ملخص: القانون الجزائي في القرآن وسنة النبي (ص)

هل أن الرسول ص قائد دموي؟

شبكة المنير

﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

4 محرم 1441

يذكر المؤرخون بأن قوما من العرنيين أو من بني سليم جائوا إلى المدينة فأصابهم وباء فقالوا للرسول أخرجنا من المدينة لعلنا نشفى ونطيب، فأخرجهم النبي إلى منطقة بيت المال وهي منطقة خارج المدينة كان يجمع فيها الزكوات. فاقاموا في تلك المنطقة وأكلوا وشربوا من خيراتها. فلما شفوا من مرضهم قاموا بالاعتداء على عمال الزكاة فقتلوهم وسرقوا ما سرقوا وهربوا... فبعث النبي إليهم علي فأسرهم إلى الرسول فأقام عليهم الحد.

هذه الحادثة وأمثالها التي حدثت في عهد النبي أصبحت مادة في أيدي المستشرقين للطعن في نزاهة النبي واتهامه بأنه يعيش حالة وروحا من الدموية.

الحديث عبر مأحورين رئيسين:

♦ فلسفة نظام العقوبة في القانون الوضعي

♦ فلسفة نظام العقوبة في القانون الإسلامي

🔵 المحور الأول

لايوجد مجتمع ليس فيه نظام عقوبات، سواءا كان مجتمعا دينيا أو وثنيا. لذلك وقع الحديث بين فلاسفة القانون حول ماهي الفلسفة وراء وجود نظام للعقوبات في كل مجتمع؟

وهنا عدة نظريات

▪ النفع الإجتماعي والتي طرحها «روسو» وهي أن كل مجتمع أتفق أفراده على عقد معين في حماية الحقوق والحريات، يجب معاقبة الفرد الذي يقوم بالاخلال بالعقد. فهما فلسفة نظام العقوبة أن فيه حماية للعقد.

▪ الردع وتسمى بالنظرية التقليدية تذهب إلى وجوب معاقبة المجرم لأن النفع الإجتماعي تعني الردع ورد الخسارة سواءا كان هناك عقد أو لم يكن هناك عقد. ولابد من وضع قانون لكل عقوبة وتقليص سلطة القاضي بحيث يكون السائد هو القانون.

▪ تحقيق العدالة

الفيلسوف الألماني «كانت» يقول بأن المسألة لاترتبط بوجود مجتمع، بل عقوبة المجرم يجب أن تتحقق تحقيقا للعدالة.

▪ المدرسة الوضعية

تذهب إلى أن العدالة مطلوبة لكن لايتم تحقيقها بعقوبة المجرم بل بمعالجة أسباب الجريمة. ومن هذه المدرسة انبثقت حركة الدفاع الاجتماعي التي تدعو بعدم معاقبة المجرم وتطالب باخضاعه للتأهيل والرعاية. فلابد من تأسيس مناهج على ضوء علم النفس والعلوم الإنسانية الأخرى يدخل على اثرها المجرم في مصحة نفسية فيعيش حياته من جديد كفرد فاعل في مجتمعه.

▪ المدرسة التوفيقية

تدعو إلى الجمع بين الحقوق. فالمجتمع له حق الأمن والمجرم كإنسان له حق الحياة. فلابد من معاقبة المجرم لتعويض المجتمع عن حقه، ولا بد من تأهيل المجرم اعطاءا له لبعض حقوقه.

🔹 المحور الثاني

ماهي فلسفة نظام العقوبات في القانون الإسلامي؟

أول من كتب في هذا المجال هو ابن القيم صاحب كتاب «إعلام الموقعين عن رب العالمين»

القانون الإسلامي انطلق من منطلقات ثلاثة:

▪ هناك هدفا أوليا وهدفا ثانويا

الهدف الأولي هو استقرار الحياة الاجتماعية ويبتني هذا الاستقرار على حفظ الحقوق والنفوس والأعراض والأموال من التلف والتدهور والضياع.

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا

ويتفرع من هذا الهدف قيمتان

▫العدالة. وهي طريق إلى استقرار الحياة الاجتماعية ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

▫ التزاحم

فالعقل يأمر بتقديم الأهم على المهم في حالة تزاحمهما ولذلك الأهم هو تقديم المصلحة العامة والحق العام على المصلحة الشخصية والحق الخاص ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

ولأن النظام الإسلامي رحمة، فإن النظام الجزائي الإسلامي رحمة وحماية. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ

فالنظام الإسلامي يدعو إلى بناء حضارة تبتني على مبدأ الأمن النفسي وعلى مبدأ الأخوة ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

فالاسلام يدعو لإقامة حضارة مبنية على مبدأ التعاون والمحبة والألفة والإحسان والتواضع. ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

فالمجرم عندما يقوم بالجريمة يكون قد ضرب استقرار الحياة الاجتماعية وضرب الأمن النفسي وهدم مبدأ الأخوة ولذلك جاء نظام الجزاء الإسلامي لإنزال العقوبة وتلافيا للمخاطر.

▪التشريع راعى تقنين العقوبة من خلال

▫مرونة العقوبة. ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا

فجمع بذلك بين قيمتين عاليتين هما العدالة في حال القصاص وقيمة العفو والصفح. ﴿وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

▫ضعف الإرادة

لو كانت الجريمة عن ضعف في الارادة دون اصرار من حق الإنسان أن يعالج ويؤهل وتشمله الآيات المطلقة «ولقد كرمنا بني آدم»

🔵 ماقام به النبي في الحادثة التي بالمقدمة

نجد ان النبي

▪ طبق القانون السماوي ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

▪المنطلق الذي انطلق منه النبي هو منطلق الإصلاح

فالفساد في الأرض ليس فساد في التراب والحجر بل إفساد وقتل لمرافق الحياة في الأرض كونها مهد الحياة.

﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

فالنبي إنما انزل بهم العقوبة من منطلق الإصلاح وحماية الأرض وهذا المنطلق نفسه الذي انطلق منه علي في محاربته للخوارج وسار عليه سيد الشهداء

”إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي“