درس الأصول | 122

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام فيما ذكره سيدنا الخوئي «قده» من أن ما فاتته الصلاة في السفر فإنه يقضيها كما فاتته، وذكر «قده» انه لو قلنا في الجاهل الذي صلى تماماً في موضع القصر ان صلاته صحيحة، وفسّرنا صحة الصلاة بأنه في حال الجهل مخيّر بين القصر والتمام، فأتى بأحد فردي التخيير، يقول لو خرجنا المسالة بهذا النحو للزم القول بأنه في القضاء أيضاً لو لم يصلي أصلا وكان مخاطباً بالجامع واقعاً، فان لازم ذلك ان يصح ان يقضي الصلاة تماماً مع انه لا يلتزم بذلك احد. وبالتالي قلنا ان كلامه مورد لإشكالين:

الاشكال الاول: ما ذكره في ان من فاته الصلاة في اماكن التخيير بين القصر والتمام فإنه لا يقضيها تماماً حتى لو كان القضاء في نفس أماكن التخيير. والسر في ذلك: أنه ذكر عدة وجوه لمنع الاكتفاء بالتمام لو أراد ان يقضي الصلاة التي فاتته في أمكان التخيير حتى لو قضاها في نفس اماكن التخيير.

الوجه الاول: بأن مكاتبة علي بن مهزيار الدارة على التخيير بين القصر والتمام، منصرفة للأداء، «كتبت الى أبي جعفر الثاني ان الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير للصلاة في الحرمين، _الى ان قال_: فكتب الي ع بخطه: قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر، وتكثر فيهما من الصلاة».

فالمدعي بأن من فاتته الصلاة في أماكن التخيير يمكن ان يكون مخيرا حتى في القضاء، فيقضيها تماماً. فالمدعي يتمسك بإطلاق الرواية، «فأنا أحب لك اذا دخلتهما أن لا تقصر» سواء كان صلاتك فيهما قضاء ام اداء. فالتخيير يشمل فرض القضاء كما يشمل فرض الاداء. ولكن سيدنا الخوئي «قده» قال: وفيه ما لا يخفى، فإنها ناظرة الى الصلاة الأدائية التي وقع الخلاف في حكمها بين الفقهاء، كما اشير الى ذلك لفرض الرواية، ولا إطلاق فيها لفرض القضاء، والشاهد لعدم الإطلاق لفرض القضاء: وإلا لزم القول بالتخيير فيما اذا قضى في الحرمين ما فاته قصراً في غيرهما. لو فرضنا انه قبل ان يصل الى الحرمين كان في منطقة أخرى مسافرا وفاتته الصلاة في المنقطة الأخرى، مع ان الصلاة التي فاتته في المنطقة الأخرى كانت قصراً، هل يقضيها في الحرمين تماماً، لازم قولكم بإطلاق الرواية حتى للقضاء أنه حتى ما فاته في السفر قصراً يمكنه ان يقضيه في الحرمين تماماً، ولا يمكن القول بذلك.

ولكن خروج هذا الفرض لإطلاق الرواية لا يعني إطلاق الرواية، لما فاته في نفس أماكن الحرمين فأراد أن يقضيه في نفس أماكن الحرمين، فعدم إطلاق الرواية لما فاته قصراً في غير الحرمين لا ينفي إطلاقها لما فاته في الحرمين وأراد ان يقضيه ايضا في الحرمين. فقد يقال: بشمول الرواية لمثله.

الوجه الثاني: التمسك بإطلاق ما دل على أن وظيفة المسافر هو القصر، فمقتضى إطلاق هذه الروايات ان وظيفة المسافر هي القصر، ان لا فرق في ذلك بين ان تكون الصلاة ادائية او قضائية، وحيث لم يحرز مقيد لهذا الإطلاق نتمسك به في المقام، وهو من أراد ان يقضي الصلاة التي فاتته في أماكن التخيير في نفس أماكن التخيير.

وهي إطلاق موثقة عمار، «سألت أبا عبد الله ، عن المسافر يمرض ولا يقدر ان يصلي المكتوبة، قال: يقضي اذا اقام مثل صلاة المسافر بالتقصير».

وظيفة المسافر انه اذا فاتته صلاة وهو في السفر اني يقضيها قصراً. نحن نتمسك بإطلاق ذلك يحرز له مقيد، فنقول: أيضاً من فاتته الصلاة في أماكن التخيير فإنه يقضيها قصرا بإطلاق هذه الرواية.

ولكن يمكن ان يناقش في ذلك: بانصراف الرواية للفرض المتعارف، وهو انه فاتته أيضا قصرا، يعني إنما لزمه أن يكون القضاء قصرا لأنه فاتته قصرا، هذا هو الفرض المتعارف، ولا يحرز شمولها لما اذا فاتته في أمكان الحرمين التي يكون فيها مخيرا خصوصا على مبنى السيد الاستاذ «دام ظله» من شمول روايات الافتاء الى الفرض المتعارف.

الوجه الثالث: ذكر سيدنا «قده» ان القضاء مناطه الفوت، والعبرة بالفوت في زمان الفوت. كيف نعرف انه فات؟ اذا رجعنا الى زمان الفوت، وزمان الفوت هو آخر الوقت، فما فات المكلف هو ما بقي من الركعات في آخر الوقت، يجب القضاء اذا فاتته الصلاة، والمناط في الفوت بلحاظ زمان الفوت، وزمان الفوت هو آخر الوقت بالنسبة الى كل مكلف، لأن الصلاة تمتد الى آخر الوقت، فالمقدار الذي يبقى من الركعات الى آخر الوقت هو الذي فات المصلي، فاذا رجعنا الى المسافر، فالمقدار الباقي في حقه في آخر الوقت هو أربع ركعات، وأربع ركعات لا تسع لظهر او عصر الا بالقصر، بحيث تكون ركعتان للظهر وركعتان للعصر.

