عصمة الانبياء (عليهم السلام) بين الواقع والادلة ج4

شبكة المنير قناة الكوثر الفضائية

عبد الباقي الجزائري: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. مشاهدينا الكرام السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته. اهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج: مرفأ الحوار. يتواصل الحديث في هذه الحلقة حول عصمة النبي بين الواقع والادلة. وبهذه المناسبة معنا من مدينة قم المقدسة فضيلة السيد منير الخباز، الكاتب والباحث الاسلامي، كما يكون معنا من دمشق فضيلة الدكتور علاء الدين الحموي، استاذ بالشريعة والقانون بمجمع الشيخ كفتارو. نرحب بمشاركاتكم ومداخلاتكم. مرحباً بكم مجدداً مشاهدينا الكرام، في هذه الحلقة نتكلم عن مسألة عصمة النبي في تراثنا. عند المفسرين في الاخبار وفي الروايات وعند المتكلمين وان كان هناك مشكلة، هناك من هو قطعاً غير معصوم وهو الفقيه والمؤرخ والاصولي وغيره، وهناك من هو موضوع العصمة وهو النبي ، فالمفروض ان الخبير هو الذي يحكم، يعني الخبير في الطب يحكم على الطبيب، والخبير في قضية من القضايا هو الذي يحكم، حينما يكون الذي يحكم دون المحكوم عليه منزلة يصبح هناك مشكلة حقيقة في الحكم، يعني ان يحكم فلاح على طبيب انه متخصص او غير متخصص، ان يحكم فقيه بسيط على نبي انه معصوم او غير معصوم، هناك قلب في الادوار، ان شاء الله نبدأ بفضيلة السيد منير الخباز من قم المقدسة. سماحة السيد، ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى اي ”عبس“ بصيغة الماضي ليس بصيغة الامر او بصيغة المخاطب، بصيغة الماضي الذي يقال في ضميره انه يجوز جوازاً والفاعل فيه ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، بينما يقال في المخاطب وجوباً، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره انت. ايحتمل ان الذي عبس غير النبي ، لكن تراثنا يصر على الذي عبس هو النبي ، مع ان هذا يتنافى مع قوله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، هل هناك ما يدل في الآية على جهة القطع ان الذي عبس هو النبي ؟

سماحة السيد منير الخباز: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ارحب بك وارحب بضيفك الكريم. بالنسبة الى سورة عبس وتولى، نحن في تراثنا «تراث اهل البيت » انها لم تنزل في النبي ، وان كانت هناك روايات ضعيفة منقولة عن كتب اخواننا من المذاهب الاخرى، ولكن من طرقنا لم ترد في رواية معتبرة بل ان الذي ورد انها نزلت في رجل من اصحاب رسول الله أوكله الرسول بان يفقه ابن ام مكتوم، حينما قدم لطلب التفقه، فعبس ذلك الصحابي في وجهه ونزلت هذه السورة ”عبس وتولى“ اشارة الى ذلك الصحابي، ولم يقل عبست وتوليت، كي تكون نازلة في النبي، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ يعني قل له يا رسول الله، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، الانتقال من الغيبة الى الخطاب هذا اسلوب معهود في القرآن الكريم ان ينتقل من اسلوب الى آخر، مع قطع النظر عن هذا التراث نحن نقول لا يمكن ان تكون هذه السورة نازلة في النبي ، اولاً لانها تتنافى مع الخلق، لا مع الخلق بل مع الخلق العظيم الذي وصفه به الله «تبارك وتعالى» ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، فمنافاتها للخلق، فضلاً عن الخلق العظيم الذي وصف به النبي قرينة على عدم نزولها في النبي. وثانياً انها تتنافى مع الرحمة التي وصف بها النبي في القرآن في عدة آيات ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ، ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ كيف يكون حريصاً عليهم وهو يعرض عنهم، كيف يكون عزيزاً عندهم وعليهم وهو يعبس في وجوههم، العبوس في الوجه وان كان وجه الاعمى يتنافى مع كونه رحمة، يتنافى مع حرصه على المؤمنين، يتنافى مع اعزازه للمؤمنين الذي اخبر عنه القرآن الكريم. ثالثاً بان السورة تضمن صفات يستحيل صدورها من النبي مثلاً قوله تعالى ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى*وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى، واما من جاءك يسعى وهو يخشى فانت عنه تلهى، ظاهر هذه الآيات ان النبي كان يقبل على الاغنياء لاجل استمالة قلوبهم من دون ان يكون هدفه تزكيتهم، وكان يصد عن الفقراء مع انهم جاؤوا لاجل تحصيل الهداية والخشية وهذا تماماً لا ينسجم مع ما ذكره القرآن الكريم عن شخصية النبي في قوله «تبارك وتعالى» ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ، بينما هنا يقول في الآية ﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى، ويقول في آية اخرى ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ، كيف يعلمهم الكتاب والحكمة وهو يعرض عنهم، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى*أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّي، اذن هذا يتنافى مع الآيات التي تتحدث عن خلق النبي، عن رحمة النبي، عن كون دوره دور التزكية، ولا يتناسب مع دور التزكية، الاعراب والاقبال على الاغنياء لاستمالة قلوبهم والاعراض عن الفقراء. وهذه الآية تتنافى مع عصمة النبي ايضاً ليس انها فقط تتنافى مع خلق النبي، بل تتنافى مع عصمة النبي، لان الله «تبارك وتعالى» أمره بخفض الجناح ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَهل يتناسب الاعراب عن الاعمى مع خفض الجناح، اذن النبي خالف قول الله ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وهذه الآية مكية كما ان سورة عبس مكية، اذن بالنتيجة القول بان هذه السورة نزلت في النبي يعني تناقض القرآن الكريم، من جهة يمدح اخلاق النبي ويمدح رحمة النبي، ويمدح عصمة النبي ومن جهة اخرى يصفه باوصاف لا تليق بالخلق ولا تليق بالرحمة ولا تليق بالعصمة.

عبد الباقي الجزائري: شكراً فضيلة السيد. نتحول الى فضيلة الدكتور علاء الدين الحموي في دمشق، فضيلة الدكتور هناك مشكلة فيما يخص عصمة النبي هناك مجموعة من النصوص تصوّر النبي لا فقط غير معصوم وانما دون الانسان العادي وهي موجودة في الصحاح، وقف على سباطة قوم وفحج رجليه وبال، هذا نبي وسباطة أمام الناس، كبّر في صحيح ابن حبان وفي صحيح مسلم والبخاري لم يكبّر، اقيمت الصلاة وعدلت الصفوف ثم قال النبي مكانكم ثم دخل وخرج اليهم ورأسه كان يقطر ماءً، يعني كان على جنابة جنب المحراب، بعيداً عن العصمة يعني على الاقل هذه الصور المشينة لشخص النبي كيف يقول للناس جعلت قرة عيني في الصلاة ثم يقف في المحراب على جنابة قبل ان يكبّر، المشكلة لم تعد مشكلة عصمة وانما مشكلة صورة النبي الذي هو قدوة للعالمين، اسوة حسنة، فضيلة الدكتور كيف نعالج هذه المسألة في تراثنا كيف نقدم النبي على اساس انه سيد الانبياء؟

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. في موضوع عصمة الانبياء لابد ان نؤكد على مفهوم اهل السنّة في موضوع العصمة، وهو موضوع بشرية الانبياء، الصورة التي نصورها عن الانبياء كما نريد نفسرها عنهم «عليهم الصلاة والسلام»، لو كان هذا من ديدنهم لقلنا ان هذا يتناقض مع صورتهم القدوة والهداية للناس اجمعين، والتي ارادها الله من الانبياء، ولكن في موقف ”عبس وتولى“ كما ورد في الروايات هي حادثة واحدة ولم تتكرر وكان الهدف منها في ذلك الوقت الحرص الشديد على اسلام هؤلاء الزعماء من قريش الذين باسلامهم سوف تسلم العرب بكاملها، اذن هي حادثة واحدة وليست طبعاً في النبي «صلى الله عليه وسلم» حتى نعيب هذه الصورة منه «صلى الله عليه وسلم» ونلجأ الى ان نلوي اعناق هذه النصوص والروايات ونقول وردت في غير النبي «صلى الله عليه وسلم».

عبد الباقي الجزائري: أين الدليل القطعي فضيلة الدكتور، يعني ”عبس وتولى“ الضمير يدل على الجواز، ممكن ان يكون عبس سعيد ممكن ان يكون عمر، لم يقل له عبست مثل ما قاله ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ مثلاً، هذا الكلام موجه اليه على جهة القطع ينبغي ان يكون الكلام موجهاً اليه مئة بالمئة، هنا الكلام ليس موجهاً اليه مئة بالمئة، هنا وصف لمن عبس وتولى، من هو الذي عبس وتولى، الله اعلم.

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: احسنت، ليس بالضرورة، لان الضمير كما قلت ضمير جواز، لكن الجواز هنا في اللغة، جواز اظهار الفاعل وجواز اضماره، اما بالنسبة الى الضمير المستتر وجوباً هو الذي يجب ان يستتر في كل الاحوال، يمكن هنا ان يقال عبس فلان وتولى، وممكن ان يقال عبس وتولى، بحذف الفاعل، فالجواز هنا بالنسبة الى ذكر الفاعل او عدم ذكره، الى اظهاره او اخفائه، ورغم ذلك عندنا نحن اهل السنّة من الروايات ما يدل على ان النبي «صلى الله عليه وسلم» هو الذي فعل هذا ودعنا نفصل المسألة اذا سمحت. ما ظهر من النبي «صلى الله عليه وسلم» هو عبارة عن انفعال، والعبوس في وجه الاعمى لا يؤثر في خاطره حيث ان الاعمى لا يرى هذا العبوس، والنبي «صلى الله عليه وسلم» من حرصه على الاعمى كحرصه على زعماء قريش لم يظهر ولم يبدر منه اي شيء اكثر من هذا العبوس، والنبي «صلى الله عليه وسلم» كان يرجو من مجالسته لهؤلاء ان يسلم بهم العرب اجمعين، في حين ان هذا الرجل يمكن ان يجيبه مساءً او يجيبه في اليوم التالي، وليس في ذلك اعراض، فاولاً لا يجوز ان نعمم هذه الصورة على افعال النبي «صلى الله عليه وسلم» بان نقول هو من طبعه كذا، يعرض عن الفقراء، يقبل عن الاغنياء، هذا لم يرد لا في رواية ولا في سيرة ولا في حديث من احاديثه «صلى الله عليه وسلم».

عبد الباقي الجزائري: فضيلة الدكتور ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وهذا الاعمى من المؤمنين، كيف النبي يركض وراء كفّار طمعاً بايمانهم وهو يعرف الكفّار الكبراء في زمن الانبياء الذين من قبله.

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: فلعلك باخع نفسك على آثارهم.

