يجب على المتديين توضيح التدين وطرحه بشكل لا يشكل عبئا على الشباب

شبكة المنير

والصلاة والسلام على اشرف الانبياء وخاتم المرسلين محمد بن عبدالله النبي الأمي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين.

نستضيف في هذا اللقاء رجلا عالما فاضلا ومثقفا وواعيا، لحديثه ولنظرته بعدا واسعا، ولرأيه معنا خاصا، معنا الليلة سماحة السيد منير الخباز ومع حوارية حول الشباب «إبداع وتربية».

ما سبب التركيز في جملة من الأحاديث عن مرحلة الشباب بالذات؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، الشباب هو الطاقة التي يضع المجتمع آماله عليها للنهوض بهذا المجتمع في مختلف مجالاته، وإذا قرأنا مسيرة الثورات والانتفاضات نجد أن دعائمها الشباب وعندما نستقرأ القرآن الكريم في حديثه عن قوم النبي نوح في قوله تعالى: ﴿فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ، الآية الكريمة أوضحت بأن من اتبع نبي الله نوح يتصفون بوصفين:

الأول: أنهم من الطبقة الفقيرة.
الثاني: الشباب عديمي الخبرة والتجربة.

ولأن الشباب طاقة لذلك يستقبل التغيير ويتفاعل معه.

أين تلك الطاقة والقوة التي ذكرتموها بأنها توجد لدي الشباب؟

نعم الطاقة الشبابية من الملاحظ أنها اكتشافية ولكنها غير منظور لها، ومثال ذلك لو أن إنسان يعمل عمل ما لا يلتفت ذلك الإنسان عما اذا كان له الإمكان بأن يبدع ويعطي ويقم الجديد في ذلك العمل، فعلينا أن ننظر إلى إمكاناتنا قبل أن نبدأ بعمل أي شئ.

من الذي عليه أن يكتشف طاقات الشباب، المجتمع أم البيت أم المؤسسات الاجتماعية؟

مع الأسف نحن لا نمتلك مؤسسات مثل الذي يمتلكها المجتمعات الأخرى، فترى هناك أن الإنسان منذ مراحله الأولى يُكتشف، وذلك بسبب وجود مهارات وأساليب تربوية خاصة، ثم يبدأ توظيف قدرات هذا الإنسان حسب انسجامه مع طاقاته، ومدارسانا سواء على مستوى المدارس أو الجامعات إنما هي لقتل الموهبة والطاقة، لذلك انحصرت المسئولية بدور الأسرة واللجان الاجتماعية لتمنية المواهب، لذا يجب عليها رصد وتهيئة تلك المواهب لما فيه صالح المجتمع.

ما هي البداية في نظركم لبناء مجتمع سليم ذو شباب صالح؟

البداية لا بد أن تكون ممن هم فاعلين في المجتمع وعليهم أن ينزلوا لهؤلاء الشباب، وعدم الترفع عنهم، لأننا نرى بأن هنالك انفصال كبير بين جيلين، وهذا الانفصال هو السبب لجعل الشباب تائها وجعل المجتمع فقيرا من طاقات الشباب، لذا يجب على الجيل الكبير ن ينفتح على هذا الجيل والتداخل معه وهذه مسئولية كل من لديه وعي وأن يجالسهم ويكتشف مواهبهم.

مع المحاولات العديدة لاكتشاف مواهب وطاقات الشباب، وجدت مليئة بالهموم، كالوظيفة والمنزل والزواج.... إلخ، فماذا يجب على الشباب للتعايش مع واقع الحال؟

أولا يجب على الشباب عدم الكلل عن محاولة بناء شخصيتهم، قال تعالى:

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿التوبة/109

والتقوى في الآية تشير إلى التفاتة كريمة وهي الهدف الاجتماعي وليس الذاتي وهي تجاوز الذات للغير ونبذ التقوقع وترك الأنانية، ويجب عليه أن يكون فاعلا في المجتمع بتقوى.

