نبضات القلب المحمدي في لحظات العروج إلى الله

الليلة السادسة من محرم الحرام 1441هـ

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «1» قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا «2» نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا «3» أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «4» [المزمل: 1 - 4]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث عن حاجتنا إلى العبادة والانتهاج بالمنهج الروحي للنبي محمد ، وذلك من خلال طرح عدة محاور:

  • في تعريف الوعي وخطواته.
  • في بيان أن الوعي ظاهرة وجودية لا إنسانية.
  • في بيان الحاجات الباعثة للعبادة.
  • المنهج الروحي النبوي في مجال العبادة.
 المحور الأول: في تعريف الوعي وخطواته.

نحن لا نتكلم الآن عن العقل ولا عن التفكير، نحن نتكلم عن خصوصية وصفة خاصة من صفات العقل ألا وهي الوعي، ما هي حقيقة الوعي وما هي خطواته؟

كتاب «الوعي دليل موجز لسر العقل» للمؤلفة آناكا هاريس دكتورة في علم الأعصاب ومتخصصة في الفيزياء أيضاً، تنقل في كتابها عن الفيلسوف الأمريكي توماس نيغل تعريفاً للوعي وبياناً لخطواته، الوعي أن تدرك ما حولك عن خبرة، هناك أشياء لا وعي لها، وهناك أشياء أو أظروف أو أوقات لها إدراك ولكن هذا الإدراك لا يصل إلى مستوى الوعي، مثلاً إذا جلس الإنسان من النوم هو مدرك، يدرك الأشياء التي حوله لكنه لا يدركها على مستوى التمييز، ما زال النوم مخيماً بآثاره عليه لذلك لا يميز الأشياء التي حوله وإن كان يدركها، فإذا ميَّز وصل إلى درجة الوعي، فالوعي هو أن تدرك ما حولك عن خبرة وقدرة على التمييز.

خطوات الوعي: إدراك، فحدس، فتمييز، فبصيرة.

1. الخطوة الأولى: الإدراك؛ أنك أدركت شيئاً.

2. الخطوة الثانية: الحدس؛ وهو الشعور الغريزي بأن هناك شيئاً غير صحيح وإن كنت أنت لا تميزه، مثلاً عندما تجلس وتستمع إلى الخطيب، أنت في الأثناء يحصل لك شعور غريزي بأن هناك شيئاً غير صحيح في هذا الكلام، لكنك لم تستطع أن تميز ذلك الشيء غير الصحيح، هذا الشعور الغريزي يسمى بالحدس.

3. الخطوة الثالثة: التمييز؛ هنا يفعّل العقل تفكيره من أجل أن يميز الصحيح من غيره ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ «17» الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ «18» [الزمر: 17 - 18]

4. الخطوة الرابعة: البصيرة؛ أن يحصل لك الثقة والإذعان بالصور التي في دماغك، يقول علماء المنطق أن العلم تصور وتصديق، تصور أي ارتسام صورة في الدماغ لكن بشكل ساذج، بينما التصديق أن يحصل لك وثوق وإذعان بصحة تلك الصورة، أي أنك وصلت إلى مرحلة التصديق والإذعان وهذه المرحلة تسمى البصيرة، فالبصيرة هي وضوح الرؤية، يقول القرآن الكريم عن لسان النبي : ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108] وقال تبارك وتعالى: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة: 14]

 المحور الثاني: في بيان أن الوعي ظاهرة وجودية لا إنسانية.

هل الوعي ظاهرة إنسانية أم ظاهرة وجودية؟ أي هل الوعي يختص بالإنسان أم أن الموجودات الأخرى أيضاً لديها وعي؟

تنقل المؤلفة عن عالمة البيئة سوزان سيمارد تقول أنها قامت بتجارب على النباتات اكتشفت من خلالها أن للنبات درجة من الوعي، وأن الوعي لا يختص بالإنسان فقط، وتذكر عدة شواهد:

 الشاهد الأول: أن التجارب والبحوث أثبتت أن هناك نشاطات جارية تحت الأرض، في وسط من الجذور والفطريات في شبكة تسمى مايكرايزل، هذه الشبكة التي تحت الأرض تقوم بمفعولها وتأثر أثرها، بعض الأشجار ترسل غذاء عبر الجذور إلى أشجار أخرى بعيدة عنها جداً مع وجود حواجز لتقاوم تهديدات البيئة، وبعض الأشجار بالعكس ترسل سموم لنباتات أخرى لأنها تهدد بقاءها، فقالوا هذا شاهد على أن للنبات درجة من الوعي لأنه يعرف بأن النبات الآخر يهدد وجوده أو يحتاج إلى مساعدته.

 الشاهد الثاني: بعض الأشجار أزهارها تفتح أوراقها حيلة وبمجرد أن تدخل الحشرة بين الأوراق تغلق الأوراق على الحشرة وتقوم بامتصاصها.

 الشاهد الثالث: النباتات تعمل على ضوء جينات، جينات تساعد النبات على الاستجابة للضوء والظلام، وتحتوي على نفس الحمض النووي الذي يشتمل عليه جسم الإنسان تماماً، القواسم المشتركة بين الإنسان والنبات تجعل للنبات درجة من الوعي، ولا يبعد أن الآية القرآنية عندما تقول: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا [نوح: 17] يعني أنه يوجد قواسم مشتركة بينك وبين هذا الكائن الحي المسمى بالنبات.

بل هناك سعة أكثر من ذلك، ليس فقط النبات يحمل درجة من الوعي بل الأمر أوسع من ذلك، هناك معلومة فلسفية قديمة يطلق عليها بانسكيوزم؛ هذه المعلومة قد فعلت نتيجة التجارب في علم الأعصاب، هذه المعلومة تقول: كل موجود له درجة من الوعي والإدراك، ولعل هذا ما تشير إليه الآية القرآنية: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء: 44] ولا غرابة في ذلك، فكل موجود له لغة وله تسبيح، نفس العناصر التي يتكون منها الإنسان هي نفس العناصر التي تتكون منها الكائنات الأخرى، من النباتات التي تعيش على الأرض إلى النجوم البعيدة، تشترك كل الكائنات في عناصر موحدة.

أتحسب أنك جرم صغير     وفيك انطوى العالم الأكبر[1] 

قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [الجاثية: 13]

إذن النتيجة أن الوعي ظاهرة وجودية وليست ظاهرة إنسانية فقط.

 المحور الثالث: في بيان الحاجات الباعثة للعبادة.

ما هي الحاجات الأساسية والرئيسة التي تبعثنا نحو العبادة وتجعلنا نتشبث بالعبادة؟

لدينا حاجات ثلاث: حاجة الإنسان للتحرر من الأنا، حاجة الإنسان للشعور بوحدة الوجود، وحاجة الإنسان للوصول إلى الوحدانية.

1» الحاجة الأولى: حاجة الإنسان للتحرر من الأنا.

يقسم علماء الأعصاب الوعي إلى قسمين: انفصالي واتصالي، كل إنسان بميله الطبعي وبجيناته يميل إلى الوعي الانفصالي، ويقصد بالوعي الانفصالي أن تشعر بأن لك مركزية في الوجود، والشعور بأن لذاتك مركزية في الوجود، وأن الأشياء الأخرى تتفاعل معك أو تنفعل بك، الشعور بأن لك مركزية في الكون والوجود هذا الشعور هو عبارة عن وعي انفصالي.

وأما الوعي الاتصالي هو أن تشعر أنك قطرة من بحر الوجود، هذا الوجود محيط وأنت قطرة ذابت في هذا المحيط، أن تشعر أن هذا الوجود تراب وأنت ذرة ذائبة في هذا التراب، ويصل الإنسان إلى الوعي الاتصالي عبر التأمل، من هنا نشأت الحاجة إلى العبادة لأن العبادة تأمل وتفكر، العبادة تنقلك من الوعي الانفصالي إلى الوعي الاتصالي.

أندرو نيوبيرغ بروفيسور في علم الأعصاب وأستاذ في جامعة بنسلفينيا ومستشار في عدة بحوث دينية له كتاب «كيف يغير الله عقلك» يذكر في هذا الكتاب أنه عندما قارنا بين الكتب المعادية للدين ككتاب «وهم الإله» لدوكينز، «نهاية الإيمان» لسام هاريس، «الله ليس عظيماً» لهيتشينز وغيرها من الكتب المعادية للدين وبين أبحاثنا وجدنا أن أبحاثنا تقترح خلاف ذلك  أي خلاف هذه الكتب  وأن هؤلاء لا يمثلون الغالبية العظمى من العلماء، شبابنا الآن تصل إليهم ثقافة الإلحاد عن طريق الإرهاب النفسي من خلال تسطير قائمة بالعلماء الملحدين لتنكسر فيهم بذرة الإيمان، يقول أندرو: أبحاثنا كشفت خلاف ما يقولون وأن الغالبية العظمى من العلماء ليسوا كهؤلاء المعادين للدين أبداً. ووصلوا في هذه الأبحاث التي استغرقت خمسة عشر سنة إلى أن بعض التجارب الروحية تعطي الإنسان استرخاء، وبعضها تعطي الإنسان حدة في التركيز والانتباه، وبعضها الآخر تحلق بالإنسان إلى عالم متعالٍ على عالم المادة، يقول: التجارب أثبتت لنا أن الله جزء من وعينا وأنه كلما طال التفكير في الله تغيرت دوائر عصبية في أجزاء معينة من دماغ الإنسان، كل إنسان دماغه مبرمج على الوعي الأناني والتفكير في الأنا والسعي إلى الأنا، ويتحرر الإنسان من الأنا إذا طال تفكيره في الله بأمد معين فإن طول التفكير يغير بنية أجزاء من الدماغ، وهي الأجزاء المؤثرة على مزاجنا وهذا التفكير يعزز الشعور بالحب والسلام ويقلل أعراض الاكتئاب والشعور بالحزن والشعور بالتوتر ويفعل لدى الإنسان الشعور بالتعاطف مع الآخرين.

العبادة تحقق حاجة أساسية لدى الإنسان وهي حاجته لأن يتعاطف مع الآخرين، حاجته لأن يتحرر من الأنا، الإنسان إذا ظل قابع في الأنا والذات سوف يكون ذلك منشأ للغرور والاستئثار بالنعم، يقول القرآن الكريم: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى «6» أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى «7» [العلق: 6 - 7] ويقول القرآن الكريم: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ «15» وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ «16» [الفجر: 15 - 16] هذا الشعور بالأنا إنما يذوب ويضمحل بالعبادة، عبادة التأمل، ورد عن النبي محمد : >تفكر ساعة خير من عبادة سنة< والقرآن الكريم يقول: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191].

2» الحاجة الثانية: الشعور بوحدة الوجود.

ليس المقصود بوحدة الوجود المصطلح الموجود عند علماء العرفان أو بعض المتصوفة فذاك يسمى بوحدة الموجود، وأما وحدة الوجود تعني أن تشعر بأنه لا تميز لك، وأنك في سياق وجود عام، جزء من هذا الوجود العام منفعل ومتفاعل، مؤثر ومتأثر، يقول غيلين سترسون العالم الفيزيائي والفيلسوف: كل الكون هو طاقة واحدة ذات صور وألوان تكشف وتعبر عن طاقة واحدة، وهذا المعنى هو نفسه وحدة الوجود، إذا شعرت أنك والشجر والحيوان والمجموعات الشمسية كلكم طاقة واحدة لها ألوان وصور ومرايا متعددة وإلا فهي طاقة واحدة إذا وصلت إلى هذا الشعور وصلت إلى الشعور بوحدة الوجود، الوجود كله واحد، كله طاقة واحدة، الإنسان محتاج إلى هذا الشعور، الذي يبعث الإنسان على التفاعل مع الكائنات الأخرى وعلى استثمار كنوز الكون وعلى التواصل مع الكون، إذا شعر الإنسان أنه جزء من هذا الكون، قطرة في بحر الوجود، ذرة في تراب الأرض بعثه ذلك إلى استثمار الوجود والتفاعل معه واكتشافه، لذلك القرآن الكريم يركز على هذه الناحية: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت: 20] ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجمعة: 1] فحتى تتفاعل مع الكون أنت محتاج إلى أن تشعر بوحدة الوجود وأن الكون طاقة واحدة أنت صورة منها ولون من ألوانها، وهذا الشعور تحققه العبادة، عندما تتجه إلى الله وتقف أمام الله تصلي فإن نفس هذا الاتجاه يُشعرك أن الكون كله متجه إلى الله، هو معك في طريق واحد، يحسسك أن الكون مثلك متجه إلى الله؛ أي أنت والكون خيط واحد واتجاه واحد ودرب واحد ألا وهو درب الله تبارك وتعالى، إذن الشعور بوحدة الوجود حاجة تغذيها العبادة.

3» الحاجة الثالثة: حاجة الإنسان للوصول إلى الوحدانية.

ذكرنا أن الإنسان يرى بالتأمل والتجارب والدقة العلمية أن الكون طاقة واحدة وهذه الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث إذن هذا الكون طاقة لها منبع أزلي أبدي لا بداية له ولا نهاية، وذلك المدد الأزلي هو الذي عبرت عنه آية النور ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور: 35]

فعندما تشعر أن الكون طاقة لها منبع أزلي هذا هو عبارة عن الشعور بالوحدانية، العبادة طريق إلى الوحدانية، لذلك ترى القرآن يقرن العبادة بالتوحيد، يقول القرآن عن إبراهيم ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ «76» فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ «77» فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ «78» إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ «79» [الأنعام: 76 - 79]

ويقول القرآن الكريم: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 5]

ينقل الملا صدرة الشيرازي الفيلسوف المعروف في كتابه «شرح أصول الكافي» عن ابن سينا وعن نصير الدين الطوسي وعن فلاسفة عظام من كبار علمائنا عندما يتحدثون عن الآية ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] أن العبودية هي أن تتحرر من الأنا، ولا تلتفت ولا تنظر إلا لله تبارك وتعالى،، وتستغرق فيه غافلاً عن الاستغراق لأنك لا ترى أمامك إلا الله، هذه حقيقة العبودية وهي عبارة عن طريقة العبادة للوصول إلى الوحدانية.

 المحور الرابع: المنهج الروحي النبوي في مجال العبادة.

المنهج الروحي للرسول يعتمد على ركيزتين:

1. الركيزة الأولى: الاستغراق في العبادة.

كان النبي مستغرقاً في العبادة يصلي في كل يوم ضعفي الفريضة، ويصوم في السنة ضعفي الفريضة، وإذا جاء شهر رمضان صلى ألف ركعة يقسمها على ليالي شهر رمضان، وإذا جاءت العشر الأواخر من شهر رمضان طوى البساط وربط الحزام على بطنه، واعتكف في المسجد حتى تضرب له قبة من الشعر لخلاصه من كل شيء متوجه إلى الله، فإذا قيل يا رسول الله لما تجهد نفسك وأنت سيد الخلق؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً.

2. الركيزة الثانية: الفناء في الله تبارك وتعالى.

تذكر زوجاته وابنته فاطمة كيف يصلي الرسول ، كان ينتظر إلى أن ينتصف الليل فإذا انتصف الليل قام إلى صلاته، وكان مما يصلي ثلاثة عشر ركعة، صلاة الليل وركعتي الفجر قبل الغداة، وكان إذا وقف إلى الصلاة تربد وجهه خوفاً من الله، وكان إذا مد يديه يمدهما كما يمد المسكين يديه كأنه يستطعم الله تبارك وتعالى، وكان إذا سجد سُمع له أزيز كأزيز المرجل من نحيبه وبكائه وحزنه في مناجاته ربه عزوجل.

[1]  بيت شعر منسوب للإمام علي ولكنه ليس ثابت أن مصدره الإمام.