عبد الباقي الجزائري: اكثر من هذا، الكبار كانوا دائماً اعداء الانبياء.

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: النبي «صلى الله عليه وسلم» كان يرجو اسلامهم، النبي «صلى الله عليه وسلم» حريص عليكم، هو حريص على كل من يدعوهم، ممن بادر الى الاسلام كابن ام مكتوم او ممن تأخر في اسلامه، وقد ظهر لنا من خلال التأريخ بان خالد بن الوليد الذي قاتله في احد اسلم في آخر المطاف وكذلك عمرو بن العاص، وكذلك عدد كبير من اولئك الذين بدأوا حياتهم معاندين للنبي «عليه الصلاة والسلام» ثم تحولوا في نهاية المسألة الى ان يكونوا من التابعين لهذا الدين القويم. ما اريد ان اقف عنده هذا العبوس ليس من طبعه «صلى الله عليه وسلم» وهو تعبير بشري طبيعي، ونحن نريد ان نقول للناس بان العصمة ليست حجزاً ولا حبساً ولا منعاً، النبي «صلى الله عليه وسلم» لم يكن مسيراً في دعوته مع الله «سبحانه وتعالى»، لم يكن مجرد جهاز يحرّك من الحضرة الالهية، وانما كان ذلك البشر الإمام القدوة «عليه الصلاة والسلام» والعصمة تتمثل في حفظ كل ما يظهر عنه فلا يؤيد ولا يقرّ على أمر مالم يكن يرتضيه الله «سبحانه وتعالى» كاملاً، فالعبوس كان شيئاً طبيعياً لم يؤثر في نفسية الاعمى، بل كان من شخص النبي «صلى الله عليه وسلم» وهذا من طبع القرآن التحول من صيغة الخطاب الى صيغة الغائب او بالعكس، وليس في ذلك حرج على الاطلاق.

عبد الباقي الجزائري: اذن قبل ان نعود الى سماحة السيد منير الخباز من قم المقدسة، نستقبل هذا الاتصال من الاخ فادي من السعودية.

المتصل الاخ فادي من السعودية: مساء الخير.

عبد الباقي الجزائري: وعليكم السلام ورحمة الله، السلام اخي الكريم افضل، تحية الاسلام السلام.

المتصل الاخ فادي من السعودية: شكراً، لكن ثق يا صديقي ليس جميع العرب باختلاف معتقداتهم يشاهدون هذه االقناة فبالتالي هنالك غير مسلم، من يشاهد هذه القناة للبحث عن الحقيقة، فكن حليماً معي كعادتك.

عبد الباقي الجزائري: تفضل اخي الكريم.

المتصل الاخ فادي من السعودية: الحقيقة لي سؤال موجه الى سماحة السيد من قم، اريد ان اعرف بعض الادلة العقلية الواقعية عن عصمة نبي الاسلام الكريم محمد، وان يركز على هذه النقطة، لان هناك «كما اسلفت» عرب غير مسلمين يتابعون هذه القناة ليشاهدوا وليعرفوا الحقائق. النقطة الثانية، اريد ان اوجه سؤالي الى ضيفك من دمشق، بصفته من الاخوة الاعزاء من اهل السنّة والجماعة، انا لاحظت من خلال القراءة في كتب اهل السنّة انهم اقرب ما يكونون الى اتباع مدرسة اهل ابيت من خلال تبجيل نبي الاسلام الكريم محمد على نقيض الفكر الوهابي البغيض، هنالك ليس فقط اتباع مدرسة اهل البيت وائمتهم وكثير من العلماء ممن يختلفون معهم في الرأي مهمشين ومطعون في دينهم، ومطعون في صدقهم وفي ثقتهم، بل ان وصل هذا الحد لنبي الاسلام محمد، فهل لديك تعليق يريحني كعربي مسيحي غير مسلم، وشكراً.

عبد الباقي الجزائري: شكراً اخي الكريم، قبل ان نعود الى سماحة السيد منير الخباز، عندي ملاحظة للاخوة المشاهدين. مشاهدينا الكرام في الصحاح ان النبي دخل عليه اعمى والظاهر هذا نفسه عبد الله بن ام مكتوم ومعه زوجتان من ازواجه فقال لهما النبي استترا، فقالتا: أليس هو اعمى، قال: أولستما تريانه. يعني هذا يجعل العبوس من طرف النبي أشد، يعني لو النبي يعبس في وجه واحد يبصر افضل من انه يعبس في وجه واحد لا يبصر، على العكس هذا قبيح، العبوسي في وجه واحد اعمى على كل حال نعود الى فضيلة السيد منير الخباز. فضيلة السيد، ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ لم يقل وان خلقك لعظيم، ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ يعني ليس بعده خلق، بلغ القمة، يعني ممكن من بلغ القمة في رسالته اي يتساهل مع من هم احوج الناس اليه ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، من اجل كفّار، اي ان النبي صار يركض وراء الكفّار، هذه صورة جيدة لنبي عزيز ولله العزة ولرسوله والمؤمنين، يركض وراء الكفّار فيأتيه واحد مؤمن اعمى فيفضل الكفّار طمعاً في اسلامهم، يعني الطمع يجعل نبياً يتخلى عن جزء كبير من رسالته من الناحية العملية وهي كمال الخلق طمعاً في كفّار هو كان يعلم انهم لن يؤمنوا، وكان بمكة بعضهم يقول لهم سأقتلكم، فضيلة السيد، معقول هذا السلوك؟