مع وجود المغريات، كيف يستطيع الشباب التعامل معها ونبذ الأنانية والعمل على أن يكون فاعلا في المجتمع؟

على الشباب أن يعي بأن هذه الأمور ما هي إلا وسيلة وليست غاية، فلو ركزنا على أنها غاية فسنقوم بهدر الوقت الثمين على آخر ما أنتج منها لأنه سيُعتقد حينها بأنها مطلوبة بحد ذاتها، أما إذا تعامل معها على أنها وسيلة حينها سيقتصر على ما يحقق هذه الوسيلة بغض النظر عن سن الصنع أو الإنتاج، وينها سيضع لنفسة أولويات، ومن ثم تقسم الأهداف إلى أولية وثانوية.

ما هي الطريقة التي يمكن للشباب أن يكتسب بها مهارة تحديد الأولويات؟

هنالك عدة وسائل ومن أهمها في نظري اللجان الأهلية مثل النادي على سبيل المثال، فهو مؤسسة اجتماعية مهمة، شريطة ألا يقتصر على تربية الأبدان فقط فيجب أن يكون ذلك النادي ذو نشاط واسع في مجالات عديدة، كالحوارات الثقافية والأعمال المسرحية وغيرها، وقتها لا تحتاج لجذب الشباب بالكلام لأنه وكما ذكر علماء التربية، لأن التربية نوعان «مستترة ومباشرة» فالمباشرة هي التوجيه بالفعل وعدمه وغالبا ما تكون فاشلة مع الشاب المراهق خصوصا، وهنا نريد أن نركز على التربية المستترة والعمل بها على توضيح الأهداف الاجتماعية ولأخلاقية وغيرها.

كيف تقيّمون سبب رفض بعض الشباب التعايش في مجتمع متدين؟

المشكلة ليست في الشباب بل فينا نحن المتديين، لأننا نصور لهم التدين بقيود ثقيلة ففي هذه الحالة سيعتقد الشباب بأنه سيفقد الحرية وخصوصا في مرحلة المراهقة، لذلك يجب على المتديين توضيح التدين وطرحه بشكل لا يشكل عبئا على الشباب، حيث أن التدين هو إحساس داخلي وليس شكلي، فالدين المعاملة.

هل توجد قيادة في المجتمع، وإن وجدت من هو القائد؟

في المعنى الاصطلاحي لا توجد قيادة فعلية، ولكن المسئولية ليست مقتصرة على فلان من الناس، فمثلا لو نظرنا إلى عدد المدرسين في منطقتنا سنجد أنه يوجد عدد لا بأس به، فلو كان هنالك مدرس ألقى درسه وقال أنتهيت وليس لي شأن بأي شئ آخروكذلك رجل الدين على سبيل المثال صلى الجماعة وقال أيضا أنتهيت وليس لي شأن بأي شئ آخر، هنا نقص الدور والمسئولية الملقاة على عاتقيهما، فلو ألقى كل منهما كلمة قصيرة سيكون لها الأثر الكبير في نفوس من حولهم وسيحدث تغيير حينها نستطيع أن نبلور هذا الحدث على أنه قيادة «مسئولية».

ملاحظة: أقترح بأن لا يقتصر شهر محرم الحرام على الخطباء بل من المهم أن تكزن هنالك برامج متنوعة، كأن تخصص بعض الليالي للأطباء والأدباء والمفكرين وغيرهم، وغن لم يمكن ذلك فلتكن جلسة مشتركة بين هؤلاء ورجالات الدين وتكوين حلقة نقاش ترقى بالمجتمع.

تحدثنا كثيرا عن الشباب، فما هو تقييمكم للنصف الآخر من المجتمع «الشابات»؟

في الحقيقة في نظري بأن هذه الشريحة من المجتمع مظلومة، وتحتاج إلى الاهتمام فهي شريحة لا يستهان بها لأن لها القدرة على العطاء والابداع، ولكن مرة أخرى للأسف مجتمعنا يسيطر علية طابع العيب.

