الليلة السادسة عشر من محرم الحرام 1441هـ

الحوار المفتوح حول محاضرات موسم عاشوراء 1441هـ | ج2

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد ، السلام عليكم أيها الأعزاء الحضور ورحمة الله وبركاته، نعقد هذه الأمسية الحوارية استكمالاً للأمسية السابقة والتي كانت حية وثرية بالفوائد والإضاءات، والتي عكست التفاعل الإيجابي والجميل من الجمهور الواعي والجاذب تجاه محاضرات السيد حفظه الله، والأسئلة التي وردت كثيرة ولم يتسع الوقت للإجابة عنها فخصصنا هذه الليلة لنحظى برؤيتكم ونستكمل من حيث انتهينا بمشيئة الله تعالى.

نبدأ مع الليلة الأولى والبعد الاجتماعي للشخصية المحمدية، وهنا جاء عدة أسئلة:

السؤال الأول: بالنسبة للسبي الذي يقع بعد وقوع الحرب كما حصل بعد واقعة حنين حيث حصل السبي، وكان من ضمن السبايا شيماء بنت حليمة السعدية أخت النبي ، ألا يتعارض هذا مع رحمة النبي وكونه رحمة للعالمين؟

سماحة السيد منير الخباز: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، بالنسبة لقضية الأسر والسبي الذي حصل في عصر النبي ، فعندما نأتي إلى الروايات الواردة في قصة بني قريضة، حيث ذكر الواقدي أن النبي حين أسر بني قريضة وهم قبيلة من يهود المدينة سبى منهم ستة عشر جارية، واصطفى منهن جارية اسمها ريحانة، وأن النبي خيرها بين عتقها والزواج منها أو تبقى في ملكه، فاختارت أن تبقى في ملكة إلى أن ماتت، وهذه هي الرواية التي اعتمد عليها كثير من المستشرقين في الطعن في نزاهة النبي ، وأنه سبى النساء واصطفى منهن الجميلات لشخصه كريحانة التي خيرها بين عتقها والزواج منها أو تبقى ملك يمين، ولكن عندما نحاول أن نُقَوِّم هذه الرواية نذكر عدة ملاحظات على الرواية:

  1. الملاحظة الأولى: اختلاف المؤرخين في عدد أسرى النساء من بني قريضة بين ألف، وسبعمئة وخمسين، وتسعمئة، وأن الرسول بعث هؤلاء السبايا بيد سعد بن زيد الأشهلي إلى نجد والشام ليبيعهن ويبتاع بهن خيل وسلاحاً، هذه الروايات لم ترد بطريق معتبر إطلاقاً، مع وجودها في كتب إخواننا أهل السنة إلا أنه ليس بطريق معتبر يُعْتمد في تحليل شخصية النبي الأعظم .
     
  2. الملاحظة الثانية: أنها معارضة تماماً لمنهج الرسول في الحروب الأخرى، ونذكر حرب الرسول مع قبيلة هوازن، والسائل خلط بين حرب الرسول مع بني قريضة وبين حرب الرسول مع قبيلة هوازن؛ لأن شيماء بنت حليمة السعدية ليست من بني قريضة وإنما هي من قبيلة هوازن، فبعد معركة حنين التي خاضها الرسول مع هذه القبيلة جيء بالأسرى، ونحن لا ننكر أن الرسول أسر منهم، ولكن الرق شيء آخر، فالأسير يؤتى به فإما أن يفدي نفسه؛ أي يدفع مبلغ من عنده أو من غيره لفك أسره أو يبقى تحت الأسر، فجيء بالأسرى بعد المعركة وكانت فيهم شيماء بنت حليمة السعدية، وذلك في حرب حنين مع قبيلة هوازن، فقالت: يا محمد أنا أختك من الرضاعة، ونحن من طرقنا الشيعية الإمامية ليس لدينا أن الرسول له أخت من الرضاعة أو له أم من الرضاعة فهو شيء غير ثابت لدينا، ولكن عند إخواننا أهل السنة أن له أم من الرضاعة وهي حليمة السعدية وله أخوات من الرضاعة، ولكن باعتبار أن أمه آمنة ما توفيت إلا وعمره ست سنوات، فهو قد رضع من أمه وعاش معها فترة الحضانة، وما كان محتاجاً إلى أن ترضعه أم أخرى، إنما نحن نجاري ما هو الموروث لدى المذاهب الإسلامية الأخرى، فلما قالت للنبي أنا أختك سألها عن العلامة فأظهرتها فبسط لها رداءه ودمت عيناه وقال: اجلسي. فجلست وخيرها بين البقاء عنده أو الرجوع إلى قومها، فاختارت الرجوع إلى قومها وطلبت منه العفو عن بجاد وهو رئيس وعين من أعيان بني قريضة نقض العهد الذي بينه وبين الرسول  فعفى عنه، وطلبت العفو عن مالك بن عوف فعفى عنه، وانتظر رسول الله بها في الجعرانة  وهي منطقة بين مكة والطائف  جلس الرسول فيها احتراماً لها ينتظر قومها ليأتوا وهم قبيلة هوازن، فجاء وفد هوازن وكان أربعة عشر رجلاً أسلموا وطلبوا من النبي العفو عن جميع الأسرى، فقال : أما نصيبي ونصيب بني عبد المطلب فهو لكم، وأما ما للمسلمين فاستشفعوا بي عليهم. فلما صلى الرسول الظهر خاطبهم بالعفو وقال: اعفوا عن بقية الأسرى، فقال قوم منهم: هؤلاء قوم قد أصابوا من نسائنا فنحن نصيب من نسائهم مثلما أصابوا. فأقرع الرسول بينهم ونتيجة القرعة وهبهم خدماً بدلاً عنهم، وعفا عن بقية الأسرى وهذا ما رواه الضياء المقدس في الصحيح، والحافظ بن حجر أيضاً.

    فهذا ما فعله الرسول في حرب حنين مع قبيلة هوازن من العفو وإطلاق الأسرى رجالاً ونساءً، وهكذا كان ديدنه ودأبه، فما ذُكر في بعض كتب التاريخ عند حربه مع بني قريضة أنه أسر منهم ألف امرأة أو تسعمئة امرأة أو سبعمئة وخمسين امرأة، وأنه جاء بستة عشرة جارية إلى بني هاشم، واصطفى جارية منهن اسمها ريحانة، يتعارض مع منهجه في الحروب التي ذكرنا الرواية عنها.
     
  3. الملاحظة الثالثة: أن هذه الرواية تعارض ما رواه جملة من المؤرخين ومنهم اليعقوبي، أن النبي أعتق ريحانة بمجرد أن وقعت في الأسر، وتزوجها بعد إسلامها، واصدقها اثني عشر أوقية.
     
  4. الملاحظة الرابعة: عندما نرجع إلى المصدر الشيعي الإمامي، نجد ما ذكره ابن شهر أشوب: إن ريحانة لم تُسبى وإنما أهداها المقوقس أحد الملوك إليه مع مارية القبطية، أي كانتا أمتين عند ملة أخرى وأُهْديت إليه فأعتقها وتزوجها ولم يكن هناك سبي، ولم يكن هناك اصطفاء وأن النبي جاء لمجموعة من الجاريات واختارها لجمالها وتزوجها كما يقال.
     
  5. الملاحظة الخامسة: ما صنعه النبي من الأسر كان من باب الردع للمعاملة بالمثل، لاحظوا أن بني قريضة هم أنفسهم وكذلك قريش في غزوة الرجيع أسروا نساء المسلمين وباعوهم إلى أقوام آخرين، فلو فرضنا أن الرسول أسر نساءهم فهو من باب الردع للمعاملة بالمثل لئلا يفكر أحد بعد ذلك أن يأسر امرأة، فأسر نساءهم من باب الردع من باب المعاملة بالمثل لقوله تبارك وتعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194].
     
  6. الملاحظة السادسة: أن المؤرخين اجتمعوا على أن النبي عندما بَصُر ببني قريضة قال: ما تريدون؟ قالوا: نُحَكِّم فينا سعد بن معاذ. وكان سعد بن معاذ شيخ كبير من الأنصار في أهل المدينة، قالوا: لا نرضى بحكمك أنت، نحن نرضى بحكم سعد بن معاذ وهو صديق لنا. وكان بين سعد بن معاذ وبينهم تجارة كبيرة، وكان صديقاً لهم فأحبوه وقبلوا بحكمه، فحكم عليهم بقتل المقاتلة منهم؛ أي الذين قاموا بالقتال ضد النبي، وأسر نسائهم وأطفالهم ومن بقي من رجالهم، ويَذْكر جملة من المؤرخين أن سعد بن معاذ كان مُطَّلعاً على قوانين اليهود فأخذهم بحكم التوراة، وقد ورد في حكم التوراة أنه حين تقرب من المدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح  وهو نفس ما فعله النبي لهم، طلب منهم الصلح فرفضوا مع أنهم نقضوا العهود التي بينهم وبين النبي   فإن أجابتك إلى الصلح وفُتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك تسخيراً ويُستعبد لك، وإن لم تُسالمك وعملت معك حرباً فحاصرها، فإذا دفعها الرب إليك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف وأقتل كل الرجال، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة غنيمة لك تغتنمها لنفسك.

وسعد بن معاذ طبق عليهم الحكم الموجود في التوراة، فقال بحسب ما في التوراة أنتم الآن نقضتم العهد ورفضتم الصلح، قاتلتم النبي وحكمكم كما في كتابكم؛ أن تقتل رجالكم وتؤسر نساؤكم وأطفالكم.

إذن النبي أراد أن يَحْكم فيهم ولكنهم رفضوا حكمه، وقالوا لا نرضى إلى بحكم سعد بن معاذ، وحكم سعد بن معاذ صار موافقاً للتوراة، ثم بعد ذلك تجيء الأقلام لتشوه شخصية النبي أنه كيف هو الرحيم ويأسر المرأة، وكيف هو الرحيم ويسبي النساء، وكيف هو الرحيم ويأمر بالقتل!

فهذه ست ملاحظات على هذه الرواية التي أسيء فيها إلى النبي الأعظم .