سماحة السيد منير الخباز: ذكرنا اولاً بان العبوس في وجه الاعمى لو كان حالة طبيعية ولا تشكل خلقاً سيئاً لما عابه الله، قول الله ”عبس وتولى“ معناه انه تأنيب وعتاب، فلو كان العبوس في وجه الاعمى حالة طبيعية ولا تنافي الخلق لما بدأ الله به الآية وأنبه عليه وعاتبه عليه، اذن هذا العتاب والتأنيب شاهد على ان العبوس في وجه الأعمى خلق سيئ هذا اولاً. وثانياً الأعمى لا يرى ولكن الحاضرين يرون، اذا رأى الحاضرون شخصاً يعبس في وجه اعمى يعتبرونه انساناً سيئ الخلق، وان كان الاعمى لا يراه. ثالثاً ذكرنا بانه سماحة الشيخ من دمشق يقول بأن هذا مرة واحدة حدثت منه، طيب المرة الواحدة سواء الفعل كان مرة واحدة او متكررة بالنتيجة يتنافى مع العصمة، القرآن الكريم في سورة مكية يقول له ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والاعراض والعبوس يتنافى مع خفض الجناح، اذن يتنافى مع ما أمره الله به، ومخالفة النبي لما أمره الله به تتنافى مع عصمته، وهو الذي «جل وعلا» يقول في حقه ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، الفعل ولو حدث مرة واحدة، اذا كان مخالفة لامر الهي فهو يتنافى مع العصمة. ثالثاً بانه نحن لسنا الذين قلنا بان الفعل تكرر هو القرآن قال ﴿وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى عبّر بالفعل المضارع، ﴿فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى يدل على استمرار هذا العمل، التعبير بالفعل المضارع لم يعبّر بالفعل الماضي، عبّر بالفعل المضارع، والتعبير بالفعل المضارع يدل على تكرر العمل واستمراره منه، ولذلك ذكر القرآن الكريم وعبّر بالفعل المضارع، ولو كان اقبال الرسول على الاغنياء من اجل الحرص على دينهم، هذا العمل هدف سامي لماذا عابه الله عليه في السورة، ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ”تصدى“ بالفعل المضارع يعني تتصدى، والفعل المضارع يدل على الاستمرار، ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى*وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى، اذن هذه السورة تعبّر عن امر مستمر لا عن أمر حدث مرة واحدة، ولو فرضنا انه امر صحيح كما ذكر الضيف الكريم، فلماذا عابه الله عليه في هذه السورة المباركة، اذن بالنتيجة هذه السورة لا تتناسب لا مع خلق النبي ولا مع عصمته ولا مع كونه رحمة للعالمين. انبه على امر فقط، ورد عن النبي في عدة روايات ومنها في الصواعق المحرقة لابن حجر: لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء، قيل وما الصلاة البتراء؟ قال: ان تقولوا اللهم صل على محمد وتسكتوا، بل قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد. فعلينا ان نتعبد بالآثار الواردة عن النبي .

عبد الباقي الجزائري: شكراً فضيلة السيد. قبل ان نعود الى فضيلة الشيخ في دمشق، نستقبل هذا الاتصال من الاخ حسن من المغرب.

المتصل الاخ حسن من المغرب: عندي سؤال اطرحه بخصوص سورة عبس، يقول الإمام علي في نهج البلاغة: ”ان القرآن يشهد بعضه على بعض، ويفسّر بعضه بعضا“، فأي اشكالية ممكن ان تطرح لنا على أي آية من القرآن الكريم، علينا ان نقرأ القرآن كله وسنجد الجواب على هذه الاشكالية، انا اقول سورة عبس يقول الباري «سبحانه وتعالى» ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى، في سورة المدثر هذا السلوك سلوك عبس المستكبر الذي ذكره الله «سبحانه وتعالى» في سورة المدثر يقول الباري «سبحانه وتعالى» ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا «الى قوله» إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، هذا المستكبر نفس سلوك عبس، ايعقل ان يصدر هذا السلوك والفعل على رسول الله، ونفس السلوك والفعل يقع على المستكبر الكافر، ايعقل هذا يا مسلمين! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبد الباقي الجزائري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكراً اخي الكريم. معنا الآن المتصلة زهراء من الامارات.

المتصلة الاخت زهراء من الامارات: السلام عليكم.

عبد الباقي الجزائري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصلة الاخت زهراء من الامارات: ان الرسول ما كان يؤذي الحيوانات كيف بالاعمى فكيف ان رسول الله ان يؤذي مؤمناً خصوصاً ان تكون هذه اذية معنوية، مستحيل انا اعلق على كلام الشيخ من دمشق، اقول له حتى لو كان هذا الشخص اعمى فهناك ناس من المؤمنين فاذا عبس بوجه الاعمى كأنه لم يرحم الاعمى حاشى رسول الله من هذا التصرف، وشكراً.

عبد الباقي الجزائري: شكراً اختي الكريمة، الصورة كأنما يقول افسدت عليّ الشغل انا عندي عملية ناجحة كبيرة سوف اجيب كل زعماء قريش وكأن الدين مبني على زعماء قريش، على كل حال، يبدو اننا في وقت ينبغي فيه مراجعة التراث بصفة عامة لا فقط التأريخ، حتى المفسرين، يكاد يكون اجماع من المفسرين على انه الذي عبس هو النبي «صلى الله عله وآله» ولهذا نجد أحدهم قال انه الذي عبس هو فلان من الخلفاء، فقالوا اتق الله يا اخي، اذا النبي يعبس أين الخطأ اذا عبس احد من الخلفاء، يعني تقبلها برسول الله وما تقبلها في واحد من الخفاء، أي اعتقاد عندك، قال اتق الله اتق الله يا اخي، أين تقوى الله وهذا سيد الخلق، حتى لو فرضنا انهما متساويان فان صدرت من النبي يحتمل ان تصدر من هذا. على كل حال، نعود الى فضيلة الشيخ الحموي من دمشق، فضيلة الشيخ سمعتم ما قاله سماحة السيد من مدينة قم، ماذا تقولون في الرد.

