أصالة الصحة | الدرس 17

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

ذكرنا سابقا ان المحقق النائيني «قده» استشكل في جريان أصالة الصحة إذا كان الشك في الصحة ناشئا من الشك في شرائط المتعاقدين أو شرائط العوضين.

وعند مراجعة كلام المحقق النائيني «قده» في فوائد الأصول نجد ان الظاهر من كلامه ان ما يدّعيه هو ان القدر المتيقن من قيام الإجماع على جريان أصالة الصحة ما إذا لم يقع الشك في القابلية، بمعنى أن العقد إذا تلقاه العرف رأى ان هناك شكاً في قابلية متعلق العقد، أو قابلية مجري العقد، لصدور العقد الصحيح وعدمه، وبيان ذلك:

انه ارجع بعض الشرائط الدخيلة في المتعاقدين إلى العقد، وارجع بعض الشرائط الدخيلة في العوضين إلى العقد، مثلاً: يشترط في العاقد ان لا يكون مكرهاً، أو يشترك في العاقد البلوغ، فهنا افاد المحقق النائيني في فوائد الأصول: بأن هذا شرط في العقد لا في العاقد، بمعنى انه من الشرائط المعتبرة في العقد صدوره عن إرادة جدية مقرونة بالرضا، فلذلك إذا شك المتشرعة في صحة العقد في صدوره عن رضاً يبنون على الصحة، لأن الشرط من شرائط العقد، وكذلك إذا شك في صحة العقد للشك في البلوغ لأن صدور العقد عن إرادة تامة شرط في صحة العقد، وارادة غير البالغ إرادة ناقصة.

وكذلك بالنسبة إلى بعض شرائط العوضين، مثلاً يشترط في العوضين المعلومية كي لا يكون البيع غررياً، ويشترط في العوضين إذا كان الثمن والمثمن من جنس المكيل والموزون يشترط عدم التفاضل كل لا يكون البيع ربوياً، فهنا أرجع المحقق النائيني «قده» هذا الشرط إلى الشرط في العقد لا إلى العوضين، أي من الشرائط الشرعية في صحة العقد المعلومية، فإن العقد هو الذي يوصف بكونه بيعا غررياً فيتصف بالبطلان، فإذا شك في أن البيع الواقع هل هو بيع غرري أم لا؟ أي هل وقع عن معلومية العوضين أم لا؟ جرت أصالة الصحة، وكذلك بالنسبة إلى المفاضلة بين الثمن والمثمن إذا كانا من جنس واحد من المكيل والموزون، فإن ذلك موجب لاتصاف نفس البيع لكونه ربويا أو غير ربوي، فإذا شك في ان البيع الصادر ربوي أم لا؟ جرت أصالة الصحة. بينما إذا شك في ولاية العاقد لا في بلوغه أو رضاه وإنما شك في ولايته على العقد من حيث الشك من كونه وليا أو وكيلاً، فهنا لا تجري أصالة الصحة لأن مرجع الشك إلى الشك في قابلية هذا العقد إلى الصحة والفساد، وكذلك إذا شككنا في مالية العوضين، هل هما مال أو لا؟ وكان الشك في المالية منشأ للشك في صحة البيع وعدمه، فهنا لا تجري أصالة الصحة لأن مرجع الشك في المالية إلى الشك في قابلية هذا البيع للنفوذ والتأثير وعدمه.

فيظهر من مجمل كلامه: ان السر والنكتة في عدم جريان أصالة الصحة إذا كان منشأ الشك في الصحة الشك في بعض شروط المتعاقدين أو بعض شروط العوضين ان النكتة في عدم جريان أصالة الصحة لموضوعية في شرائط العقد بمعنى انه ان كان المشكوك من شرائط العقد فتجري أصالة الصحة وان كان المشكوك من شرائط العوضين أو المتعاقدين فلا، بحيث يكون القدر المتيقن من الإجماع هو ما كان الشك في الصحة ناشئا عن الشك في شرائط العقد، بل ما هو القدر المتيقن من معقد الإجماع ما إذا كان الشك في الصحة ناشئا عن الشك في فعلية التأثير وأما إذا كان الشك في الصحة ناشئا عن الشك في قابلية التأثير فلم يحرز قيام الإجماع على جريان أصالة الصحة فيه.

