الدرس 80

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أن المحقق الاصفهاني «قده» ذهب الى انه لا توجد طولية من حيث التأثير بين الشرط وعدم المانع، فان مرجع عدم المانع الى الشرط لا الى جزء مستقل للعلة ولا لتأثيرها، وذكرنا ان كلامه «قده» يعتمد على مقدمتين سبق الكلام في المقدمة الاولى. ومحصلها: ان المحقق الاصفهاني يرى ان عدم المانع هو مصداق للشرط، لان ملاك الشرطية متوفر فيه، فأن ملاك اتصاف شيء بالشرطية هو كونه متمما لقابلية القابل وهذا الملاك موجود في عدم المانع حيث ان عدم المانع متمم لقابلية القابل فعدم الرطوبة مثلا متمم لقابلية الجسم لان يحترق، فبما ان ملاك الشرطية موجود في عدم المانع، فعدم المانع شرط، وبالتالي لا معنى لدعوى الطولية بين الشرط وعدم المانع.

ولكن الملاحظة المنتزعة من كلمات معاصره وهو المحقق النائيني «قده»: ان المحقق النائيني يرى ان عدم المانع لا ينحصر دوره في تتميم القابلية كي نقول انه شرط فملاك الشرط موجود فيه، بل يقول ان من موارد عدم المانع ان لا يكون له دخل الا رفع المزاحمة لا اكثر لا انه يكون دخيلا في تتميم القابلية، مثلا لو دار الامر بالنسبة للمكلف بين قتل النفس وهتك العرض، فاذا دار الامر بين قتل النفس وهتك العرض مثلا، فحينئذ يقال بان اتصاف هتك العرض بالقبح والحرمة متفرع على عدم المزاحم وهو عدم مزاحمة قتل النفس له، كأن تنقتل هذه النفس او تتلف قبل ان تصل النوبة لقتلها. انما يتصف هتك العرض في هذا المورد بالقبح والحرمة الفعلية على فرض ان لا مزاحم له الا وهو قتل النفس. فلا دور لعدم قت ل النفس هنا الا في رفع المزاحمة والمنافاة لا ان له دور في تتميم قابلة القابل فان قابلية لهتك العرض لان يكون قبيحا او محرما ليس قاصرا فان ملاك قبحه وحرمته تام لا يتوقف على انعدام المزاحم حيث ان الملاك الذي يقتضي اتصاف هتك العرض بالقبح والحرمة ملاك تام لا يحتاج الى انتفاء المزاحم، انما انتفاء المزاحم لا دور له إلا رفع هذه المنافاة ليس إلا، لا انه دوره في تتميم قابلية القابل وهو اتصاف هتك العرض بكونه قبيحا محرماً. فبناء على ذلك: حيث ان عدم المانع لا ينحصر دوره في تتميم قابلية القابل، فلا وجه لأن يقال كما اطلق المحقق الاصفهاني «قده» بان عدم المانع دائما من قبيل الشروط فلا طولية بينه وبين الشروط.

المقدمة الثانية: بعد الفراغ عن رجوع عدم المانع الى الشرط لتوفر ملاك الشرط فيه كما قرّره المحقق الاصفهاني «قده» يصل الكلام الى:

المقدمة الثانية وهو ما تعرض له في «الحاشية على نهاية الدراية، ج2، ص189»:

الى الاشكال على اتصاف عدم المانع في الشرطية. فالمقدمة الثانية في رفع الإشكال على اتصاف عدم المانع بالشرطية. محصّل هذا الاشكال:

أنّ المانع إنما يتصف بالمانعية بعد وجود المقتضي والشرط، فيقال: اذا وجد المقتضي والشرط ومع ذلك لم يوجد الاثر اذن فعدم الاثر مستند الى وجود المانع، فالمانع إنما يتصف بالمانعية على فرض تمامية المقتضي وشرطه بان وجدت النار ووجدت المحاذاة وهو قرب الجسم من النار، لكن الجسم لم يحترق، فعدم الأثر يعني عدم الاحتراق مستند لا محالة لوجود المانع كالرطوبة مثلا. هذا الكلام يقول به المحقق النائيني متصور في غير الاضدار انما المشكلة في تطبيق هذه الكبرى على الاضداد، هل يمكن ان يكون الشرط احد الضدين والمانع هو الضد الآخر؟ فيستند عدم المعلول لمانعية الضد ام لا؟ هذا هو محل البحث.