كثير من الشباب والشابات يستاؤون بسبب النقد الهدام لهم على الأفعال، فكيف يمكن لهم التخلص من هذا النقد والوصول إلى الحالة البناءة والإيجابية؟

من الطبيعي أن يغلب على مجتمعنا النقد السلبي، ولكن على الشباب والشابات أن يبذلوا قصارى جهدهم ومواجهة النقد وإيصاله إلى حد الحوارية بالأدب ففي طني حينها سيصل النقد إلى الايجابية ويبدأ التغيير.

ما الفرق بين فكر الشباب وفكر الوالدين؟

كما أسلفنا بأن فكر الوالدين روتيني، ولكن الشباب أفكارهم متغيرة وهذا أمر طبيعي، أما الكبير أقصد من سن ال 35 عام يبدا بشغل أفكاره بماذا انتج وما وصل اليه ويبدأ بالبحث عن اسلم الطرق لمواصلة معيشته، أما الشباب بما أنهم لم يمروا بأي تجربة فهذه طبيعة في تغيير فكره.

يقول البعض بأن الشباب ضاع عبر اختلافات المجتمع؟

هذا أمر صحيح وأساس وخصوصا رجالات الدين، فهو عامل هدم لهذا المجتمع وليس عامل بناء، لأنه في كثير من الاحيان يضخم الأمور كمسألة التقليد مثلا يطول النقاش بها وتصل إلى حد الكفر والايمان وحق وباطل، وهذا أوص المجتمع إلى خلافات لا حد ولا حصر لها، وهنالك شريحة كبيرة من الشباب انحرفوا بسبب مثل هذه الخلافات التي سيحاسبون عليها يوم القيامة، ومن هنا على المجتمع أن ينظر إلى نفسه ويكوّن سدا منيعا لهذه الخلافات.

ما رأيكم بالنسبة للشباب الذين يبتعثون للخارج؟

أنا من مناصري هؤلاء الشباب وأشجعهم على الدراسة في الخارج، لكي يرى شبابنا الآفاق الأخرى ويعتمد على نفسه، لأنه يحتاج أن يبتعد قليلا عن محيطه الأسري لكي لا يحصر تفكيره في مجتمعه فقط بل يجب أن يكون تفكيره ناضجا بشكل عام، وإذا تطرقنا إلى الانحراف فهو موجود في كل مكان وليس منحصرا في الخارج فقط.

في نظركم ما هو السبب الرئيس في تمرد الشباب، وكيف تقيّمون حالة التدين في منطقتنا؟

أهم عامل هو عدم انفتاح الأسرة مع أبنائها الشباب، وهذا نتاج التعامل الصارم وعدم مصادقتهم ومحاولة التقرب لهم، أما الظاهرة الدينية فهي لا تقاس بالحضور وهذا ما هو عليه مجتمعنا، بل يجب علينا متابعة وقراءة المجتمع من جميع النواحي فهنالك من لهم برامجهم الخاصة كالذين يتجادلون على الشبكة العنكبوتية في المواضيع الدينية، أما بالنسبة لمجتمعنا في نظري من أقوى المجتمعات المتدينة خليجيا ما البحرين.

هل من كلمة توجهونها للمسئولين للعناية بالشباب؟

كلمتي أوجهها لمن يتحمل المسئولية سواء كان من ذوي رؤوس الأموال أم رجالات الدين أم الآباء وكل من له موقع مسئولية في هذا المجتمع أن يقوّم الأمن الاجتماعي على الأمن الفرد لكسب هذه الشريحة وبناء المجتمع بشكل أفضل.

التدين القشري ما هي نظرتكم له؟

هذا منحى خطر ويسمى أيضا بالتعامل الشكلي مع الدين، ويفقد روح التدين، فإذا صلى إنسان ركعتان بخشوع نادما بهما على ذنوبه أفضل ممن يختم القرآن في شهر رمضان إذا كان بقصد الكم والشكل.

في الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل لسماحة السيد منير الخباز على هذه المشاركة التي أثلجت صدورنا وأنارت عقولنا، وخير الختام الصلاة على خير الأنام وعلى آله الكرام.