درس الفقه | 132

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أنّ من المبررات لصحة صلاة الرجل مع المرأة أن تتأخر المرأة عنه. ووقع الكلام بين الاعلام في مقدار التأخّر المعتبر، فما هو المقدار المحقق للتأخر بحيث تصح صلاتهما. وهنا روايتان معتبرتان في المقام:

الرواية الأولى: موثقة عمار الساباطي عن ابي عبد الله : «أنه سأل عن الرجل يستقيم له ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال لا يصلي، حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة اذرع، وان كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك فإن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه». فمتى ما صدق عرفا أنها تصلي خلفه صحت صلاتهما وإن كانت قريبة منه الى حد انها تصيب ثوبه، لكن ما دام يصدق عرفاً أنها تصلي خلفه كفى ذلك في صحة الصلاة. فهل المعتبر أن تكون خلف، بمعنى ان موقفها خلف موقفه؟ او انه لابد أن تكون خلفه في جميع احوال الصلاة، اي هل يكفي في التأخر ان يصدق عليها انها حال الوقوف انها خلفه، وان كانت حال الركوع وحال السجود قد تقترن معه، إلا أن موقفه خلفه، فهل يكفي انها في موقف خلف موقفه؟ أم لابد ان تكون خلفه في تمام حالات الصلاة. او لا بد ان تكون خلفه في جميع حالات الصلاة؟ يقال: ظاهر قوله: «وإن كانت تصيب ثوبه» انه يكفي انها خلفه من حيث الموقف. وإن كانت حال الركوع يصطدك ثوبه بوثبها، او حال السجود. المهم أنها خلفه، «وإن كانت تصلي خلفه فلا بأس وان كانت تصيب ثوبه». الرواية الثانية: صحيحة زرارة عن ابي جعفر ، قال: «سألته عن المرأة تصلي عند الرجل، فقال ع: لا تصلي المرأة بحيال الرجل الا ان يكون قدّامها ولو بصدره».

وظاهر هذه الرواية انه لا يحتاج ان يكون خلفها، بل يكفي ان يتقدم عليها بصدره. وهنا قد يقال بتعارض الروايتين في صورة انها تصلي بحياله من دون ان يصدق عليها أنها خلفه، لكن في هذه الصورة نفسها وهي انها تصلي بحياله هو متقدم عليها بصدره، حال الركوع او حال السجود بمقدار ثلاث اصابع، فهي ليست خلفه وفي نفس الوقت هو متقدم عليها بصدره.

فمقتضى الرواية الأولى وهي موثقة عمار، فساد صلاتها او صلاته، لانها لا تصلي خلفه. ومقتضى الرواية الثانية وهي صحيحة زرارة صحة الصلاتين لأنه تقدم عليها بصدره.

وقد يقال: بانه يقيد إطلاق موثق عمّار بصحيح زرارة، إذ لا يمكن العكس. لأننا اذا قيدنا اطلاق موثق عمار بصحيح زرارة غايته اننا نقول: ان صلت المرأة بحذاء الرجل فلابد أن يكون الفاصل بينهما أكثر من عشرة أذرع الا أن يتقدم عليها بصدره، فنخصص إطلاق موثق عمار بصحيح زرارة، وهذا تقييد ليس فيه إشكال.

بينما العكس، لو قيّدنا صحيح زرارة بموثق عمار، فقلنا: اذا صلّت عنده فلابد أن يفصل بينها اكثر من عشرة اذرع ولا يكفي ان يتقدم عليها بصدره، فهذا إلغاء للعنوان المذكور في صحيح زرارة. فلو قدمنا صحيح زرارة على موثق عمّار في مورد اجتماعهما لم نرتكب إلا التقييد، والتقييد جمع عرفي، بينما لو قدمنا موثق عمار على صحيحة زرارة في مورد اجتماعهما لزم إلغاء القيد المذكور في صحيح زرارة، وهو أن يتقدم عليها بصدره. فمقتضى ذلك: انه متى تقدم عليها بصدره صحت صلاتهما وإن لم يصدق عليها أنها خلفه.

الفرع الثاني: فلو كان احدهما اعلى من الآخر. كما لو افترضنا ان المرأة اعلى من الرجل. فهنا يقع البحث في جهتين:

الجهة الأولى: ما هو المقدار المعتبر في الارتفاع الذي به لا نحتاج الى الفصل بعشرة اذرع او بشبر.

