حركة الفكر من خلال التواصل مع روافد الثقافة

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ

حديثنا عن حركة الفكر من خلال التواصل مع روافد الثقافة ومنابع المعرفة، وحركة الفكر ننظر اليها من ثلاث زوايا:

الزاوية الأولى:

ان حركة الفكر لدى الإنسان كمال ونمو للنفس، وهذا ما يعبر عنه أهل الفلسفة بالحركة الجوهرية، فان الإنسان له ثلاث حركات: أينية وكيفية وجوهرية. الحركة الأينية هي حركة لإنسان من مكان الى مكان، والحركة الكيفية هي حركة صفات الإنسان، اي ان الإنسان كان قصيرا أصبح طويلا، نحيفا أصبح بدينا. والحركة الجوهرية هي أن الروح تتحرك والنفس تتحرك، وهذه ليست حركة مكانية ولا كيفية بل جوهرية، أي ان الروح تتحرك في صميم ذاتها وجوهرها، فتتحرك الروح من نقص الى كمال ومن فقدان الى وجدان ومن لا شيء الى الشيء.

الحركة الجوهرية يحصل عليها الإنسان بواسطة العبادة او بواسطة الثقافة. العبادة هي عروج للروح وانطلاق لها، كما ورد في الحديث ”الصلاة قربان كل تقي“، ”الصلاة معراج المؤمن“ العبادة حركة للروح من الأرض الى السماء من النقص الى الكمال، أيضا الثقافة والعلم والتعلم حركة جوهرية للروح، الإنسان عندما يستمع المعلومات ويحللها ويناقشها فان روحه هي التي تتحرك، الجسم أو الصفات الجسمية لا تتحرك بل الروح هي التي تتحرك من مجهولات الى معلومات ومن معلومات سطحية الى معلومات معمقة ومركزة ومن ملابسات غامضة الى آفاق مفتوحة.

ولذلك نقول ان الثقافة كمال ونمو باعتبار ان الروح تنطلق من حالات الدنو والنقص الى حالات الكمال، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ أي هل يستوي من تحركت روحه وانطلقت من جوهر لجوهر ومن عالم لعالم مع من ما زالت روحه ساكنة وراكدة وواقفة؟ طبعا لايستويان. وهذا نظير من فتح له مشروعا تجاريا وتحركت ثروته وقدمت مشاريعا وعطاء، مقارنة مع من ثروته مجمدة وراكدة لا تنتج ولا تعطي، فهل يستويان؟ اذن الزاوية الأولى في النظر للحركة الفكرية هي النظر اليها على انها حركة جوهرية كمالية للروح.

الزاوية الثانية:

الحركة الثقافية لدى الإنسان ضمان من الإنحراف، الإنسان معرض للانحراف الفكري والذي ينعكس الى انحراف سلوكي. أهم وأكبر مناشيء الإنحراف الجهل الذي هو عدم الثقافة وعدم المعرفة. ولذلك يربط القرآن الكريم الإنحراف بالجهل ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ. القرآن يربط بين حالات الإنحراف السلوكي وبين الجهل وذلك باعتبار ان عدم الثقافة يجر الإنسان للانحراف السلوكي بلحاظ انه انعكاس للانحراف الفكري.

لا يخلو أحد منا من مشاهدة البرامج التلفزيونية التي تلقى فيها الكثير من الأفكار بشكل مباشر او غير مباشر، وكذلك ملاحظة بعض مواقع الإنترنت وهذه الأفكار التي تجر الى الإنحراف السلوكي بشكل تدريجي واسترسالي دون ان يشعر به الإنسان.

مثلا في هذا العصر نعيش عالم الليبرالية التي تبشرنا بألوانها وانفتاحها ومشاريعها الثقافية والفكرية. ومن خلال منطلق الليبرالية التأكيد على حق الحرية عند الإنسان وان الإنسان حر في ان يعتنق ما يشاء وان يتصرف كيفما يريد وانه حر في سلوكه وعلاقاته وفكره. وانطلاقا من اطروحات الليبرالية تبث الأفكار بدعوى الحرية الى ان تجر الإنسان الى الإنحراف السلوكي. لو كان الإنسان يمتلك ثقافة مسبقا يعرف ما هو مبدأ الحرية وما هي حدود الحرية وما هي ضوابطها فانه لا ينزلق وراء هذه الأفكار الليبرالية التي تبشر بالحرية على حساب الضوابض والقيم والمبادىء والمفاهيم الإجتماعية فضلا عن المفاهيم الدينية.