 السؤال الثاني: في نفس السياق من القضايا التي تثار ضد الشريعة الإسلامية وهي أنها لم تقف موقفاً صارماً مُحَرِّماً أو مُجَرِّماً للرق، والذي يُعد في وقتنا المعاصر أمراً لا إنسانياً تجرمه القوانين الدولية، حيث كانت الجيوش الإسلامية الفاتحة تعيد معها السبايا، ويبيعها المسلمون في أسواق النخاسة، فما هو الموقف اتجاه هذه الإثارات؟

سماحة السيد منير الخباز:

  • أولاً: ذكرنا في إحدى المحاضرات أن الرق كان موجود في المجتمع البشري وفي الدول الغربية إلى ما قبل مئة وخمسين سنة، فلماذا الدول الغربية التي مرت بحضارات أيضاً كفرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان، لماذا لم تتخذ هذه الحضارات موقفاً صارماً من الرق فيها؟ لماذا لم تعتبره جريمة؟ ولماذا لم تنكل من يقوم بالاسترقاق؟ ولماذا جارت الوضع آنذاك؟ لماذا كل هذا الإشكال يُسجل على بداية الإسلام ولا يسجل على أي حضارة غربية أو شرقية كانت إلى ما قبل مئة وخمسين سنة!
     
  • ثانياً: قلنا بأن الرق كان واقعاً اقتصادياً لا مجال للفرار منه، فإن الرقيق كانوا هم الذين يديرون التجارة، وهم الذين يديرون الزراعة، وهم الذين يديرون حركة العمل في مكة والمدينة والطائف والشام والعراق والجزيرة العربية بصفة عامة، فقد كان المُلَّاك يجلسون في بيوتهم والحركة الاقتصادية قائمة على الرقيق، فلو أن الإسلام منع الرق حين مجيئه لشكل ذلك خللاً في الحياة الاقتصادية لا يمكن تداركه، ولذلك الإسلام لم يُشَرِّع الرق لكنه رتب على الوضع الموجود آنذاك بعض الأحكام، فجوز نكاح مُلْكَ اليمين، وأمضى بعض الأحكام التي كانت عندهم في الجاهلية حفاظاً على حركة الوضع الاقتصادي آنذاك، وذكرنا أن النبي لم يسترق، وفرق بين أخذ الرقيق والاسترقاق، والنبي لم يسترق الأسير، والروايات التي ذكرت أنه استرق في حرب بني قريضة ناقشناها قبل قليل، وفي حرب هوازن قلنا أن النبي عفا عن الأسرى، وبالتالي لم يقم دليل تاريخي معتبر على أن النبي استرق الأسرى، نعم كان يوجد رقيق والنبي اشترى وأعتق، وكذلك صنع الأئمة من بعده، فقد كان هناك رقيق موجودون اشتروهم واعتقوهم وتزوجوا منهم هذا صحيح، لكن لم يقم معصوم من هؤلاء المعصومين بالاسترقاق حتى يكون ذلك تشريعاً للرق.

وأما بالنسبة إلى ما يُذكر في التاريخ الإسلامي أن الجيوش الإسلامية كانت تغزو البلدان وتأتي بالسبايا وتبيعهم فقد ذكرنا في إحدى المحاضرات أن هذا محل خلاف فقهي وما زال قائم إلى الآن، هل أن الأئمة الطاهرين من الإمام علي إلى الإمام العسكري ، أمضوا هذه الغزوات التي عُبِّر عنها بالفتوحات الإسلامية هل أمضوها ورتبوا عليها الأثار أم لا، وذكرنا أن هذا خلاف فقهي، فبعض الفقهاء كسيدنا الخوئي قدس سره يظهر من كتابه كتاب الجهاد وهو مطبوع ضمن كتاب منهاج الصالحين لرسالته العملية يظهر منه أن الأئمة أمضوا هذه الغزوات واعتبروها فتوحات ورتبوا عليها الآثار ومنها الرق الذي كان موجود ضمن هذه الغزوات، ولكن هناك رأي آخر أن الأئمة لم يُمضوا هذه الغزوات بل ردعوا عن الانضمام إليها، وتوجد روايات متعددة عن الأئمة في الردع عن الدخول فيها أو الانضمام إليها، وبالتالي لم يرتبوا أثراً شرعياً على نتائج هذه الغزوات وهذا الرأي كما ذكرنا لجملة من العلماء منهم الشيخ العلامة المطهري رحمه الله.

السؤال الثالث: في سياق هذا الموضوع ورد أن بعض الأئمة تزوجوا من هؤلاء الجواري اللواتي كان يؤتى بهن فهل هذا دليل على إمضائهم؟ ويبدوا أنه كان شائع أنه في الحروب الإسلامية أن يؤتى بجواري وسبايا، كالخلفاء أو بقية علماء المسلمين فيبدو أن فيه أساس فقهي للموضوع، فما تعليقكم؟

سماحة السيد منير الخباز: هو هذا الذي قلناه وذكرناه قبل قليل، الأئمة اشتروا الرقيق واعتقوا وتزوجوا لا أن الإمام قام بالاسترقاق، وفرق بين الأمرين، بين أن يقول الإمام هذه الأسيرة رق ويترتب عليها آثار الرق، وبين أن الإمام يُرسل خواصه لبعض من وقعوا في الأسر ليستنقذهم من هذا الأسر الجائر فيقوم بعتق الجارية أو بالزواج منها، فما صنعه الأئمة هو هذا، وهي عمليات معدودة جداً ومحدودة، اشتروا بعنوان الاستنقاذ وهو استنقاذ هذه المرأة الحرة من الأسر الذي وقعت فيه، أما أن الإمام استرق وأمضى ما جروا عليه فهذا لم يحصل بدليل معتبر.

﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6] في الأحرار فضلاً عن غير الأحرار، فالنبي له الولاية على الأنفس، ولو تصرف كذلك لكان ذلك مقتضى ولايته، وهذا الذي نعتقده، أما هل حصل هذا تاريخياً ورُتب عليه الأثر من قِبَل النبي أو من قِبَل الأئمة فهذا الذي نحن نطالب بدليل معتبر عليه.

 السؤال الرابع: تتداول الروايات حول مسألة المشاركة في الغزوات فيما بعد وفاة النبي على أن الحسنين ربما شاركا في غزوات عبرت البحر إلى بلاد فارس، وكذلك الرواية التي تذكر أن الإمام الحسين ذكر زهير بن القين، وأنهم كانوا مع سلمان وقد ركبوا البحر في غزوة وقال لهم أيكم يُدرك نصرة سيد شباب أهل الجنة، فما هو تعليقكم على مثل هذه الرواية؟

سماحة السيد منير الخباز: من باب المثال أذكر هذا الموقف وليس بغرض التوهين، ناقشت المرحوم العلامة الشيخ الوائلي رحمه الله في الكويت في هذه النقطة لأنه كان معتقداً بأن الحسنين شاركا في حرب القسطنطينية، وأن الأئمة أيدوا هذا التاريخ الإسلامي، فطالبته أولاً بدليل معتبر من طرقنا بحيث يكون رواته ثقاة أو على الأقل تكون رواية مشهورة لها طرق كثيرة وإن كان رواتها ضعافاً لكن لها طرق كثيرة بحيث يحصل للإنسان الوثوق بحصولها نتيجةً لكثرة طرقها، وما كان موجوداً، فهو قد اعتمد على اليعقوبي وهو مؤرخ من مؤرخي إخواننا أهل السنة.

ثانياً قلت له هناك فرق بين حفظ الثغور وبين إمضاء الغزوات، والأئمة كانوا يؤيدون حفظ الثغور، فالدولة الإسلامية كانت محاطة آنذاك بأعداء وكان هناك ثغور، وهذه الثغور تُستغل للعبور إلى داخل حريم الدولة الإسلامية والاعتداء على المسلمين، وهتك أعراضهم ونهب أموالهم، فكان الأئمة صلوات الله عليهم يؤيدون البقاء في هذه الثغور لحفظها وردِّ هذه الهجمات، ويوجد للإمام زين العابدين دعاء في الصحيفة السجادية دعاء لأهل الثغور.

وحفظ الثغور شيء، وأنك ترسل جيشاً إلى بلد آخر بعنوان الدعوة إلى الإسلام، أو بعنوان الغزو أو بعنوان الفتح لهو شيء آخر، فالأول نعم هو ثابت، وأما الثاني فلا يوجد عندنا دليل معتبر حتى نعتمد عليه، سواء كان بعنوان الفتوحات أو الدعوة إلى الإسلام وما أشبه ذلك.

اعتمد الشيخ رحمه الله على أن الإمام أمير المؤمنين أمضى فتح العراق وفتح مصر في زمن الخليفة الثاني، وهو أمر صحيح ولكن لماذا أمضى! الروايات والسبب الموجودة عندنا هو أن المسلمين استغاثوا في مصر والعراق، أي أن الإسلام وصل إلى مصر والعراق طوعاً وانتشر ودخل كثير من الناس في الإسلام طوعاً، وصارت تجارات متبادلة بين مسلمي مصر ومسلمي العراق، وبين أهل المدينة وأهل اليمن، وبعد ذلك رأى المسلمين أنفسهم مضطهدين في العراق وفي مصر فاستنجدوا بالمسلمين في المدينة، حينئذ أرسل إليهم الخليفة الثاني من يُنقذ المسلمين هناك والإمام علي أمضى ذلك، وهذا الأمر صحيح، وما سِوى ذلك من الأمور لم يثبت والله العالم بالصواب.

المقدم: ننتقل إلى الليلة الثانية والتي تعرضتم فيها لتجليات الحكمة في الشخصية النبوية وكيف تصبح حكيماً، يقول السؤال:

لقد سبق وذكرتم أنه ينبغي الانطلاق من الأنا الجمعي، فكيف نجتذب الأنا الجمعية؟ نحن نشارك في مختلف الأعمال الاجتماعية من مآتم ودورات دينية وحملات حج، ونجد أن البعض فيها يحسبون أنهم شعب الله المختار ويحصل عندهم اشمئزاز عند سماع الفضيلة من غيرهم، فما هو تعليقكم؟

سماحة السيد منير الخباز: سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم هي القدوة والمنار، سيرتهم في كيفية تعاملهم مع الناس، ونحن قمنا بهذه التجربة أيام ما كنا نذهب للإرشاد في حملات الحج، وأيضاً إذا ذهبنا إلى مواطن الزيارة زيارة العتبات المقدسة، فنختلط بالناس في السكن وفي الأكل وفي الشرب، وفي الذهاب وفي المجيء ونجد من الناس أنواعاً وأشكالاً، ورأينا فعلاً أن بعض الناس يظنون أنهم شعب الله المختار وبالتالي لابد أن تعامله معاملة خاصة ومميزة من بين الآخرين، ولابد أن تتكلف في سلوكك معه فتحترمه وتُجله وتُهيء له الأمور دون غيره من الناس، نعم تجد من الناس هكذا، وتجد أيضاً من ينتقدك في كل خطوة تقوم بها حتى وإن وفرت له ما يريد إلا أنه يبقى ناقداً لك على ما تفعل، وسيرة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين تعتمد على عناصر ثلاثة في المقام:

  • العنصر الأول: كظم الغيظ، القرآن الكريم يقول: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134]، فكلما سيطر الإنسان على أعصابه وعلى انفعالاته استطاع أن يقوم بدور أكبر، فبالنسبة للمرشدين في الحج، وللكادر الذي يعمل في حملات الحج، وبالنسبة إلى كل من يختلط بالناس من مشايخ وخطباء، كلما كان أقدر على ضبط أعصابه وضبط انفعالاته كان دوره وعمله أكثر اتساعاً وأوسع أفقاً.
     
