درس القواعد الفقهية - الدرس 10

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في أنّ مخالفة الاحتياط الوجوبي الصادر من الفقيه هل هي موجبة للفسق أم ضائرة بالعدالة؟ أم لا أثر لها في هذين الامرين؟.

وذكرنا أنه بناء على كون التجري محرّماً وقبيحاً: قد يقال: بأنها موجبة للفسق أو ضائرة بالعدالة.

ولكن اذا بنينا على أن التجري مجرد كاشف محض عن خبث السريرة من دون ان يكون موجبا لارتكاب محرم أو قبيح كما هو مسلك الشيخ الاعظم. فما هو الموقف من مخالفة الاحتياط اللزمي؟. فهنا: أفاد السيد الاستاذ «دام ظله»: بأن هذا يعتمد على رأي الناظر في حاله، ولذلك يتصور اختلاف حكمه باختلاف حال الناظر، فإذا كان الناظر اليه ممن يرى الحرمة، كما لو افترضنا ان المكلف مع التفاته إلى أن الفقيه يقول: الاحوط وجوبا عدم حلق اللحية مع التفاته لذلك خالف الاحتياط. فإذا كان الناظر لحاله ممن يرى حرمة حلق اللحية اجتهادا أو تقليداً فهو بنظره أن هذا المكلف الذي خالف الاحتياط اللزومي فاسق لانه ارتكب محرما من دون عذر، حيث إنه خالف الاحتياط اللزومي من دون عذر، فهو بنظره ممن ارتكب محرّماً من دون عذر. ولأجل ذلك تكون مخالفته موجبة للفسق.

وأما اذا افترضنا ان رأي الناظر على اللحية: أي ان الناظر بحال هذا المكلف ممن يرى جواز حلق اللحية اجتهادا أو تقليدا. الا ان المكلف لم يتركب الحلق لانه حلال، وانما ارتكب الحلق مع التفاته إلى ان هذا مناف للاحتياط اللزومي الصادر من مقلَّده. ومحلّ الكلام: من خالف الاحتياط اللزومي دون استناد لا لفتوى ولا لأصل عملي ولا لقصوره في المعتقد، هذا لابد ان يضاف إلى ذلك. بأن من يخالف الاحتياط اللزومي الصادر من مقلَّده في قوله: الاحوط لزوما ترك حلق اللحية، تارة يكون ملتفا إلى وجود رأي فقيه جامع للشرائط بالالزام سواء كان هذا الفقيه هو مقلده أم غيره المهم انه جامع للشرائط في حقه، فهذا لا اشكال في أنه ارتكب ما يوجب الفسق لانه خالف حجة فعلية في حقه بالالزام.

وتارة يكون المكلف مستندا إلى جريان اصالة البراءة اما لأن للعامي ان يجري اصالة البراءة عند عدم وجدانه حجة على الالزام في حقه، أو يقال بأن الفقيه اخبره بأن لا دليل على الالزام في المورد فاجرى البراءة، ايضاً هذا خارج عن محل كلامنا؛ لأن هذا قد استند لأصل شرعي فهو لم يرتكب ما يوجب الفسق ولم يخرج عن العدالة حتى لو كان الناظر في حاله ممن يرى حرمة حلق اللحية اجتهادا أو تقليداً.

وأيضاً محل كلامنا لا يشمل من يرى قصورا جواز مخالفة الاحتياط اللزومي، فلو فرضنا ان المكلف انه التلفت لوجود احتياط لزومي من قبل الفقيه، لكنه مطئمن بأنه معذور في مخالفة الاحتياط اللزومي وكانت هذه المعذورية عن قصور، فإذا افترضنا ان هذا المكلف عن قصور يرى: ان مخالفة الاحتياط اللزومي الصادر من الفقيه وان لم يكن هناك أصل شرعي مرخّص أمر معذور فيه فلا إشكال حينئذٍ انه لا يمكن الحكم عليه بالفسق ولا بانتفاء العدالة.