وبالتالي بناء على هذه الصياغة الثانية المستفادة من مجموع كلماته في فوائد الأصول: تكون الملاحظة عليه: إذا كان الشك في الصحة راجعا إلى الشك في قابلية العقد للتأثير عرفاً، نعم، فهنا يمكن ان يقال القدر المتيقن لا يحرز شموله لهذا المورد، اما إذا كان الشك في الصحة ناشئا عن الشك في قابلية العقد للتأثير شرعاً فعدم شمول القدر المتيقن له أول الكلام وعلى فرض عدم إحراز شمول القدر المتيقن له فإن هذا ضائر إذا حصرنا المدرك لأصالة الصحة في قيام الإجماع.

وأما إذا قلنا بأن المدرك هو السيرة العقلائية فسيأتي الكلام مع السيد الخوئي بناء على ان المدرك هو السيرة العقلائية حيث اختار السيد الخوئي تفصيل المحقق النائيني حتى لوكان المدرك هو السيرة العقلائية.

وفي مقابل كلام الميرزا النائيني «قده» ما ذكره المحقق العراقي «قده» حيث أفاد في نهاية الأفكار أموراً قبل تنقيح مبناه ومسلكه:

الأمر الأول: أن الشرائط المعتبرة في صحة العقد وتأثيره الفعلي ليست على نمط واحد، فمنها ما يكون دخيلا في السبب أي العقد كالموالاة بين الإيجاب والقبول، فإن الموالاة بين الإيجاب والقبول دخيلة في سببية العقد واقتضائه للتأثير.

ومنها ما يرجع اعتباره إلى دخله في قابلة المسبب للتحقق، ومقصوده بالمسبب هو العنوان، فمثلاً: لدينا عقد ولدينا بيع، فالعقد بمثابة السبب، لأن العقد يطلق على نفس الإيجاب والقبول الصادرين من البائع، فأما البيع فهو عبارة عن المسبب أي عبارة عن تمليك العين بعوض، فإذا نظرنا إلى إنشاء تمليك العين بعوض فهو عقد، واذا نظرنا إلى المنشأ وهو تمليك العين بعوض فهو بيع، فمقصوده من المسبب هو العنوان المترتب على السبب الانشائي.

فاذا كان الشرط دخيلاً في قابلية المسبب للتحقق، فهذا على نحوين:

أذ تارة: يكون محله المتعاقدين كالبلوغ والعقل والرشد، فإن هذه دخيلة في قابلية البيع للتحقق وان كان محلها المتعاقدين.

وقد يكون محله العوضين: كالمعلومية والمالية، حيث إنهما دخيلان في قابلية البيع للتحقق.

ومن الشرائط ما يكون دخيلاً في المسبب لا في قابليته للتحقق، كعدم الربوية أو عدم الغررية بناء على ان المراد بالغررية الخطر في المال، فيقال: يعتبر في نفوذ البيع وهو المسبب ان لا يكون بيعاً ربويا ولا غررياً، فهما شرطان شرعيان في النفوذ لا انهما شرطان في قابلية البيع للتحقق.

ولعل مرجع ذلك إلى ما ذكره المحقق النائيني «قده» أيضاً في كلامه من أن ما يمكن الفرار من محذوره بالصلح أو الهبة المعوضة فيكتشف إناً انه ليس دخيلاً في القابلية وإنما هو دخيل في الفعلية. فشرط المعلومية أو المالية مثلاً مما لا يمكن الفرار منه بالصلح، يعني لو كان العوضان مجهولين أو كان العوضان مما لا يحرز ماليتهما فلا يمكن تتميم المعاملة بالصلح بأن يقال: ان لم تتم بيعاً تتم صلحاً، بخلاف ما لوكان المحذور هو الربوية أو الغررية، فحينئذٍ يمكن تتميم المعاملة بالصلح أو بالهبة المعوضة، فهذا يكشف إناً إلى ان اشتراط عدم المفاضلة أو اشتراط عدم الغررية ليس دخيلاً في قابلية المسبب للنفوذ وإنما هو دخيل في النفوذ وفعليته.

الأمر الثاني: قال: ان صحة كل شيء بحسبه، لأن الصحة بمعنى التمامية وتمامية كل شيء إنما هي بلحاظ وفاءه للأثر المرغوب منه، فالعقد الصحيح ما كان تاماً والتام ما كان كافيا في ترتب الأثر المرغوب منه في قبال الفاسد الذي لا يكون وافيا في ترتب الأثر المرغوب منه، لذلك أي لأن الصحة بمعنى التمامية والتمامية بمعنى الوفاء بالأثر المرغوب منه، فإن تمامية كل شيء بمعنى كفايته لترتب الأثر المرغوب منه تختلف عن الشيء الآخر.

فمثلاً صحة الإيجاب غير صحة العقد وصحة العقد بمعنى السبب غير صحة المسبب.