فقد ذكر جملة من الاعلام انه حتى يصدق انها ليست عنده ولا امامه فلابد ان ترتفع عنه بمقدار قامة، فاذا لم يكن موقعها اعلى من موقعه بمقدار قامة، تأتي الروايات الأخرى، لأن هذه التحديدات، وهي اليمين، الخلف، الأمام، إنما تصح عرفا اذا رسم خط وهمي من جسم المصلي الى جسم المرأة، فمتى ما رسم خط وهمي من جسم المصلى الى جسم المرأة فيقال هي عن يمينه او عن يساره او امامه او خلفه. فهذا التقسيمات العرفية كلها فرع وجود خط وهميم مستقيم بين جسمه وجسمها. أما اذا ارتفعت عنه بمقدار قامة انتفت كل هذه التحديدات لانتفاء موضوعها. فإذن إنما تشمله هذه الروايات إذا لم تكن اعلى منه بمقدار قامة، وإلا اذا كانت اعلى منه بمقدار قامة اصلاً لا يصدق أنها عنده او امامه او خلفه، حتى يشملها اطلاق الروايات الاخرى. فهل نحتاج الى ان يكون موقف الارتفاع بمقدار قامة، او يكفي ان يكون مقدار الارتفاع بمقدار منكبه؟.

الجهة الثانية: لو لم يحصل هذا المقدار بان لم تكن اعلى منه بمقدار قامة، او لم تكن اعلى من منكبه، فما حصل هذا المقدار؟

لو اشترطنا أنها إن صلّت عنده فلابد من الفصل بعشرة اذرع فكيف نقيس العشرة اذرع وهي مرتفعة عنه بمقدار يصل الى منكبه؟

يقولون في الرياضات: هناك بعد مكان وبعد فضائي، فالبعد المكاني يحتاج الى دليل، ولذلك في صلاة المسافر لولا ظهور الأدلة في البعد المكاني، يعني يشترك أن تكون المسافة ثمانية فراسخ من الأرض، مع غض النظر عن جسم المكلف، هذا التزمنا بظهور الدليل. والا قد يكون البعد الفضائي بين رأس المسافر وبين المقصد اقل من ثمانية فراسخ، بينما البعد المكاني ثمانية فراسخ، هنا المدار على البعد الفضائي، يعني على خط وهمي من جسمه الى جسم المرأة. فبما ان المناط على البعد الفضائي فكيف نقدره؟

ولأجل المراجعة: ارجع الى ما ذكره الشهيد الثاني في الروض، حيث قال: ان الخط الموصل بين النقطتين قد يكون مستقيما وقد يكون مقعراً وقد يكون محدباً. وعلى الأول قد تكون الزاوية حادة وقد تكون منفرجة وقد تكون قائمة. فإذن هذه التفاصيل بتحديد الفاصل، تحديد الفاصل بعشرة اذرع كيف يتم بخط مستقيم او بخط غير مستقيم، الزاوية حادة، او زاوية منفجرة او زاوية قائمة. وفصله المحقق النائيني في «تقرير الصلاة».

مسألة: هل تشمل المانعية والممنوعية الصببين أم لا؟ اي هل تختص المانعية بالبالغين ام لا؟

هنا اقوال ثلاثة:

القول الاول: ما ذهب المشهور اليه من اختصاصهما بالبالغين، فلا تبطل صلاة الرجل المتأخرة عن الصبية، ولا تبطل صلاة الصبية بمحاذاة الرجل او بتقدمها عليه.

القول الثاني: شمول الحكم لغير البالغ مطلقا.

القول الثالث: ما ذهب اليه سيدنا الخوئي «قده» وصاحب المستمسك وصاحب الجواهر، من التفصيل بين المانعية والممنوعية. فلا تكون صلاة شخص مانعا من صحة صلاة شخص آخر الا اذا كان المصلي بالغا، يشترط في المانعية البلوغ، اما في الممنوع فلا.

يعني، لو كانت الصبية هي التي تصلي وجاء الرجل ولحق بها، لا تبطل صلاة الرجل، لأن اتصاف صلاة الصبية بالمانعية معناه عدم اعتبار البلوغ، ويعتبر البلوغ في المانعية، فصلاتها السابقة لا تصلح مانعاً من صلاة الرجل اللاحقة.