اذن الثقافة ضمان وحصانة من الإنحراف الفكري الذي يجر للانحراف السلوكي، لو كان الإنسان مثقفا لما تلقى الليبرالية او الحرية بتمام معانيها دون ضابطة ومعيار. ولذلك ورد عن الإمام الصادق ”علموا أبنائكم من علمنا ما ينتفعون به، لا تسبقكم المرجئة“ المرجئة مجرد مثال، اي انه هناك تيار آخر يستبق ويبشر وينشر فكره، اذن لا بد ان تأخذوا حصانة وضمانا مقابل هذه التيارات الأخرى يحصنكم من الإنحراف والإنزلاق والإختلال الفكري الذي يستتبع اختلالا سلوكيا.

الزاوية الثالثة:

الثقافة ضمان لحضارة المستقبل. أي منا لا يريد ان يكون مساهما في بناء حضارة اجتماعية شامخة مستقلة؟ انتم تعرفون اننا مجتمع استهلاكي حتى في فكرنا وثقافتنا، وليس فقط في الغذاء واللباس والأجهزة التي نأخذها من الشرق والغرب. وصلنا الى حد من الكسل والاتكالية والتخاذل اننا حتى في الفكر نحتاج الى فكر جاهز يصلنا حتى نستقبله ونأخذه ونستوعبه، لا نمتلك طاقة التغيير الذاتي الداخلي وروح المبادرة، اي اننا نبادر الى صنع ثقافة وفكر ومخزون ثقافي وحضاري، وهذا لا يتم الا بالثقافة. فنحن لا نقل عن المجتمعات الأخرى في العقل والفكر. اذا اردنا ان يكون لنا مستقبل حضاري وفكري ويرتفع مجتمعنا شامخا بفكره فلا بد لنا ان نسلك باب الثقافة، لأن المثقف هو الذي يستطيع أن يصنع فكرة ويبدع ويقدم لمجتمعه فكرة جديدة وتغييرية، لا يقود المجتمع ولا يغيره الجهال، الطبقة المثقفة هي التي يمكن ان تغير المجتمع وتقوده الى حضارة أفضل.

اذن الثقافة باب لحضارة فكرية شامخة، ولذلك ركز القرآن الكريم ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ فاذا لم تكن عندهم ثقافة وقدرة ثقافية على تمييز الخطأ من الصواب يميزون بها الحسن فكيف يتبعون احسنه؟ وكيف ينتجون الأحسن ويبدعون الأحسن؟ ولذلك ورد عن الرسول ”من تساوى يوماه فهو مغبون“ يعني الكسول الراكد مثل الماء الراكد، فالماء الراكد الذي لا يجري هو ماء آسن يستقبل الرائحة النتنة والحشرات والأوبئة ويكون خطرا على المجتمع، اما الماء المتحرك الجاري يخلق ربيعا واخضرارا وحياة للأجساد والبيئة، يخلق حياة صحية متكاملة.

وكذلك الإنسان، الإنسان الكسول الراكد الذي لا يحب أن يقرأ كتاب ولا ينفتح على موقع علمي في الإنترنت ولا يستمع المحاضرات العلمية ولا ينظر إلى البرامج العلمية، هذا الإنسان الكسول يستقبل الثقافة المنحرفة والأمراض الفكرية بسرعة وقد يكون مصدر خطر على المجتمع، لأن استقباله للفكر المنحرف أكثر من غيره، بينما الإنسان المتحرك فكره، الذي يعلم ويتثقف ويناقش ويحاور ويشاهد فهو مصدر للابداع والعطاء ويملك ضماناً وحصانة من ان ينحرف وينزلق، ورد عن الإمام الصادق ”تفقهوا في الدين والا فأنتم أعراب“ أعراب يعني مثل البدو الجهل الذين لا يفقهون شيئا، فهذا الأعرابي حياته تعتمد على الرعي والصيد فقط، فلا يستطيع ان يغير حياته او يغير مجتمعه بأكثر من ذلك، لأنه لا يملك ثقافة، فهو لا يمتلك القدرة على التغيير فيبقى مجتمعه محصورا على الرعي والصيد. بينما المتفقه لأنه يمتلك ثقافة فإنه يمتلك قدرة على التغيير. وورد عنه ”وددت لو ان اصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا في الدين“، التفقه في الدين أثمن واغلى من ان يضحوا بضربة سوط أو بعض الأتعاب والجهد البدني او الزمني او الفكري.

