السيد السيستاني في مواجهة الفتنة

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام عليكم سماحة السيد منير الخباز، ووفقكم الله لكل خير...

عندنا عدة أسئلة تتعلق بالاستفتاء المنتشر هذه الأيام؛ المتضمن أن السيد السيستاني - دام ظله - يدين ويستنكر ما حصل في الأعظمية من القيام بعملٍ استفزازيٍّ متضمنٍ لشتم الخلفاء، ونرجو الإجابة مشكورين: -

هل أن الاستفتاء صادر عن مكتب السيد - دام ظله -؟ ولماذا لم يصدر بختم السيد وخطه؟

بسم الله، والصلاة على المصطفى وآله المعصومين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

نعم؛ الاستفتاء صادرٌ من مكتب سماحة المرجع الأعلى، سيد الطائفة، السيد السيستاني - دام ظله - بإمضاءٍ من سماحته، ولعلَّ إصداره باسم المكتب لإضفاء شرعيةٍ على ما يصدر من المكتب، حتى في القضايا الخطيرة.

هل يختص الاستفتاء بماحصل من حدث في العراق، أم يشمل سائر المجتمعات؟

لا يختصُّ الاستفتاء بما جرى في العراق، فكلُّ عملٍ مطابقٍ لهذا العمل في ظرفه، واشتماله على طريقة استفزاز أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى، بشتم الخلفاء، أو زوجات النبي ؛ فهو مدانٌ، ومستنكرٌ، ومخالفٌ لما أمر به أهل البيت .

هل مضمون الاستفتاء يعمُّ ذكر العقائد المعروفة لدى الإمامية عبر وسائل الإعلام، أو الشعائر المقامة أيام المناسبات؟

ما هو موضع الإدانة والاستنكار الشديد؛ هو العمل الاستفزازي المشار إليه في الاستفتاء، وما يتطابق معه، وأما ما سوى ذلك؛ فإنه لا ريب في رجحان طرح العقائد الإمامية بأدلتها وبراهينها العلمية، كما لا ريب في عرض التاريخ الإسلامي، كما جرى من خلال الوثائق الدامغة، كما صنع العلامة الأميني في كتاب الغدير، والإمام شرف الدين في كتبه الثمينة - قدس سرهما -، كما لا ريب في رجحان إحياء الشعائر الحسينية والفاطمية، ولا يزول رجحان ذلك بعدم رضا بعض أبناء المذاهب الأخرى عنه، فكل تلك الأمور تندرج تحت قوله : «أحيوا أمرنا»، ما دامت تحت نظر وإشراف ورعاية أعلام الحوزة العلمية، مراجع الأمة - دامت ظلالهم -، فإن سيرة الشيعة الإمامية - منذ زمن الغيبة الصغرى - جرت على أخذ عقائدها، وشعائرها، وكيفية إبراز التشيع - بركنيه الولاية والبراءة -؛ من فتاوى أعلام الحوزة العلمية، وضمن رعايتهم ونظرهم، وليس من القنوات الفضائية، ولا من الخطباء، ولا من الرواديد، بل من خصوص المراجع الذين هم أساتذة الحوزة، وأعلام المذهب، قال - عز وجل -: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [سورة النحل: 43].

ذُكِر في الاستفتاء؛ أن ما حصل من عمل كان مخالفاً لما أمر به أهل البيت ، فهل لكم أن تتحفونا ببعض الروايات في هذا الشأن؟

الروايات في المقام عديدة، وبعضها واردٌ على سبيل الإلزام، نحو معتبرة المعلى بن خنيس، عن الصادق :

[يا معلى اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنة.

يا معلى من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذلّه الله به في الدنيا، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة يقوده إلى النار. يا معلى إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لاتقية له. يا معلى إن الله - عز وجلّ - يحبُّ أن يعبد في السرِّ، كما يعبد في العلانية. يا معلى المذيع أمرنا كالجاحد له] - مختصر بصائر الدرجات، ص101 -.

وهي واردةٌ على سبيل القضية الحقيقية، فلا تختصُّ بزمنٍ، أو مكانٍ، مثلها مثل أدلة سائر الأحكام؛ نحو قوله - تعالى -: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [سورة البقرة: 275].

ويؤكد مفادها؛ صحيح هشام بن سالم، في تفسير قوله - تعالى - [سورة القصص: 54]: ﴿أولئكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا قال: [بما صبروا على التقية]، ﴿وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، قال: [الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة] - الكافي، ج2، ص217 -.

ويؤيد ذلك؛ رواية سليمان بن خالد عن الصادق : [يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله] - الكافي، ج2، ص222 -.

ما هي وظيفة المؤمنين، وطلبة العلوم الدينية، بالنسبة لما يصدر من المراجع في هذا المجال، وغيره؟

من الواضح أن عزة المذهب، وبقاءه شامخاً صامداً مدى العصور، منذ زمن الغيبة الصغرى إلى الآن؛ إنما هو بفضل منصب المرجعية العامة، ولذلك لمّا أدرك أعداء الدين والمذهب أنَّ قوته ومكانته في قوة المرجعية؛ بذلوا المحاولات الكثيرة من الخارج والداخل في الطعن في مقام المرجعية، وتشويهه، وإبراز ضعفه، كي يخلقوا الفجوة بين المرجعية وسائر الأمة، ويوجدوا شرخاً وفتنةً في صفوف الأمة، فيتأتَّى لهم بذلك تحقيق مآربهم.

ولذلك؛ فإن وظيفة أهل العلم والمؤمنين، الوقوف مع المرجعية، ودعم كلماتها وبياناتها، إعزازاً للمذهب الحق، وتفويتاً للفرصة على أعداء الدين، وحفظاً للمجتمع الشيعي عن الفرقة والفتنة، ففي هذا العصر المملوء بالفتن، والخطوط والتيارات، يوجد سبيلان: سبيل الوقوف مع المرجعية، وإرجاع الأمور إليها، والتسليم لأوامرها، طبقاً لما ورد في الرواية الشريفة، عن الإمام الحسين : [مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه] - البحار، ج97، ص80 -.

وسبيل التمرد على المرجعية، أو الطعن فيها، وهو سبيل أعداء الدين، قال - عز وجلّ -: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً [النساء: 115].

وقال - عز وجلّ -: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ [الزخرف: 36 - 37].

لقد طعن البعض في موقف السيد السيستاني - حفظه الله - في هذه الأحداث، واعتبره غير منسجمٍ مع عزة المذهب، فما هو تعليقكم؟

من الواضح أن وجه الطائفة الإمامية بمنظور العالم - والذي يمثل المذهب - هو مواقف المرجعية وكلماتها، ولا أثر للأصوات الأخرى، ولا حاجة لتضييع الوقت في التعليق عليها، قال - تعالى -: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ [الرعد: 17].

نسأل الله - تعالى - أن يحفظ جميع مراجعنا الأعلام، خصوصاً أعلام الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وقم المشرفة، وأن يوفقنا لنصرتهم، والسير على هداهم، والاستنارة بأنوارهم، فإنهم نوّاب أهل بيت العصمة «صلوات الله عليهم»، قال الصادق في مقبولة عمر بن حنظلة: [انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا، فلم يُقبل منه فإنما بحكم الله استُخِفَّ، وعلينا رُدَّ، والرادُّ علينا الرادُّ على الله، وهو على حدِّ الشرك بالله - عز وجلَّ -] - التهذيب، ج6، ص218 -.

والحمد لله رب العالمين،،،