  • العنصر الثاني: التنويع في الأساليب، فالإنسان الذي يخوض تجربة سواء كانت تبليغيه أو تطوعية خيريه، كلما جمد على أسلوب واحد سيرى من الناس معارضة وانتقاد، ولكن عندما يطور من أساليبه بين فترة وأخرى يقوم بقراءة تجربته وانتقادها من أجل أن يطور من أساليبه وخططه، فكلما تعامل بلغة التطوير والتغيير كان ذلك أكثر ارتباطاً مع الناس وتوفية لحاجاتهم، وتغطية لطموحاتهم وتطلعاتهم وبالتالي يكون النقد أقل.
     
  • العنصر الثالث: عدم المبالاة بالنقد الجارح، فأي شيء يقال عنك لا تعلق عليه ولا بكلمة، فأفضل طريق للنجاح هو هذا أن لا تبالي ولا تعلق بأية كلمة، هناك كلمة لمفكر غربي وهي: أولى خطوات الفشل إرضاء الناس، فالمهم أن تعمل عملاً يحقق أهدافك والتي ترضي ربك وتخدم دينك، لأن محاولة إرضاء الناس وكسب رضاهم وكسب ثنائهم وكسب مدحهم إذا أصر الإنسان عليه فهو في أولى خطوات الفشل، لذلك لا تبالي بالنقد الجارح واللاذع ولا تعلق عليه بأي حرف.

 السؤال الثاني: في موضوع الحكمة وكيف تصبح حكيماً، ومتى يكون الحوار حكمة ومتى يكون حماقة بمعنى متى أحاور الشخص الذي أمامي ومتى أصمت؟

سماحة السيد منير الخباز: هنا خمسة عناصر لجعل الحوار حوار حكمة:

  • العنصر الأول: المنطق العلمي، كل حوار يخلو من منطق برهاني فاخرج منه، والخروج منه ليس جبناً، خروجك منه يعني أنك أسمى من هذا الحوار، فلابد أن يكون الحوار حواراً مبنياً على منطق علمي، أي منطق يعتمد على البرهان.
     
  • العنصر الثاني: البعد عن نقد الأشخاص، اعمد على نقد الفكر دون نقد الأشخاص، فلا تتعرض للأشخاص لا بغمز ولا بلمز ولا بتعريض لا من قريب ولا من بعيد، نحن على المنبر نناقش الكثير من الشبهات ولكن لا نذكر أشخاص إلا إذا كان ذكر الشخص فيه تحقيق للهدف أكثر، فعدم تناول الأشخاص بالنقد هو عنصر مهم في أن يكون النقد حكيماً.
     
  • العنصر الثالث: أدب الحوار، الالتزام بالأدب في التعامل مع الآخرين حين الحوار معهم بالأسلوب المهذب واللائق، وبالألفاظ التي يحترم فيها شخصياتهم وكراماتهم، وبالتحية اللائقة أيضاً.
     
  • العنصر الرابع: افتراض نسبة، كطريق فني في الحوار أن أفترض أن للآخر نسبة من الصواب، كما ينقل عن الإمام الشافعي  لا أدري هل هذه النسبة صحيحة أم لا كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلامك خطأ يحتمل الصواب. فإعطاء نسبة من الصواب للآخر يساعد على مرونة الحوار، واستمرار الحوار بشكل منفتح هادئ.
     
  • العنصر الخامس: الجدوى من الحوار، حتى لو كان الحوار علمياً ما هي الجدوى منه! وما هي النتيجة! لابد أن تدرس النتيجة قبل الدخول في الحوار، هل لهذا الحوار أثر في عالم الفكر! هل لهذا الحوار أثر على المجتمع أو لا! مرة من المرات ذهبت للاستماع إلى خطيب فهذا الخطيب كان يتعرض إلى سمات وجه إبليس هل له أنف أو أنفين، وكيف كان فمه وكم عدد أسنانه، بعد المحاضرة تكلمت مع الجماعة وقلت لهم ألم يجد غير إبليس ليحاضر فيه، فقالوا: وهذه المحاضرة الثالثة! المهم حتى لو كان العرض علمي وجميل ومبرهن، ولكن أي ثمرة فكرية أو عملية أو اجتماعية في البحث! إذن من العناصر المهمة لإنجاح الحوار، معرفة الجدوى من هذا الحوار.

المقدم: ننتقل إلى الليلة الخامسة والتي تحدث فيها سماحة السيد عن الروح الوحدوية في الشخصية المحمدية، وهنا وردت أسئلة:

 السؤال الأول: فيما يخص تشريع القتل في مسألة اليهود، يُفهم من كلامكم أن الإسلام يشرع عملية اغتيال أو قتل من يختلف مع من يُمسك بزمام قيادة المجتمع إذا كان مثيراً للفتن والقلاقل، فكيف يمكن توضيح ذلك؟ ولما لم يمارس هذا الدور أمير المؤمنين مثلاً مع معاوية بناء على نفس المبدأ، وهل هذا يعني أن ليزيد حق في تطبيق ذلك مع السبط الشهيد؟

سماحة السيد منير الخباز: نحن ذكرنا متى يكون القتل علاجاً، وذكرنا أن له شروط وما قلنا أننا نُشرع القتل بصفة مطلقة:

  • الشرط الأول: نقض العهد، والآخر نقض عهداً وميثاقاً مع النبي وهو ما حصل من كعب بن الأشرف وأبي رافع.
  • الشرط الثاني: إهانة الرموز المقدسة، وليس هناك أعظم رمزاً مقدس لدى المسلمين من النبي محمد .
  • الشرط الثالث: إثارة الفتنة الاجتماعية، وتحريض الناس على الخروج والقتال والمواجهة.
  • الشرط الرابع: العمل على زعزعة أمن المجتمع الإسلامي، وذلك بتشكيل العصابات وبالتحالف مع أقوام معادية في سبيل المواجهة للمجتمع الإسلامي والإخلال بأمنه.

هذه الشروط الأربعة لما توفرت في كعب بن الأشرف وأبي رافع أمر النبي بالقتل، وإلا لا نقول مجرد أنهم عارضوا قُتلوا حتى يقال هذا تشريع لقتل كل من يعترض، وبذلك يكون قَتْلُ الحسين على يد يزيد بن معاوية شرعياً! لأنه عارضه فيُقتل، بل وضعنا شروطاً وعدة ركائز لهذا الموضوع، وأما بالنسبة لمعاوية نعم فالإمام علي طلب بقتله ولكن ما ائتمروا به، قال: يخرج عليكم رجل من بعدي طويل البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد ألا فاقتلوه، ولا تقتلوه، وإنه يأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة مني فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإسلام والهجرة [1] .

 السؤال الثاني: لماذا لم يقتل مسلم بن عقيل ابن زياد حينما زاره وتمكن من غدره، بينما أمر الرسول بقتل كعب بن الأشرف، ولعل ابن زياد كان أشد خطراً من ابن الأشرف؟

سماحة السيد منير الخباز:

أولاً: ابن زياد ما كان يشكل خطراً مثل كعب بن الأشرف إطلاقاً، فعند مراجعة التاريخ كان ابن زياد أحد المتنافسين على سلطة الكوفة، فعبيد الله بن زياد، وقيس بن الأشعث، وشبث بن ربعي، وعمر بن سعد، هؤلاء الأربعة كانوا يتنافسون على إمارة الكوفة، ويزيد اختار عبيد الله بن زياد، أي لو قُتِل ابن زياد فالبديل موجود، لأن ابن زياد هو أحد البدائل لا أكثر، ولو أن مسلم بن عقيل قتل ابن زياد لن يؤثر شيئاً إطلاقاً، فالبدائل التي قد تكون أعنف وأكثر عداءً لأهل البيت كانت موجودة ومؤهلة بنظر يزيد بن معاوية لاستلام أمارة الكوفة.

بينما كعب بن الأشرف كان شخصية قديرة على استمالة المشركين من قريش لحرب النبي ، وكان مؤثراً وعيناً كبير في اليهود، مؤثراً عليهم في تحريضهم على قتال النبي، ولم يكن يحل محله مثله.

ثانياً: لم يكن في قتل عبيد الله بن زياد ردعٌ، قلنا أن النبي قتل كعب بن الأشرف لأن في قتله ردعاً لبقية اليهود، فإذا قتل كعب بن الأشرف سُد هذا الباب، وكان قتله ردعاً لكل من تسول له نفسه بالتحريض على الفتنة، بينما قَتْل ابن زياد لن يشكل شيء من ذلك أصلاً، والدليل أن الذين خرجوا لحرب الحسين مع عمر بن سعد في بعض الروايات ثلاثون ألف كانوا جاهزين على كل حال، سواء قَتَلَ عبيد الله بن زياد أم لم يقتله، فالمنافقون والمرتشون والأمويون وأعداء أهل البيت كانوا جاهزين لقتال الحسين، وبالتالي لم يكن يشكل عبيد الله بن زياد ردعاً لهذا الموضوع أبداً.

ثالثاً: مسلم كان غريباً جداً حتى بين أصحابه، فلو قرأت قصته لاستغربت من تباطئهم عن النصر حتى قبل استيلاء عبيد الله بن زياد، عبيد الله بن زياد في بيت هانئ بن عروة لما كان عمر بن باهلة مريضاً وأتى عبيد الله بن زياد لعيادته، ألم يكن يستطيع أحد قَتْل عبيد الله بن زياد إلا مسلم؟ الواقع أنه لم يكن أحد منهم مستعداً للمبادرة في قتله، ومسلم أحس منهم الخذلان وشعر بينهم بالغربة وهو بينهم، وشعر أنهم ليسوا مؤهلين لهذا الدور، وإلا البيت مملوء وكان الكل بإمكانهم قتل ابن زياد، ومسلم أمير عليهم من قبل الحسين، فكيف يقوم الأمير بالعملية بنفسه وهم جالسون!

