محبةُ الزهراءِ صلوات الله عليها ركنُ الإِسلام

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

بمناسبة شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين، نتحدث في هذه العجالة عن منقبتين من مناقبها تيمنا بذكرها .

المنقبةُ الأولى:

ما ورد في الرواية المعتبرة كما في كتاب العلل روى الشيخ الصدوق طاب ثراه بسنده: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ [على المبنى المُختار من وثاقته] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ وَقْفَةٌ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ رَجُلٍ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ فَيُؤْمَرُ بِمُحِبٍّ قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ إِلَى النَّارِ فَتَقْرَأُ فَاطِمَةُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُحِبّاً، فَتَقُولُ إِلَهِي وَ سَيِّدِي سَمَّيْتَنِي فَاطِمَةَ وَ فَطَمْتَ بِي مَنْ تَوَلَّانِي وَ تَوَلَّى ذُرِّيَّتِي مِنَ النَّارِ وَ وَعْدُكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَدَقْتِ:

يَا فَاطِمَةُ إِنِّي سَمَّيْتُكِ فَاطِمَةَ وَ فَطَمْتُ بِكِ مَنْ أَحَبَّكِ وَ تَوَلَّاكِ وَ أَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَ تَوَلَّاهُمْ مِنَ النَّارِ وَ وَعْدِيَ الْحَقُّ وَ أَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَ إِنَّمَا أَمَرْتُ بِعَبْدِي هَذَا إِلَى النَّارِ لِتَشْفَعِي فِيهِ فَأُشَفِّعَكِ وَ لِيَتَبَيَّنَ لِمَلَائِكَتِي وَ أَنْبِيَائِي وَ رُسُلِي وَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ مَوْقِفُكِ مِنِّي وَ مَكَانَتُكِ عِنْدِي فَمَنْ قَرَأْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِناً فَخُذِي بِيَدِهِ وَ أَدْخِلِيهِ الْجَنَّةَ‌. [علل الشرائع؛ ج1، ص: 179 ح 6].

ومضمون هذه الرواية الشريفة وما يُقاربه لم يقتصر على كتب الخاصة، بل ورد عن بعض رواة العامة كأبي هريرة، بهذا النص:

" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ السُّكَّرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُخْدَجُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ فَاطِمَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَمَ مَنْ أَحَبِّهَا مِنَ النَّارِ‌.

ومن القرائن على صحتها رواية بعض العامة لها لقضاء العادة أن العامة لا يروون مثل هذه الفضائل إلا لاشتهاره وانتشاره بحيث لا يمكن إخفاؤه.

كما وردت في كتب العامة مثل: كنز العمال ومجمع الزوائد، والصواعق المحرقة 96 وتاريخ ابن عساكر والمواهب اللدنية كما في شرحه للزرقاني 3 ص 302.

وأخرج الحافظ الدمشقي بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله لفاطمة رضي الله عنها: «يا فاطمة تدرين لم سميت فاطمة؟

[لا لأنّه اسمٌ مُتعارف في ذلك الزمان، بل لعلة غيبية خاصة سماها فاطمة]

قال علي رضي الله عنه لم سميت؟ قال: إن الله عز وجل قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة».

وقد رواه الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده ولفظه: «إن الله فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار».

فهذه النصوص الشريفة، خصوصا النص الأول لو تأملنا فيها وجدنا أنها تشتمل على عدة مضمامين:

المضمونُ الأول: أن حب فاطمة ، وولايتها مناطٌ في استحقاق الجنة، وليست المسألة مسألة تفضُّل بل هي استحقاق، فإنه ذُكر في علم الكلام لدى الإمامية أنّ أصل الثواب والجنة هو تفضُّل منه تعالى، وإنما يكون استحقاقاً بالوعد لأن الله تعالى لا يخلف وعده، وإلا فهو تفضل من الأساس وذلك لقوله تعالى، في حق المؤمنين:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء: 122].

وكذلك هنا يقول الله جل وعلا كما في الرواية الشريفة: وَ وَعْدِيَ الْحَقُّ وَ أَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ.

المضمونُ الثاني: أنّ حُب فاطمة الزهراء من أركان الإسلام، فمن الواضح أن استحقاق دخول الجنة متقوم بالإسلام، قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].

ومفاد الآية: أن مناط الربح والخسارة في الآخرة هو الإسلام الواقعي الأخروي، وهنا في هذه الرواية الشريفة أُفيد أن الشرط المعتبر في الإسلام الواقعي هو حب فاطمة ، فنتيجة الجمع بين النصين أنّ حب فاطمة صلوات الله عليها من أركان الإسلام الواقعي، لا يقوم إسلام حقيقي واقعي إلا به.

المضمونُ الثالث: إن المناط الملحوظ في الرواية ليس هو حبّ فاطمة فقط، بل هو الحب والتولي، لذا قال: مَنْ أَحَبَّكِ وَ تَوَلَّاكِ وَ أَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَ تَوَلَّاهُمْ.

وليس التولي هو عبارة عن أن يراهم المسلم علماء أبرار كسائر علماء المذاهب الإسلامية، وإنما التولي هو الإعتقاد بكونهم أولياء الله في الأرض؛ المساوق واقعاً للتبري من أعدائهم، فما هو الشرط المعتبر في الاسلام الواقعي ليس هو مجرد المحبة بل المحبة مع التولي.

منهجُ الصدِّيقةِ الشهيدة مفتاحُ منهجِ المعصُومين

المنقبةُ الثانية:

ما ورد في رواية صحيحة رواها الشيخ الكليني طاب ثراه بسنده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَنْ غَسَّلَ فَاطِمَةَ قَالَ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَكَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ. فَقَالَ كَأَنَّكَ ضِقْتَ مِمَّا أَخْبَرْتُكَ بِهِ قُلْتُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ لَا تَضِيقَنَّ فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ لَا يُغَسِّلُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ يُغَسِّلْهَا إِلَّا عِيسَى . [الكافي - الشّيخ الكليني - ج1/ ص 459، ج3/ ص 159؛ علل الشرائع؛ ج1، ص: 218 و219 ح].

وهذه الرواية تدلنا على مطلبين مهمين:

المطلبُ الأول:

أن للزهراء صلوات الله عليها هذا المقام العظيم الذي قرنه الله بمقام النبوة ألا وهو مقام الصديقين، قال تبارك وتعالى في كتابه الكريم:

﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء: 69 - 70].

وهذه النعمة المشار إليها في الآية المباركة هي حضور الله وتجليه في أرواحهم، كما هو مفاد قوله تعالى:

﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ [ص: 45 - 47].

فإن هذا الحضور المُعبّر عنه بذكرى الدار هو النعمة التي حصل عليها النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وقد حازت عليه الزهراء صلوات الله وسلامه عليها حتى وصلت إلى مرتبة الصديقين.

فإن من وصل الى هذا المقام كان قطعة من الصدق، بل كان جوهر الصدق ومنبعه فهو الصدِّيق.

المطلبُ الثاني:

إن المستفاد من هذه الرواية الشريفة أن المعصوم لا يلي أمره الا معصوم مثله.

وهذه الرواية الصحيحة وغيرها من الروايات هي منشأُ لهذا المرتكز المتشرعي من أن المعصوم لأنّه صديق لا يلي أمره إلا معصوم مثله، ولذا لم يلي أمرها إلا الصدِّيق خليفة رسول الله في زمانه صلى الله عليهما وآلهما وهو الإمام أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب ، وقد وليَ غسلها حزيناً كئيباً باكياً مُنتحباً، حتّى روى المؤرخون أنه أنشد هذه الأبيات التي تصدر من قلب متصدع بالفاجعة:

لكلِّ اجتماعٍ من خليلين فرقة
وإن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ
  وكلُّ  الذي دون الفراق iiقليلُ
دليلٌ  على أن لا يدوم iiخليلُ

فحقيق بالمؤمنين والمسلمين في كل مكان في هذه الأيام الفاطمية مواساة أمير المؤمنين ومواساة الحسنين ومواساة العقيلة زينب ومواساة مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه، باقامة العزاء والمواكب والاحتفال بهذه الذكرى العظيمة، فإن مظلوميتها مفتاح المظلوميات.

وقد ذكر السيد الشهيد العظيم السيد محمد باقر الصدر طاب ثراه، أن رسالة المعصومين من باب تعدد الأدوار ووحدة الهدف ونُضيف إلى كلامه قدس سره: ووحدة المنهج، حيث إن منهجهم كان واحداً وإن تعددت أساليبهم ابتداءً من فاطمة الزهراء واختتاماً بالمهدي المنتظر أرواحنا فداه.

وهذا المنهج يقوم على ثلاثة أركان:

  1. الدفاع عن منصب الإمامة الذي هو منصب إلهي وحق للأمة الإسلامية في الارتباط بالقادة الإلهيين.
  2. التضحية في سبيل منصب الإمامة.
  3. شعار المظلومية.

وإن هذه الأركان الثلاثة لهذا المنهج العظيم قد بدأ بفاطمة وبخطوات فاطمة وتضحياتها.. فكأنّها المفتاح الذي سنّ وأسس هذا المنهج لباقي الأئمة من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

نسأل الله تبارك وتعالى أنْ يرزقنا في الدنيا زيارتها وفي الآخرة شفاعتها، وأنْ يجعلنا من مُحبيها وخدمها دنيا وآخرة، وأنْ يرزقنا قربها ورضاها حيث يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعن على أعدائهم أجمعين.