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: اولاً لابد ان نؤكد بان المفسرين لم يكن هدفهم من وراء جمع هذه الروايات الاساءة للنبي «صلى الله عليه وسلم» وكذلك نحن الآن ليس هدفنا ان ننكر ان النبي «صلى الله عليه وسلم» ذو رحمة بالمؤمنين وانه «صلى الله عليه وسلم» على خلق عظيم، ولكن هناك روايات ونحن لا نجدها تتناقض مع بشرية النبي «صلى الله عليه وسلم»، وهنا اريد ان اسأل سؤال، هل العبوس بحد ذاته يعد عيباً ينبغي ان يتجنبه صاحب الخلق العظيم، ام ان التصرف بالعبوس ووضع العبوس في موضعه او في غير موضعه.

عبد الباقي الجزائري: نعم فضيلة الشيخ، العبوس حتى حينما يصدر من الابوين يتأذي الشخص المعبوس في وجهه، وهذا ما يقوله علم النفس حالياً ان العبوس عبارة عن حالة انفعالية، ان الانسان في حالة غير جيدة ولهذا لم نجد شخصاً عبس في وجهه وارتاح الى العبوس، ممكن يكون صاحب صدر رحب يبتسم مقابل ذلك، اما العبوس فحتى حينما يصدر من الابوين، لا يتحمله الانسان، يتحمله لانه ابواه فقط، العبوس حالة غير جيدة.

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: هناك فرق بين من يعبس وبين من يعبس في وجهه، من يعبس هذا شيء انفعالي طبيعي، لا يملك الانسان عند الحزن ان يتمالك نفسه ولا عند الغضب ولكنه يمتلك ان يكظم غيضه، والنبي «عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وعلى آله» عندما اخبرنا عن كظم الغيض فقال: ”من كظم غيضه ادخل الله الرجاء الى قلبه“.

عبد الباقي الجزائري: النبي هنا لماذا لم يكظم غيضه، لماذا لم يقل هذا عمل احرجني ولكن هو اعمى مسكين لا يرى ما انا فيه، انا مشغول وهو لا يرى انني مشغول فهو معذور، لماذا لم يعذره.

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: لو تعتقد بان النبي «صلى الله عليه وسلم» لم يكظم غيضه اما كان له ان يخاطب هذا الاعمى بكلمات قد تجرح شعوره او باشارات جسدية ينبهه عليها بان ينصرف الآن لانه هو في عمل، وانا اريد لو سمحت منك ومن الضيف الكريم، ان لا نكرر هذه الصورة التي تظهر حرص النبي «صلى الله عليه وسلم» على اسلام هؤلاء، على انها صورة تراكض، النبي «صلى الله عليه وسلم» حريص عليكم، هو حريص على جميع الخلق ان لا يكونوا في جهنم، هو حريص على جميع الخلق ان يدخلوا في تعاليم الاسلام، هو حريص على الجميع ان يكونوا من اهل الجنة ليخرجهم من الظلمات الى النور، لا اعتقد كما نحاول ان نظهرها احياناً بانه تراكض، النبي «عليه الصلاة والسلام» كان حريصاً على اسلام الجميع، بل كان يحاول ان يرجع المنافقون عن نفاقهم، وان يكونوا في اعمالهم باخلاص واضح لله «تبارك وتعالى»، وفيما بعد تروي الروايات ايضاً ان النبي « وصحبه وسلم» كان كلما التقى بابن ام مكتوم كان يقول له: اهلاً بمن عاتبني فيه ربي، كانت هذه الكلمات هي زيادة.

عبد الباقي الجزائري: هذه الصغرى يتوقف ثبوتها على ثبوت الكبرى، يجب يثبت اولاً ان النبي عبس، حتى يثبت بعدها ان النبي كان يقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي.

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: نحن لسنا بصدد الثبوت او عدم الثبوت ولكن نحن بصدد اظهار الصورة الكاملة، الرواية التي وردت، وردت بدايتها بان النبي «صلى الله عليه وسلم» هو الذي فعل هذا وترتب عليه ان النبي «صلى الله عليه وسلم» كان يكرّم هذا الرجل وكان ينيبه مكانه علي المدينة كلما ذهب في غزوة او خرج خارج المدينة «صلى الله عليه وسلم».

عبد الباقي الجزائري: لكن مدرسة اهل بيت النبي ذريته واخوه ينكرون هذا فضيلة الشيخ، وهم الذين أمر الله «عز وجل» بطاعتهم، بانهم قرناء الكتاب، يعني اذا خالف احد الكتاب ينظر الى اهل البيت، ما قاله اهل البيت فهو الصواب وما قاله غير اهل البيت فهو غير الصواب، لانهما معاً، ”لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض“.

عبد الباقي الجزائري: سماحة السيد، قال الله تعال ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، النبي هو الذي يكون قدوة لكل الدعاة والمبلغين، فهذا العمل الذي نسب اليه انه يطمع في ايمان الكبراء، هل يمكن ان يقتدي به الدعاة ويطمعوا في ايمان الكبراء ويؤمنوا المستضعفين.