كانت غربة مسلم وخذلانه ووحدته وهو حي قبل موته، فإذن بالنتيجة ما كان في قتل ابن زياد أي ميزة آنذاك، ولهذا امتنع مسلم عن الموضوع لأنه فعلاً أحس بالغربة والوحدة في الموضوع، صحيح أنه علل كلامه  إذا صحت الرواية وإلا جملة من علمائنا ناقشوا في أصل الرواية  لعدم القتل قال: ”الإسلام قيد الفتك ولا يفتك مؤمن“.

المقدم: في الليلة السابعة تعرضتم إلى السمات الملكوتية في الشخصية المحمدية، ومن النماذج التي تم طرحها لبيان قدرة الإنسان الطبيعي على الاستيعاب والتعلم للغات والعلوم من سن صغيرة وغيرها هي شخصية وليام جيمس، ووجدنا بعد الاطلاع على سيرة حياتهم بأن العلم أمن لهم جانب الوعي المعرفي ولكن حياتهم الاجتماعية كانت تعاني تخبط وفقر لحياة الإنسان الطبيعي الذي يعيش مراحلة العمرية بما تقتضيه الطفولة والشباب والكهولة، ووجدنا لديهم مشاكل نفسية واجتماعية بسبب تميزهم على أقرانهم بخلاف العلماء المؤمنين والمعصومين، فبما تميز المعصومون ليكون لديهم استقرار نفسي واجتماعي وحياة طبيعية وهم يمتلكون العلم اللدني؟

سماحة السيد منير الخباز:

أولاً: ما ذكرناه من قصة وليام جيمس كان لمجرد تقريب الإمكان، هل ممكن للإنسان وهو في سن الطفولة أن يمتلك قدرة عقلية خارقة يستطيع بها معرفة اللغات ومعرفة المعلومات الرياضية ومعرفة المعلومات الدقيقة أو لا، فأتينا بها كمثال للإمكان.

ثانياً: فرق كبير بين العلم الاكتسابي والعلم اللدني، فعلم هؤلاء النوابغ هو علم اكتسابي، وعلم المعصوم هو علم لدني ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 65]، العلم الاكتسابي موطنه العقل، والعلم اللدني موطنه القلب، فرق بين الموطنين، فما يستوعبه العقل غير ما يستوعبه القلب، ما يستوعبه العقل هو علم حصولي لا أكثر أي مجرد صور، وما يستوعبه القلب هو علم حضوري وجداني، فرق بين من يدرس الطب وبين من يمارس الطب، هناك شخص تخرج من الجامعة ودرس الطب فكل ما عرفه هو معلومات عن الطب لكنه لا يشعر بأن هذه المعلومات شي يلامس وجدانه ويلامس شخصيته، بخلاف من هو في العيادة عشرين سنة أو ثلاثين سنة، ونتيجة هذه الخبرة الطويلة أصبح يتعامل مع الأمراض وتشخيصها معاملة وجدانية وشعورية؛ أي تحولت المعلومات من عالم العقل إلى عالم القلب، من عالم الحصول إلى عالم الحضور، من عالم التصور إلى عالم التصديق الوجداني، وهذا تقريب للفرق بين العلم الاكتسابي والعلم اللدني.

وهؤلاء الأئمة المعصومين من محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين حصلوا على العلم اللدني، بمعنى عاشوا معرفة الله، وعاشوا معرفة الحقائق، وعاشوا معرفة زوايا العالم، عاشوه شعوراً لا مجرد معلومات ذهنية، وأما الآخر الذكي والمفكر والنابغة فقد عاشها كمعلومات ذهنية لذلك لم تنعكس هذه المعلومات الذهنية على سلوكه، عاش متوتر وقلق، عاش حياة اجتماعية صعبة.

المقدم: في الليلة الثامنة تحدثتم حول مساحة العنصر البشري في الشخصية المحمدية، والسؤال هنا:

أشرتم في المحاضرة إلى عدم حاجة النبي للاجتهاد، وإذا اعتقدنا أن للرسول علماً لدني فهل هو بحاجة للوحي مع امتلاكه لهذا العلم اللدني؟

سماحة السيد منير الخباز: العلم اللدني هو قسم من الوحي، نقرأ الآية المباركة: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ «51» وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ [الشورى: 51 - 52]

فعندما تقرأ الآية المباركة تجد أنها تفيد أن الاتصال الملكوتي أي اتصال قلب النبي بساحة القدس، واتصال قلب النبي بهذا العالم عالم الملكوت، تجد أن الاتصال الملكوتي له ثلاثة طرق:

  1. الطريق الأول: بلا واسطة أصلاً بين قلب النبي وبين الإشراق الإلهي، ولا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك.
     
  2. الطريق الثاني: الاتصال بواسطة خَلْقية كما يعبر الحكماء، موسى وصله الكلام عبر واسطة خَلْقية أي عبر واسطة حسية مادية من جبل الطور من النار ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص: 30] بواسطة مادية وصل إليه هذا الكلام أو هذا الارتباط.
     
  3. الطريق الثالث: عن طريق واسطة أمرية لا خَلْقية وهي جبرئيل ؛ لأن جبرئيل ليس من عالم المادة بل من عالم الأمر.

الرسول الأعظم محمد تلقى الوحي بجميع أشكاله الثلاثة، وكان أغلب علمه من القسم الأول وهو المباشر، لذلك قالت الآية المباركة: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ «51» وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى: 51 - 52] أي بشكل مباشر، أو بواسطة مادية أو واسطة أمرية وهو جبرئيل؛ أي أنك حصلت على الشق الأول، روح أمرية عن طريقٍ مباشرٍ بين قلبك وبين الإشراقة القدسية الإلهية.

المقدم: في الليلة العاشرة والحادية عشر تحدثتم حول الرسول والحسين وهما صورتان لمشروع واحد، والرسول الأكرم في كلمات الحسين بن علي، السؤال يقول نحن مُسَلِّمون بأن خروج الحسين هو الحق تماماً لكن الأدلة الموجودة نعتبرها غيبية مثل قوله: «شاء الله أن يراهن سبايا» عندما تحدث عن سبب أخذه النساء والأطفال، بينما تقول الأخبار بأن ابن عباس ومحمد بن الحنفية نصحوه بعدم الخروج، فما هو الدليل العقلي للجمع بين أسباب خروج الحسين ؟

سماحة السيد منير الخباز: لم أجد أن الحسين طرح سبباً غيبياً، فكل الأسباب التي طرحها كانت أسباباً عقلية، ”إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح“، ”إنا سمعنا ممن سمع من رسول الله أنه قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله، فلم يغير عليه بقول أو فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله“، ”ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه“، ”ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً“، وقال: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون“ كلها أسباب عقلية.

أما قوله: ”شاء الله أن يراني قتيلاً وشاء الله أن يراهن سبايا“ فهو كما ذكر عدة من علمائنا منهم الشيخ باقر القرشي والشيخ المطهري وغيرهم، أن المشيئة هنا تشريعية وليست تكوينية، أي ليس شاء الله تكويناً وتقديراً، شاء أي أمر، شاء الله أن يراني قتيلاً أي أمرني بأن أتقدم بالقتل، وشاء الله أن يراهن سبايا أي أمرهن بالتضحية ولو وصلت إلى حد السبي.

إذن معنى شاء الله أن يراني قتيلاً وأن يراهن سبايا أي أن الله أمرني وأهل بيتي بالتضحية فداء لدينه وقيمه ومبادئه، فالملخص من الكلام أمرنا بالتضحية في سبيل المبادئ والقيم وتحرير إرادة الامة.

السؤال الثاني: ما معنى كلام الإمام الحسين لأخته الحوراء زينب عندما قال لها: «رُدي العليل السجاد للخيمة لكي لا تخلو الأرض من حجة» علماً بأنه حتى لو قتل السجاد فإن الإمام الباقر سيكون موجوداً في الساحة؟

سماحة السيد منير الخباز: النص الذي وقفت عليه وراجعت الرواية وجدت أن أول نص ورد في الرواية أورده ابن شهر آشوب في المناقب بهذا التعبير: لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد. والظاهر أن مقصوده   إذا صحت الرواية  أنه لو قُتل الإمام السجاد لقُتل الإمام الباقر، فلا يبقى أحد، فلو سُمح للإمام زين العابدين بالخروج والقتال لأُجهز عليه وكان ذلك طريقاً للإجهاز على من بقي في الخيمات ومنهم الإمام الباقر الذي كان عمره آنذاك ثلاث سنوات، وهذا يعني خلو الأرض من نسل آل محمد.

المقدم: موضوع عاشوراء وكربلاء وتاريخ الحركة الحسينية يحتاج إلى مراجعة دقيقة ومثل جناب السيد حفظه الله يُتأمل منه التصدي، نحن عشنا مرحلة كبيرة من عمرنا مع خطبائنا المحليين وغيرهم وسمعنا خلط كبير في الروايات، وأشياء يرفضها العقل ويصعب تصديقها، وأنتم سيدنا أخبر بالموضوع هذا، ومما يذكر على ألسنة الخطباء ولم يحصل عندهم تغيير ومنهم من يعترض، نزلت الملحمة الحسينية للشيخ المطهري واعترض عليها من اعترض ومنها زفة القاسم، ذكرتم قبل لحظات مسألة مسلم بن عقيل الكثير من الخطباء لا يتعرض لمسألة وجود أحد مع مسلم في بيت هانئ بن عروة، ويذكرون فقط أنه ما أراد أن يغدر؛ لأن الغدر غير أخلاقي، وهم متعلقين بهذه الحدود فقط، فأردت فقط على أن أعلق على هذه المسألة أنه يوجد الكثير من الخلط في مسألة تاريخ الأئمة الضئيل جداً، والملحمة الحسينية مهضومة الحق وليس فيها دراسة، نعم هناك بعض التفاصيل الصغيرة التي يتم الجدال فيها، فأرجو الإضاءة على هذه المسألة.