أردنا فقط ان نتحدث معكم عن اهمية الثقافة من خلال أنها:

1 - كمال للروح

2 - وضمان من الإنحراف

3 - وانها باب لبناء حضارة فكرية شامخة.

وبعد هذه الكلمة، بدأ حوار الشباب مع سماحته:

ذكرتم ان الثقافة الفكرية حصانة من الإنحراف، ولكن القراءة الغير واعية قد تجر الى الإنحراف، فكيف أكوّن حصانة فكرية واميز القراءة التي تكون في صالحي والقراءة التي قد تجرني للانحراف؟

هذا سؤال وجيه، انا عبرت بالحركة الفكرية وليس القراءة، اي ليس المهم هو مجرد القراءة بل المهم هو حركة الفكر، وحركة الفكر تعني اني لا أقتنع بكل ما أقرأ، بل احاول ان اسأل عنه وأفحص عنه واعرف توابعه ولوازمه. الإنسان ليس شريط كاسيت، الإنسان مفكر. ولذلك ورد عن الإمام علي ”العلم علمان علم مسموع وعلم مطبوع، ولا ينفع المسموع دون المطبوع“ الإنسان يستمع كلاما كثيرا، ولكن ليس هذا هو المهم، المهم هو المطبوع، اي القدرة على محاكمة الفكر وتمييزه، المدار على ان تكون عندي حركة فكرية، وهي نقد ما اسمع وأقرأ ومناقشته، لتصبح لدي مع مرور الوقت معايير لتمييز الصحيح من غير الصحيح.

حسب تجربتي اني اخذت بعض الدروس الحوزوية في المقدمات، ورأيت انها اعطتني فهم لكثير من الأطروحات ومرونة في التفكير ولم تكن بالشيء الصعب وانما تحتاج الى مراعاة المناهج المناسبة، فماذا تقولون في ذلك؟

بالنسبة لقراءة الكتب الحوزوية، فلا بأس بذلك وهو مفيد، كقراءة كتاب «المنطق» للمظفر، فقراءته ودراسته تعطي الإنسان دقة في التفكير والتركيز وعلى تمييز الأفكار، أو القراءة في علم أصول الفقه كالحلقة الأولى للشهيد السيد الصدر، فهذا ينفع في تقويم الفكر. وهذا طرح جيد.

لو أردنا ان نضع مناهج ثقافية للشباب، فما هي المناهج او الأمور التي يحتاجها الشباب في هذا الوقت؟

الشاب يحتاج في بدايات حركته الثقافية الى قراءة كتب العقيدة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية. من باب المثال، كتاب «الإلهيات» للشيخ جعفر السبحاني او كتاب «دروس في العقيدة» للشيخ مصباح اليزدي، عند قراءته بشكل دقيق وبشكل محاورة، يعطي الإنسان اطلاع ومعلومات شمولية عن العقيدة الإسلامية والإمامية، وتكون لديه رصيد ليناقش الفكر الآخر كالعلمانية والليبرالية او اي فكر آخر. وكتب المفاهيم الإسلامية، ككتب الشيخ المطهري والسيد الصدر، فهذه الكتب تتحدث عن المفاهيم الإسلامية العامة. من الجيد ان يقرأ الشاب امثال هذه الكتب ويدقق فيها حتى يمتلك النواة والجذور لبناء هيكلية الثقافية.

نلاحظ ان كثير من الباحثين والكتاب ينطلقون من الفكر الآخر لمعرفة الإسلام، فهم يقرأون الفكر الآخر ثم يرون نظرة الإسلام. فهل هذه الطريقة صحيحة في البحث؟ أم اننا ننطلق من الإسلام أولا ثم ننظر الى الأفكار الأخرى.؟

الصحيح هو إما أن يقرأ الفكر الإسلامي بخطوطه العامة ثم يقرأ الفكر الاخر للمقارنة، أو انه يقرأهما معا في عرض واحد. أما اذا كان ينطلق من الفكر الآخر قبل قراءة الفكر الإسلامي، حيث يقرأ الفكر الآخر وعلى أساسه يحاسب الفكر الإسلامي مع ما ينسجم مع الفكر الآخر وما لا ينسجم، فهذه قراءة غير موضوعية.