إذن بالنتيجة: بما أن المناط على زمان الفوت، وزمان الفوت آخر الوقت والمقدار الباقي في حقه دائما هو أربع ركعات، اذن الذي فاته هو صلاة القصر، لان الوظيفة الواقعية تنقلب آخر الوقت بمقدار ما يسعه الوقت، وبما أن المقدار الذي يسعه الوقت بالنسبة لهذا المسافر أربع ركعات، إذن بالنتيجة ما فاته هو وظيفته ووظيفته كانت قصراً.

ولكن يلاحظ على هذا الاستدلال ما خدش هو في غير موضع: من ان التعين المصداقي لا يعني الضيق في المجعول، فالمجعول في حق المسافر في أماكن التخيير هو الجامع بين القصر والتمام، وأما اذا ضاق الوقت ولم يبقى إلا مقدار أربع ركعات، فتعين الصلاة في أربع ركعات، ركعتين للظهر، وركعتين للعصر، هذا من باب التعين المصداقي القهري، أي ان مصداق الجامع تعين عقلا في الصلاة قصراً، لا ان المجعول في حقه تبدل وتغير بعدما كان المجعول في حقه هو الجامع، صار المجعول في حقه هو القصر، بل المجعول في حقه ما زال هو الجامع، وإن تعين عليه عقلاً هذا المصداق. وما فاته هو ما جعل في حقه لا ان ما فاته ما تعين عليه مصداقا حتى يستدل بهذه النقطة.

الوجه الرابع: بما ان هذه الرواية وهي رواية القضاء «يقضي ما فاته كما فاته» لا يستفاد منها إطلاق المماثلة، لأنها لو وردت بعبارة «يقضى ما فات كما فات» لتمسكنا بإطلاق المماثلة، فاذا فاته الجامع إذن يقضي الجامع، ولكن الذي ورد في الرواية «يقضي» أي المكلف «ما فاته كما فاته» فليس الملحوظ في الرواية بحسب هذا التعبير نفس ما فات، كي يتمسك بإطلاق المماثلة فيه، وإنما الملحوظ في الرواية بحسب هذا التعبير المكلف يقضي ما فاته كما فاته، وبالتالي لا يستفاد منها اكثر من المماثلة، في اصل الفرض الذي وجب عليه واصل الفرض الذي وجب عليه هو القصر وليس الجامع فلا يصح التمسك بإطلاق المماثلة حتى في الخصوصيات التي وجبت عليه بالعنوان الثانوي وهو التخيير في مواطن التخيير بين القصر والتمام.

ولأجل ذلك لو فاتت المكلف صلاة اضطرارية ثم لما اراد ان يقضيها صار متمكناً من الصلاة الاختيارية، هل يقضيها اضطرارية، لأن الذي فاته هو الصلاة الاضطرارية؟ لا يقول بذلك أحد. بل يقولون يقضي اصل الفرض الذي وجب عليه، لا أن القضاء يشمل الخصوصيات والملابسات التي ثبتت عليه بعنوان آخر، إذن «يقضي ما فاته كما فاته» لا تشمل هذا المورد الذي فاته الجامع فيقضيه على نحو الجامع، فالمرجع هو الأصل العملي. فما هو مقتضى الاصل العملي؟ إذ قد يدعى ان مقتضى الاصل العملي هو الاستصحاب. وجب عليه الجامع فيستصحب بقاء اشتغال ذمته بالجامع، فيقضي الجامع ويكون مخيرا، ولكن ذكرنا امس ان الاستصحاب لا يجري لانتفاء المستصحب يقينا، حيث إن هناك امراً ادائياً وأمراً قضائيا والأمر بالادائي بالجامع قد سقط جزما بعد خروج الوقت، والأمر بالقضاء أمر جديد ولا يعلم انه تعلم بالجامع وتعلق بالقصر، لذلك الاستصحاب لا يجري، فالجاري في المقام هو البراءة عن التعيين، بمعنى ان يقال: ان المكلف لا يدري هل يتعين عليه الصلاة قصرا؟ ام انه مخير في القضاء بين القصر والتمام؟ مقتضى البراءة عن التعيين أن يكون مخيراً. خلافا لما ذكره سيدنا «قده» من أن مقتضى الأصل أن يقضيها قصراً، بل مقتضى الاصل ان يكون مخيراً لأجل البراءة عن التعيين، بعدما اختار في الأصول بأنه اذا دار الأمر في المجعول بين التخيير والتعيين، كان مقتضى البراءة عن التعيين التخيير.

هذا تمام ما ذكره «قده» من وجوه لمنع التخيير في مقام القضاء. فنقول: بناء على هذه الوجوه الالتزام بالتخيير في الأداء لا يستلزم التخيير في القضاء، فلا يصح منه الإشكال على من خرّج المسألة بالتخيير في الأداء ان لازمه ان يقول بالتخيير في القضاء.

الذين خرجوا مسألتنا وهي أن وظيفة الجاهل بوجوب القصر حال السفر وظيفته انه لو صلى تماماً يجزيه، فقد خرّج نفس السيد وغيره بأن الجاهل مخير بين التمام والقصر. والسيد أشكل على هذا التخريج الذي تبناه ثم عدل عنه، أن لازم هذا التخريج ان يكون مخيرا بالقضاء ولا يلتزم بذلك أحد.

نقول: هذا الإشكال غير وارد، لأنك نفسك في «من فاتته الصلاة في أماكن التخيير»، قلت ان مقتضى الصناعة ان لا يكون القضاء على نحو التخيير، مع أن الأداء على نحو التخيير. فلا يرد الإشكال في المقام.

والحمد لله رب العالمين.