سماحة السيد منير الخباز: هناك عدة آيات تحدثت عن النبي هذه الآية التي تفضلتم بقراءتها ﴿وانك لتهدي الى صراط مستقيم، وقوله تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وفي قوله تعالى يتحدث عن النبي ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ، كل هذه الآيات تؤدي الى مضمون واحد، ان النبي في ازكى الاعمال في افضل الاخلاق في اكمل الصفات، دائماً هو القمة في صفاته، في خلقه، في تصرفاته ، لذلك مسألة ان هذا انفعال طبيعي، الانسان عندما تحكمه انفعالاته الطبيعية، عندما تسيطر عليه انفعالاته الطبيعية فيعبس، أليس هذا يتنافى مع الكمال؟ كمال الانسان ان يضبط انفعالاته بقوة ارادته، النبي كان يقول: ”والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر ما تركته“، كان قوي الارادة، الانسان القوي الارادة هو الذي يضبط تمام انفعالاته في مجال تصرفه مع الناس، خصوصاً اذا كان هو رسول الاسلام، رسول السماء، اسوة حسنة، اذن كمال الخلق في ضبط الارادة ونقص الخلق في الاستجابة للانفعالات ولو كانت استجابة وجهية شكلية، فاذا قلنا بان النبي كان في كمال الخلق ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ مقتضى كمال خلقه ان تكون له ارادة قوية تضبط جميع انفعالاته حتى انفعالاته الشكلية والوجهية، بحيث لا تؤدي الى صورة سيئة أمام الآخرين، هذه الآيات التي تفضلتم بها وقرأت انا بعضها كلها تؤكد ان النبي دائماً في استقامة ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ آية مطلقة، يعني تهدي بقولك، تهدي بفعلك، تهدي بسكونك، تهدي بوجك، تهدي بقسماتك، ”وانك لتهدي“ يعني لتهدي بصورة مطلقة، لم يقل لتهدي بقولك، او لتهدي بفعلك، انك في تمام ما يصدر منك، من قول او فعل او تصرّف او قسمات وجه، كلما ما يصدر منك فهو في صراط مستقيم، فانك قطعة من الاستقامة، وانك محظ الاستقامة، ولذلك جعلك الله اسوة للآخرين، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، مقتضى اطلاق هذه الآيات القرآنية انه معصوم عن كل خطأ وعن كل نقص وعن كل عيب صغير او كبير يتنافى مع كونه اسوة حسنة.

عبد الباقي الجزائري: شكراً سماحة السيد. نعود الى فضيلة الشيخ من دمشق، طبعاً اخواني ليس الكلام فقط حول الآيات الكريمة، ولكن ايضاً عن الاحاديث وعن الاخبار من السيرة والتأريخ. هناك حديث «فضيلة الشيخ» عن النبي حديث الشفاعة في الصحاح، ان الناس يذهبون الى ابراهيم فيقول اني كذبت «والعياذ بالله» ثلاث كذبات ويذهبون الى موسى فيقول كذا حتى يذهبوا الى النبي فيقول انا لها، لماذا لم يعتذر بذنب اذنبه، او بخطأ اخطأه، ويقول مباشرة انا لها، لماذا لم يعتذر كبقية الانبياء ان كان غير معصوم؟

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: اولاً النبي «صلى الله عليه وسلم» كلنا يقر بعصمته، لم يقل احد بانه غير معصوم، بشرية النبي «صلى الله عليه وسلم» هي فيما دون تبليغه لاوامر الله «عز وجل» وهذا امر سبق معنا في حلقنا سابقة، وعندما نقول بانه «عليه الصلاة والسلام» يضبط انفعالاته، نعم هو يضبط انفعالاته ولكن كيف بكى على عمه حمزة أليس البكاء من الانفعال! المطلوب هو ان لا يؤدي هذا الانفعال الى سوء نهى الله «تبارك وتعالى» عنه، ولو تخيلنا صورة السوء من رجل يريد ان يبلغ دعوة الله لاناس اذا آمنوا بها كان من ورائهم الهداية، فاهتداء القائد ليس كأهتداء أي انسان آخر، كان النبي يمكن له ان يتحدث مع هذا الرجل او ان يعنفه ولا اريد دائماً ان نأتي بمفهوم المخالفة، بان نقول هو يقبل على الاغنياء ويعرض عن الفقراء، لا، النبي «صلى الله عليه وسلم» في هذا المجلس الذي تمكن منه من مجالسة هؤلاء وكان يريد ان يصل بهم الى جادة الهداية والصواب وصادف في ذلك الوقت ان يأتي هذا الرجل ولم تتكرر مرة اخرى، فالنبي هو الذي قال: ”ان العين لتدمع وان القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الله“ «عز وجل».

عبد الباقي الجزائري: فضيلة الشيخ، يعقوب بكى سنوات على يوسف ولم يذمه القرآن او يقول هذا عيب، اذا كان النبي بكى دقائق على حمزة وايضاً بكى على الحسين قبل ان يستشهد فيعقوب بكى سنوات، ولم يذكر القرآن انه ذم هذا البكاء على العكس، قال ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، على كل حال، معنا اتصال من الاخ محسن من تونس.

المتصل الاخ محسن من تونس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبد الباقي الجزائري: وعليكم السلام ورحمة الله.