كيف يتم التوفيق بين الدراسة الأكاديمية والدراسة الحوزوية؟ فكمية الكتب كبيرة وقد جربت دراستها ولم أستطع الإكمال بسبب الإمتحانات.؟

أتصور انه هناك طريقين، الأول استغلال أيام الإجازات، فاذا كان هناك اجازة طويلة أفرغ نفسي عشرون يوما مثلا لدراسة كتاب عقائدي او قراءته أو بعض الكتب التي تتحدث عن المفاهيم الإسلامية. الطريق الثاني هو التشكيلات الأخوية أو ما نسميه «الشلل» نحن نحتاج الى «شلل» فكرية كما توجد «شلل» للنادي وللعب وللرحلات. اجتماع ثلاثة أشخاص يكفي، وذلك بأن أحاول ايجاد شخصين يناسباني في المزاج وفي الذهنية، ثم أبدأ معهما مشوار فكري. في أيام الإجازات نجلس على كتاب معين ونتحاور فيه الى ان نستوعبه. واذا لم يمكن هذا، يمكن تشغيل محاضرات فكرية في السيارة.

هل تقصدون السيديات المسجلة التي تحوي دروس كدروس السيد كمال الحيدري او غيره.؟

نعم هذا جيد.

أغلب الشباب يعلمون ان الثقافة لا يستغنى عنها في الإبداع، واعتقد ان الشباب الموجودين من خيرة الشباب وعلى مستوى مطلوب من الثقافة بالنسبة الى جيلنا. أود أن استفسر عن شيء وهو ان هناك عنصرين لا يمكن الإبداع بدونهما وهما الفرصة والمادة. هناك فرق بين جيلنا نحن الشباب وجيل آبائنا، فانا المس الفرق بين الجيلين، الشباب الآن انتم ترون مجهوداتهم وحركتهم، وتبقى مشكلة الفرصة والمادة، فما هو الحل؟ فعدم توفرهما يشكل حواجز.؟

ملتقى الشباب

بالنسبة لتعليقك عن جيلنا، فربما تكون المادة الثقافية غير متوفرة كما هوالآن، ولكن في السابق روح المبادرة متوفرة أكبر، فكان الشباب المتدين والغير متدين يمتلكون روح المبادرة لأن يقرأ وأن يطلع، فصحيح أن المادة لم تكن متوفرة ولم يكن الإنترنت موجود ولم تكن توجد الا الحسينية وما يقوله الفقيه، والكتب التي تتناقل عن طريق الإستعارة، ولكن روح المبادرة الى اقتناص الثقافة واستقراء ومتابعة المعلومات كانت قوية. روح المبادرة الان بالحجم الموجود تعتبر مفقودة لأن حجم الشباب الآن أضعاف حجم الشباب في ذلك الوقت، فنسبة من يبادر تكاد تكون مفقودة.

أما ما ذكرتم عن العنصرين، فاذا كان الإنسان لديه الإرادة فالفرصة تأتي. الإنسان روحه روح اتكالية، فانا أقرأ كتب الجامعة لأني مضطر للدراسة، بينما الكتب الثقافية الأخرى فلست مضطر لقرائتها، فالإنسان الذي يقرأ لأنه مضطر ليس لديه ارادة. ولذلك منذ ان ينفصل عن الجامعة، ينام 12 ساعة ويخرج مع الشباب الى تسع ساعات أو أكثر دون معنى او فائدة، فهذا انسان استرسالي، بمعنى أنه يوجهه الجو، لا انه هو الذي يوجه الجو، فاذا جاءت أجواء الجامعة صنعت منه انسانا جامعيا واذا جاءت أجواء الإجازة صنعت منه انسانا كسولا. اذا امتلك الإنسان الإرادة والتصميم يستغل الفرصة ويستغل اي اجازة عابرة واي ساعة تمر عليه لاستماع شريط او ملاحظة مواقع الإنترنت. ماذا تقصدون بالمادة؟ هل تقصد بها المادة الثقافية؟