فيقول المحقق النائيني هذا غير معقول، لانه اذا افترضنا ان لدينا دواءين: دواء يقتضي شربه اليقضة والقيام، ودواء يقتضي شربه النعاس والكسل، فبين الاثرين لكل من الدواءين تضاداً، فهل هنا يمكن ان يقال: بان ثبوت الاثر الاول وهو اليقظة والقيام كما يتوقف على المقتضي وهو شرب الدواء وعلى الشرط وهو شرب الدواء مثلا اول الصباح ايضا يتوقف على عدم المانع والمانع ان لا يشرب الدواء الآخر؟ ام ان هذه القاعدة لا تنطبق في باب الاضداد؟

فيقول المحقق النائيني هذه القاعدة لا تنطبق في باب الاضداد، لانه اذا تم المقتضي الاول وشرب الدواء وتحقق شرطه كأن كان اول الصباح فحينئذ لا يعقل ان يستند الاثر لعدم الضد الآخر، وهو الدواء الآخر، لأنه لو فرض وجود وجود مقتض له _مع وجود المقتضي للاول المقتضي للثاني موجود بان شرب دواءين معا_ للزم المحال، لان اقتضاء المحال محال، كما يستحيل ان تجتمع اليقظة مع النعاس يستحيل ان يجتمع مقتضي اليقظة مع مقتضي النعاس، فان اقتضاء المحال محال، اذن لا يعقل ان تجتمع اليقظة والنعاس في آن واحد فلا يعقل ان يجتمع سببهما معاً في آن واحد، فاذا لم يعقل ذلك اذن لا يعقل ان يستند عدم الاثر لوجود مقتضي الضد الآخر، لأنه أساسا لا يعقل أن يوجد مقتضي الضد الآخر مع مقتضي الضد الآخر مع وجود مقتضي الضد الأول. فاقتضاء المحال محال.

فيجب المحقق الاصفهاني عن ذلك «ص190»: إن التضاد بين الشيئين إنما هو في مرحلة الثبوت الفعلي، يعني لا يعقل ان يوجد اليقظة والنعاس معاً لجسم واحد، هذا معقول، لا بينهما في مرحلة الثبوت الاقتضائي، يعني لا يوجد سبباهما في آن واحد، بان يكون سببهما في آن واحد، فيشرب الدواء المقتضي لليقظة مع الدواء المقتضي للنعاس في آن واحد. ممكن. المحال وجود الاثرين المقتضيين في آن واحد في جسم واحد، لا توفر سببيهما في آن واحد. فإن قلت: الا ترى ان اقتضاء المحال محال؟ يقول: هذه اجنبية عن المقام، فان اقتضاء المحال محال فيما اذا كان هناك سبب واحد لأمرين، كأن تكون له إرادة واحدة للقيام والقعود في آن واحد، أن يوجد لدى الإنسان إرادة جدية عن التفات الى القيام والقعود في آن واحد، هذا غير معقول، فاقتضاء المحال محال. أما وجود سببين لكل منهما اثر وهناك تضاد بين الأثرين فالمستحيل هو اجتماع الاثرين لا ان المستحيل هو اجتماع السبيين المقتضيين لأثرين متضادين.

النتيجة: انه مع توفر المتقضي ان شرب الدواء وشرطه انه شربه او الصباح فاذا لم يوجد الاثر وهو اليقظة يصح استناده للمانع، لا كما يقول النائيني، بل نقول: اذا تم المقتضي بان شرب الدواء، وتم شرطه بان كان اول الصباح، فان لم توجد اليقظة فلا محالة عدم وجودها مستند الى وجود المانع والمانع هو مقتضي الضد الاخر اذ لا مانع ان يجتمعا المقتضيان في آن واحد.

إذن إنما لم يحصل الاثر الاول لوجود المانع، والمانع هو متقضي الاثر المضاد، فكيف لا يستند اليه؟! اذن يصح لنا ان نقول: ان وجود اليقظة يتوقف المقتضي لشرب الدواء، والشرط وهو كونه اول الصباح، وعدم المانع يعني عدم مقتضي الضد الاخر، فانه لو وجد مقتضي الضد الاخر لم توجد. فيصح اتصاف الضد بالمانعية مع اتصاف ضده بالشرطية.

