درس الأصول | 121

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في ان من صلى تماماً في السفر عن جهل قصوري او تقصيري فإنه لا يخاطب بالاعادة، وقد وقع الكلام في تحليل هذه المسالة، حيث ورد في صحيحة محمد بن مسلم: «سألته عمّن صلى اربع في السفر؟ قال إن قرأت عليه آية التقصير وفسرت له أعادة الصلاة، وإن لم تكن قرأت عليه آية التقصير ولم يعلمها فلا اعادة عليه». فهل المستفاد من كلمة «لا اعادة عليه» المسقطية ام التخيير؟ أم عدم مانعية زيادة الركعتين، حيث احتمل في المقام ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الاول: بأن المسافر وظيفته الاولية هي القصر، فاذا اتى بالتمام عن جهل قصوري او تقصيري سقط الامر بالقصر لا ان ما اتى به عمل صحيح، وإنما الإتيان بالتمام مانع من استيفاء ملاك القصر فالأمر الواجب عليه هو القصر غاية ما في الامر انه ان اتى بالتمام امتن عليه استيفاء ملاك القصر، فإذا امتنع ليه امتناع استيفاء القصر سقط الامر بالقصر لامتناع استيفاء ملاكه، لا أن ما أتى به من العمل صحيح. وهذا المحتمل رده سيدنا «قد» في «الموسوعة، صلاة المسافر، ج20» قال: بأنّ هذا خلاف ظاهر التعبير ب «لا اعادة» فإن ظاهر التعبير «لا إعادة» الإرشاد إلى صحة العمل، أي أن ما أتى به صحيح، كما ان التعبير ب «اعاد» اشارة الى فساد العمل، فان التعبير ب «لا يعيد». إشارة الى صحة العمل. فمعناه أن ما أتى به من الصلاة تماماً عمل صحيح، ومقتضى كونه عملاً صحيحا انه مأمور به فلابد ان حدد ما هو المأمور به في ظرف الجهل، حيث ان عمله كان صحيحاً، ولذلك لا اعادة عليه حتى اذا علم في الوقت، اي انه صلى تماماً في موضع القصر، ثم انكشف له ان وظيفه القصر وهو ما زال في الوقت ولم يذهب الوقت، مع ذلك لا يعيد. اذن يدور الامر بين المحتملين الآخرين:

المحتمل الاول: أن الجاهل مخاطب بالجامع، لا بالقصر، اي أن هناك فرقا بين المسافر العالم والمسافر الجاهل، فالمسافر العالم مخاطب بالقصر، بينما المسافر الجاهل مخاطب بالجامع بين القصر والتمام. بحيث لو أتى بالقصر غفلة وتمشى منه قصد القربة صحة صلاته. ولو أتى بالتمام لجهله بأن حكم المسافر هو القصر أيضاً صحت صلاته لأنه امتثل الأمر بالجامع في حقه، وهذا المحتمل وهو القول بالجامع ذكره السيد الخوئي «قده» في «ج20 من الموسوعة، ص362»، قال هناك: وقد ذكرنا في الاصول تخريج هذه المسألة وهي كيف تصح التمام من المسافر الجاهل؟ خرجناها على أن الجاهل مخاطب بالجامع بين القصر والتمام، وكأنه أمضاه عندما وصل الى بحث المسألة في الفقه. لكنه نفسه «قده» في «ص377 من ج20 نفسه» قال ان تخريج المسالة على انه مخاطب بالجامع بين القصر والتمام، هذا امر غير تام، بأنه لا يستفاد من الدليل بوجه، قوله «فلا إعادة عليه» هذا لا يستفاد منه ان حكمه التخيير، اي انه مخاطب بالجامع، لا يستفاد خطابه بالجامع من هذا التعبير بوجه أصلا حتى يصار الى هذا المحتمل. لذلك نقول: الصحيح ان هذا المسافر مخاطب بالقصر لإطلاق دليل القصر في حقه، كما قلنا بأن هناك ادلة تدل على ان المسافر حكمه القصر، غاية ما في الباب ان المسافر حكمه القصر. غاية ما في الباب انه في مقابل هذه الأدلة، يعني أن المسافر حكمه القصر، لدينا صحيحة زرارة: «من استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا» فإن مقتضى صحيحة زرارة ان زيادة ركعة او ركعتين، مبطل للصلاة مطلقاً. فهذا المكلف اتى بالصلاة تماما يعني زاد ركعتين على وظيفته، فمقتضى إطلاق صحيحة زرارة أن تكون صلاته باطلة، حيث إنه زاد ركعتين على ما هي وظيفته.