أقصد أن الشباب تخطوا حاجز الثقافة، اي ان الشباب وصلوا الى مرحلة من الثقافة ونحتاج بعدها الى الإبداع، بمعنى أنهم يمكنهم الإبداع في اي مجال من المجالات. هناك طاقات كبيرة والثقافة موجودة وكذلك وجود الإنترنت ساعد كثيرا.؟

يبدو انني اجبت بعيدا عن سؤالك. الإنترنت يكفي لمن كان عنده ارادة وروح المبادرة وهذه نفتقدها في كثير من الشباب، أمام مسألة الإبداع فهذا بحث آخر وهو غير الموضوع الذي نجلس من أجله. مسألة الإبداع مسألة ضرورية، ومن أهم روافدها المنتديات الثقافية التي من خلالها يجهز الإنسان فكرة جديدة ونظرة جديدة ابداعية.

بالنسة للارادة، كثير من الشباب لا يفهم هذا المعنى، كيف أخلق هذه الإرادة لدى الشباب وابين ضرورتها؟

ذكرت من خلال المحاضرة الحاجة الماسة للفكر باعتبار أنه كمال وضمان من الإنحراف وباب لإنشاء حضارة فكرية. خلق الإرادة اما ان يأتي عن طريق التربية، كالانسان الذي يتربى في بيت يحث على الثقافة والقراءة. أو أن يخلقها من خلال الأصدقاء الذين يعاشرهم، فالإنسان الذي يقول انه ليس لديه ارادة نحو الثقافة، فلتكن لديه ارادة على انتقاء الأصدقاء على الأقل، يختار اصدقاء نشطين جادين يمتلكون روح التغيير والإنفتاح على الثقافة، فيكون هذا باب من ابواب خلق الإرادة.

ماذا تقصد بالبناء الفكري، هل هذا يقتصر على الجانب الديني كالعقيدة والأخلاق؟

انا لا أقصد فقط الفكر الديني، ذكرت اننا نتحدث عن الحركة الفكرية، لا خصوص الثقافة الدينية، الإنسان يحتاج الى ثقافة في علم النفس والإجتماع والفقه والتاريخ والقانون والإدارة، وكيف يدير الإنسان حياته ودروسه.

التعلق بالتيارات بشكل عام هل هو ايجابي من الناحية الثقافية ام لا؟ فقد يرى الشاب أن تعلقه بشخص ما او بتيار ما انه مفيد جدا من الناحية الثقافية، ولكن من جهة أخرى هناك مقولة «لا تقدس أحدا، استمع للجميع» فما صحة هذه المقولة وما الفائدة من التعلق بالتيارات؟

شيء طبيعي في الإنسان انه غير مفصول عن حالات الإعجاب، طبيعي أن يعجب الإنسان بشخصية عظيمة كالإمام الخميني قدس سره والشهيد السيد الصدر، وغير هؤلاء، وربما تصل حالة الإعجاب الى الإنصهار في فكر هذا الشخص والتفاعل معه. أما اذا كنا نتحدث عن الإنتماء فأنا لا انصح بهذا، الإنسان يجب أن يكون مستقلا في فكره والنظر للأمور. نعم يمكنه أن يستفيد من العظماء، ولكن ينظر نظرة استقلالية لكي يقدر على صنع فكرة ولايكون مجرد متلقي. فاذا انتمى الى تيار معين يكرر عبارات ومصطلحات هذا التيار وأفكاره، وينظر للامور من خلال هذا التيار.

كل انسان لا بد ان يمر بالتجربة، كتجربة ثلاث سنوات او خمس سنوات ساعة هنا وساعة هناك، وساعة يرتبط بذاك وساعة يتركه، هذا طبيعي خصوصا في الشباب البادىء، فاذا نحى من البداية منحى الإستقلال، هذا التصميم سيكون ضمانا له وان تعثر احيانا، كأنه ينتقد نقدا في غير محله، يتعلم من أخطائه ويستفيد من تجربته حتى يصبح مبدعا.