وملخّص اشكال النائيني:

لا يمكن ان يتصف الضد بالمانعية اذا اتصف ضده بالشرطية، لان الضد اما معدوم او موجود، فان كان معدوما فالمعدوم لا يتصف بالمانعية، وان كان موجوداً فعدم الأثر لأجل عدم شرطه وهو الضد الآخر لا لأجل لاجل وجود مانعه، فالنتيجة أن الضد لا يتصف بالمانعية.

لكن، المحقق الاصفهاني يشكل على نفسه في «ص190» بأنه:

إن قلت: مجرد عدم الاستحالة وان اجتماع مقتضيين لضدين امر ممكن لا يكفي في الوصول الى النتيجة، لان النائيني يقول لا يمكن ان تتوفر علة من مقتضي وشرط لشيء ومع ذلك لا يوجد، وتقولون لا يوجد لأجل مانعية ضده، فإمكان اجتماع المقتضيين شيء وأما اجتماع المقتضيين والشرطين بحيث يستند عدم الاثر للاخر هذا امر غير معقول، نسلم بامكان اجتماع المقتضيين أي السببين. بأن شرب الدواء المقتضي لليقظة وشرب الدواء المقتضي للنعاس، ولكن هل اجتمع السببان مع الشرطين؟ بحيث وصل الامر الى اليقظة او النعاس، هذا امر غير معقول. ان يجتمع المقتضي وشرطه لضد مع مقتضي وشرط للضد الآخر، هذا معنى غير معقول، لان معنى اجتماعهما لا يبقى ان يوجد الضدان، فكما يستحيل اجتماع الضدين يستحيل اجتماع المقتضي والشرط لكل منهما مع المتقضي والشرط للآخر، وهذا ما نريد ان نقول: انه لا يعقل ان يكون مقتضي الضد الآخر مانعاً، لانه لا يعقل اجتماع مقتضي وشرط لضد مع مقتضي وشرط لضد آخر، إذ لا فرق مثل استحالة الضدين مستحيل واجتماع عللهما ممكن، هذا لا فرق بينه. كما يستحيل اجتماع الضدين يستحيل اجتماع العلتين التامتين لهما، هذا غير معقول.

قلت: لا محالة السبب اما واحد او متعدد، فاذا كان السبب واحد تم كلامكم المقتضي للمحال محال، يعني لا يعقل وجود ارادة جدية واحدة لضدين.

واما اذا كان هناك سببان لا سبب واحد، تارة يكون السبب بسيطا تام الفاعلية وتارة يكون السبب مركبا.

فالسبب البسيط التام الفاعلية: كإرادة الشك وارادة اليقين، الارادة سبب بسيط تام الفاعلية، من أراد ان يسيء الشك بشخص بمجرد ان يريد يصير سوء الظن، من أراد ان يتيقن بشيء بمجرد ان يريد يحصل ذلك. فالإرادة سبب بسيط تام الفاعلية للمراد النفسي، فبناء على ذلك: هل يعقل اجتماع ارادتين لمرادين نفسيين متضادين في آن واحد؟ لا يعقل، مع السبب متعدد، لكنه غير معقول. ان تكون له إرادة سوء الظن وارادة حسن الظن في شخص واحد في آن واحد غير معقول، مع ان السبب متعدد، لكن لأن السبب سبب بسيط تام الفاعلية فلا يعقل اجتماع سببين لمسببين متضادين في آن واحد، هنا ايضا نسلم بكلامكم اقتضاء المحال محال. هنا محل البحث: السبب المركب وهو ما يكون في الاسباب المادية، لان الاسباب المادية اسباب مركبة من: متقضي وشرط وعدم مانع.

كلامنا في الاسباب المركبة، كالأسباب المادية، هل يعقل اجتماع سببين ماديين مقتضيين لضدين ام لا؟

هذا هو محل الكلام. كما مثلنا في شرب الدواءين المختلفين احدهما لليقظة والآخر للنعاس. هل هذا معقول او غير معقول؟

فقال المحقق الاصفهاني: السببان اما متساويان او متفاوتان، فان كان السببان متساويين في المقتضي والشرط ليس احدهما اقوى من الآخر، فإذا اجتمعا السببان المتساويان في القوة من حيث المقتضي والشرط، فلا يمكن ان يؤثر كلاهما، لأن تأثير كلاهما يعني يقتضي وجود ضد، لان اثرهما متضاد، ولا يمكن ان يؤثر احدهما المعين بدون الآخر لأنه ترّجح بلا مرّجح، والترجح بلا مرجح كالمعلول بلا علة محال. لا يعقل، اذن اذا كان السببان متساويين في القوة فلا تأثير لكليهما لانه يعني وجود الضدين، ولا تأثير لأحدهما المعين لانه ترجيح بلا مرجح. النتيجة: عدم حصول شيء من الضدين، إذن وجود الضد الأول توقف على عدم الثاني ووجود الضد الثاني توقف على عدم الاول، فصح توقف الاثر مع تمامية مقتضيه وشرطه على عدم المانع.

وأما اذا كان السببان متفاوتين: يعني احدهما اقوى من الآخر، أثّر الأقوى اثره، لان تاثر الاضعف مع وجود الأقوى ترجح للمرجوح على الراجح وهو عبارة عن وجود المعلول بلا علة. إذن بالنتيجة اذا كان احدهما أقوى اثر الاقوى دون الاضعف، فيسأل: كيف وجد أثر الأقوى هل لتمامية متقضيه وشرطه فقط؟ ام لعدم المانع؟ لان المانع هو المزاحم القوي والمفروض ان المزاحم ضعيف فلا يصلح ان يكون مانعاً؟ وإنما لم يوجد أثر الاضعف مع ان متقضيه وشرطه تام لوجود المزاحم الا وهو المؤثر الاقوى. اذن لا فرق بين تساوي السببين وتفاوت السببين في ان عدم الاثر يستند الى وجود المانع وهو الشرط الاخر ووجوده يستند الى عدمه. فظهر بذلك صحة اتصاف عدم المانع بالشرطية حتى في فرض شرطية ضده.

فإذن بالنتيجة: ان قلت: لكن المحقق النائيني يصر على وجود فرق بين الشرط وبين عدم المانع؟ فيقول: الشرط دخله دخل وجودي، الشرط ما كان موصل للاثر، فدخله دخل وجودي، بينما عدم المانع ليس دخله وجوديا، لان العدم لا يعقل ان يكون له تأثير وجودي فلا محالة لا دور لعدم المانع الا رفع المزاحمة ليس الا والا فليس له دخل وجودي في الاثر فهذا هو الفرق الجوهري بين الشرط وعدم المانع. فكيف يقال ذلك؟

قال المحقق الاصفهاني «ص190» فظهر ان المقدمة هي كون الشيء متمما لقابلية القابل او مصححا لفاعلية الفاعل، وان كان الشرط اصطلاحا يختص بالامر الوجودي، كما هو ظاهر اهل الفن المعقول، حيث يجعلون عدم المانع من المقدمات لكنهم يخصون عنوان الشرط في الامر الوجودي. الا ان الكلام في مجرد التوقف. اقول الشرط يشمل الامر الوجودي وعدم الامر الاخر، يصح لي ان اقول: العلة مركبة من عنصرين: مقتض وشرط. والشرط قد يكون وجوديا وقد يكون عدمياً، فعدم المانع كالشرط. صحيح اهل المعقول يقولون: ان الشرط هو الامر الوجودي لان دخل الشرط دخل وجودي، وعدم المانع امر عدمي، والعدم ليس له دخل وجودي. ولكن نقول: المراد بالشرطية هنا مطلق التوقف، فالأثر يتوقف على الامر الوجودي من حيث دخله الوجودي ويتوقف على عدم المانع من حيث رفع المزاحمة.

فمطلق التوقف هو الشرطية. وبناء على ذلك فليس بينهما تفاوت في الرتبة ولا في الطولية. المعلول يتوقف على دخل الامر الوجودي من مقتض وشرط وعلى دخل الامر العدمي لانه عدم المانع لانه رافع للمزاحمة، وتوقفه عليهما في رتبة واحدة. فاذا كان في رتبة واحدة فأي مانع ان يتصف ضد بالشرطية وان يتصف عدم ضد آخر بشرطية اخرى. يعني ويتصف الضد الآخر بالمانعية في آن واحد.

فنقول: يشترط في صحتك وسلامتك تتوقف على مقتضي وهو ان تشرب الدواء المتقضي لليقظة وشرطه ان يكون صباحاً. كما يتوقف على عدم المزاحم. وكلاهما في رتبة واحدة. فافهم واغتنم.

والحمد لله رب العالمين.