صحيحة محمد بن مسلم التي قالت: فلا اعادة عليه، «إن لم تكن قرأت عليه آية التقصير ولم يعلمها فلا اعادة عليه». هذه بمثابة المقيد لإطلاق صحيحة زرارة، وأن زيادة ركعة او ركعتين مبطل الا في حق المسافر الجاهل، فإن المسافر الجاهل اذا زاد ركعتين، فإن زيادة الركعتين لا تبطل صلاته، بمقتضى صحيحة زرارة. فصحيحة محمد بن مسلم خصصت صحيحة زرارة التي تقول: «من استيقن أنه زاد ركعة في صلاته المكتوبة لم يعتد به واستقبل صلاته استقبالاً». النتيجة تخريج المسألة على ان زيادة الركعتين مانع الا في حق المسافر الجاهل. لما قرر هذا المطلب «قده» ذكر في موضع ذكر تفنيدا له، قال: لو كان المسافر الجاهل مخاطبا بالجامع للزم انه لو ترك الصلاة رأساً ثم بعد خروج الوقت ان حكمه القصر وليس التمام، لازم ذلك ان يقال انه مخير أيضاً بالقضاء بين القصر والتمام، لأنه كما كان في وقت الأداء مخاطباً بالجامع مخيراً بين القصر والتمام، مقتضى قوله «يقضي ما فاته كما فاته» ان يكون ايضا في القضاء مخيرا بين القصر والتمام، وهذا مما لم يلتزم به احد. فقد نقض على هذا المحتمل بهذا النقض.

لكن عند الرجوع الى «ج16» وعند تعرضه لمسالة التخيير بين القصر والتمام في الحرمين لا يرى هذا النقض وارداً، بمعنى انه يقول بالتخيير بين القصر والتمام للمسافر في الاماكن الأربعة، فإن المسافر مخير في الاماكن الاربعة بين القصر والتمام، فلو ترك، مقتضى كلام سيدنا الخوئي في النقض على ذلك المحتمل أن يقول المقام أنه مخير في القضاء بين القصر والتمام، مع انه ذهب الى ان هذا القول غير صناعي، فليس كل من هو مخيراً حال الاداء بين القصر والتمام فإن وظيفته حال القضاء ان يكون مخيراً بين القصر والتمام، كي ينقض بهذا الايراد. فهذا الايراد الذي نقض به على هذا التخريج هو لم يلتزم به فيمن ترك الصلاة في إماكن التخيير. فراجع «ص124، ج16، الموسوعة» في المسالة 11 «من فاتته الصلاة في أماكن التخيير فكيف يقضيها».

فقد ذكر هنا ثلاثة اقوال:

القول الاول: القول بالتخيير، واستدل له بوجوه:

الوجه الاول: عموم ما ورد في صحيحة زرارة «يقضي ما فاته كما فاته»، وحيث ان الذي فاته هو الخطاب بين القصر والتمام في أماكن التخيير إذن يقضي كما فاته.

رد عليه: قال: وفيه، ان قوله «يقضي عنه ما فاته كما فاته»، يراد به الواجب بالأصالة الذي فاته، والفريضة بالذات التي فاتته، ومن الواضح أن الواجب بالأصالة في حق المسافر هو القصر، والفريضة بالذات في حق المسافر هو القصر، وأما تخييره بين القصر والتمام فهو بخصوصية وبعنوان ثانوي، وهو كونه في الأماكن الأربعة لا انه هو الواجب بالأصالة. فقوله «يقضي ما فاته كما فاته» فكملة «كما» لا تشمل المماثلة في الخصوصيات والملابسات، لأن هذه الخصوصيات والملابسات إنما وجبت عليه بعنوان ثانوي، وإنما «كما فاته» تختص بالمماثلة في اصل الواجب واصل الفريضة، والمفروض ان اصل الواجب والفريضة هو القصر، فليس عليه إلا القصر.

الدليل الثاني: ما ذكره المحقق الهمداني من تبعية القضاء للأداء، وهذا مطلب عام عند المحقق الهمداني يقول القضاء ليس بأمر جديد، بل المكلف مخاطب بطبيعي الصلاة، وبأمر آخر وهو إيقاع ذلك الطبيعي في الوقت على نحو تعدد المطلوب، فاذا ذهب الوقت ولم يوقع الطبيعي في الوقت، فلأمر بالطبيعي ما زال باقياً، إذن اذا قلنا بان القضاء تابع للأداء فنقول في حق المسافر الجاهل: هذا مخاطب بطبيعي الجامع، فبما انه مخاطب بطبيعي الجامع، ومخاطب بإيقاع هذا الجامع في الوقت فاذا فات الوقت ولم يوقعه فما زال الامر بالطبيعي الجامع باقيا في حقه، ومقتضى ذلك ان يكون مخيرا في القضاء بين القصر والتمام.

رد عليه: ويتوجه عليه منع التبعية وان القضاء بأمر جديد، فهناك أمران، أمر بالقضاء على نحو وحدة المطلوب، وأمر بالقضاء جديد، فإذا خرج الوقت سقط الامر الأول، فما كان امراً بالطبيعي بين القصر والتمام في أماكن التخيير قد سقط، وتولد أمر جديد، فلابد ن يعرف ما هو متعلق الامر الجديد، هل هو التخيير ام هو القصر؟

الوجه الثالث: ان يتمسك بالاستصحاب. ان وظيفته قبل خروج الوقت هي الجامع، ونشك في وظيفته بعد خروج، نستصحب أنه مخاطب بالجامع.

فرد عليه: مضافا الى منع جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ان المستصحب قطعن بسقوطه لان الامر الادائي بالجامع قد سقط قهراً بخروج الوقت، وتولد أمر جديد، فما يريد استصحابه قد تيقن بانتفائه، وما يريد اثباته يشك انه هل تعلق بخصوص القصر او تعلق بالجامع، فكيف يجري الاستصحاب في المقام، ثم ذهب الى أن المتعين هو القصر وليس الجامع.

والحمد لله رب العالمين.