المقدم: في الليلة الثانية عشر والثالثة عشر تحدثتم حول الثابت والمتغير في شريعة النبي ، وهل أن الأصل في القانون الإسلامي الثبات أم التغير، وهنا أسئلة كثيرة وردت لدينا:

السؤال الأول: تطرقتم إلى موضوع الفراغ في الأحكام الشرعية استناداً لما ذكرتم وربما لم نفهم بعضه ولكن بالمجمل هل يوجد فراغ في الأحكام الشرعية في القضايا الصغرى دون الكبرى؟ ألا يوجد فراغ مطلق وبالتالي لابد للعقل البشري من سده وملئه؟

سماحة السيد منير الخباز: ذكرنا في تلك الليلة أن هناك فرق بين الدين الصادر والدين الواصل، فالدين الصادر لا فراغ فيه، واستدللنا عليه بالآية والروايات، وأما الدين الواصل أي ما وصل إلينا من روايات وآيات من الممكن أنه لم يستوعب جميع مناحي الحياة، باعتبار أن هناك حواجز منعت وصول كل الدين إلينا كسعي الظالمين لإخفاء آثار أهل البيت، وإحراق مكتباتهم وإتلاف الكثير من مستنداتهم وكتبهم، فلذلك نحتمل أن الدين الواصل إلينا لم يستوعب مناحي الحياة، ومع ذلك نقول سواء كان الدين الصادر أو الدين الواصل فإن الدين لا يتعرض للصغريات والمصاديق، الدين يتعرض للقوانين، الدين الصادر والواصل لا يتعرض للمصاديق، وإنما يتعرض للقوانين العامة والأحكام الكلية، أما المصاديق قد تكون مصاديق شرعية، وقد تكون مصاديق عرفية، وقد تكون مصاديق حسية، وقد تكون مصاديق عقلية، ومثال على ذلك: مصداق شرعي/ الدين يقول من سافر يقصر صلاته، لكن ما هو السفر؟ وهنا الدين نص على أن السفر هو عبارة عن قطع مسافة ثمانية فراسخ، فصار المصداق شرعي؛ أي أن الإسلام شرع قانون ونظم لنا المصداق.

وتارة يكون المصداق عرفي، فمثلاً أداة القمار، يحرم اللعب بأداة القمار، ويحرم بيع أداة القمار، لكن لم يعين لنا الإسلام ما هي أدوات القمار، فالمصداق بأيدينا أي بيد العرف، فكل لعبة يعتبرها العرف أداة قمار لأن الغالب في هذا المجتمع يستخدمها في القمار ينطبق عليها هذا القانون وإلا فلا، فالمصداق بيد العرف وهذا يختلف باختلاف الأزمنة وباختلاف المجتمعات، ربما لعبةٌ الآن هي أداة قمار وبعد عشرين سنة ليست أداة قمار، وربما في مجتمعنا هي أداة قمار وفي مجتمع آخر ليست أداة قمار، فالمصداق يختلف باختلاف الأعراف والمجتمعات والأزمنة لأنه مصداق عرفي.

وقد يكون المصداق حسي، أي حساً لابد أن تتقنه مثل القِبْلة، وتعرف القبلة بالشهادة أو بالبوصلة؛ أي لابد أن تتقن هذا المصداق حساً، «قف بعرفات» وتُعين عرفات بالتدقيق الحسي.

وقد يكون المصداق عقلي، لا شرعي لا عرفي لا حسي لكن مما يحكم به العقل، ومثلنا تلك الليلة بهذا المثال وقلنا ورد في الرواية عن الصادق : ”ما تركه الميت من حق أو مال فهو لوارثه“ فالشرع أحياناً يعين الحق مثل حق التحجير، وهي الأرض غير المملوكة فحجَّرها؛ أي وضع عليها سياج فصار له حق في الأرض يسمى حق التحجير، وتارة الحقُ يَحْكُم به العقل، مثل ما قلنا لو أن العقل القطعي الجمعي أي المجتمع العقلائي حكم بأن للمخترع حق البراءة، فهذا العقل القطعي الجمعي أوجد مصداق لهذا القانون، فما تركه الميت من حق أو مال فهو لوارثه وبالتالي هذا الحق حق البراءة ينتقل من الميت المخترع إلى وارثه.

إذن تعيين المصداق قد يكون بيد الشرع وقد يكون بيد العرف، وقد يكون بيد الحس، وقد يكون بيد العقل.

المقدم: ذكرتم أن بعض الفقهاء كالسيد السيستاني يرى أن نطاق ولاية الفقيه يتسع ليشمل ما يحتضن النظام والأمن والاستقرار، وذكرتم من الأمثلة على ذلك قوانين البلديات وحق براءة الاختراع وغيرها من الأمور التي يحكم العقلاء بضرورتها أليس في هذا محاولة لملئ منطقة الفراغ في التشريع، أي يلزم القول بوجود هذه المنطقة؟ ألا يمكن الاستنتاج من هذا بأن ما صدر أو ما وصلنا من التشريع غير شامل لتفاصيل الأحكام وأنه في كثير من المواضع عبارة عن قواعد كبرى أو قوانين عريضة يعمل فيها المجتهد أدواته؟

سماحة السيد منير الخباز: قلتُ في تلك الليلة أن مسألة حرمة مخالفة النظام فيها كبرى وصغرى، فيها قانون ضرورة حفظ النظام؛ وهذا القانون عقلي أو ارتكاز عقلائي على الأقل؛ أي إما شيء يحكم به العقل البديهي أو أنه مُرْتَكزٌ عقلائي كان منذ زمان المعصومين وأمضاه المعصوم من باب عدم الردع عنه، وهذا من حيث القانون «الكبرى»، وعندما نأتي إلى الصغريات هل أن قوانين البلدية دخيلة في حفظ النظام أم لا، وهل أن قوانين التعليم دخيلة في حفظ النظام أو لا، وهل أن قوانين الصحة دخيلة في حفظ النظام أم لا، وهل أن قوانين وزارة الحج دخيلة في حفظ النظام أو لا، فهذه مصاديق، والمصاديق بحسب التشخيص، فإذا شَخَّص الفقيه وقال:  كما يرى السيد السيستاني  كل قانون يخدم المصلحة العامة يدخل ضمن هذه الكبرى. وهذا الكلام لا يصدق على كل قانون لأن بعض القوانين تكون مزاجية اعتباطية، نحن نتكلم عن قوانين البلدية والتعليم والصحة التي تخدم المصلحة العامة، فكل قانون يخدم المصلحة العامة فهو داخل ضمن هذه الكبرى، ويجب احترام النظام ويجب تطبيق النظام الداخل ضمنه، فمن قوانين الحج يكون الحج بتصريح، وعلى رأي السيد السيستاني يجب الالتزام باستخراج التصريح، ولو خالف القانون وذهب بدون تصريح وحج يبقى حجه صحيح، لوجود الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي، فالحكم التكليفي لا يجوز مخالفة النظام؛ أي لا يجوز أن يذهب بلا تصريح، أما الحكم الوضعي لو خالفه وذهب فحجه صحيح.

 السؤال الثاني: استشهدتم بقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] في إثبات وجوب الطاعة المطلقة للرسول ، في حين أن الآية واردة في سياق تقسيم الفيء ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] ولو كان الأمر كذلك أي مطلق لقالت الآية وما أتاكم الرسول فخذوه فقط؛ لأن ما يأتي به الرسول يشمل الأوامر والنواهي، لكن صيغة الآية بهذه الطريقة تدل على اختصاصها بموضوع الفيء، والطاعة المطلقة قد تثبت بأدلة أخرى، فما هو تعليقكم؟

سماحة السيد منير الخباز: طبعاً الآية فيها خلاف وليست محل اتفاق على أنها تدل على الطاعة المطلقة للنبي ، ولكن حسب وجهة نظري فالآية مطلقة، صحيح أن الآية وردت في سياق الفيء، لكن السياق لا يحدد مدلولها، هي تبقى مطلقة، طبقها القرآن على مورد الفيء، والفيء من تطبيقاتها، توزيع الرسول للفيء هو من تطبيقاتها ومن مصاديقها، لكنها تبقى كبرى، ويبقى مدلولها عاماً لا يختص بهذا المورد فقط، نظير ما ذكره الفقهاء في آية الخمس التي وردت ضمن آيات القتال، فورود آية الخمس ضمن آيات القتال لا يُقَيِّد مدلولها بخصوص غنائم الحرب ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال: 41] سواء كان من غنائم الحرب أو من غيرها، الغُنْم مقابل الغُرْم، كما في الحديث عن النبي محمد : >من له الغُنْم فعليه الغُرْم"؛ الغنم يعني الربح؛ والغرم يعني الخسارة، فمدلول آية الخمس عام وإن وردت ضمن آيات الحرب لكن هذا لا يخصص مدلولها بغنيمة الحرب، هنا أيضاً هذه الآية ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] وإن وردت ضمن سياق آيات الفيء لكنها لا تختص بها، تبقى كبرى عامة، وشاهدنا على ذلك قرينتان:

  • القرينة الأولى: الآية التي قبلها، قال فيها تبارك وتعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 4] لا تتكلم عن المشاقَّة في خصوص الفيء بل بصفة عامة، أي من يشاقِّ الله ورسوله في الفيء أو في غيره فإن الله شديد العقاب، فهي آية عامة.
  • القرينة الثانية: أن الآية التي بعد هذه الآية: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7] فمن الواضح أن الأمْرَ بالتقوى لا يخص مورد الفيء بل هو أمر مطلق، فكما أن الفقرة التي بعدها أمر مطلق، كذلك نفس هذه الفقرة تدل على الطاعة المطلقة للنبي الأعظم .

 السؤال الثالث: ذكرتم أن الأصل في أوامر النبي أنها حكم شرعي، ولابد من قرينة لصرف الأمر إلى حكم ولايتي أو إرشادي، فما هي القرينة؟ وهل لابد من أن تكون رواية؟

سماحة السيد منير الخباز: القرينة متعددة، فقد تكون رواية وقد تكون السياق التاريخي لنفس الحديث الوارد، وقد تكون كما يعبر العلماء مناسبة الحكم للموضوع، أي عندما يتكلم النبي في قضايا طبية ويقول: >كلوا التفاح على الريق فإنه يخوص المعدة" أي يكسبها مناعة، فهذه الرواية بما أنها تتحدث عن قضية صحية، والقضية الصحية كما تعلمون تختلف باختلاف الأشخاص وباختلاف البيئات، فبما أن القضايا الصحية تختلف باختلاف والأشخاص وتختلف باختلاف البيئات فإذن نفس هذه القضية هي قرينة على نفسها، وتسمى مناسبة الحكم للموضوع، فنفس القضية قرينة على نفسها أنها مجرد إرشاد إلى قضية على سبيل الاقتضاء لا على سبيل العلية التامة، أي أن النبي لخبرته وعلمه بالواقع يطرح إرشاد على سبيل الاقتضاء أن أكل التفاح على الريق يعطي المعدة استعداداً للمناعة لا أن هذا الأمر دائماً يحصل، فالقرينة على حمله أنه مجرد إرشاد وليس بياناً لحكم شرعي، هو ذات القضية قرينة على نفسها أنها قضية صحية تختلف باختلاف الأمزجة، وتختلف باختلاف البيئات والموارد.

 السؤال الرابع: ذكرتم أننا نأخذ جميع ما يصدر من النبي على أنه تشريع من الله بينما في بعض الأحداث كما ذكرتم في حادثة الوقوف في الحرب، سأله الصحابة: أهذا من ربك أم أنها الحرب والمكيدة؟ فكيف نوفق بين الأمرين؟

سماحة السيد منير الخباز: ذكرنا في المحاضرة وقلنا أن الرواية لم تثبت من طرق الإمامية، عندما قال له الحباب بن المنذر: أهذا منزل أنزلكه الله أم هو الحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الحرب والمكيدة. وقلنا أن هذه الرواية لم ترد من طرقنا حتى نعتمد عليها، لكن لو فرضنا ثبوتها فهي دليل لنا وليست علينا، فهي تؤيد أن الأصل عند المسلمين أن ما يفعله النبي فهو دين، وأن المسلمون كانوا يتلقون كل ما يصدر من النبي على أنه دين، فلأجل أن هذا الأصل عندهم فالحباب بن المنذر استغرب لأن المكان مقفر ليس فيه ماء، والنبي جاء وجلس فيه والوقت وقت حرب والقتال يحتاج إلى ماء، لذلك لأنه يعتقد أن الأصل هو الدين فهو قد سأل النبي هل نزولك في هذا المكان داخل في الدين أم مجرد تكتيك بشري صدر منك؟ فقال النبي:  إذا صحت الرواية  هو الحرب والمكيدة.

 السؤال الخامس: هل الولاية في التشريع خاصة بالنبي أم أنها ثابتة لأوليائه؟

سماحة السيد منير الخباز: هذه مسألة خلافية، فبعض العلماء كالمحقق الأصفهاني يرى أن الولاية التشريعية كما ثبتت للنبي الأعظم محمد فقد ثبتت لأهل البيت ، لأجل جملة من الروايات منها رواية موسى بن أشيم قال: >إن الله فوض إلى نبيه فقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7]، ثم قال : ”فما فوض إلى رسول الله فقد فوض إلينا“.

وهذا ما يؤيد كلامي في أن الآية مطلقة لأن الرواية استشهدت بالآية كدليل على الطاعة المطلقة للنبي، والبعض استشهد بهذه الروايات على أن ولاية التشريع كما ثبتت للنبي ثبتت لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبعض العلماء يرى أن ثبوت الخمس في أرباح المكاسب هو تشريع صدر من أهل البيت، فُوِّض إليهم التشريع وهم شرعوا ثبوت الخمس في أرباح المكاسب.

وهناك رأي آخر ذكره جملة من العلماء أن الولاية على التشريع خاصة بالنبي محمد ، لا لقصور في أهل البيت بل لأن التشريع اكتمل؛ أي أنهم تلقوا تشريعاً كاملاً من النبي، وليس فيه منطقة ليشرعوا فيها، والدليل عليه صحيحة زرارة >وإن عندنا الجامعة، قيل: وما الجامعة؟ قال الإمام الصادق : كتاب بإملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب فيه جميع ما يحتاجه الناس من حلال وحرام حتى أرش الخدش، إلى يوم القيامة".

أي تشريع مكتمل وصل إلى الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم فلا حاجة إلى إعمال ولايتهم على التشريع، السيد السيستاني دام ظله الشريف في كتابه «علل اختلاف الحديث» طرح مسألة الولاية التشريعية لأهل البيت ، وعرض أدلة الطرفين وناقش كلا الطرفين من الأدلة، ويمكن لكم المراجعة.

 السؤال السادس: هل هناك أسس من خلالها تبين لنا أن الرؤية رؤية عقلانية قطعية جمعية؟

سماحة السيد منير الخباز: قلنا بالعمل المؤسساتي تتضح لنا الرؤية، ونحن نفتقر إلى العمل المؤسساتي، فلو عندنا مؤسسات قانونية تعنى بالقضايا القانونية لاستطعنا من خلال هذه المؤسسات أن نستقرئ الرؤى العقلائية في كل زمن من خلال استقراء القوانين والمجتمعات، ومن خلال استقراء المواقف والأحداث، فنستطيع أن نستكشف ما يتفق عليه العقلاء من رؤى ومن قرارات وأحكام في كل مرحلة من المراحل.

 السؤال السابع: هل نستطيع أن نقول أن محاولة السيد الشهيد الصدر في فقه النظرية هي محاولة لسد هذا الأمر، حيث انطلق من سؤال الواقع واستنطاق النص واستخراج نظرية، ويتجسد فقه النظرية في كتاب اقتصادنا أو مجتمعنا أو ما شابه؟ وهل تعتبر محاولة الشهيد المطهري بالاجتهاد التخصصي هو ما تعنون به بالمؤسسة بحيث يكون هناك فقهاء متخصصون كلٌ في مجاله ونخرج برؤى متكاملة في هذا الأمر؟

سماحة السيد منير الخباز: بالنسبة إلى النقطة الأولى مسألة القراءة الواقعية للنص التي عبر عنها السيد الصدر، وهي أن تنطلق من الواقع إلى النص وليس العكس، بمعنى أن تستقرئ الواقع وإذا استقرأت الواقع خرجت من الواقع إلى النص ستجد أن النص يجيبك على أسئلة الواقع، خلاف ما إذا انطلقت من النص إلى الواقع، ففهمت النص فهماً لغوياً فقط، وعندما تطبقه على الواقع قد تجد عثرات ومطبات في تطبيق مدلول النص على الواقع، وفي إيجاد ملائمة ومواكبة بين النص وبين الواقع، فلذلك طرح نظرية القراءة الواقعية للنص مقابل القراءة الحرفية له، وعبر عن المرحوم الشيخ جواد مغنية في كتابه «فقه الإمام الصادق» بالفقيه الاجتماعي؛ لأنه انطلق من المجتمع إلى النص، أي حمل خبرته الاجتماعية في قراءة النصوص الواردة عن أهل البيت ، فهذه النظرية هي نظرية مهمة جداً تُسهم في الوصول فعلاً إلى استقراء الواقع.

والنظرية الأخرى مفيدة أيضاً وهي التي طرحها الشهيد المطهري، ففي جامعة المصطفى الآن في قم قد تم تأسيس بنود لهذه النظرية وبدأوا بتفعيلها وهي تخصصات، أي أن الفقه يتحول إلى تخصصات، وتخصص في باب الحج، وتخصص في باب الخمس، وتخصص في باب المعاملات، وتخصص في المسائل البنكية... وهكذا، بحيث يكون لكل باب مجاله الواسع.

 السؤال الثامن: بالنسبة للمرتد لم يرد في القرآن الكريم إشارة إلى قتل المرتد بآية صريحة فكيف يكون الحق بقتل شخص رأى أو اعتقد بأن الدين الآخر هو الحق حتى لو كان مخطئاً حيث أنه لا إكراه في الدين، وكيف لشخص نفس النبي ومثل الإمام علي أن يجر شخصاً من شعره كما ذكرتم في معتبرة الفضيل بن يسار عن الصادق بأن أمير المؤمنين حكم بالقتل على مسلم قد تنصَّر عندما أبى أن يرجع؟ وكيف يكون لأي شخص الحق بقتل شخص لم يرتكب ظلماً ولا عداءً سوى اعتناق دين آخر، فإذا كان قتل المرتد واجب شرعاً فينبغي أن تكون دعوة الأديان الأخرى أيضاً واجب شرعي.

سماحة السيد منير الخباز: بالنسبة إلى حد المرتد ذكرنا في عدة محاضرات أن حد المرتد محل للبحث، صحيحٌ أن أغلب الفقهاء اتفقوا عليه، ولكن ما يزال مجال للبحث، هل هو حكم ولايتي أم هو قانون لا يتغير ولا يتبدل؛ أي ما مارسه الإمام علي من قتل المرتد هل مارسه لأنه حكم شرعي أو مارسه لأنه ولي الأمر في تلك الفترة فشخَّصَ أن في قتل ذلك الرجل مصلحة عامة فقام بقتله، وقلنا في المحاضرة أن من استدل بهذه الرواية على أن حد المرتد حكم وقانون شرعي ليس استدلاله تاماً لأن الرواية تحتمل أنها عمل ولايتي قام به الإمام علي لكونه رئيس الدولة الإسلامية آنذاك وولي الأمر.

ومن جهة أخرى على فرض أن حد المرتد قانون شرعي كما يراه أغلب الفقهاء، إلا أن بعض العلماء وبعض الفقهاء وضعوا له شروط ومنها:

  1. أن يعلن الارتداد، فلا يكفي أنه ارتد بل لابد أن يعلنه على الملأ.
  2. أن يكون في ارتداده فتنة فكرية تسبب فتنة اجتماعية واحتراب بين الناس.
  3. ألا يكون في ذهنه شبهةٌ، أي أن من يرتد مع وضوح الأدلة يُقْتل، وقد يرتد لأن الأدلة لم تصل إليه وفي ذهنه شبهة مستحكمة، فهنا يشمله الحديث الوارد ”الحدود تُدرأ بالشبهات“.

فالبعض يقرُّ بهذه الشروط وبعضهم لا يقر بها ويرى أن حد المرتد متى ما ثبت الارتداد بشاهدين عادلين يقام عليه حد الارتداد، ونحن مع ذلك نقول حتى لو ثبُتَ أن حد الارتداد قانون شرعي وأنه بدون شروط إلا أنه مع ذلك يحتاج تطبيقه إلى ولاية، تطبيق حد الارتداد وتشخيص موارده والظرف المناسب له هو أمر بيد ولي الأمر وليس أمراً مفتوحاً ومبذولاً.

 السؤال التاسع: التساؤل حول نفقة الزوجة، أليس أسلوبكم في كلامكم حول حق الزوجة في النفقة وأنه لا يجوز للرجل أن يأخذ منها ريال واحد فيه نوع من تحريض الزوجة الموظفة، وأنه رسالة للموظفة بعدم مساعدة الزوج الضعيف أو الفقير، ألم يكن من الأفضل توضيح أهمية المساعدة والتعامل بين الزوجين؟

سماحة السيد منير الخباز: اطلعت اليوم على تعليق الجمهور حول هذا الموضوع، فكان بين معارض ومؤيد ورأيت أن أكثر المؤيدين من النساء والمعارضين من الرجال، وهنا أقول:

أولاً: كنا نتعرض لحكم شرعي وبينَّا الحكم الشرعي ما هو، يقول الحكم الشرعي: لا يجب على المرأة الزوجة أن تنفق على البيت ولا على الأولاد ولا على الزوج، وكل فقهائنا اتفقوا على هذا الرأي.

ثانياً: كان في الكلام نقدٌ لظاهرة موجودة وهي أن كثير من الأزواج الرجال يجبرون الزوجات على الإنفاق، ما دامت هي موظفة يجب عليها الإنفاق على الأولاد والمشاركة في بناء البيت، فنحن كنا ننقد هذه الظاهرة وأنها غير موافقة للحكم الشرعي.

وبلا إشكال أنا لا أدعو الزوجات ولا أحرضهم على البخل والشح بالمال وعدم الإنفاق على البيت، أبرأ إلى الله من التحريض على ذلك، بلا إشكال الأسرة المتعاونة والمتحابة هي أسرة منتجة ومثمرة أكثر ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]، فإذا بذلت الزوجة برضاها وقناعة منها جزء من أموالها على أولادها وفي مساعدة زوجها وفي بناء بيت الزوجية فهو شيء جيد، ولا أدعو المرأة أيضاً إلى ذلك، ولكن لو قامت به من باب التعاون فهو شيء جيد، وإلا فهو ليس واجباً شرعاً عليها ولا أحرضها على الترك، وإنما أقول ليس للرجل أن يجبرها، أما لو قامت بذلك بقناعتها حباً لأسرتها فلا مانع من ذلك إطلاقاً.

 السؤال العاشر: تطرقتم لموضوع النفقة وبأنها دين في ذمة الرجل وإن كانت تملك من المال ما يكفيها، وكما تعلمون بأن تكاليف الحياة أصبحت باهظة على الشاب، خصوصاً مع تزاحم الواجبات في حال خروجها للعمل مما يضع الرجل أمام الكثير من مسؤوليات العناية بالبيت والأبناء، ومع اشتراط النساء عدم الممانعة من العمل في عقد الزواج ألا يجوز للزوج أن يشترط على الزوجة المشاركة في المصروفات وليس فقط الصرف على الكماليات؟ وهل هذا الحكم من الثابت والمتغير أو هو من منطقة الفراغ؟

سماحة السيد منير الخباز: يجوز للزوج أن يشترط في عقد النكاح أن على الزوجة أن تصرف ويسمى شرط فعل وليس شرط نتيجة، أي أن ذمتها لا تتحمل ذلك ولكنه يشرط عليها أن تصرف، فإذا اشترط الزوج على الزوجة ضمن عقد النكاح أن تصرف جزء من راتبها في مصارف الأسرة وقبلت بالشرط ضمن عقد النكاح فالشرط ثابت ونافذ وهو ليس من المتغير بل من الثابت، لما ورد عن النبي الأعظم المؤمنون عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً، لابأس في هذا الشرط وليس في إشكال، وهي أيضاً تستطيع أن تشترط عليه ما تريد من الشروط.

 السؤال الحادي عشر: ذكرتم مراراً قول الإمام أمير المؤمنين : ”قيمة كل امرئ ما يحسنه“ فعمل الإنسان يكسبه قيمة أي كرامة، بمعنى أنه يصبح عنصراً فعالاً في المجتمع، ففي الماضي لم يكن للمرأة حتى العاملة المقدرة على تأمين العيش، إلا أن الحاضر في الطريق إلى فرض تسوية المرأة بالرجل من حيث المدخول، وحيث أن المرأة تدرس وتعمل في الحاضر فمن المتوقع أن لها دخل يوازي في كثير من الأحيان دخل الرجل أو يفوقه، أضف إلى ذلك أن ما تشهده معدلات الطلاق يأخذ بالمرأة على الحرص بأن تمتلك وظيفة تؤمِّن لها العيش الكريم حتى لا تصبح عالة على المجتمع فيما لو باء زواجها بالفشل، فهل يعترف الشارع بقيمة المرأة العاملة؟ وهل يعطيها مسؤوليات تجاه البيت والأسرة؟

سماحة السيد منير الخباز: المرأة هي لولب الأسرة، ودور المرأة في الأسرة لا يستطيع أن يقوم به رجل، فالمرأة هي سر سعادة الأسرة وسر نجاحها، وكلما كانت الأم مثقفة متدينة متخلقة بالأخلاق الفاضلة أخرجت جيلاً عظيماً، لأجل ذلك أعطى الإسلام القيمة للمرأة قبل أن تكون موظفة وعاملة، العمل والوظيفة لا يغير من مكانتها، ربما امرأة موظفة تعمل في آبار البترول أو نجارة أو أي وظيفة أخرى، إلا أن الوظيفة لا تعطيها قيمة، فليست الوظيفة أو العمل هو ما يعطي المرأة قيمة، فما يعطيها قيمة أن تكون امرأة حكيمة خبرت الحياة واكتسبت تجربة من الحياة، ولديها ثقافتها المفيدة لتربية الأسرة، ولديها دينها الذي يحجزها عن الظلم والتقصير، ولديها أخلاقها الفاضلة التي تعكسها على أبنائها وأسرتها، فإذا كانت المرأة بهذا المستوى فهي أفضل من الكثير من الرجال، ولذلك ورد في الحديث  إن صح : ”الجنة تحت أقدام الأمهات“ فإذن لا ننيط المسألة بالعمل سواء عملت أم لم تعمل، فلو كانت ربة منزل متدينة متخلقة فهمت الحياة واكتسبت تجربة الحياة، وامتلكت ثقافة التربية الصالحة، فهي أفضل من كثير من النساء العاملات اللواتي يفقدن هذه العناصر وهذه الملكات.

 السؤال الثاني عشر: في موضوع الثابت والمتغير في الإسلام بالنسبة للحجاب بالتأكيد أنه تغير من حيث الطريقة منذ زمن النبي ، فكيف أعرف أن حجابي يستوفي الضوابط الشرعية سواء كانت العباءة رأس أم كتف أم شيلة؟ وهل وصلنا لزمن كشف الوجه فيه حلال بملء الفم تبعاً للعرف الذي أصبح الأغلب يكشف؟

سماحة السيد منير الخباز: الحجاب يجب أن يكون ساتراً لجميع البدن باتفاق الفقهاء، وأما الوجه والكفان فهما محل خلاف، فالسيد الخوئي رحمه الله يقول الأحوط وجوباً ستر الوجه والكفين، والسيد السيستاني يرى جواز كشف الوجه والكفين، فالمسألة هي مسألة خلافية بين الفقهاء وما اتُّفق عليه ستر باقي البدن، ولكن ضمن شروط:

  • الشرط الأول: عدم الإثارة ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور: 31] أن لا يكون الحجاب مثير، فالحجاب الملون والحجاب المزين مثير للنظر فهذا ليس بحجاب، فلابد أن يكون خالياً من عنصر الإثارة لا باللون ولا بالزينة ولا بالرائحة.
     
  • الشرط الثاني: يقول السيد السيستاني: يجوز كشف الوجه والكفين إذا لم يستوجب ذلك هتك حرمة المرأة، وأما لو افترضنا أن كشف وجهها يستلزم هتك حرمتها إما لجمالها فتصبح موضع حديث أو أن العرف المجتمعي والبلد الذي تعيش فيه لا يرى استساغة كشف الوجه والكفين وبالتالي اختراقها للعرف يجعلها موضعاً القيل والقال، وتتعرض كرامتها للهتك والخدش وهذا حرام، حفظاً لكرامتها من الخدش والقيل والقال، فتجري على العرف الذي تعيش فيه.
     
  • الشرط الثالث: أن يكون الستر فضفاضاً لا يجسم بدنها وتفاصيل جسدها وإلا لم يكن متطابقاً مع الستر المطلوب.

 السؤال الثالث عشر: ذكرتم في إحدى الليالي أن الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت تُعرض على الكتاب والسنة الصحيحة فهما الميزان في القبول، فكيف يمكن التوفيق بين الروايات التي تتحدث عن علم النبي بما كان وسيكون وعن إحاطته بالغيبيات ودقائق العلوم وبين ظواهر آيات كثيرة قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188] أو قوله تعالى: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [هود: 31].

سماحة السيد منير الخباز: المفسرون من علمائنا رضوان الله تعالى عليهم ذكروا تفسيرين لهذه الآية المباركة، لأن هذه الآية ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [هود: 31] تتنافى مع آية أخرى وهي قوله تبارك وتعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا «26» إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا «27» لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا «28» [الجن: 26 - 28]؛ أي إذا ارتضى الرسول يُظهره على الغيب، فهذه الآية تقول يظهره على الغيب، وفي الآية الأخرى أن الرسول يقول لا أعلم الغيب، فكيف نوفق بين الآيتين؟ هنا يذكر المفسرون من علمائنا رضوان الله تعالى عليهم عدة وجوه:

الوجه الأول: فرق بين العلم بالغيب، وعلم الغيب، نلاحظ عندما نقرأ الآية المباركة: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام: 59] أن مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، لا يعلمها لا رسول ولا ملك، ومفاتح الغيب أي خزائن الغيب ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 37] خزائن أي مفاتح وليس مفاتيح، وهي جمع مفتح أي الخزانة، فعلم الغيب يعني العلم بخزائن الغيب ولا يعلم بها إلا هو.

وأما العلم بالغيب بمعنى الظهور على الغيب فنعم حاصل للنبي فهو عندما يقول: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ أي الإحاطة بمفاتح الغيب، أما العلم بالغيب لأن الله أظهرني عليه فهو ثابت لي بمقتضى الآية الأخرى.

الوجه الثاني: فرق بين شخصية النبي بما هو بشر وشخصية النبي بما هو رسول، وذكرنا هذا في إحدى المحاضرات، فالنبي بما هو بشر لا يعلم الغيب، لكنه بما هو رسول فهو يعلم الغيب، فهو تارة يتحدث عن نفسه بما هو رسول، وتارة يتحدث عن نفسه بما هو بشر، وفي هذه الآيات يتحدث عن نفسه بما هو بشر ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف: 188] وهذه الآية تتكلم عن حديثه عن نفسه بما هو بشر لا بما هو رسول.

وأيضاً هناك فرق بين العلم الحسي والعلم اللدني، عندما نقرأ الآية المباركة: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة: 101] أي لا تعلمهم حساً وليس لا تعلمهم أصلاً، مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ [القصص: 44] ما كان النبي موجود أي لم يكن عنده علم حسي، لأنه لم يحضر في طور سيناء فليس لديه علم حسي بما أوحي إلى موسى، ولكن لديه علم لدني بذلك، فإذن نستطيع أن نثبت له نوع من العلم، وننفي عنه نوع من العلم، فنقول ليس لديه علم بما أوحي إلى موسى أي ليس لديه علم حسي لأنه لم يحضر، ولديه علم بما أوحي إلى موسى أي لديه علم لدني، فالرسول يعلم بالمنافقين وبحيلهم وبمكائدهم علماً غيبياً لدُنياً لكنه ليس حاضراً بينهم كي يرى خططهم ومكائدهم، فلديه العلم اللدني لكن ليس لديه العلم الحسي لذلك يقول: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ أي لا تعلمهم علماً حسياً لأنك لست حاضراً بينهم.

