درس الأصول | 129

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا سابقا أن من تخريجات المسألة، وهي من ترك القصر لجهله بوجوب القصر وصلى تماما أجزأته التمام، ان المسألة من باب الترتب، أي ان المكلف المسافر ترك القصر، فإن ترك امتثال الامر بالقصر أمر بالتمام، وذكرنا أن هذا التخريج الذي افاده كاشف الغطاء مور لعدة إشكالات. سبق الكلام في الاشكال الاول.

الإشكال الثاني: ما ذكره المحقق الاصفهاني «قده»، من أنه ما هو الموضوع للامر الترتبي للتمام، هل الموضوع ترك القصر، او الموضوع ترك القصر في اول الوقت، او الاتيان بالتمام؟، وجميع هذه المحتملات باطلة.

أما المحتمل الاول: وهو ان يقال: ان الموضوع هو ترك القصر مطلقا، أي انت مأمور بالقصر فإن تركت القصر مطلقا فأنت مأمور بالتمام.

ويلاحظ عليه: أن لازم ذلك ان من صلى تماما لجهله بوجوب القصر ثم علم والوقت ما زال باقيا أنه يمكنه الإتيان بالقصر، لأن الوقت ما زال باقياً، فليس مأموراً بالتمام، مع ان الرواية والفتوى قائمة على انه حتى إذا علم اثناء الوقت بعد ان صلى تماماً فقد سقط الامر بالقصر، فهذا كاشف من أن موضوع الأمر الترتبي بالتمام ليس له هو ترك اصل القصر، والا هذا المكلف يمكنه الاتيان بالقصر بعد ان علم بوجوبها والقوت ما زال باقيا. وان كان الموضوع، ترك القصر في أول الوقت، إن تركت القصر في أول الوقت فأنت مأمور بالتمام. فيقول: أن لازم هذا ان يخاطب في اول الوقت بالتمام، لأنه تارك للقصر، فلو فرضنا أنه ترك ذلك ولم يصلي أي أنه من أول الوقت ما صلى، وكان في ذلك الظرف تاركاً للقصر، أي انه في ذلك الظرف كان مأمورا بالتمام لكنه لم يصلي بعد ذلك صلى القصر اتفاقا غفلة، لازم كلامكم انه يستحق العقوبة لأنه ترك ما هو مأمور به في اول الوقت الا وهو الامر الترتبي بالتمام مع أنه لا يشك احد في سقوط الامر عنه وانه لا يستحق العقوبة. لانه اتى بالقصر بعد ذلك وان اتى به اتفاقا أو غفلة.

وان قلتم بأن موضوع الأمر الترتبي هو التمام، إن أتيت بالتمام فأنت مأمور بالتمام. فلازم ذلك طلب الحاصل. إذن على جميع المحتملات لا يتصور امر ترتبي بالتمام، حتى يقال ان هناك ترتبا بين الأمر بالقصر والأمر بالتمام.

الجواب عما افاده «قده»: يظهر من التخريجات السابقة: ان المكلف المسافر مأمور بقصر غير مسبوقة بالتمام حال الجهل، انت مأمور بالقصر ليست مسبوقة بتمام فإن تركت امتثال هذا الامر وهو الامر بقصر غير مسبوقة بتمام حال الجهل ان تركت امتثال هذا الامر فانت مخاطب بالتمام، وبالتالي اذا اتى المكلف بالتمام لأنه كان جاهلا بوجوب القصر وامتثل الأمر الترتبي لأن موضوع الأمر الترتبي، ان يترك قصرا غير مسبوقة بتمام، وهذا ترك قصرا غير مسبوقة بتمام، لانها أتى بتمام، صدق عليه انه ترك قصرا غير مسبوقة بتمام، وفي نفس الوقت امتثل الامر الترتبي، وفي نفس الوقت لا يمكنه امتثال الامر بالقصر، حتى لو علم اثناء الوقت، لان الامر بالقصر تعلق بأمر غير مسبوقة بتمام، وهذا لا يمكن تحقيق هذا القيد بعد ان أتى بالتمام. إذن موضوع الأمر بالتمام ليس من ترك القصر حتى تقول أول الوقت أو مطلق الوقت، موضوع الامر بالتمام من ترك قصراً غير مسبوقة بتمام حال الجهل، وهذا الموضوع يصدق في حق من اتى بالتمام في وجوب القصر، فلا يرد الاشكال.