فمثلاً الإيجاب إذا صدر إيجاب البيع من البائع، فكون الإيجاب صحيحاً هو عبارة عن مفاد قضية تعليقية وهي انه لو تعقبه قبول صحيح لأثّر أو لترتب أثر العقد، فالصحة هنا قضية تعليقية مفادها انه لو تعقبه القبول لكان مؤثراً.

بينما صحة العقد كما إذا حصل بيع من إيجاب وقبول وشككنا في ترتب الأثر عليه للشك في البلوغ أو ما أشبه ذلك فإن صحة العقد أيضاً قضية تعليقية لكن هذه القضية التعليقية لا تعني انه لو تعقبه القبول بل تعني انه لو أن هذا العقد لو صدر من قابل لصدور العقد منه على محل قابل للنقل والانتقال لأثر فيه. بينما إذا جئنا إلى صحة المسبب وهو البيع فصحته تعني نفوذه وعدم نفوذه، يعني ليست صحة المسبب قضية تعليقية بل هي قضية تنجيزية بمعنى نفوذه وعدم نفوذه.

الأمر الثالث: أفاد ان الشك في الصحة والفساد على أقسام:

القسم الأول: أن يكون مسببا عن الشك في وجود بعض الشرائط العرفية سواء كانت شرطا للسبب أو شرطا للمسبب، مثلاً إذا وقع الشك في صحة العقد للشك في الموالاة بين الإيجاب والقبول والموالاة شرط معتبر عرفاً في صحة العقد، أو كان الشك في الشرط العرفي للمسبب، كما إذا شك في مالية العوضين، فإن مالية العوضين شرط عرفي في تحقق البيع، فهنا يقول: إذا رجع الشك في الصحة للشك في شرط عرفي للسبب أو المسبب لم يكن مجرى لأصالة الصحة، لأنكم إما أن تجروا أصالة الصحة في السبب وهو العقد أو تجرونها في المسبب، وكلاهما لا يجري والسر في ذلك: ان جريان أصالة الصحة فرع إحراز عنوان الموضوع، فما لم يحرز انه عقد عرفاً وما لم يحرز انه بيع عرفاً فلا يمكن وصفه بالصحة مع عدم إحراز أصل العنوان.

القسم الثاني: أن يكون الشك في الصحة مسبباً عن الشك في وجود بعض الشرائط الشرعية بعد المفروغية عن وجوب الشرائط العرفية، وحينئذٍ: تارة يكون الشرط المشكوك فيه من شرائط العقد شرعاً، كما إذا كان من شرائط العقد شرعاً عدم الربوية يعني ان لا تكون مفاضلة بين الثمن والمثمن مع كونهما من جنس واحد من المكيل والموزون، فإذا وقع الشك في صحة البيع نتيجة للشك في المفاضلة جرت أصالة الصحة لإحراز أصل عنوان العقد، فيقال: هذا عقد يشك في صحته وفساده شرعاً فتجري أصالة الصحة لترتيب آثارها شرعاً، إذ المفروض ان عنوان الموضوع محرز.

أو كان المشكوك فيه من شرائط المسبب أيضاً شرعاً، كما إذا شك في البيع من جهة انه حصل فيه التقابل أم لا؟ كما لو فرضنا انه بيع صرف أو بيع سلم وشككنا في حصول التقابض فيه أم لا؟ فهو شرط شرعي معتبر في البيع «يعني في صحة البيع».

فهنا أفاد المحقق العراقي بأنه: لا يمكن إجراء أصالة الصحة في العقد أي في السبب، وإنما تجري في السبب، اما عدم جريانها في السبب فلأن صحتها مقطوعة وليست مشكوكة، إذ معنى صحة العقد انه لو ورد على محل قابل له لأثّر وهذا أمر مقطوع به، لأننا ندري ان هذا العقد الذي نشك في انه قد حصل فيه تقابض أم لا وارد على عوضين قابلين للنقل والانتقال جزماً، فليس الشك في صحة العقد فإن صحة العقد عبارة عن قضية تعليقية أن العقد لو ورد على محل قابل للتأثير فيه لأثر وهذا مقطوع به، إذ المفروض أن ما هو المشكوك فيه شرط شرعي تعبدي وليس شكا في قابلية العوضين للنقل والانتقال، إذن فلا تجري أصالة الصحة في نفس العقد وإنما تجري أصالة الصحة في المسبب عنه الا وهو البيع، فنقول: هذا بيع يشك في صحته وفساده شرعاً للشك في توفر شرطه وهو التقابض أم لا؟ فتجري أصالة الصحة لتنقيح ذلك.

القسم الثالث: أن يكون الشك في الصحة ناشئا من الشك في شرط هو شرط للسبب وهو شرط للمسبب. لكن مع كونه من الشرائط الشرعية، كما إذا افترضنا أن الشارع اشترط في العقد اللفظي الماضوية، واشترط في عقد النكاح الماضوية، فإذا صدر عقد نكاح ولا ندري ان هذا العقد اللفظي قد صدر من جهة الماضي أم لا؟ فهو من جهة شرط في السبب لأنه شرط في العقد اللفظي، وهو من جهة شرط في السبب لأنه شرط في صحة النكاح، فهنا يمكن إجراء أصالة الصحة في السبب والمسبب معاً. فيقال: هذا عقد مشكوك الصحة فهو صحيح بأصالة الصحة، وهذا نكاح مشكوك الصحة فهو صحيح بأصالة الصحة.

ثم أفاد بأن المدرك لجريان أصالة الصحة في تمام هذه الأقسام هو قيام السيرة العقلائية على جريان أصالة الصحة ما لم يقع الشك في شرط يعود إلى الشك في القابلية، مضافاً لنكتة اختلال النظام، فإننا إذا بنينا على أن المدرك هو السيرة أو بنينا على أن المدرك أن كل ما يلزم من عدم ترتيب آثار الصحة عليه اختلال النظام، فإذا بنينا على هذين المدركين فهما يتقضيان التعميم لجميع صور الشك مع إحراز عنوان الموضوع عرفاً.

وهنا تعليقتان على ما أفيد في كلمات المحقق العراقي:

التعليقة الأولى: أن الشرائط العرفية على قسمين كما ذكرنا في مناقشة المحقق النائيني:

فتارة يكون الشك في الشرط العرفي راجعا للشك في المقتضي نفسه، كما إذا شك في انه عقد أم ليس بعقد، أي كما إذا شك في تحقق القبول وعدمه أو شك في تحقق الموالاة بين الإيجاب والقبول وعدمها بناء على دخالة الموالاة في صدق عنوان العقد عرفاً، أو شك في صدوره عن إرادة جدية أم لا؟

فهنا نعم، لا يحرز بناء العقلاء على إجراء أصالة الصحة مع الشك في أصل المقتضي مع الشك في أصل العنوان عرفاً، وأما إذا كان الشرط العرفي شرطاً قانونياً بمعنى ان القانون العقلائي يعتبره في الصحة وإلا ليس دخيلاً في صدق العنوان وتحقق المقتضي، كما إذا افترضنا ان العقلاء يشترطون المالية في صحة البيع، فإنه شرط في البيع وليس شرطا في تحقق عنوان البيع، أو إذا افترضنا ان العقلاء يشترطون في عقد المعاوضة سواء كان بيعا أو إجارة أو صلحا المعلومية، فإنه حينئذٍ هذا شرط قانوني في الصحة والنفوذ وليس مقوما لصدق العنوان، ففي مثل هذه الموارد جرت السيرة العقلائية على ترتيب آثار الصحة.

فالتفصيل بين الشرائط العرفية والشرائط الشرعية كما سبق في التفصيل الأول الذي ذكرناه قبل الدخول في هذا التفصيل غير تام. حيث إن كلام المحقق العراقي يرجع بعضه إلى التفصيل الأول الذي سبق الكلام فيه قبل تفصيل المحقق النائيني بين شرائط العقد وشرائط المتعاقدين والعوضين.

التعليقة الثانية: هي ما أشار إليه سيد المنتقى «قده» في مناقشة المحقق العراقي حيث ذكر في المنتقى:

بأنّ السيرة العقلائية بعد المفروغية عن إحراز الشرائط العرفية للعقد مما لا شك في جريانها عند الشك في شرط شرعي، سواء قلنا بأن صحة العقد مفاد قضية تعليقية كما هو شأن المقتضيات أجمع وأن الأصل يجري في المسبب كما ذهب إليه المحقق العراقي على ما عرفت، أو قلن بأن للعقد صحة أخرى هي التي تكون مجرى للأصل تلك وهي صحة فعلية منتزعة من تأثيره وترتب الأثر عليه، فإنه وإن كان مقتضياً للأثر لا علّة تامة والشرائط متممات التأثير لكنه هو المباشر للتأثير وانه هو المؤثر والأثر يترتب عليه كمباشرة النار للإحراق مع كونها مقتضية له لا علة تامة. فصحته يراد بهذا هذا المعنى وهي فعلية، ف الأصل دائما يجري في العقد ولو كان الشك في شرائط غيره لأنه سبب في الشك في صحته كما سيتضح ذلك عن قريب إن شاء الله. ولا يجري في المسبب إما لعدم الحاجة إلى ذلك أو لعدم قابليته للصحة والفساد كما يذكر ذلك في مبحث الصحيح والأعم. وتحقيقه ليس هذا موضعه.

