كلمة الحفل | مولد الإمام الحسين (ع)

مجلس الرضا (ع) بسيهات

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد عن الإمام الحسين أنه قال: ”ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ومفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر“

منذ زمنٍ بعيد، انطلق الباحثون حول تحليل حركة الحسين ، واستعرضوا عدة نظريات في تحليل هذه الحركة العظيمة، وذكر الشيخ المطهري «رضوان الله تعالى عليه» في الملحمة الحسينية أن هناك ثلاث نظريات في تحليل حركة الحسين .

النظرية الأولى: رفض بيعة يزيد بن معاوية.

التي عبّر عنها الحسين في المدينة المنورة: ”إنا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله“.

النظرية الثانية: الاستجابة لأهل الكوفة.

حركة الحسين تتلخص في استجابته لنداء أهل الكوفة، حيث لو لم يستجب لندائهم، لكانت هناك حجة عليه، فأراد أن يقيم الحجة عليهم باستجابته للنداء، وقال: ”ألم تكتبوا لي أن أقبل إلينا، فلقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وإنما تقبل على جند لك مجندة“.

النظرية الثالثة: نظرية الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والتي عبّر عنها الحسين بخطابه عند خروجه من مكة، عندما قال: ”ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح“، وأفاد الشهيد المطهري «رضوان الله تعالى عليه» أن هذه النظرية الثالثة هي النظرية الصحيحة، ليست حركة الحسين مرهونة برفض بيعة يزيد بن معاوية؛ لأن الحسين حتى لو لم تعرض عليه بيعة يزيد، حتى لو قبل النظام الأموي منه آنذاك ألا يبايع يزيد، فإنه كان سيخرج على كل حال، فرفض البيعة ليس هو العامل وراء هذه الثورة والحركة.

كما أنه ليس العامل هو الاستجابة لأهل الكوفة؛ فإن الحسين سيطلق ثورته على كل حال، كتب إليه أهل الكوفة أو لم يكتبوا، أعدوا أنفسهم للنصرة أو لم يعدوا، كان الحسين مصممًا على ثورته وعلى حركته على كل حال. إذن، العامل الذي هو وراء الثورة، والهدف المنشود من وراء هذه الحركة هو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذا ما أفاده الشيخ المطهري «رضوان الله تعالى عليه» في الملحمة الحسينية، ويمكن التعليق على ذلك بأننا إذا قرأنا هذه العوامل التي طُرِحَت بقراءة أخرى، وبنظرة أخرىن سوف نخلص إلى أن الثورة الحسينية والحركة الحسينية هي حركة متعددة المراحل، متعددة الخطوات، ولكل خطوة كان هدف، ووراء كل خطوة منها كان هناك عامل، ليس هناك عامل واحد هو وراء الثورة بتمام تفاصيلها ومراحلها، بل الثورة متعددة العوامل، متعددة الأهداف؛ لأنها متعددة المراحل، ولكل مرحلة كان هناك عامل يتحكم في تلك المرحلة. من أجل أن نفهم هذا نقول:

العامل الأول: رفض البيعة.

عندما نأتي للنظرية الأولى: أن الثورة رفضٌ لبيعة يزيد بن معاوية، حينما نقرأ هذا العامل بهذه القراءة البسيطة، أن السلطة الأموية عرضت البيعة على الحسين، فأبى الحسين وقال: نحن لا نبايع، عندما نصوغ هذا العامل بهذه الصياغة البسيطة، سوف نتوصل إلى أن هذا العامل ليس رئيسيًا، هذا العامل ليس دخيلًا في الحركة.

ولكن عندما نقرأ العامل المذكور بقراءة أخرى: الحسين عندما رفض بيعة يزيد بن معاوية هل رفضها لأنها عُرِضَت عليه؟ لا، رفض بيعة يزيد لتربية الأمة على رفض البيعة، لا لأجل أنها عُرِضَت عليه، يزيد عُرِضَت عليه بيعة يزيد أو لم تعرض سيعلن رفضه لبيعة يزيد، رفض بيعة يزيد لا يُقْرَأ بهذه القراءة البسيطة: أنه عُرِض عليه أن يبايع فأبى!

لا، عُرِض عليه أو لم يُعْرَض عليه كان الحسين سيعلن رفض البيعة منذ أول يوم؛ لأن الحسين كان منظوره أن يربّي الأمة وأن يحرّك الأمة نحو رفض بيعة يزيد بن معاوية، فالعامل لا يرتبط بشخص الإمام، أن الإمام عُرِض عليه وأبى، بل العامل مرتبط بالأمة بتمام وجهائها وبتمام رجالها، وبتمام طاقاتها، الحسين يريد أن يحرك الأمة نحو رفض البيعة، هذه الخطابات التي صدرت منه في المدينة تربيةٌ للأمة وتحريكٌ للأمة نحو رفض بيعة يزيد بن معاوية، حتى لو أن النظام سكت عن الحسين، ولم يطالبه بالبيعة، كان الحسين سيعلن الأمة رفض البيعة من أجل تحريكها نحو هذا المسار.