 السؤال الرابع عشر: في سبيل إثبات حكم العقل لملء الفراغ التشريعي الذي نتج عن عدم وصول الأحكام الشرعية لنا ذكرتم عدة سبل منها إجماع العلماء، فكيف يكون الإجماع دليلاً على الصحة إذا كان هنالك إجماع على كون الأرض مركزاً للكون وتبين خطأ ذلك مع الوقت؟

سماحة السيد منير الخباز: لم نذكر إجماع العلماء أصلاً، لم نذكره في كلامنا إطلاقاً وإنما قلنا في الحوار السابق أن ما هو الحجة وما له قيمة هو الحكم العقلي القطعي الذي يستند إلى قرائن علمية وموضوعية، والطريق لاستكشاف أن الحكم العقلي مستند إلى قرائن عقلية وموضوعية الطريق هو أن نستقرئ آراء العقلاء ونستقرئ القوانين الدولية، فإذا استقرنا ووجدنا اتفاق، كان هذا الاتفاق  اتفاق العقلاء وليس إجماع العلماء  كاشفاً على أن هذه الرؤية هي رؤية لها جذور علمية ولها قرائن موضوعية، فاتفاق العقلاء هو مجرد طريق لكشف وجود قرائن وليس هو محور الحجِّية.

 السؤال الخامس عشر: بالنسبة لتغير الحكم بتغير الموضوع أو العلة ألا يؤدي عدم معرفة الموضوعات أو علل كثير من الأحكام الشرعية للجمود على الحكم وبالتالي الاتجاه إلى الاحتياط بالرجوع إلى قاعدة أن الحكم عام ما لم تكن هناك قرينة، مما يؤدي إلى تطبيق الكثير من الأحكام في غير مواضيعها؟

سماحة السيد منير الخباز: نحن لا نستطيع أن نغير الواقع، والواقع هو أن لدينا تراث وهذا التراث يحتاج إلى تحقيق، لدينا القرآن الكريم وهو مقطوع الصدور ولكن تحقيق مفاهيم القرآن وتحقيق مداليله يحتاج إلى عمليات اجتهادية، وهذه العمليات الاجتهادية تتطور بمرور الزمن، فتُحذف أدوات للتحقيق وتبرز أدوات جديدة وهكذا، فمع أن القرآن كتاب نقطع بصدوره ولكن مع ذلك تحقيق مفاهيمه ومداليله ما زال عملية اجتهادية، وأما التراث الروائي الموجود بين أيدينا سنة النبي وسنة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فتحتاج إلى عدة أدوات لتحقيقها، لإحراز صحة الرواية، وإحراز متن الرواية هل هذا المتن صحيح أم لا، لأن النسخ تختلف كالكافي الذي هو أفضل كتاب حديثي عندنا نحن الشيعة الإمامية، وله نسخ عدة لأنه كُتِبَ عدة مرات، ففي زمانه لم يكن هناك طباعة فكُتِب بخط اليد مما أدى إلى اختلاف هذه النسخ، ونتيجة اختلاف النسخ اختلف المعنى، إذن نحن كما نحتاج إلى أن نثبت أن الرواية صحيحة لأن رواتها ثقاة نحتاج أيضاً إلى أن نثبت المتن هل ورد هذا المتن بشكل صحيح أم لا، ونحتاج أيضاً إلى علم يتعلق بقراءة النسخ والمفاضلة فيما بينها، وأيضاً لدفع التعارض بين الروايات، وما هي الأدوات لحل هذا التعارض، والمشكلة الرابعة هي مشكلة اللغة وكما يقال أن اللغة كائن حي دينامي أي يتغير ويتطور، فما نفهمه الآن ليس بالضرورة يتطابق مع ما فهمه الذين عاشوا مع المعصومين، وليس بالضرورة كما فهمه علماؤنا الأوائل الذين عاشوا في فترة الغيبة الصغرى، إذن الفهم قابل للتغير والتطور فكيف نجعل أدوات تضبط مسيرة الفهم البشري؟! وهذه مشكلة صعبة.

إذن لابد أن نعترف أن ما نقوم به هي عمليات اجتهادية قد تصيب وقد تخطئ، غاية ما في الأمر إن أخطأنا فنحن معذورون لأننا بذلنا الجهد، وإلا ما نقوم به من تحقيق صدور النص ومن تحقيق النسخة الصحيحة ومن تحقيق عدم التعارض ومن تحقيق ضبط المفهوم لهذا النص، كلها عمليات اجتهادية قد تخطئ، لكننا معذورون لأننا سرنا طبق منهج علمي وطبق أدوات علمية، ولأجل ذلك عندما نقول أن الأصل فيما يصدر من النبي أو من الإمام هو حكم شرعي، صحيح هذا الأصل قد يُغيِّب علينا أشياء، فقد لا يكون هو حكم شرعي ونحن عملنا به كحكم شرعي، وممكن أن موضوعه قد تغير ونحن لم نلتفت لتغير موضوعه وعملنا بالعموم، وممكن أن نخطئ ولكن هذا الخطأ بما أنه يستند إلى منهج علمي في عملنا بالأصل فنحن معذورون فيه، فالمسألة ليس واقفة على هذه النقطة فقط في أنه كيف نعتبر ما يصدر هو حكم شرعي ولعله ليس حكماً شرعياً، فكل هذا الفقه ما سوى الضروريات منه هو عمل اجتهادي قد يخطئ، إلا أنه ما دام على ضوء المنهج العلمي والأدوات العلمية فهو عمل معذرور أمام العقلاء وأمام الله تعالى.

 السؤال السادس عشر: ذكرتم أن علاقة الإنسان تنبني على أربع: علاقته مع ربه، وعلاقته مع نفسه، وعلاقته مع الطبيعة، وعلاقته مع المجتمع، وأن علاقته مع ربه وعلاقته مع نفسه غير قابلة للتغيير، نتمنى توضيح هذا الأمر بمثال؟

سماحة السيد منير الخباز: كان القصد من العلاقة مع النفس بمعنى استجابة الإنسان لقيمه الفطرية، أي أن لدى الإنسان قيماً فطرية لا تتغير ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات: 8] فالإنسان بطبعه يحب العدل ويحب الأمانة ويحب الصدق والإحسان والتواضع والكرامة، وهي قيم فطرية لا تتغير، واستجابة الإنسان لهذه القيم الفطرية وتفعيلها هو عبارة عن علاقته بنفسه، لذلك قلنا بأنها ثابتة بهذا المعنى، وإلا العلاقة مع النفس بمعنى طرق تهذيب النفس قد تختلف من زمن إلى آخر، والأدوات العلمية لضبط النفس قد تختلف من زمن إلى آخر.

 السؤال السابع عشر: ما هو المانع من أن نقول أن ما صدر من النبي من نظام للغذاء في الطب النبوي هو أمر مستحب لأن النبي معصوم والمعصوم لا يخطئ الواقع؟

سماحة السيد منير الخباز: قلنا أن الأصل فيما يصدر عن النبي أو عن المعصوم أنه حكم شرعي إلا أن تقوم قرينة على ذلك، وذكرنا أن هذه الوصايا الطبية التي صدرت من النبي ليست من قبيل الحكم الشرعي، وكذلك طب الإمام الرضا ليس من قبيل الحكم الشرعي، والقرينة على ذلك أن الموضوع نفسه قرينة على نفسه؛ وهو ما يعبر عنه بمناسبة الحكم، والموضوع هو قرينة على نفسه أنه إرشاد إلى قضايا واقعية على سبيل الاقتضاء لا على سبيل العلية التامة، ولأجل ذلك أيضاً حتى موضوع الطب النبوي وطب الإمام الرضا هو أمر يحتاج إلى تنقيح وبحث على صحة الرواية، ورفع المعارض لهذه الرواية، وبحث مدلول الرواية على ضوء تطور وتكامل علم الطب في كل زمن.

 السؤال الثامن عشر: ذكرتم في الليلة الثالثة عشر في ضمن الروايات التي ذكرتموها مسألة النهي عن أكل لحوم الحُمر الأهلية في غزوة خيبر وعللتم ذلك بأنها كانت تستخدم للركوب، فهل ذلك التحريم كان في حدود مسألة الاستخدام أم هو تحريم تأبيدي؟

سماحة السيد منير الخباز: كان التحريم تحريماً ولايتياً وليس تحريماً قانونياً لأن أكل لحم الحمار حلال شرعاً، وبالنتيجة لحم الحمار يجوز أكله، ولحم الخيل أيضاً يجوز أكله، ولحم النعامة يجوز أكله، نعم مكروه لقساوته ولغلظته ولبعض الأمور، وهذا أمر آخر ولكن أكله جائز ولا مانع منه والنهي عنه كان نهياً ولايتياً لأن ظروف الحرب اقتضت النهي عنه وليس نهياً قانونياً.

فالمحرمات محصورة ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ..... [المائدة: 3] وما سواها يكون حلالاً إلى أن تقوم رواية صحيحة على حرمته، وهذا لم يقم دليل على تحريمه، وبعض الفقهاء استفاد من هذه الآية ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 8] أن هذه ما أعدت للأكل، فعندما قال ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة: 1] والأنعام معروفة عند العرب بأنها الإبل والبقر والغنم، بينما لما جاء إلى هذه الأصناف ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً فما ذكر فيها الأكل، وعدم ذكر الأكل معناه أن لحمها ليس معداً للأكل أي لا ينسجم مع طبيعة الإنسان في الأكل وهذا لا يعني أنه حرام شرعاً.

ختاماً: نشكركم على هذا الحضور وعلى هذا التفاعل الجميل، ونشكر سماحة السيد لإتاحته الفرصة للأعزاء بالاستفسار والإجابة على تساؤلاتهم، وعلى حرصه على ثقافة التواصل وتكريس ثقافة الحوار، ونسأل الله أن يجمعنا وإياكم في الأعوام القادمة تحت ظلال محمد وآل محمد وآخر دوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سماحة السيد منير الخباز: إن شاء الله تتجدد هذه الحوارات في أعوام أخرى وفي مناسبات عديدة ونسأل الله أن نوفق إلى أن نقيم حوارات مع عدة طبقات من أبناء المجتمع وكما قال الأخ قبل المحرم وبعد الموسم، حتى يكون هناك تنضيج وصقل للأفكار والموضوعات ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.

[1]  نهج البلاغة للإمام علي .