وملّخص كلامه: بأن الصحة على نحو القضية التعليقية بأن نقول: إن صحة العقد هي عبارة عن قضية تعليقية وهي انه لو ورد على محل قابل لأثّر ليس هذا «الصحة بهذا المعنى» ليست هي موضوع السيرة العقلائية على ترتيب آثار الصحة كي يقال كما قال المحقق العراقي انه إذا افترضنا ان الشرط من شرائط السبب لا المسبب، كما إذا افترضنا ان الغررية من شرائط البيع وليست من شرائط إنشاء البيع، فهنا ذكر المحقق العراقي: بأنه إذا شككنا في البيع الصادر غرري خطري أم لا؟ لا تجري أصالة الصحة في العقد أي الإنشاء، وذلك لأنه لا شك في صحته لأن صحته قضية تعليقية مقطوعة. وإنما تجري في المسبب وهو البيع، فيجاب بانه: الصحة على نحو القضية التعليقية ليست هي المنظور في قيام سيرة العقلاء على إجراء أصالة الصحة بل المنظور عندهم الصحة بالمعنى الثاني أي الصحة الفعلية بمعنى ترتب الأثر أو عدم ترتبه. فإذا كان المنظور في قيام العقلاء على إجراء أصالة الصحة الصحة الفعلية بمعنى ترتب الأثر فعلاً وعدم ترتب الأثر فعلاً فإن محل هذا الوصف هو نفس العقد، وإن كان الشرط المشكوك فيه من شرائط غيره، كما إذا افترضنا ان الشك المشكوك في توفره من شرائط المتعاقدين كالبلوغ والعقد والرشد، أو كان من شرائط العوضين أو كان من شرائط المسبب شرعاً بحسب تعبير المحقق العراقي، على أية حال، مهما كان الشرط راجعا لمتعاقدين لعوضين لمسبب، فإنه بالنتيجة شرط في اتصاف هذا العقد فعلا بالصحة والفساد، فبما أنه يرجع إلى الشك في اتصاف العقد فعلا بالصحة والفساد أي في ترتب أثر الصحة عليه فعلاً وعدمه والمفروض ان بناء العقلاء قام على إجراء أصالة الصحة بهذا المعنى وهو ترتب أثر الصحة فعلا العقد، إذن فلا تردد في جريان أصالة الصحة في العقود وان كان الشرط المشكوك هو ما كان من شرائط المسبب شرعاً. فهذه مناقشة فنية لكلام المحقق العراقي «قده» وهي مناقشة تامة.

وبعد الفراغ من مناقشة المحقق النائيني الذي بحسب ما نقل عنه الاعلام انه يفصل بين كون الشرط المشكوك من شرائط المتعاقدين أو العوضين فلا تجري أصالة الصحة وبين كون الشرط المشكوك من شرائط نفس العقد فتجري أصالة الصحة أو بحسب الصياغة التي استفدناها من فوائد الأصول ان مجرى أصالة الصحة ما إذا كان الشك في الفعلية دون الشك في القابلية.

وكلام المحقق العراقي «قده» في مقابله الذي فصل بين كون المشكوك من الشرائط العرفية أو من الشرائط الشرعية.

فإن كان المشكوك من الشرائط العرفية لم تجري أصالة الصحة بدعوى عدم إحراز عنوان الموضوع. وإن كان المشكوك من الشرائط الشرعية: فلابد من التفصيل. حيث قال: إن كان الشرط الشرعي من شرائط نفس العقد جرت أصالة الصحة.

وان كان الشرط الشرعي من شرائط المسبب جرت أصالة الصحة في المسبب لا في السبب، وان كان من شرائط كليهما أصالة الصحة في السبب والمسبب، فكلام المحقق العراقي يفترق عن التفصيل السابق على هذا التفصيل فقد في هذه النقطة الأخيرة وهي انه:

إذا كان الشرط المشكوك من شرائط المسبب دون السبب لم تجري في السبب وإنما جرت في المسبب، هو الذي علّق عليه سيد المنتقى «قده».

يأتي الكلام في الدليل الثاني الذي استدل به على أصال الصحة وهو السيرة العقلائية، وان مقتضى هذا الدليل هل هو التفصيل كما هو مبنى سيدنا الخوئي «قده»؟ أم عدمه؟.

والحمد لله رب العالمين.