هل النقد ضروري للبناء الفكري؟

نعم. هو بوابة التطور، ليس هناك شيء صحيح 100% او الشيخ الفلاني كل ما يقوله صحيح، فهو غير معصوم. لا بد ان تكون لدي حالة نقد، وليس معنى ذلك ان أرفض كل شيء وأعتبره خطأ، بل بمعنى ان تكون عندي روح التساؤل ولبحث والفحص، هذه الروح ضرورية لتطوير الفكر. حتى لو أخطأ في البداية عندما ينقد - وهذا طبيعي عند كل انسان - ولكن روح النقد مهمة.

سيرة أهل البيت ، كيف نخرج من زاوية العَبرة الى العِبرة؟

لا أعتقد ان هذا موجود في جيلنا، فالمجتمع بدأ يتجه نحو الفكر أكثر من مجرد ممارسة الطقوس وان كان ممارسة الطقوس امر راجح ومستحب ويترتب عليه ثواب جزيل كالمواكب واللطم والبكاء، لذلك تاريخ أهل البيت ما زلنا بعيدين عنه، ولم تصل هذه السيرة الى واقع ملموس. وايصال ذلك يحتاج الى تكثيف من المساجد والمنابر وروافد الثقافة.

كيف نوازن بين العَبرة على العِبرة بعيدا عن الاباء الذين ركزوا على جانب العَبرة فقط؟

التوازن بينهما اي بين التفاعل الفكري والعاطفي. التفاعل العاطفي يمكن ان يحصل عليه الإنسان بأن يشارك لمدة معينة في اللطم، كثير من الشباب لا تفارق أشرطة العزاء سياراتهم - وان كانت لدي ملاحظات على أشرطة العزاء ولكن لا أريد ان اتحدث عن ذلك هنا -. والتفاعل الفكري باختيار الخطباء الجيدين والإستماع للسيديات التي تحتوي على دروس، عندئذ يحصل التوازن عند الإنسان.

ضوابط النقد هل هي ثابتة أم متغيره؟ واذا كانت غير ثابتة هل يجب على كل شخص ان يصنعها لنفسه وما هي المحددات التي تحدد ضوابط النقد هل هي صحيحة ام لا؟

النقد البناء والهادف له ضوابط:

1 - هذه الفكرة المعروفة، هل تنسجم مع المصلحة العامة للمجتمع؟

2 - هل هذه الفكرة تنسجم مع العقل؟

3 - اذا كانت الفكرة دينية، هل تنسجم مع القرآن والأحاديث وسيرة أهل البيت ؟

فن النقد يمكن ان يصنعه الإنسان بنفسه، فهذه مسالة فنية وليست فكرية. وطبعا نحن لا نعني نقد الأشخاص.

هل أرفض النقد الذي لا يحوي هذه الضوابط؟

نعم.

هناك مصطلحات يا حبذا لو توضحونها ماذا يعني بالترف الفكري؟ الإرهاب الفكري؟

الترف الفكري هو ان ينشغل الإنسان بتنقيب معلومات لا أثر لها على العقيدة ولا السلوك ولا بناء المجتمع وهذا يعتبر ترف فكري. مثل: هل منكر ونكير طوال او قصار، فلا أثر لهذه المعلومات. او اننا نسهب في البحوث التي لا تسمن ولا تغني من جوع، مثلا: هل علماؤنا أفضل من الأنبياء، هل هم معصومون عصمة صغرى. نعم في البحث العقائدي، هل الأئمة أفضل من الأنبياء؟ هل الزهراء تشارك في الغزوات أم لا؟ هذا له أثر سلوكي لأن الزهراء يقتدى بسلوكها.

الإرهاب الفكري هو الفكر الذي يقصي الفكر الآخر. لا يوجد أناس متحدين 100%، لا بد من وجود اختلافات، يمكنني القول بأن فلان مشتبه أو فيه تأمل بدل أن أقول هذا فكره باطل 100% ويؤدي الى النار. العبارة لها دور في تشجيع المستمع على أن يذهب للبحث، ولها دور في جعل قيمة للمستمع ان يبحث.

طريقة الإستدلال مع الأطراف الأخرى كثيرا ما يركزون على عيوبهم، لماذا لا نركز على الجوانب الإيجابية؟

تارة نحن نبحث عن لقاء ونركز على الإيجابيات، أما اذا كنا في مقام حساب الطرف الآخر فنذكر الإيجابيات والسلبيات.

ما هي مجالات الطرح الفكري للشباب أو نتاجه؟

المجالات الأخرى للطرح الفكري كالمنتديات والمواقع الفكرية على الإنترنت، ويمكنكم تخصيص ليلة لشباب يحاورونهم في موضوع معين.

