درس الأصول | 120

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

من البحوث في أواخر بحث البراءة، هو توجيه صحة الصلاة لمن ترك الواقع تقصيرا لأجل تركه التعلم.

حيث ذكرت عدة موارد: منها: ما اذا جهر في موضع الاخفات او اخفت في موضع الجهر، لجهل تقصيري، فقد افتى القوم بصحة صلاته.

ومنها: ما اذا أتم في موضع القصر عن جهل تقصير.

ومنها: ما اذا صام في السفر عن جهل تقصيري فإنهم حكموا بصحة صومه.

ومنها: ما اذا ترك التوجه الى القبلة حال الذبح عن جهل تقصيري، فإنهم حكموا بحصول التذكية.

ومنها: ما ذهب اليه السيد الشهيد والشيخ الاستاذ «قدس سرهما»: أن ما اخل بسنة من سنن الصلاة عن جهل تقصيري كما اذا أخل بالتشهد او بالسلام او بالقيام او بالقراءة عن جهل تقصيري، فإن صلاته صحيحة، بمقتضى حديث «لا تنقض السنة الفريضة».

وهذا الذي ذكره الاعلام وقع محلا للإشكال. ومحصله:

إنه كيف يجمع بين صحة عمله واستحقاقه للعقوبة، حيث إن الأعلام يقولون: بانه حيث ترك موافقة الأمر الواقعي عن تقصير فهو مستحق للعقوبة وفي نفس الوقت عمله صحيح، فاذا اتم في موضع القصر في السفر استحق العقوبة على عدم الاتيان بالقصر، وفي نفس الوقت عمله صحيح ومجزي.

فيقال: كيف يمكن الجمع بين الأمرين. فإن مقتضى صحة عمله انه مأمور واقعا بهذا العمل ولو في حالة الجهل، ومن امتثل الامر في حقه فما هو الموجب لاستحقاق العقوبة عليه خصوصا ان مخالفة الامر بالتعلم لا توجب استحقاق العقوبة لان الامر التعلم امر طريقي وليس امرا نفسياً.

وقبل الدخول في الجواب عن هذه الشبهة نتعرض الى ما ذكره سيدنا الخوئي «قده» في فقهه من توجيه الصحة في هذه الموارد بتخريجين:

التخريج الاول: أن يقال بان الجاهل قاصرا او مقصراً مخاطب بالجامع، فالعالم الملتفت مخاطب بالقصر في السفر، واما الجاهل بالحكم فهو مخاطب في السفر بالجامع أي انه مخير في السفر بين القصر والتمام، بالتالي قد امتثل الامر بالجامع.

التخريج الثاني: أن زيادة الركعتين مانع من صحة الصلاة، لكن هذه المانعية لا تشمل الجاهل، فمن اتى بالتمام في موضع القصر عن جهل ولو كان الجهل تقصيريا لم يرتكب المانع أصلاً، لأنّ مانعية زيادة الركعتين لا تشمل الجاهل قاصر او مقصرا.

وكلا من التخريجين صار محلا للإشكال، اما التخريج الاول وهو ان الجاهل مخاطب بالجامع.

فاشكل عليه:

أولاً: بأنه مناف لإطلاق وجوب القصر على المسافر فإن مقتضى إطلاق ادلة وجوب القصر على المسافر انه يتعين عليه القصر لا انه مخير بين القصر والتمام ان كان جاهلاً.

ثانياً: انه لو قلنا الجاهل مخير بين القصر والتمام فلازم ذلك ان الجاهل لو ترك الصلاة رأساً، فما صلى في السفر، إما لنوم او غفلة او تعمد، ثم ذكرها بعدما حضر، فهل هو مخير في القضاء بين القصر والتمام بحيث لو صلاها تماما في الحضر تماما أجزأته؟ بلحاظ ان ظاهر صحيحة زرارة «من فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها وهو في الحضر فإنه يقضي ما فاته كما فاته».

فإن ظاهر صحيحة زرارة تبعية القضاء للأداء، فإذا كان الجاهل في السفر مخاطباً بالجامع، ومخيراّ بين القصر والتمام، مقتضى ذلك انه اذا اراد القضاء في الحضر أيضاً يكون مخيراً، فلو ارادا التمام في الحض أجزأته وهذا مما لا يمكن الالتزام به.

التخريج الثاني: وهو ان زيادة ركعتين على ما هي وظيفته وهي صلاة القصر مانع من صحة الصلاة، الا ان هذا المانع لا يشمل الجاهل، فلو أن الجاهل صلى تماماً في موضع القصر لم يرتكب مانعاً، لأن مانعية زيادة الركعتين لا تشمل الجاهل قاصرا او مقصراً.

