ملخص: القرآن وطبيعة الإنسان تناغم أم تصادم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم: 30]

بعد أن تم الاستدلال بسيرة النبي على صدق دعوته، كان الحديث حول دليلية دينه على صدق دعوته.

أن يكون الفكر الذي طرحه النبي دليل على صدقه من أمرين:

  • الفكر منسجم مع الطبيعية الإنسانية.
  • فكر سبق الظروف البشرية التي انطلق منها.

فعندما نريد أن نكتشف بأن هذا المنتج إلهي لابد من تحليل هذا الفكر، هل أنه منطلق من نفس الظروف الموضوعية التي عاشها النبي أو أنه أعلى من مستوى الظروف التي عاشها .

الدين يتضمن معتقدات، تشريعات وقيم

والحديث هنا عن الجانب القيمي من الدين هل يتوافق مع الطبيعة الإنسانية أو هو فوق ذلك..

لابد من المقارنة بين الرؤية البشرية والرؤية الدينية على مستوى بناء الشخصية الرشيدة وعلى مستوى المجتمع الرشيد.

المحور الأول: الرؤية البشرية في بناء الشخصية الرشيدة

من معالم الشخصية الرشيدة لدى علماء النفس:

الصحة النفسية

وهي القدرة على تحقيق الفاعلية والتوازن والتكيف والإبداع

تصنيف الأمراض النفسية

الإنسان يعيش بين مثير وإستجابة. فلو كانت الإستجابة ضمن المباديء الإنسانية كان ذلك سلوك سوي، ولو كانت الاستجابة شاذة يعبر عنها بالمرض النفسي. والمرض النفسي قد يكون:

  • عصاب: هو اضطراب في الشخصية مقترن بالوعي.
  • ذهان: هو اضطراب في الشخصية من دون وعي.
  • السيكوباتية: وهي الشخصية التي تعيش اضطراب في مشاعرها وعلاقاتها.

وحسب المدرسة الفرويدية يكون ذلك من خلال ثلاثة أعراض:

  • إسقاط المسؤولية على الغير.
  • عدم الإعتذار عن الأخطاء.
  • النكوص والإرتداد.

أسباب الأمراض النفسية وطرق علاجها

عوامل المرض النفسي:

  • بيولوجي وراثي.
  • تربوي.
  • بيئي.

وطرق علاجه:

  • الطريق التحليلي: وهو استنطاق عقل المريض الباطن ومرحلة اللاشعور.
  • الطريق السلوكي: وهو خطوات عملية إما تدريجية أو دفعية.
  • الطريق الإرشادي: وهو الإرشاد بوصايا عامة.

﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «17» وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ «18» وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ «19» [لقمان: 17 - 19]

المحور الثاني: الرؤية السماوية في بناء الشخصية الرشيدة

وهي ترتكز على عدة ركائز:

الركيزة الفكرية

لايمكن الفصل بين البناء العملي والبناء الفكري.

هل للحياة من هدف؟

الرؤية الدينية تهدف لأن يكون الإنسان خليفة لله في الأرض.

معالم الخلافة في الأرض

- الإعمار

﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61]

- العدالة

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد: 25]

- العبادة

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]

- الأخوة

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13]

ماهو الطريق لتحقيق الخلافة في الأرض؟

إن الحياة دار إبتلاء فنحن نسبح بين جزيرتين، الجزيرة التي أتينا منها وهي عالم الذر والجزيرة الأخرى عالم مابعد الموت.

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق: 6]

فالذي يسبح في هذا البحر بمهارة يصعد بها فوق الأمواج سيحقق الخلافة في الأرض.

﴿وَالْعَصْرِ «1» إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ «2» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ «3» [العصر: 1 - 3]

الركيزة العملية

محور الشخصية الرشيدة هو تأجيل اللذة..اللذة على ثلاثة أقسام:

  • حسية كالطعام والجنس.
  • نفسية كالتقدير الإجتماعي.
  • عقلية كاللذة بالمعلومات.

فتأجيل اللذة يقوي الشخصية لأن تكون رشيدة متوازنة بين العقل والشهوة.

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى «40» فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى «41» [النازعات: 40 - 41]

مبادىء تأجيل اللذة

الرؤية الدينية هي تكامل مع علم النفس البشري ولذلك نقول أن الدين فوق مستوى الظروف البشرية لأنه قدم حلولاً للأمراض النفسية لم يقدمها علم النفس البشري.. فالمبدأ الذي ينظر إليه علم النفس البشري هو السعادة المادية، بينما الرؤية الدينية لها مبادىء أسمى وأرقى لتأجيل اللذة.

- التوكل على الله

عن الصادق : «مَن أُعطِيَ ثَلاثاً لم يُمنَع ثلاثاً، مَن أُعطِيَ الدعاءَ أُعطِيَ الإِجَابة، ومَن أُعطِيَ الشكرَ أُعطِيَ الزيادة، ومَن أُعطِيَ التوكُّلَ أُعطِيَ الكفاية».

- الزهد

فالدنيا وسيلة وليست غاية، ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد: 23]

- الفناء في الله

عن النبي محمد : «تخلقوا بأخلاق الله»، إذا تخلق الإنسان بأخلاق الله، أصبح مظهرا ومرآة وخليفة لله. فأخلاق الله تجعل منه شخصية رشيدة.

عن الصادق : «فان الرجل منكم اذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وادي الامانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا جعفري فيسرني ذلك».

- فالنتيجة أن الدين بركائزه فوق مستوى البشرية.

فالنبي عاش بيئة صحراوية وثنية متخلفة تعيش الحروبي والصراعات. والمنهج الذي جاء به محمد ص نراه فوق مستوى البشرية الذي انطلق منه فالدين الذي أتى به دليل على صدق دعوته من جهة موافقته للطبيعة البشرية ومن جهة أنه فوق مستوى الظروف البشرية..

فالدين يلعب دوراً في بناء الشخصية الرشيدة المقاومة لظروف الحياة لأنه يعيش التوكل على الله.

وهذا الدين هو الذي بنى علي بن أبي طالب والحسين ابن علي صاحب الشخصية الصادقة الصامدة الذي يقول «إلهي!.. رضا بقضائك، وتسليما لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين».

«اللهم!.. أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقةٌ وعدة... الخ».