الرسول وَالحسين (ص) صورتان لمشروع واحد

الليلة العاشرة من محرم الحرام 1441هـ

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ

صدق الله العلي العظيم

في حديثنا عن مشروع الأنبياء والمرسلين ألا وهو مشروع الإصلاح الذي تحدث عنه القرآن الكريم عن لسان النبي شعيب ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ نتعرض لعدة أبعاد ومعالم للمشروع الإصلاحي المحمدي الحسيني:

  • البعد الأول: عظمة الشخصية التي تقود المشروع.
  • البعد الثاني: ما هي حقيقة المشروع؟
  • البعد الثالث: اختيار الصفوة المؤهلة لقيادة المشروع.
  • البعد الرابع: اختيار الظرف المناسب لإعلان المشروع.
  • البعد الخامس: اختيار الموقع المناسب للمشروع.
  • البعد السادس: الأهداف العليا للمشروع.
البعد الأول: عظمة الشخصية التي تقود المشروع.

فإن نجاح المشروع بنجاح الشخصية التي تقود المشروع، وعظمة المشروع بعظمة المؤهلات التي تمتلكها الشخصية الرائدة لذلك المشروع. فمن هنا نتحدث عن تعريف الشخصية والمقومات المساهمة في تكوين الشخصية. ما هي الشخصية؟ فروم، من رواد مدرسة التحليل النفسي يعرف الشخصية بأنها نتاج التفاعل بين العوامل البيولوجية والعوامل النفسية والعوامل الاجتماعية. أي أن المكون لكل شخصية هي مجموعة من الصفات تتفاعل مع بعضها: صفات وراثية، صفات بيئية، صفات نفسية. مجموع الصفات سواء كانت صفات وراثية أو مكتسبة، هي التي تكون شخصية الإنسان ويعبر عنها بشخصية الإنسان. ما هي العوامل المساهمة في تحقيق الشخصية للإنسان؟ هناك عوامل ثلاثة:

العامل الوراثي.

يؤثر أثره بشكل واضح في إعداد شخصية الإنسان. يذكر علماء النفس في هذا المجال: في كل خلية من خلايا الإنسان هناك 23 زوجاً من الكروموسومات التي بتزاوجها تشكل شخصية الإنسان. 22 تسهم في تحديد جسم الإنسان وصفاته وواحد منها يسهم في نقل الصفات المعنوية كالذكاء، كالمواهب، كالقدرات، كالميول من الأجداد إلى الآباء إلى الأبناء إلى الأحفاد.

العامل البيئي.

الحاضنة التي ينطلق منها الإنسان عامل يسهم في تكوين شخصية الإنسان. البيئة التي ينطلق منها الإنسان عامل مهم في تكوين شخصية الإنسان. لكن البيئة لا تبدأ منذ الولادة، صحيح بعض علماء النفس مثل جون برستون يقول: يبدأ تأثير البيئة منذ الولادة. إلا أن الإسلام يقول: يبدأ تأثير البيئة منذ اختيار الزوجة وليس منذ الولادة. العامل البيئي يبدأ خطواته ويبدأ مشواره منذ اختيار المرأة التي تكون شريك لك في حياتك، منذ اختيار المرأة شريكها في حياتها، تبدأ تأثير البيئة يفعل مفعوله. لذلك ورد عن النبي : ”اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس“ وقال: ”إياكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله ومن خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء“

العامل التربوي.

ما يلقاه في أسرته، ما يلقاه في مدرسته، ما يلقاه في محيط أصدقاءه فإنه عامل مهم في تكوين شخصيته. هذه العوامل الثلاثة: العامل الوراثي، العامل البيئي، العامل التربوي، اجتمعت في عظمة شخصية الحسين بن علي فجعلت منه شخصية جديرة بقيادة المشروع الإصلاحي.

العامل الوراثي القرآن يشير إليه: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ الحسين انحدر من سلالة كلها أنبياء وكلها مرسلون وكلها أوصياء. ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ لذلك نحن نقرأ في زيارة الحسين : ”أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها وأشهد أنك من دعائم الدين، أشهد أنك طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر. طهرت وطهرت بك البلاد وطهرت أرض أنت بها.“ هذا العامل الوراثي.

العامل البيئي: ما هي البيئة التي انطلق منها الحسين؟ البيئة التي انطلق منها الحسين هي البيئة التي يعبر عنها القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا البيئة التي يعبر عنها النبي المصطفى: ”حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا وأبغض الله من أبغض حسينا“ حسين سبط من الأسباط.

