درس الفقه | 130

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وقع الكلام في أن موضوع المانعية هل هو خاص بفرض سبق احدى الصلاتين على الأخرى، أم انه شامل لفرض الاقتران في الزمن بينهما. وقد أشرنا فيما سبق لكلام المحقق الهمداني «قده». وقبل الدخول في المسالة نتعرض لما ذكره الاصوليون في بحث استصحاب الزمان أو الزماني. حيث عوجل الاشكال في استصحاب الزمان أو الزماني، بأن المسألة كما عبّر صاحب الكفاية، من باب الحركة التوسطية لا من باب الحركة القطعية. أو عولجت المسألة بما أفاده الميرزا النائيني بأن الزمان والزماني يلحظ وجوداً تدريجياً واحداً.

ومصب الإشكال: إذا كان المتيقن عين المشكوك فيصح جريان الاستصحاب اذ يصح ان يقال: لا تنقض اليقين بالشك، كما في الامور القارة. فمثلا قيام زيد في الدار أو وجود زيد في الدار أمر قار، هذا الامر القار وهو وجود زيد في الدار يتصور فيه الاستصحاب، لانه يتصور فيه الوحدة بين القضية المتيقنة والقضية المشكوكة، فيقال ثبت وجود زيد في الساعة الخامسة ويشك في بقائه في الساعة السادسة، فستصحب بقائه لان المتيقن هو المشكوك، غاية ما في الامر تيقن بحدوثه وشك في بقائه وإلا فهو شيء واحد وهو وجود زيد في الدار، اما في الامور الزمانية بل الزمان نفسه فإن كل جزء غير الجزء الآخر، مثلا: إذا لاحظنا المشي، فإن المشي أمر زماني وليس أمراً قاراً، لأن المشي عبارة عن اجزاء من الخطوات، فاذا كان الزمان اجزاء نسميها نهار، كل دقيقة غير الدقيقة التي قبلها والدقيقة التي بعدها، كذلك الزماني، كل خطوة من المشي غير الخطوة التي بعدها والخطوة التي قبلها، فيقال حينئذ: نحن تيقنا بدقيقة من الزمن اما الدقيقة الثانية فهي مشكوكة حدوثها وليس شكا في بقاء الدقيقة الأولى، فالشك في الزمن ليس من الشك في البقاء كي يكون مجرى للاستصحاب بل قبيل الشك في الحدوث، لأن كل دقيقة غير الدقيقة الاخرى، فما تقين به غير ما يشك في حدوثه، كذلك في الزماني، فإن كل خطوة من المشي غير الخطوة الاخرى فما تيقن بحدوثه غير ما يشك في حدوثه. فكيف يجري الاستصحاب في الزمان والزماني. فهنا اجاب صاحب الكفاية: أن الحل بالحركة التوسطية والحركة القطعية. فيقول: بأن الحركة التوسطية ما كانت نسبة الزمان للآنات نسبة الكلي لأفراده، عندنا زمن نسميه الآن، الآن نسبته لكل آن نسبة الكلي لأفراده، واما إذا كانت نسبة الزمن للآنات نسبة الكل الى أجزائه فتسمى حركة قطعية. بأن يقال عندنا نهار والنهار مكون من اجزاء، وكل آن من الآنات هو جزء من النهار، فنسبة النهار الى الآنات نسبة الكل الى أجزائه، فإذا نظرت للزمن أو للزماني من باب نسبة الكلي الى افراده جرى الاستصحاب، واذا نظرتم له من باب نسبة الكل إلى أجزاءه لم يجري الاستصحاب. ولكن الاعلام، ومنهم المحقق النائيني «قده» أفادوا: بانه لا يكفي النظر بمنظار الحركة التوسطية في تصحيح الاستصحاب، بل لابد ان ينظر العرف أن الوجود واحد، فيقول هناك نهار له وجود واحد، يتحقق بأول جزء منه، فبأول دقيقة من الدقائق التي تعقب اذان الفجر يقول العرف وجد النهار والنهار الآن موجود، فيراه وجوداً واحداً امتدادياً، لذلك يقول تيقنت بذلك الوجود الامتدادي الواحد وأشك في بقاءه فاستصحب. وكذلك الامر في الزماني، فإن المشي بنظر العرف وجود واحد تدريجي يتحقق بأول خطوه، فمتى ما تحققت اول خطوة قالوا يمشي. المشي وجود واحد، فإذا شك في بقاء المشي استصحب بقاءه. فما لم يرى العرف الوجود الواحد التدريجي فإن الاستصحاب لا يجري وإن نظر اليه بنحو الحركة التوسطية. نأتي لمسألة البحث: وقع الكلام في أن مانعية محاذاة المرأة للرجل هل تختص بفرض السبق واللحوق؟ أم تشمل حال الاقتران في الزمن.