لكن لو عكسنا الأمر، كان الرجل يصلي فلحقت الصبية فصلت بحذاءه، بطلت صلاتها. فيعتبر البلوغ في المانع ولا يعتبر في الممنوع.

والكلام في مقامين:

المقام الاول: في اعتبار البلوغ في المانعية.

وهنا مطلبان: المطلب الاول: في بيان المقتضي لهذا الاعتبار. المطلب الثاني: في بيان المانع لهذا الاعتبار.

وبيان المطلب يعتمد على مقدمتين:

المقدمة الأولى: شرعية عبادات الصبي. فنحتاج الى شرعية عبادات الصبي في رتبة سابقة، كي نبحث ان صلاته مانع ام ليست بمانع.

وقد استدل على شرعية عبادات الصبي كما في المستمسك بالإطلاقات، فإن قوله تعالى ﴿اقم الصلاة، يشمل الصبي غيره، وصوم رمضان يشمل الصبي وغيره، غاية ما في الامر ارتفع الالزام عن الصبي اما بالاجماع او بالاحاديث الاخرى وبقي اصل الطلب.

ولكن يلاحظ على ذلك: ان هذه الادلة ليست في مقام البيان من جهة ما هو المكلف والمخاطب بها، وإنما هي في مقام بيان اصل المطلوبية، مضافا الى ان الوجوب امر بسيط فلا معنى لان يرتفع الالزام ويبقى أصل الطلب.

المقدمة الثانية: استدل في محل الكلام بوجود أدلة تدل من جهة على مشروعية صلاة الصبي والصبية، ومن جهة أخرى على شمول المانعية لصلاتيهما.

الدليل: «مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، فإننا نأمر صبياننا بالصلاة لخمس، ومروا صبيانكم بالصوم لتسع فإننا نأمر صبياننا بالصوم لسبع، كي يتعودوا ويطيقوا».

هذه الرواية استدل بها على أمرين: الامر الاول: اصل المشروعية، بتقريب ان الامر بالأمر بالشيء امر بذلك الشيء. الشارع امر الأب أن يأمر أبنه بالصلاة، والأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء، إذن صلاة الصبي مأمور بها من قبل الشارع، لان الامر بالأمر بالشيء امر بذلك الشيء. فقالوا: بناء على ذلك تكون صلاة الصبي مأمور بها شرعاً فتكون صحيحة.

لكن أشكل على ذلك: أولاً: بما ذكره سيد المنتقى من انه: سلمنا ان الامر بالأمر بالشيء امر بذلك الشيء، لكن هل أخذ الأمر على نحو الطريقية ام على نحو الموضعية؟ إنما يتم هذا الاستدلال بناء على لحاظ أمر الأب بنحو الطريقية، يعني امر الاب مجرد طريق لتوصيل امر الشارع لصلاة الصبي، لكن يحتمل ان امره على نحو الموضوعية، يعني أن الشارع يريد ان يرى ولي الصبي آمراً بالصلاة، فآمرية الولي بالصلاة أمر مطلوب في حد نفسه، ان يرى الولي آمراً صبيانه بالصلاة، فاذا جاء احتمال الموضوعية سقط الاستدلال.

ثانياً: سلمنا بالطريقية، فيأتي ما ذكره السيد الأستاذ «دام ظله» فلا يتم الاستدلال، لأنه ما هو المأمور به؟ هل المأمور به ذات الصلاة؟ او المأمور به التمرن على الصلاة؟ مجرد ان صلاة الصبي مأمور بها هذا لا يعني انها صارت شرعية؟! فهذا اول الكلام. هل المأمور به في حق الصبي ذات الصلاة كالبالغ فتكون شرعية، أو أن المأمور به في حق الصبي التمرن على الصلاة ولو بقرينة قوله «حتى يتعودوا ويطيقوا» وبالتالي لا يكون مجرد الامر بالامر بالشيء أمراً بذلك الشيء دالا على الشرعية، بل يجتمع مع التمرينية.

ثالثاً: لو سلمنا الكبرى فالمقام ليس من صغرياتها، وقد أشار الى ذلك في الجواهر، قد يقال أن مفاد هذه الرواية: «مروا صبيانكم بالصلاة لسبع» يعني ايها الولي أأمر صبيك بما هو في مصلحته. نقول: لا يستفاد من هذه الروايات أكثر من أن الولي مأمور شرعاً بالتحفظ على مصالح الصبي، ومن مصالحه تعليمه على العبادات.