العامل الثاني: الاستجابة لكتب أهل الكوفة.

عندما نقرأ هذا العامل بقراءة بسيطة، أن الحسين تلقى كتبًا من أهل الكوفة، وملأت خرجين، وأخرج هذين الخرجين يوم عاشوراء، وقال: ألم تكتبوا لي أن أقبل علينا فلقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وإنما تقبل على جند لك مجندة؟! قالوا: ما فعلنا ذلك يا أبا عبد الله، قال: بلى والله قد فعلتم. عندما نقرأ هذه الفقرة التاريخية بهذه القراءة البسيطة نقول: نعم، عرض عليه أهل الكوفة النصرة ثم خذلوه، والحسين على كل حال ثائر، عُرِضَت عليه النصرة من قِبَل أهل الكوفة أم لم تُعْرَض، إذن الاستجابة لأهل الكوفة عامل بسيط، وليس عاملًا رئيسيًا في الثورة والحركة.

لكن عندما نقرأ هذا العامل بقراءة أعمق من ذلك: هناك عامل غيبي، حركات أهل البيت لا تتحدد فقط بالعوامل الطبيعية، بالعوامل المنظورة بحسب المقاييس التاريخية والسياسية آنذاك، هناك عوامل غيبية تتدخل في حركتهم، وتتدخل في مسيرتهم. الحسين من خلال جده محمد نُبِّئ أن العراق سيكون مهدًا للتشيع، وأن ثورته في العراق ستكون هي الشرارة وهي المنطلق، المسألة ليست فقط استجابة لأهل الكوفة، بل تأسيس لمهد التشيع في العراق، تأسيس لمنطلق التشيع في العراق، هناك عدة روايات إذا قرأناها عن النبي يتحدث مع الإمام علي ويتحدث مع الزهراء عما سيكون بقتل الحسين، أي أن قتل الحسين سيكون منطلقًا لأمر أكبر من الصورة المحسوسة آنذاك.

”وسيفد إليه أقوامٌ من شيعتنا، وينصبون على قبره علمًا، وسيجهد الظالمون في محو أثره، وطمس معالمه، فلا يزداد على مرور الأيام وكرورها إلا علوًا“، هذا إخبار من النبي ، إخبار لابنته الزهراء أن القضية سوف تصبح هكذا، سوف يصبح قبر الحسين علمًا للتشيع، علمًا للدين. إذن، هناك عامل غيبي بين حركة الحسين والعراق، الحسين لم ينطلق نحو العراق لأن أهل الكوفة كتبوا إليه خرجين من الكتب! لا، حتى لو لم يكتبوا سينطلق الحسين للعراق، حتى لو لم يعلن بعض أهل الكوفة نصرته سينطلق الحسين إلى العراق، هناك عامل غيبي وراء الحركة.

الحسين لم يخبر عن هذا العامل الغيبي حينما ناشده أخوه محمد بن الحنفية، وقال له: كيف تخرج إلى أهل العراق، وأنت تعرف ما فعلوا بأبيك وأخيك من قبل؟ أجاب إجابة غيبية، لو أجبنا اليوم بها لقلنا: لا معنى لها! قال: ”شاء الله أن يراني قتيلًا“، لماذا؟ وما هي العوامل الغيبية وراء ذلك؟ لم يفصح الحسين عنها. إذن، لا يمكن لنا أن نغفل هذا العامل الغيبي في انطلاق الحسين نحو العراق، وليست المسألة هي مسألة أن أهل الكوفة عرضوا عليه فاستجاب لهم، وأراد إقامة الحجة عليهم، وإلا لكان العامل بسيطًا، المسألة تحويل العراق إلى مهد للتشيع، وهذا كان يحتاج إلى أن يسكنه دم الحسين، تحويل العراق إلى أن يكون مدرسةً للعلم، وهذا كان يحتاج إلى دم الحسين .

أنت تقرأ في الزيارات الشريفة عن الحسن بن علي الوشاء - أحد الفقهاء من أصحاب الأئمة الطاهرين - دخلت مسجد الكوفة، فرأيت تسع مئة شيخ كل يقول: حدثني سيدي ومولاي جعفر بن محمد الصادق. فأصبحت العراق مدرسة للفكر ببركة ذهاب الحسين ، أصبحت العراق بعد مقتل الحسين فيها مهدًا للثورات والحركات، كثورة زيد بن علي «رضوان الله تعالى عليه». إذن، هناك قراءة أخرى لهذه العوامل تُظْهِر مدى دخلها، ومدى تحكمها في مسيرة الحسين .

العامل الثالث: الإصلاح.

عندما نأتي لعامل آخر أشار إليه الحسين يوم عاشوراء، هذا العامل الذي ركّز عليه الشيخ المطهري «رضوان الله عليه»: ”إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي“ قاله الحسين وهو في مكة، لكن الحسين يوم عاشوراء نطق بكلمة أخرى، نطق بهدف آخر، هذا أيضًا لا يمكن إغفاله، لا بد أن يُجْعَل ضمن المقاييس، قال: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة! يأبى الله لنا ذلك، ورسوله، والمؤمنون، وجذور طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف“ المسألة مسألة تصميم، لماذا؟ لأجل صيانة منصب الإمامة عن الإذلال، ”ألا وإني زاحف بهذه الأسرة، مع قلة العدد وخذلان الناصر“.

كل ذلك لأجل صيانة منصب الإمامة عن الإذلال، إذلال منصب الإمامة إذلال للدين، والقرآن الكريم يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. بعد أن نقرأ هذه العوامل المختلفة نستنتج نظرية أخرى، وهي أن الثورة متعددة المراحل.

المرحلة الأولى: إعلان الثورة.

كيف تم الإعلان؟ تم الإعلان برفض بيعة يزيد، فرفض بيعة يزيد عامل للمرحلة الأولى، وهي إعلان الثورة. كيف يختار الحسين شرارة الثورة؟ كيف يختار الحسين منطلق الثورة؟ المنطلق والشرارة هي بأن يعلن رفض بيعة يزيد بن معاوية، عُرِضَت عليه البيعة أو لم تُعْرَض، سوف يعلن ذلك كمنطلق لشرارة الثورة آنذاك.

المرحلة الثانية: اختيار موقع الثورة.

أين موقعها؟ الحسين سيثور على كل حال، في اليمن، في الحجاز، في خراسان، أين سيثور؟ الحسين من أجل تحديد الموقع المناسب للثورة، من أجل تحديد الموقع المنسجم مع أهداف الثورة اختار العراق، وهو يعلم أنه سيُقْتَل بدون أنصار، خلال يوم واحد ستباد عترة رسول الله بأجمعها على تراب كربلاء، ولن ينصره الكثير من أهل الكوفة، لكن ذلك سيكون منطلقًا للتشيع. إذن، الخروج إلى العراق أو الاستجابة لأهل الكوفة كانت مرحلةً ثانيةً من مراحل الثورة، وهي تحديد الموقع المناسب.

المرحلة الثالثة: ربط الثورة بالهدف القرآني.

أنتم تعرفون أن الحسين حينما خرج من مكة كان خروجه يحتاج إلى مبرر؛ لأن الحجاج يفدون إلى مكة ليحجوا، والحسين خارج، فخروج الحسين خروج مثير للاستفهام، كيف يترك الحسين الحج؟! لا بد أن يطرح الحسين مبررًا لخروجه، الحسين عندما قال: ”ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر“.

الحسين ما تعرض ليزيد ولا لبيعة يزيد في هذا الخطاب؛ لأنه أراد أن يعلن للحجاج أن هناك مبررًا لخروجه من مكة، ألا وهو طلب الإصلاح، وربط ثورته بالهدف القرآني، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كي لا يستشكل أحد عليه، ولا يستطيع أحدٌ أن يشوّه حركته وثورته، فهي مرتبطة بأهداف القرآن، وهي مرتبطة بمنظور القرآن. هذا الإعلان ليس هو تعبيرًا عن العامل الأساس للثورة، هذا تبريرٌ طرحه الحسين لخروجه من مكة، حينما اُسْتُفْهِم عن سبب خروجه والحجاج يفدون إلى مكة.

المرحلة الرابعة والحاسمة: وهي يوم عاشوراء.

وصلت الثورة إلى هذه الزاوية: إما أن الحسين يرجع، إما أن الحسين يصر على القتال، هنا أعلن هدفه الأساس من هذه الحركة كلها، وقال: هدفي الأساس إعزاز الدين بإعزاز منصب الإمامة، وصيانة الدين عن الإذلال بصيانة منصب الإمامة عن الإذلال، ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجذور طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام“.

أردنا بهذه العجالة أن نتحدث عن ماهية الثورة الحسينية بشكل عام، وتفصيل هذه النظريات ومناقشتها يحتاج إلى جلسات ومحاضرات أخرى إن شاء الله، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا مع الحسين دنيا وآخرة، وأن يجعلنا خدمًا للحسين دنيا وآخرة.