سبيل التعليق، فتوكيل المالك في بيع داره معناه: إنشاء بيعها على تقدير بيع الوكيل للدار، بحيث يكون إنشاء المالك للبيع فعليًّا، متضمَّنًا في نفس إنشاء التوكيل بالارتكاز، فإذا قال مالك الدار «وكّلت فلانًا في بيع داري»، فإنّ معنى التوكيل أنّني «بعت داري إن صدر البيع منه»، فهنا بيعٌ منّي أنا المالك الموكِّل، معلَّقٌ على صدور إنشاء البيع من الوكيل، فنفس التوكيل مستبطنٌ ارتكازًا لإنشاء البيع من الموكِّل على فرض صدور البيع من الوكيل. فيكون المنشَأ - وهو البيع - معلّقًا على حصول البيع من الوكيل، فلأجل ذلك، يصحّ إسناد البيع إلى المالك حقيقةً، لأنّه أصلًا صدر منه البيع، غاية ما في الباب، صدر منه البيع معلّقًا لا منجَّزًا، وإلا فهو ممّن أنشأ البيع حقيقةً ومباشرةً، غاية ما في الأمر أنّه أنشأ البيع معلّقًا على صدور البيع من الوكيل.

وبذلك، يتبيّن وجه اختصاص الوكالة بالأمور الاعتبارية دون التكوينية، إذ ما يقبل التعليق هو الأمور الاعتبارية، فإنّ الأمور الاعتبارية تقبل نحوين من الوجود: الوجود التنجيزيّ والوجود التعليقيّ، كما في الوصيّة مثلًا، فإنّ وجودها وجودٌ تعليقيّ. بينما الأمور التكوينية لا تقبل إلا الفعليّة، فإمّا هي موجودة أو غير موجودة، ولا تقبل الوجود المعلّق. إذًا، بما أنّ مرجع الوكالة ارتكازًا إلى الإنشاء المعلَّق، فلا محالة تختصّ الوكالة بالأمور الاعتبارية، لأنّ المنشأ المعلّق إنّما يُتصوّر فيها، دون الأمور التكوينية. ويورَد على هذا التعريف:

أولًا: لا وجود في عالم الارتكاز العقلائيّ لهذا الإنشاء التعليقيّ، فإنّ الموكّل قد يوكّل شخصًا من دون أن يكون أصلًا ملتفتًا إلى صيغة البيع ونحوها، كي يُقال بأنّه أنشأ البيع معلّقًا على صدور البيع من وكيله، خصوصًا في الوكيل المفوَّض «كما وكّلتك في أمور تجارتي»، فإنّه لا يوجد هنا بحسب الارتكاز أنّني في جميع ما يصدر منك اليوم، بأن صدر منّي اليوم عشرة بيوع ضمن هذا التوكيل معلّقة على بيعك، وصدر منّي عدّة شراءات في هذا اليوم معلّقةً على شرائك، فإنّه لا يوجد في الارتكاز العقلائيّ هذا النوع من الإنشاء المعلّق.

وثانيًا: لازم هذا المبنى: أن لا يكون لإنشاء الوكيل أي دور في المعاملة سوى تحقيق الشرط، لأنّ المفروض أنّ المعاملة صدرت حقيقًة من الموكِّل، معلّقة على بيع الوكيل، إذًا فلا دور للوكيل إلا تحقيق الشرط الذي عُلّقت عليه المعاملة، ولازم ذلك أن لا يكون الوكيل مسؤولًا عن هذه المعاملة، لأنّ المفروض أنّ دوره مجرّد تحقيق الشرط الذي عُلّقت المعاملة عليه، وهذا منافٍ للمرتكز العقلائي، حيث يرون أنّ الوكيل هو البائع بقصدٍ جدّيّ، وهو مسؤول عن المعاملة التي صدرت منه، غاية ما في الباب، أنّ فعله ينتسب للموكّل، لا أنّه لا دور له إلا إيجاد الشرط المعلّق عليه.

وثالثًا: مضافًا إلى ذلك، لا تصلح هذه النكتة مبرّرًا لنسبة فعلٍ واحد إلى الوكيل والموكّل، فإنّ مدار الوكالة أنّ هذا الفعل الواحد يصحّ نسبته إلى شخصين، للوكيل وللموكّل، بينما على تحليل السيد الشهيد، فهناك فعلان، أحدهما صادرٌ من الوكيل - ينتسب إلى الوكيل خاصّة -، وآخر صادر من الموكّل - ينتسب إلى الموكّل خاصّة -، فلا يُقال للبيع المعلّق الذي صدر من الموكّل أنّه صدر من الوكيل، ولا يُقال للبيع المنجَّز الذي هو مجرّد تحقيق شرط أنّه صادر من الموكّل، بل يُقال أنّ البيع أصلًا صادر من الموكّل، وهذا إنّما هو محقّق للشرط. بينما محطُّ الوكالة - بحسب المرتكز العقلائي - انتساب الفعل الصادر من الوكيل لكلا الطرفين.

والحمد لله رب العالمين