فهنا مقالتان: المقالة الأولى: ما افاده المحقق الهمداني من ان هذا يختص بسبق اللحوق، إذا كانا متحاذيين مكاناً فاللاحق في الصلاة صلاته باطلة، واما إذا اقترنا زماناً في آن واحد كبّرا، فلا دليل على بطلان صلاتهما.

أما الروايات التي اعتمدها: الرواية الأولى: صحيحة عبد الله ابن ابي يعفور، قال قلت لأبي عبد الله : «أصلي والمرأة الى جنبي وهي تصلي؟ فقال: لا، إلا ان تتقدم هي أو انت، ولا بأس ان تصلي وهي بحذائه جالسة أو قائمة». والاستدلال بهذه الرواية من خلال فقرتين: الفقرة الاولى: قوله «لا»، «اصلي والمرأة الى جنبي وهي تصلي، فقال: لا،»، أو من فقرة الاستثناء من قوله «إلا ان تتقدم هي أو انت».

أما الفقرة الاولى، فإن فه «لا» يتوقف على فهم مصبها وهو فهم السؤال، فعندما يقول: «اصلي والمرأة الى جنبي وهي تصلي»، فما هو المراد من كلمة «اصلي» فهل احدث الصلاة وهي تصلي الى جانبي؟ أو ان المقصود من «أصلي» الأعم من الحدوث والاستمرار، يعني المراد من الصلاة مطلق الفعلية، ولو كنت أنا من الاساس اصلي وهي جاءت الى جانبي يصدق عليَّ أنني أصلي وامرأة الى جنبي تصلي؟. فإن كان المنظور اليه في قوله «اصلي» الاحداث، فلا يستفاد منها الا بطلان صلاة المتأخر. ليس لك ان تحدث صلاة مع وجود صلاة امرأة بحذائك، أو ليس للمرأة ان تحدث صلاة مع وجود صلاة رجل بحذائها. أما إذا قلنا ان «يصلي» يراد به مطلق الفعلية، اذن يراد به مطلق الفعلية، إذن يقال: مقتضى ذلك بطلان صلاتهما معاً، تقارنا في الحدوث أو تفاوتا في الحدوث، المهم الآن يصدق عنه يصلي وهي تصلي، متى ما صدق على المتحاذيين أن هذا يصلي وهي تصلي بطلت صلاتهما. «أصلي وإلى جانبي امرأة تصلي» يصدق على ما إذا اجتمعا في الركوع، فأحدهما تقرب إلى الآخر وعندما اقتربوا حال الركوع قال أنا الآن اصلي وفي جنبي امرأة تصلي، مع أن حدوث السابق على هذه المحاذاة، الآن صدق عليّ انني اصلي والى جنبي امرأة تصلي، قال: لا. يعني هذه الحالة وهي اجتماعكما في الصلاة، لا. ومقتضى ذلك بطلان كلتا الصلاتين. وإن كان احدهما متقدما، كما لو افترضا ان المرأة سبقت الى الصلاة لكن هي جاءت الى الرجل، صارت الى جانبه، صدق العنوان، «أصلي وإلى جنبي امرأة تصلي» فبطلت صلاتهما. فما هو الظاهر من كلمة «اصلي»، فاذا كان الظاهر من قوله «الفعلية» لا الإحداث، إذن مقتضى ذلك تمامية دلالة الرواية من خلال هذه الفقرة على ان مجرد اجتماعهما في الصلاة متحاذيين مبطل لصلاتهما معاً. لكن قد يقال: إذ يمكن أن مصب «لا» هو انت، يعني انت لا تصلي. فدعوى انبساط «لا» على كلتا الصلاتين، فكأنه قال اجتماعكما هو المبغوض عندي. قد يقال بأن هذا لا شاهد عليه، وإنما ظاهره ان صلاتك بجنب امرأة تصلي هي الممنوعة عندي. فتأمل. الفقرة الثانية: قوله «إلا ان تتقدم هي أو انت»، فما هو المراد من قوله؟ هل تقدم زماني أو تقدم مكاني؟ اي الا ان تتقدم عليك هي في الصلاة اي في المكان، أو الا ان تقدم زماني يعني الا ان تسبقك هي للصلاة أو انت؟ واذا كان تقدم زماني فهل يكفي في جميع الصلاة أو في بعضها، فلو فرضنا ان أنها تقدمت عليه ببعض الاجزاء وهو سريع وهي بطيئة فصارا متقارنين في الركوع والسجود، فهل يصدق هنا انها تقدمت عليه مع أنها الآن مقارنة له أم لابد من التقدم في جميع اجزاء الصلاة؟. فهنا مقدمتان: المقدمة الأولى: يقال يحتمل التقدم المكاني والتقدم الزماني، ولكن احتمال التقدم المكاني ضعيف جداً، لأن مقتضى التقدم المكان صحة صلاتهما مع تقدم المرأة مكانه، وهذا منافٍ للمرتكز القطعي ان تقدم المرأة على الرجل يصحح الصلاة، إذن فحيث إن الرواية محفوفة بهذا المرتكز القطعي كان ذلك قرينة على ان المنظور في الرواية التقدم الزماني. يعني إلا ان تسبقك في الصلاة أو تسبقها. المقدمة الثانية: بعد ان فرغنا ان المراد بالتقدم التقدم الزماني، فهل المراد بالتقدم التقدم الزماني، فهل المراد بالتقدم في جميع الاجزاء؟ أو التقدم في بعضها؟ يقولون: لا يراد من التقدم الزماني التقدم في بعض الاجزاء، فإن لازم ذلك صحة المتأخر أيضاً إذا تقدم في بعض الاجزاء، إذن صحت صلاتكما وإن تقارنتا الآن أو كنت انت متأخراً. وهذا غير محتمل، بحسب المرتكز القطعي. فالنتيجة من هذه العملية: إنّ المصحح للصلاة أن يسبق أحدهما الآخر في تمام الصلاة. وإذا كان قوله «لا» يعني لا يصح اجتماعكما في الصلاة الا بشرط ان يتقدم أحدكما على الآخر في الزمن في جميع الاجزاء. فالاستثناء حينئذ متصل أم منقطع؟ يقول: «لا يصح صلاة المتحاذيين إلا إذا سبق احدهما الآخر في تمام أجزاء الصلاة». فمقتضى ذلك: أن يكون الاستثناء متصلا، اذن لو قلنا بأن المحذور كل المحذور في التقارن زماناً، وإلا مع عدم التقارن زمانا فإن الصلاة صحيحة. الرواية الثانية: صحيحة محمد بن مسلم، قال: «وسألته عن الرجل والمرأة يتزاملان في المحمل، يصليان جميعا؟ قال: لا، ولكن يصلي الرجل، فإذا صلى صلت المرأة». وفي الرواية محتملان: المحتمل الاول: ما ذكره السيد البروجردي «قده» في «جامع الاحاديث»: من أن غاية مفاد الروايات عدم الحكم بصحة صلاتيهما. يعني إذا اجتمعا في الصلاة في المحمل فلا يحكم بصحتهما معاً. فلو أرادا صحة صلاتهما معاً فليصلي الرجل اولاً أو احدهما أولا ثم الآخر، وأما في غيره هذه الصورة كصورة التقارن أو تقدم المرأة، فالرواية ساكتة، فلا تعرض فيها لبطلانهما معا أو صحة احدهما. المحتمل الثاني: أن المراد بالتزامل المحاذاة في المكان، والمعية في الزمان، يعني لا يصدق تزامل حتى يكونان متحاذيين مكاناً مقترنين زماناً. والنتيجة: هي ان مرجع المنع أن المأمور به لكل منهما مشروط بعدم المعية مع الآخر، «إذا تزاملتما زمانا ومكاناً فلا تصح صلاة اي منكما حتى يتقدم احدكما الى ان يفرغ فيصلي الآخر». ويشهد للاحتمال الثاني التثنية، حيث قال «الرجل والمرأة يتزاملان فيصليان»، فإن التعبير في التثنية بمثابة التكرار، كأنه قال: هل يصلي هذا ويصلي هذا؟ فبما ان التثنية في حكم التكرار عرفاً، فالمنظور ليس صلاة هذا ولا صلاة هذا بل كل من الصلاتين. فاذا قال: «لا، ولكن يصلي الرجل صلت المرأة» استفيد من ذلك «لا» يعني بطلانهما معاً، وهذا متفرع على استظهار ان المراد ب «صلى، صلت» «فإذا صلى صلت» يعني فإذا فرغ من الصلاة صلت، لا فإذا سبقها في الصلاة جاز لها الصلاة وإلا لم يتم هذا الاستدلال. والمستفاد من هذه الرواية، بناء على الاحتمال الثاني بطلان صلاتهما معاً إذا تزاملا، فيكون نفس ما استظهرناه من الرواية الاولى. الرواية الثالثة: صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما ، قال: «سألته عن الرجل تزامل الرجل في المحمل فيصليان معاً، فقال: لا، ولكن يصلي الرجل فاذا فرغ صلت المرأة». وهذه اوضح دلالة مما قبلها، وظاهرها ان صلاتهما معا زمانا ومكاناً باطلة. الرواية الرابعة: رواية ابي بصير، «قال: لا، ولكن يصلي وتصلي المرأة بعده». هذا تمام استدلال ان من يقول ان صلاتيهما باطلة إذا اقترنا زمانا ومكاناً.

المقالة الثانية: إن صلاة السابق صحيحة، اللاحق هي الباطلة، حتى لو افترضنا انهما تقارنا في بعض افعال الصلاة فمن لحق في الحدوث فصلاته باطلة. فذكر الهمداني بعض النكات العرفية: الوجه الاول: استبعاد تأثير المتأخر في المتقدم، يقول: إبطال صلاة المتأخر لصلاة المتقدم غير عرفي مخالف للمرتكزات العرفية فلا تشمله الإطلاقات، يعني لا يحرز من الإطلاقات شمولها لهذا الفرض، وإن صدق أنهما يصليان معاً. يعني المرتكز العرفي بمثابة المانع من إحراز الاطلاق لمثل هذه الصورة. بأن يكون الموجب لبطلان فعل النفس فعل الغير، مع انه بدأ صلاة صحيحة. وقد ذكر سيدنا الخوئي بأن هذا استبعاد لا يقاوم ظهور الأدلة، فإن مقتضى اطلاقاتها هو الشمول لفرض هذه الصورة، مع أنه بالامكان ان يتخلف عن ذلك، بأن تتأخر عن الرجل مكاناً، أو هو إذا جاءت فيتقدم مكانا فيتخلص من الصلاة. الوجه الثاني: إن الظاهر من الأدلة بطلان صلاة من تستند اليه المحاذاة، ليس المانع مطلق المحاذاة، بل من تسبب بالمحاذاة، ومن تسبب بالمحاذاة هو اللاحق. أيضاً ناقشوا فيه: ان ظاهر الروايات ان نفس المحاذاة مانع فهي صادقة على الطرفين، فاذا اقترنا في الزمن يقال: هذا يحاذي هذا وهذا يحاذي هذا، اذن مقتضى ظهور الادلة في ان نفس المحاذة مانع بطلان كلتا الصلاتين. وثانيا: لو سلمنا أن الموضوع من تستند اليه المحاذاة، فبينهما عموم من وجه، اذ قد يكون المتقدم زمانا متقدم مكاناً، فإذا تأخرا حتى حاذى الآخر استندت المحاذاة اليه مع أنه متقدم زمانا، فليست دائما لا تستند المحاذاة الا الى المتأخر زماناً، قد يكون متقدم زماناً، ومع ذلك تستند المحاذاة لأنه هو الذي جرّ رجله الى أن حاذى المرأة في الصلاة.

الوجه الثالث: ما رواه الشيخ عن العياشي عن جعفر بن محمد، قال حدثنا العمركي، عن علي بن جعفر، ورواه الشيخ بسنده أيضاً عن علي بن جعفر عن أخيه موسى قال: «سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته «او امرأة» بحياله تصل معه؟ وهي تحسب أنها العصر، هل تفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال: لا تفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها». يأتي الكلام حول هذه الرواية.

والحمد لله رب العالمين.