أشكل على ذلك:

أولاً: بأنه مناف لإطلاق دليل وجوب القصر على المسافر، فإن ظاهر دليل وجوب القصر على المسافر أن ما هي وظيفته ركعتان بسلام، والمدلول الإلتزامي لذلك مانعية زيادة الركعتين، فمقتضى الاطلاق ان لا فرق في زيادة الركعتين بين العالم والجاهل.

ثانياً: إنّ سيدنا الخوئي «قده» ذكر العكس وإن كان هذا الحكم مخالف للمشهور. وهو: لو قصّر في موضع التمام، المشهور يقولون إذا أتم في موضع القصر جهلاً صح صلاته، أما لو قصر في موضع التمام لا تصح صلاته. اما السيد يقول: كذلك، أتم في موضع القصر او قصّر في موضع التمام، استناداً الى رواية منصور بن حازم بحسب نظره هي تامة سنداً ودلالة، فإن مفاد رواية منصور بن حازم «إذا اتيت بلدةً فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة فلو تركه رجل جاهلا فليس عليه اعادة».

أي من قصد الاقامة عشرة ايام في بلد فوظيفته التمام، فلو قصر جهلا فلا اعادة عليه، يعني تصح القصر موضع التمام، فهل ما افاده هناك يأتي هنا: بان يقول: فيما اذا اتم في موضع القصر فإن مانعية زيادة الركعتين لا تشمله لانه جاهل، وفيما اذ قصر في موضع التمام فإن جزئية الركعتين لا تشمله لأنه جاهل، هذا لا يمكن القول به، إذن كما ان التخريج الاول وهو ان الجاهل في السفر مطالب بالجامع مخير بين القصر والتمام مورد اشكال، كذلك التخريج الثاني بان يقال ان مانعية زيادة الركعتين لا تشمل الجاهل.

ولكن سيدنا الخوئي «قده» أجاب عن هذا الإشكال على التخريج الأول بإيراد نقضي وهو:

ماذا تقولون في مواطن التخيير؟ أليس حكم المسافر في مواطن التخيير انه مخاطب بالجامع، فهو مخير بين القصر والتمام، فلو ان المسافر ترك الصلاة اصلا ثم اراد قضائها فما تجيبون به عن الاشكال هناك نجيب به فيمن كان مخاطبا بالقصر فأتم جهلا انه لو ترك الصلاة رأساً فما هو القضاء في حقه. هنا أيضاً يقال ما هو القضاء في حقه.

قد يتفصّى في ذلك بما لو أراد القضاء في نفس أماكن التخيير. قد يقال أنه لو ترك الأداء في أماكن التخيير وأراد القضاء وهو في أمكان التخيير أيضاً، نقول هذا مخير، بان نقول: بأن من ترك الصلاة رأسا في أماكن التخيير كان مخيرا في القضاء بين ان يقضيها قصرا في غير أماكن التخيير او يقضيها تماما في اماكن التخيير. لأنه لو أراد ان يقضيها في غير أماكن التخيير لا يكون مخيراً. إذن هو مخير بين أن يقضيها قصرا في غير أماكن التخيير وبين ان يقضيها تماما او قصرا في أماكن التخيير بحكم الجمع بين ما دلَّ على ان الصلاة الاولية في حق المسافر هو القصر، وما دلَّ في الأماكن الاربعة، مقتضى الجمع بين هذين الدليلين نقول: إن كان في أماكن التخيير اداء فهو مخير بين القصر والتمام. واما لو أراد قضاء ما فاته في اماكن التخيير فهو مخير بين ان يقضيها قصرا في غير اماكن التخيير او مخيراً في أماكن التخيير.

ولكن المشكلة هي في القضاء في أماكن التخيير تماماً، حيث ذهب جمع من الفقهاء الى ان ما دل على التخيير في أمكان التخيير منصرف الى الأداء ولا يشمل فرض القضاء، فحينئذ اذا كان منصرفا الى فرض الأداء، فما هو وظيفة القضاء؟

شخص خوطب في أمكان التخيير في الجامع، ثم فاته ذلك الجامع فأراد ان يقضي في أمكان التخيير، فهل يقضي لك قصرا، مع انه ما خوطب بالقصر، هل يقضيها تماماً مع أنه ما خوطب بالتمام. بل خوطب بالجامع. فكيف تجمعون بين «يقضي ما فاته كما فاته» وبين أنه «في مقام القضاء ليس مخيراً».

والحمد لله رب العالمين.