هل العلوم والثقافة الدنيوية تكفي لنمو الحركة الجوهرية حتى لو بعيدا عن الثاقفة الدينية؟

كل فكر جوهري أو دنيوي هو حركة للروح. لا يصل الإنسان الى الكمال الأتم الا أن يكون الفكر المادي او الدنيوي محدود بالفكر الديني.

نرى طاقات رهيبة في مجتمعنا، ولا توجد مراكز تثقيف وتنمية المواهب في منطقتنا كما نراها في الغرب. وهذا يعطي انطباع ان شبابنا لا يمكنهم الإبداع.؟

انا معكم في هذا وتحدثت عن ذلك في محرم.

اذا كان لدي صغار، لا يفهمون معنى الحركة الجوهرية وغيرها، فكيف اوصل له الفكرة بسهولة.؟

الطفل ليس من الضروري ان يفهم الهدف، يمكن جعل القراءة عادة لديه، الأم والأب أو الأخ، يشاركونه في قراءة القصة، ثم انتقل به الى مكتبة، ثم أطالبه بقراءة قصة وأعطيه جائزة عليها.

ما هي المعارف التي لها أولوية التحصيل؟

ذكرنا ان المعارف التي لها اولوية التحصيل هي العقيدة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية، العقائد كاثبات التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد وأغلب العقائد المتفق عليها. المفاهيم الإسلامية كمذهب الإسلام في مجال الإقتصاد وعلم الإجتماع. للأسف ثقافة مجتمعنا ضعيفة، تراه محلقا في السياسة مع ان الفقه من أهم العلوم لأن الإنسان سوف يسأل عنه، وكثير من الملابسات تذهب بتعلم الفقه. طبعا لا أقصد الثقافة الفقهية بالشكل الموجود، انا لدي نقد لطريقة الثقافة الفقهية الموجودة لدى مجتمعنا كما تحدثت في السابق عن ذلك واقترح طرق أخرى، ولكن أصل الثقافة الفقهية أمر ضروري، وهذا يساعد على فهم الإسلام والعلاقات مع الزوجة ومع الصديق ومع الوالدين ويؤدي الى فهم التوازن في هذه العلاقات فضلا عن العبادات.

تحدثتم عن النقد هل يحق لي كشاب أن انتقد مرجع أو رمز ديني كبير على مواقع او بالعلن، لاحظنا في الفترات الأخيرة في الإنترنت نقد لشخصيات كبيرة بل حتى المراجع، فماذا تقولون هل هو بادرة جيدة لتنمية الثقافة للشباب؟

انني أفرق بين أسلوبين: التساؤل وتسجيل العيب. التساؤل مثل ما هو رأي المرجع الفلاني في موقف ما وما هو تفسيره لهذه الظاهرة كصلح الإمام الحسن وموقف الإمام الرضا من ولاية العهد وموقف السيد السستاني في العراق. اذا كان تساؤلا فهذا جيد. أما تسجيل العيوب فهذا حرام شرعا وهتك لحرمة المؤمن العادي، فضلا عن اذا كان مرجع أمة او زعيم أو شخص خدم بلده.

ما هو الحد الأدنى للشاب في العلوم العرفانية؟ نسمع علماء الدين يتحدثون عن ذلك؟

لا أنصح أن يدخل الإنسان علم العرفان أو علم الرياضة الروحية الا عن طريق انسان معروف في هذا المجال، والا المفسدة ستكون أكثر من المنفعة لأنه علم غير مكتوب، وما تقرأه في الكتب مجرد لمحات واشارات ليست هي حقيقة علم العرفان. أما من يقول انا قرأت ووصلت فهو لم يصل الى شيء. السيد الحكيم رحمه الله نقل عنه أنه قال «من وصل لا يقول ومن قال لم يصل».

تثقيف الشباب يحتاج الى مصدر، توجد حواجز بين المصادر كطلبة العلم، فكيف نقرب هذه المسافة؟

المنتديات والرحلات هي وسيلة لتجمع بين رجال الدين والشباب الذين ليس لهم رغبة، فالحديث المشافهي أكبر مؤثر من مجرد التلقي. ”خذ العلم من أفواه الرجال“.