المتصل الاخ محسن من تونس: لقد خاطب الله «سبحانه وتعالى» الانبياء باسمائهم، يا موسى، يا عيسى، ولم يخاطب احد منهم ما عدا الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» ”يا ايها النبي“ كيف يخاطب النبي «صلى الله عليه وسلم» ”يا ايها النبي“ وكون هناك تناقض كلي في عبس وتولى، كيف يكون العبس لهذا النبي الكريم؟ ثم في بعض الاحيان لو تتحدث على احد الصحابة انه اخطأ لصار ثورة كل من يسمعك في هذا الشأن مثلاً تقول خالد بن الوليد قتل ابن مالك بن نويرة، وتزوج زوجته يوم قتله، يقول كيف تقول هذا الشيء، بينما يتقبلون بصدر رحب ان الرسول «صلى الله عليه وسلم» يعبس ويتولى هذا شيء من المؤسف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبد الباقي الجزائري: نعود الى سماحة الشيخ من دمشق لانه كان لديه كلام يريد ان يقوله، تفضلوا فضيلة الشيخ.

فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين الحموي: اتفقنا على ان موضوع الانفعالات شيء طبيعي في الانسان، ولكن الاخلاق هي التي تجعل هذه الانفعالات توظف في مكانها الصحيح دون ان تسيء الى احد، وقد مر معنا من الانفعال والحزن والبكاء والنبي «صلى الله عليه وسلم» حزن، وبكى «صلى الله عليه وعلى آله» فالعبوس ايضاً هو شيء داخلي، لا نريد ان نتمادى في هذه المسألة حتى لا يظن باننا نحن اهل السنّة اننا نريد ان نسقط النبي «صلى الله عليه وسلم» في الخطأ. النبي «عليه الصلاة والسلام» هو ذلك المعصوم المحفوظ من الله «عز وجل» وهو تلك الاسوة التي امرنا ان نقتدي بها اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، ولكنني قبل حديث الاخوة اردت ان اتحدث عن الفَرق بين هداية الدلالة الى صراط الله المستقيم التي اثبتها القرآن ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وبين هداية تحويل القلوب التي لا يملكها إلا الله والتي نفاها الله «عز وجل» ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ، الهداية بيد الله، لو كانت الهداية بيد النبي «عليه الصلاة والسلام وعلى آله» لهدى اولئك الذين حرص على اسلامهم ليسلم بقية العرب، ولكن الهداية ليست إلا الى الله «سبحانه وتعالى» وهذا هو الفرق بين هداية الدلالة وهداية تحويل القلوب والله أعلم.

عبد الباقي الجزائري: شكراً فضيلة الشيخ. معنا الآن المتصلة الاخت ام عمر من السعودية.

المتصلة الاخت ام عمر من السعودية: السلام عليكم.

عبد الباقي الجزائري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصلة الاخت ام عمر من السعودية: التركيز على سورة عبس في القرآن الكريم التركيز بلغ نصف ساعة او اكثر وانا اسمع على عبوس النبي «عليه الصلاة والسلام» ما المقصود، تريدون ان تصلوا الى ماذا؟ يعني شرح لكم الشيخ من دمشق وبيّن لكم هذا العبوس وهذا انفعال طبيعي لأي بشر.

عبد الباقي الجزائري: اختي الكريمة ليس طبيعياً.

المتصلة الاخت ام عمر من السعودية: لماذا التركيز، هل نريد ان نصف الرسول الكريم خير من مشى على هذه البسيطة بانه سيئ الخلق، ما هو الهدف من التركيز على هذه السورة الكريمة، وعلى هذا الموقف بالضبط، لماذا التركيز على العبوس ولقد شرح لكم الشيخ الاحداث وشرح لكم كل شيء، اريد ان اعرف ما هو الهدف.

عبد الباقي الجزائري: شكراً اختي الكريمة، ولكن هناك ناس خلقهم الله ينظرون الى النبي انه كامل، أكمل من موسى وعيسى وسليمان وداود وايوب وذي الكفل وكل الانبياء، هو اكمل منهم، فاذا كان عيسى بن مريم في المهد نبيا، وما عندنا حتى دليل يثبت انه عصا الله بعد نبوته، فلماذا لا يكون نبينا ايضاً معصوم وهو افضل منه، باجماع العلماء، ان النبي افضل من عيسى، ولا يستطيع احد ان يثبت ان عيسى عصى الله، لانه كان بالمهد نبيا، لماذا هذا الاصرار على اثبات ان النبي عبس، لم يعبس النبي، هل ستخرب الدنيا، تزول الجبال، يخرب العالم اذا كان لم يعبس النبي، طيب لم يعبس النبي، هناك ناس يؤمنون ان النبي لم يعبس، هناك ناس يعتقدون ان النبي عبس ويوم القيامة تبان الحالة لماذا لابد ان نضغط على الناس ان يقبلوا بها، ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ خصوصاً العقائد، ولهذا ان شاء الله نحن نتمنى ان يكون هناك في البرنامج نوعاً من حرية التعبير المكبوتة منذ قرون، حتى يحس المسلمون ان دينهم دين حرية، وانه ليس فيه العصى، تؤمن ان النبي عبس، أو النبي لم يعبس، نحن احرار بالاعتقاد أم لا، النبي لم يعبس، هذه ادلة تقول عبس، وادلة تقول لم يعبس، والادلة التي تقول لم يعبس هي اقرب الى قلب المؤمن، لان المؤمن يحب النبي الذي لا يعبس، لا يحب النبي الذي يعبس، النبي الذي يعبس عنده مشكلة، العبوس مشكلة يدل على مشكلة، فقط الانبياء «عليهم الصلاة والسلام» ليس عندهم مشكلة، لماذا لم يظهر حرص النبي فقط إلاّ في ذلك اليوم، النبي يعلم ان جميع الانبياء قبله عانوا من كبراء اقوامهم، النبي عالم بما جرى للانبياء قبله، لماذا يتصرف تصرّف وهو يعلم نتيجته، اذا كان النبي يعلم ان الهداية بيد الله، فحرصه لا ينفع، لماذا يكون عنده هذا الحرص وهو يعلم انه لا ينفع، لماذا، نحاول ان نفهم لا نقول نعتقد دعونا نستفهم، في الصحاح النبي يباشر الحائض القرآن يقول ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ، عنده تسع نساء، لم يمل إلا الى التي تحيض، أليس هذا بمريض، الانسان الذي عنده تسع نسوان واحدة حائض وثمانية لا بأس عليهن، ويقترب من الحائض!!! أليس هذا بمريض؟ كل العلماء يقولون أن هذا الشخص مريض، نحن ندافع عن النبي، النبي لم يقرب الحائض، ولم يتعرّ، ولم يبول على مزبلة والادلة تثبت. انا اعتذر اخواني اخذت من وقت السيد منير الخباز، لانه بين الحين والآخر يجب ان يتدخل الانسان، فضيلة السيد منير تفضلوا.