إذاً محل الكلام: من لم تقم لديه حجة على الالزام ولم يستند لاصل شرعي مرخص ولم يكن معذورا في مخالفة الاحتياط اللزومي لقصوره. فمثل هذا: في نظر من يرى حلّية حلق اللحية اجتهادا أو تقليدا ليس بفاسق لانه لم يخالف حجة بالالزام. 

ولكن هل هو عادل أم لا؟ فقد افيد: بناءً على ان العدالة - كما هو رأي سيدنا «قده» ورأي استاذنا «دام ظله» - هي الاستقامة على جادة الشرع عن باعثٍ مستمر لا مجرد الاستقامة على جادة الشرع بأن لم يرتكب محرما شرعيا ولم يترك واجبا شرعياً، بل استقامة عن باعث مستمر وهو الالتزام والتدين. فبناءً على أن العدالة كذلك، العدالة منتفية، لأن هذا المكلف الذي خالف الاحتياط اللزومي وإن لم يخالف حجة على الالزام إلّا أنّه لم يجر عن باعث مستمر وهو الالتزام والتدين. ومقتضى ذلك: عدم الحكم بعدالته. 

وأما إذا افترضنا أنّ الناظر في حال هذا المكلف مثله ممن يرى الاحتياط الوجوبي، لا ممن يرى حرمة حلق اللحية ولا ممن يرى حلية حلق اللحية، بل هو متوقف مثله. فلا يمكنه الحكم بفسقه لعدم مخالفته حجة الزامية في حقه، ولا يمكنه الحكم بعدالته لانه لا يدري ان هذا في الواقع هل هو مخالف لحكم فعلي بالحرمة أم لا؟. ولا وجه لاستصحاب العدالة إذ قد يقول قائل بانه بما انه كان عادلا سابقا والان حلق اللحية وفي حلقه للحّية خالف احتياطا لزوميا لكن لا ندري هل خالف حرمة فعلية في حقه أم لا؟ نستصحب العدالة، لا يجري استصحاب العدالة، لنفس النكتة التي ذكرت في عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية وهو دوران حال هذا المكلف بين اليقين بالحدوث أو اليقين بالعدم ولا يوجد شك في البقاء. فإنه إن كان حلق اللحية محرما في حقه وهو ليس بعادل جزما، وان لم يكن محرما في حقه فهو عادل جزما فلا يوجد هناك شك في البقاء. بل الامر يدور بالنسبة لحال هذا المكلف بين الاطمئنان بالوجود أو الاطمئنان بالعدم، ولا يوجد شك في البقاء كي يكون مجرى لاستصحاب العدالة. إذاً فلا يجري استصحاب العدالة في حقه، بل قد يقال بانتفاء العدالة في حقه بناء على أنّ العدالة ليست مجرد الاستقامة العملية بأن لا يترك واجبا شرعيا ولا يرتكب محرّماً شرعياً، بل عبارة عن أن العدالة هي عبارة عن الاستقامة العملية على جادة الشرع عن باعث نفسي مستمر، وهذا الباعث عبر عنه سيدنا «قده» في «التنقيح، ج1، في بحثه حول العدالة» بأنه الخوف من الله عزّ وجلّ.

وعبّر عنه السيد الاستاذ: بالالتزام بأنه ملتزم متدين. هذا باعث مستمر. وهذا الباعث ينفصم وينهدم بمخالفة المكلف بالاحتياط اللزومي دون الاستناد إلى أصل شرعي مرخّص أو مع عدم كونه ممن يرى المعذورية قصوراً. فهل أن كلام السيد الاستاذ تامّ؟. فإن البحث على تماميته وعدمه يتوقف على تنقيح ما هي العدالة وذلك يتوقف على تنقيح ما هو المستفاد من صحيحة أبن أبي يعفور التي هي المعتمد في بحث العدالة: سال ابا عبد الله : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تجوز شهادته لهم وعليهم؟ فقال : ان تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان». فهما هو المستفاد من هذه الرواية الشريفة. نتعرض في المباني المختلف فيها في متن الرواية وما يترتب على مباني في هذه الرواية غدا ان شاء الله.

والحمد لله رب العالمين.