الاشكال الثالث: ما ذكره السيد الخوئي من لازم كلامكم من ترك الصلاة رأساً استحق عقوبتين، لانه مخاطب بأمرين، أمر بالقصر فإن ترك امر بالتمام وهذا قد ترك كلا الأمرين فلا قصرا اتى ولا تمام الى ان ذهب الوقت، ومقتضى ذلك تعدد استحقاق العقوبة لتعدد عصيان الامرين.

والجوب عن ذلك واضح مما سبق:

اولاً: هو منقوض بالاضطرار والاختيار، لو فرضنا ان شخصا كان في اول الوقت مختاراً، كقدرته على الصلاة الاختيارية بطهارة مائية، ففقد الماء فخوطب بالامر الاضطراري فلم يصلي ايضا حتى فاته الوقت، فلا اشكال انه خوطب بأمرين مع ذلك لا يستحق عقوبتين. اما الحل، فإن المناط في العقوبة تفويت الغرض اللزومي، فالعبرة في تحقق العقوبة ووحدة، فالعبرة في وحدة العقوبة وتعدد العقوبة بوحدة الغرض وتعدد الغرض. فاذا افترضنا ان هناك غرضا واحداً وهو الصلاة الجامعة للشرائط، ان كانت اختيارية فالغرض اتم، وان كانت اضطرارية فالغرض اقل، وإلا فهو غرض واحد، فهو وإن عصى أمرين لكنه لم يفوت الا غرضا واحدا فيستحق عقوبة واحدة. وكذلك الامر في المقام، هذا مسافر مأمور بصلاة محققة للغرض اللزومي، ان قصرا فهو غرض اتم، وإن تماماً فهو غرض اقل، فلو ترك الصلاة رأسا لم يفوت الا غرضا لزوميا واحدا فلا يستحق الا عقوبة واحدة.

الإشكال الرابع: ما ذكره المحقق النائيني «قده». ومحصله: أن الأمر الرتبي لغو، لان الامر الترتبي في كل مورد مشروط بعصيان الأمر الاولي، امر بالقصر أولاً فإن عصى الامر الاولي بالقصر فهو مأمور بالتمام، ولا يتصور عصيان في حق هذا المكلف، لانه ان التفت ان القصر واجب عليه فليس مأموراً بالتمام، لا ترتبا ولا غير ذلك، وإن لم يتلفت الى وجوب القصر عليه، فهو ليس عاصياً، فبما انه الأمر بالتمام امر ترتبيا موضوعه عصيان الأمر بالقصر فلا يتصور في حق هذا المكلف اما ان يتلفت لوجوب القصر فلا امر في حقه بالتمام، وإما ان لا يتلفت فليس عاصيا، اذن الامر الترتبي بالتمام لغو، لان موضوع لا يتحقق في حق هذا المكلف.

وهنا جوابان في كلمات الأعلام:

الجواب الاول: ان يتحفظ على شرطية العصيان، فيقال: إن الروايات الشريفة، ومنها صحيحة محمد - بن مسلم،: «أن قرأت عليه آية القصر وفسرت اليه اعاد، وإن لم تكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه»، أن يقال: مقتضى اطلاق الرواية شمولها للجاهل المتردد ولا تختص بمن يعتقد بوجوب التمام عليه تعيينا او تخيراً، حتى الجاهل المتردد الذي لا يدري هل القصر واجبة عليه او التمام واجبة عليه؟ تشمله الرواية. بناء على ذلك إذن يتصور للامر الترتبي فرق فلا يكون لغوا، فيقال من التفت الى ان القصر هل هي واجبة عليه ام لا؟ فلم يفحص وترك ذلك واتى بالتمام شملته الرواية انه لا اعادة عليه، فبناء على شمول الرواية للجاهل المتردد اذن الامر الترتبي له فرض وهو ان لا يكون فيه لغواً، وهو من التفت الى انه هل هو مخاطب بالقصر ام لا؟ فلم يبالي فإنه يخاطب بالأمر الترتبي بالتمام، نعم شمول هذا الامر لمن يعتقد ان التمام واجبة عليه، إما تعيينا او تخييراً، قد يقال بان هذا الشمول لغو، لان من يعتقد بوجوب التمام عليه تخييرا اصلا لم يتلفت الى الأمر التعييني بالقصر كي يصدق في حقه العصيان، كي يكون مشمولا للأمر الترتبي. ولكن بناء على ان الاطلاق مجرد عدم لحاظ لا لحاظ العدم فلا يحتاج انعقاد الاطلاق الى مؤنة كي يكون انعقاده لغواً، فلنفرض ان هذا الامر يشمل من اعتقد بوجوب التمام عليه، الا ان شموله بالاطلاق والإطلاق عدم لحاظ، والعدم ليس فعلا وجوديا حتى يتصف باللغوية، وهذا بناء على ان الاطلاق امر عدمي.

الجواب الثاني: لا موجب لأن نتحفظ على عدم العصيان، فلا دليل على ان سائل الأوامر الترتبية مشروطة بالعصيان، بل مشروطة بالترك، ترك امتثال ذلك الامر وإن لم يكن هذا الترك عصياناً. فبناء على ان الموضوع هو الترك حتى لو قلنا بعدم شمول صحيحة محمد بن مسلم للجاهل المتردد، يتصور الامر الترتبي في المقام بلا مانع، فيقال كما ذكرنا في جواب المحقق الاصفهاني: ان المسافر مأمور بقصر غير مسبوقة بالتمام حال الجهل، فإن تركت امتثال هذا الامر فأنت مأمور بالتمام، وبالنتيجة من اعتقد ان التمام واجبة عليه اما تعيينا وإما تخييراً، او قامت عنده حجة على عدم وجوب القصر وأن التمام هي واجبة عليه، هذا المكلف لو ترك القصر انه يصدق عليه انه ترك قصراً مسبوقة بالتمام فهو مأمور بالتمام، فإذا اتى بالتمام فقد امتثل الأمر بالتمام والأمر بالتمام لا يكون لغواً في حقه.

الإشكال الخامس: ما تعرض له المحقق النائيني «قده». من أنّ القصر والتمام من الضدين الدائميين، أي ان القصر والتمام بينما تضاد دائمي، لأن المفروض انه امر بقصر غير مسبوقة بتمام، لا أنه امر بقصر مطلقاً، الجاهل المسافر امر بقصر غير مسبوقة بتمام، اذن اوجب ذلك ان يكون هناك مضادة بين القصر والتمام، وهذه المضادة دائمية، وبما انها مضادة دائمية فلا تزاحم بين التضاد الدائمي كي يحل ويعالج بالترتب، اصلا لا تزاحم كي يعالج بالترتب، بل المقام من باب التعارض لا من باب التزاحم. وهنا اختلف العلمان «قده»، فذهب السيد الخوي: الى إنكار الكبرى والتسليم بالصغرى، قال الترتب معقول بين الضدين الدائميين، وإن كان المقام من الضدين الدائميين.

والسيد الشهيد بالعكس، سلم الكبرى ان لاترتب بين الضدين الدائميين ولكنه منع الصغرى وقال المقام ليس من الضدين الدائميين، والصحيح: منع الكبرى والصغرى. ويأتي عنه الكلام.

والحمد لله رب العالمين.