العامل التربوي: فالأسرة التي انطلقت فيها شخصية الحسين وكانت فيها تربية الحسين هي الأسرة التي تحدث عنها القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا، ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا، ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا اجتمعت هذه العوامل فتألفت الشخصية العظيمة للحسين بن علي التي جعلته شخصية جديرة بإدارة المشروع الإصلاحي ألا وهو مشروع الأنبياء والمرسلين، مشروع محمد المصطفى وعلي المرتضى والحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

البعد الثاني: ما هي حقيقة المشروع؟

هناك فرق بين العنصر الشكلي والعنصر الواقعي. العنصر الشكلي يعني صورة المشروع، شكل المشروع. والعنصر الواقعي يعني الماهية الجوهرية التي تكون ذلك المشروع. المشروع قد تختلف صوره وأشكاله لكن بعده وماهيته الواقعية هي الباقية هي السرمدية. المشروع الإصلاحي كان حركة دعوية في عهد الرسول وصار معركة جسدية في عهد الحسين، وتحول إلى ثورة روحية في عهد الإمام السجاد، ثم انتقل إلى ثورة فكرية في عهد الإمامين الباقرين، المشروع واحد وهو مشروع الإصلاح وإن اختلفت صوره، وإن تعددت أشكاله، هذا المشروع الواحد المشروع الإصلاحي، حقيقته الجوهرية: إقامة خلافه الله في الأرض التي عبر عنها القرآن الكريم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وعبر عنها القرآن الكريم بالأمانة، وقال: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا هذه الخلافة، هذه الأمانة هي الواقع وهي الماهية الجوهرية للمشروع الإصلاحي ألا وهي تطبيق القيم السماوية على الأرض. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ.

البعد الثالث: اختيار الصفوة المؤهلة لقيادة المشروع.

لا يمكن لمشروع أن ينجح دون أن تكون هناك خلية مؤهلة لتحمل المشروع ; تهضم أهدافه، تعرف مراحله، تتحمل نتائجه، تصر على استمراره. لا ينجح مشروع دون صفوة مؤهلة لإدارته وقيادته. وهذا ما صنعه النبي المصطفى قبل أن يبدأ مشروعه، اختار الصفوة الذين يهضمون أهدافه ويعرفون أبعاده، اختار أبا طالب مؤمن قريش، اختار حمزة سيد الشهداء، اختار جعفر ابن أبي طالب، اختار علي ابن أبي طالب، اختار خديجة بنت خويلد المرأة البطلة العظيمة التي بذلت كل ما عندها في سبيل المشروع الإصلاحي الذي قاده النبي المصطفى .

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وكذلك الحسين ابن علي قبل أن ينطلق مشروعه اختار الصفوة الذين يعتمد عليهم في قيادة المشروع. تعامل الحسين ابن علي مع الناس بنوعين من التعامل: هناك قسم من الناس لم يطلب منهم، جعل الأمر بخيارهم: محمد ابن الحنفية، عبدالله بن جعفر، عبدالله بن عباس، عبدالله بن مسعود، لم يطلب منهم بل جعل الأمر تحت اختيارهم. إذن ليسوا من الصفوة التي أهلت لقيادة المشروع. وهناك قسم آخر من الناس طلب منهم تعييناً أن يكونوا معه في مشروعه ابتداءً وانتهاءً: العباس بن علي، علي الأكبر، حبيب بن مظاهر، مسلم بن عوسجة، والبطلة العظيمة العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين. زينب أساس من أسس مشروع الحسين. لولا زينب، مات مشروع الحسين. لولا صوت زينب، إرادة زينب، صمود زينب، قوة زينب، لتبخر مشروع الحسين بن علي. زينب عضد للحسين كما كانت فاطمة عضد لأمير المؤمنين، وكما كانت خديجة عضد للنبي ، كانت زينب أساسًا وطيدًا من أسس مشروع الحسين ابن علي. نحن جئنا هذه الليلة لنجدد البيعة للإمام الحسين على أن نسير على دربه ومشروعه الإصلاحي، مشروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نأمر أبناءنا، ننهى أسرنا عن المنكرات عن المخالفات.

وجئنا نبايع العقيلة زينب على السير على مشروعها ودربها الإصلاحي، ومن أهم معالم مشروع العقيلة زينب: الحجاب، الالتزام بالحجاب الشرعي، الالتزام بالوقار، الالتزام بالعفاف، على الأخوات اللاتي جئنَ هذه الليلة لمبايعة زينب أن يظهرن بمظهر زينب من الحجاب والوقار والعفاف والحشمة والصون كما كانت العقيلة زينب التي انبت يزيد بن معاوية على تجاوزه هتك الحجاب، وقالت: هتكت ستور آل بيت محمد وأبديت وجوههن يستشرفهن القريب والبعيد والدنيء والشريف حيث لا من حماتهم حمي ولا من ولاتهم ولي. الآباء مسئولون عن حجاب بناتهن، الأزواج مسئولون عن حجاب زوجاتهم، الجميع مسئول عن حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

البعد الرابع: اختيار الظرف المناسب لإعلان المشروع.

وقف النبي على الصفا وأعلن مشروعه. ”إني رسول الله إليكم بين يدي عذاب شديد، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا“ ووقف الحسين أمام والي المدينة وأعلن مشروعه: ”يا أمير، إنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله“

البعد الخامس: اختيار الموقع المناسب للمشروع.

النبي الأعظم خرج من مكة إلى المدينة لأن المدينة الموقع المناسب لمشروع إقامة الدولة العادلة. الإمام علي بن أبي طالب خرج من المدينة إلى الكوفة لأن الكوفة الموقع المناسب لوجود الأرضية التي تهضم أهدافه وتتقبل مشاريعه وتطيع أوامره. الحسين بن علي انطلق من المدينة إلى مكة، ومن مكة أعلن موقع مشروعه الذي من خلاله سيمارس مشروعه الإصلاحي. وقف على الصفا وقال: ”خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم، خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين“

البعد السادس: الأهداف العليا للمشروع.

وهكذا نادى الحسين بن علي بالأهداف العليا لمشروعه الإصلاحي كما نادى بذلك جده الرسول .

الهدف الأول: قيمة العدالة والتضحية دون قيمة العدالة.

نادى الحسين بن علي قائلًا: ”ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما“، و”لعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والأخذ بالقسط والدائن بالحق، والحاسب نفسه على ذات الله“ وهكذا أبان قيمة العدالة التي هي الهدف من بعثة الأنبياء. ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ

الهدف الثاني: إعزاز الدين.

لقد خذل الدين في عهد يزيد بن معاوية وكان الدين يحتاج إلى موقف يعزه، موقف ينهض به، ورأى الحسين أن عزة الدين في رفض بيعة يزيد بن معاوية فأطلق صرخته لا إعزازً لنفسه وإنما إعزاز للدين، فقال: ”ألا وإنّ الدعي بن الدعي قدْ ركز بين اثنتين، بين السلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجور طابت وطهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام“

الهدف الثالث: تحرير إرادة الأمة.

كانت الأمة في سبات، كانت الأمة في نوم عميق، كانت إرادة الأمة مخدرة، كانت يقظة الأمة مغلفة، فأراد الحسين أن يبعث إرادتها ويوقظ ضميرها، وينهضها إلى أهدافها العليا لتتحمل مسؤوليتها، فما رأى طريقًا لبعث الإرادة وإيقاظ الضمير إلا أن يريق دمه الشريف في سبيل مبادئه وقيمه، فكان له ما أراد وقد حذر القوم من ذلك حيث قال: ”ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد، وكثرة العدو، وخذلان الناصر“، ”وأيم الله إنكم لا تلبثون بعدها إلا ريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دوران الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله “، ”فأجمعوا أمركم وشركائكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون“، ”إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابّة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربّي على صراط مستقيم“

وتحقق له ما أراد، فبمجرد أن أريق دمه انطلقت إرادة الأمة فجاءت ثورة التوابين، وتبعتها ثورة المختار، ولحقتها ثورة زيد ابن علي، وجاءت بعدها ثورة الحسين بن علي صاحب معركة فخر، كل ذلك إمتدادً لصوت الحسين ولثورة الحسين صلوات الله وسلامه عليه. لأجل ذلك الحسين خلد التاريخ اسمه وسجد التاريخ أمام ذكراه، وشهد به الشرق والغرب والمسلم وغير المسلم، كتب العلائلي: ”سمو الذات وسمو المعنى“، وكتب ”تاريخ الحسين“ وهو ليس مؤلفًا شيعيًا. وكتب العقاد ”أبو الشهداء حول الحسين “، ولم يكن شيعيًا. بل تعدت هذه الأقلام هذه المساحة، فقال المفكر الإنجليزي وليام لوفتس، قال: ”إن الحسين بلغ أعظم شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة“ وقال المستشرق الألماني ماربين: ”إن الحسين قدم للإنسانية درسًا في التضحية والفداء حينما ضحى بأعز الناس لديه.“

وقال المفكر المسيحي انطوان بارا: ”لو كان لدينا الحسين لجعلنا له في كل أرض راية وأقمنا له في كل مكان منبراً ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين“ ونسب إلى الزعيم الهندي غاندي أنه قال: ”تعلمت من الحسين أن أكون مظلومًا فأنتصر. وإذا أرادت الهند النصر فعليها اقتفاء أثر الحسين“ وقال الأديب المسيحي بولس سلامة: ”ملحمة كربلاء هي ملحمتي الذاتية كفرد إنساني. إن الحسين لا يقاس بالثوار، بل يقاس بالأنبياء. وإن كربلاء لا تقاس بالمدن، بل تقاس بالسماوات. وإن عاشوراء لا تقاس بأحداث التاريخ، وإنما تقاس بمنعطفات الكون. إن مع الحسين كل هزيمة انتصار. وبدون الحسين كل انتصار هزيمة.“ هكذا شغف الكل بالحسين بن علي وكان من أعظم أهداف كربلاء:

الهدف الرابع: اشتراك كل عناصر المجتمع في مشروع الحسين.

اشترك فيه الهاشمي أبا الفضل العباس، وغير الهاشمي حبيب بن مظاهر، واشترك فيه الشيخ زهير بن القيم وأشترك فيه الشاب علي الأكبر، واشترك فيه الصغير القاسم بن الحسن، واشترك فيه الكبير الحسن بن الحسن، واشترك فيه الرجل الحسين بن علي، واشتركت فيه المرأة زينب بنت فاطمة. كل عناصر المجتمع ساهمت في مشروع الحسين وانطلاقة الحسين. وكان ذلك هدفًا من أهداف الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه، لذلك قال السيد الحلي رحمه الله:

غريباً أرى يا غريب الطفوف
وقتلك   صبراً   بأيدٍ   iiأبوك
عشيت    أنهضها    iiبغيها
وسامته يركب إحدى iiاثنتين
فإما  يرى  مذعناً  أو تموت
فقال  لها  اعتصمي iiبالإباء
وأضرمها    لعنان   السماء
فما  أجلت الحرب عن iiمثله
عفيراً  متى  عاينته  iiالكماة







 
توسُّدَ     خديك     iiكثبانها
ثناها     وكسر     iiأوثانها
فجاءته    تركب    طغيانها
وقد  صرت  الحرب iiأسنانها
نفس   أبى   العز  iiإذعانها
فنفس   الأبي   وما   iiزانها
حمراءَ     تلفحُ     iiأعنانها
صريعاً    يجبّن   iiشُجعانها
يختطف    الرعب    ألوانها

وقال الشاعر الجواهري:

فداء لمثواك من مضجع   تنور   بالأبلج   iiالأروع

وقال:

وطفت  بقبرك  طوف الخيال
وخلت  وقد  طارت iiالذكريات
كأن  يدا  من وراء iiالضريح
تمد   إلى   عالم   iiبالخنوع
ولما  أزحت  طلاء  iiالقرون
وجدتك  في  صورة  لم  أرع
وماذا  أأروع  من  أن يكون
وأن   تتقي   دونما   iiترتئي
وأن تطعم الموت خير البنين







 
بصومعة    الملهم   المبدع
بروحي   الى   عالم   iiأرفع
حمراء    مبتورة    iiالإصبع
والضيم   في   شرق  iiمترع
وستر  الخداع  عن iiالمخدع
بأعظم    منها   ولا   iiأروع
لحمك  وقفا  على  iiالمبضع
ضميرك    بالأسل    الشرع
من   الأكهلين  إلى  الرضع

وقال الحلي:

فأبى   أن   يعيش  إلا  iiعزيزاً
كيف  يلوي  على  الدنية جيداً
فتلقى   الجموع   فردا   iiولكن

 
أو  تجلّى  الكفاحُ  وهو صريعُ
لِسوى  الله  ما  لواه  iiالخضوع
كل عضو في الروع منه جموع

والحمدلله رب العالمين