رابعاً: إن الذيل وهو قوله «حتى يتعودوا ويطيقوا» مانع من احراز أن صلاة الصبي شرعية، لان الذيل كما يحتمل فليه ان يكون غاية، كأنه قال: أأمرهم بالصلاة الى أن يعتادوا، فيحتمل ان تكون «حتى» بمعنى الغاية، ويحتمل ان يكون تعليلاً، اي ان الغرض من الامر الاعتياد فيكون أمراً تمرينياً.

فإذن لم يتم الاستدلال على المطلب الاول وهو الشرعية.

المطلب الثاني: سلمنا دلالة الرواية على الشرعية، فهل تدل الرواية على ان ما تكون صلاة البالغ مانعا منه تكون صلاة الصبي مانعاً منه؟

فيقال: نعم، لأنها قالت: مروا صبيانكم بالصلاة. وظاهره ان المأمور به الصبي نفس الصلاة المأمور بها البالغ، ظاهره ان الصلاة المأمور بها الصبي الصلاة المعهودة وهي الصلاة المأمور بها في حق البالغ، وبما ان صلاة البالغ مانع، إذن فصلاة الصبي مانع ولو بمقتضى الاطلاق المقامي حيث لم يفصل بين الصلاتين.

لكن اجيب عن هذا الاستدلال، فذكرنا بحث في أول بحث لباس المصلي، وذكره الأعلام في باب الطواف. قالوا هناك فرق بين شرائط الصلاة وشرائط المصلي.

شرائط الصلاة: ما كانت شرطاً في الصلاة في نفسها مع غمض النظر عن جنس المصلي، ذكر او انثى بالغا او غير بالغ. اما شرائط المصلي: هي ترتبط بنوع المصلي، فاذا كانت امرأة إذن يشترط ستر تمام البدن، او المصلي يشترط ان يكون رجلا اذا كان إمام جماعة.

فبناء على ذلك: لو أردنا أن نتمسك بالإطلاق المقامي في الصلاة، فنقول: الصلاة المأمور بها الصبي هي الصلاة المأمور بها البالغ، فغاية ذلك تعميم شرائط نفس الصلاة لصلاة الصبي لا تعميم شرائط المصلي التي تختلف باختلاف نوع المصلي، ومانعية صلاة من صلاة انما هو في فرض خصوصية في المصلي وهو كونه ذكراً او انثى. إذن فلا يستفاد من الاطلاق المقامي التعميم. فإذا تم الكلام حول المقتضي، قلنا المقتضي لشرعية عبادات الصبي موجود، والمقتضي لشمول المانعية لصلاة الصبي موجود. يالكلام ياتي في المطلب الثاني، هل هناك مانع لهذا المقتضي ام لا؟

قيل، نعم، المانع موجود وهو حديث رفع القلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ».

والكلام فيه تارة من حيث السند، وتارة من حيث الدلالة.

أما من حيث السند، فقد قيل: بان هذه الرواية التي رواها في الوسائل «باب8، من أبواب مقدمات الحدود، حديث2» في طريقها ابو ظبيان وهو ضعيف. لكن اجيب عن هذا الاشكال، بأنها منجبرة بعمل المشهور، كم يظهر من المبسوط والناصرات للمرتضى بأن الرواية عمل بها الطائفة، بل ذكر صاحب البحار، والعلامة في نهج الحق: ان الرواية متواترة: «ان عمر أتي بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال له أمير المؤمنين، اما علمت أنه قد رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ». فكان هذا المورد من الموارد التي مدح فيها عمر الإمام ، ذكر صاحب البحار، وصاحب نهج الحق ان الرواية متواترة.

بل ذكر في الوسائل «باب8 من ابواب مقدمات الحدود، حديث2» قال: ان الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد، روى الخاصة والعامة، أنّ عمر اتي بمجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال له امير المؤمنين.. الخ». فحتى لو كانت ضعيفة عندنا ما دام العامة قد رووها وهي ليسن في صالحهم لأن فيها نوع مذمة، مع ذلك رووها فهذا دليل على صحتها، يعني موجب للوثوق بصدورها.

والحمد لله رب العالمين.