سماحة السيد منير الخباز: بسم الله الرحمن الرحيم، اقول ذكرنا فيما سبق من الكلمات ان مقتضى الخلق حكومة الارادة على الانفعالات، وضبط الانفعالات، واما مسألة البكاء فالبكاء هو مقتضى الرحمة، نحن نتحدث عن الانفعالات التي تتنافى مع الرحمة، لا نتحدث عن كل انفعال، نقول قمة الخلق ان يضبط الانسان انفعالاته، انفعالاته التي تتنافى مع الرحمة، العبوس انفعال يتنافى مع الرحمة، الغضب انفعال يتنافى مع الرحمة، اما البكاء فهو مقتضى الرحمة، فلماذا يضبط الانسان انفعاله في البكاء، النبي عندما بكى على عمه حمزة، ويعقوب عندما بكى على ابنه يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن، هذا البكاء كان مقتضى الرحمة والشفقة فلا يتنافى مع الخلق، اذن لا يصح النقض بالبكاء، لاننا نتحدث عن ضبط الانفعالات التي تتنافى مع الرحمة، لا الانفعالات التي تنسجم مع الرحمة، هذا اولا. ثانياً يستغرب الآخرون من اصرارنا، الاخت المتصلة من السعودية تستغرب من اصرارنا في الدفاع عن النبي ونحن نستغرب من اصرارها على الصاق العبوس بالنبي، نحن نقول النبي بشر ولكن نقول اكمل البشر، بشر شيء واكمل البشر شيء آخر، ليست البشرية تقتضي سوء الخلق هو بشر ولكن اكمل البشر، ثالثاً هذا البرنامج برنامج علمي وليس برنامجاً تهجمياً، هذا البرنامج نحن نسير فيه بلغة علمية لا بلغة جرح لا لدولة اسلامية ولا لفرقة اسلامية من فرق المسلمين، هو برنامج يسير بلغة علمية واضحة فينبغي ان يعيش في هذا الاطار.

عبد الباقي الجزائري: شكراً فضيلة السيد. مشاهدينا الكرام الوقت لم يعد يسمح باسئلة اخرى لكن نواصل الحديث حول العصمة «عصمة النبي» في ضوء السيرة والاخبار، اخبار التأريخ والسيرة النبوية، السير التي هذبها ابن هشام وهذبها آخرون بعده، اذّكر ايضاً بنقطة مشاهدينا الكرام، انه مسألة المعتقد لا تقبل بالتقليد، يعني انا شافعي، اشعري، لانني وجدت ابي شافعياً اشعرياً، لانه وجد آباءه شافعياً اشعرياً، هذه غير مقبولة عند الله ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ هذه خاصة بالمشركين، المسلمون حينما يجدون آباءهم على امة ينظروا اذا وجدوا هذا طريق سليم نعم، مقبول، اذا وجدوا هذا طريق غير سليم ينظرون، النظر، ليس ان الانسان قال لماذا تصوم، قال والله والدي كان يصوم وجدي كان يصوم، هذا صيام غير مقبول، يصوم لان الله تعالى انزل في القرآن الامر بالصيام، هذا كمثال، فقضايا المعتقد مشاهدينا الكرام يجب ان تتحرر من الانتماءات، الاخت ام عمر مشكورة ان شاء الله على الاتصال، لكن اختي الكريمة حينما يأتينا مستشرق يهودي اومسيحي او بوذي اومجوسي اوكونفوشيوسي ويطرح علينا اشكالات على نبينا لا نقول له ماذا تريد لقد طرح لك الشيخ هذا الكلام هذا لا يؤكل به الخبز في النقاش العلمي، يجب ان تكون ادلتنا قوية، ويجب ان نتعلم من هذه البرامج كيف نستدل ويكون الدليل قوياً. لم يبق لنا «مشاهدينا الكرام» إلا ان نشكركم جميعاً على المتابعة كما نشكر الاخوة الذين اتصلوا بنا وقائمتهم طويلة على كل حال، ونشكر على وجه الخصوص ضيفينا الكريمين فضيلة الشيخ علاء الدين الحموي من دمشق، كما نشكر سماحة السيد منير الخباز من قم المقدسة، ومرة اخرى نشكركم جميعاً مشاهدينا الكرام، والى حلقات قادمة دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته...