مقدمة | أقسام المفاهيم

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

المفاهيم تنقسم إلى ثلاثة اقسام: متأصلة وانتزاعية واعتبارية.

القسم الأول: المفاهيم المتأصلة.

وهي كل مفهوم له مصداق موجود بإزائه في الخارج، كمفهوم الإنسان والشجر.

القسم الثاني: المفاهيم الانتزاعية.

وهي كل مفهوم ليس له ما بإزاء في صفحة الخارج ولكن له منشأ انتزاع.

مثلاً مفهوم الفوق ليس له مصداق في الخارج ولكن له منشأ انتزاع، بمعنى أن الذهن إذا قارن بين الأرض والسقف ينتزع مفهومين فيقول: الأرض تحت والسقف فوق، فالتحتية والفوقية ليسا موجدين في الخارج وإنما الموجود في الخارج منشأ انتزاعهما، وهو المقارنة بين الأرض والسقف مثلاً، ولكن الذهن يرى نفسه مضطراً لهذا الانتزاع، بمعنى أنه متى ما قارن بين الأرض والسقف يجد نفسه مضطراً لأن يحكم بأن الأرض تحت والسقف فوق مع أنهما ليسا في الخارج، وإنما الموجود في الخارج فقط الأرض والسقف.

القسم الثالث: المفاهيم الاعتبارية.

وهي المفاهيم التي ليست موجودة بنفسها في الخارج ولا يوجد لها في الخارج منشأ انتزاع، وإنما الذهن يختلقها ويصطنعها، ولذلك تسمى بالمفاهيم الاعتبارية؛ لأنها اصطناع ذهني.

أقسام المفاهيم الاعتبارية: المفاهيم الاعتبارية قد تكون مفاهيم نظرية وقد تكون مفاهيم عملية.

المفاهيم النظرية: مثل تقسيمات الزمن: سنة، شهر، أسبوع، يوم، فهذه مفاهيم اعتبارية نظرية اصطنعها الذهن البشري لتنظيم حياته على الأرض.

المفاهيم العملية: التي تتعلق بالسلوك بشكل مباشر.

مثلاً عندما نقول بأن هذا العمل واجب أو حرام أو مخالف للنظام أو موافق للنظام، كل هذه الأمور اعتبارية اصطنعها الذهن البشري لأجل توصيف السلوك الصادر من الإنسان.

إذاً: المفاهيم إما متأصلة أو انتزاعية أو اعتبارية، والاعتبارية إما نظرية أو عملية.

بعد هذا المدخل ندخل في أقسام الاعتبار.

قسم الحكماء والأصوليون الاعتبار إلى عدة تقسيمات:

التقسيم الأول: تقسيم الاعتبار إلى اعتبار أدبي واعتبار قانوني.

الاعتبار الأدبي: ما لم يتطابق المراد الاستعمالي مع المراد الجدي.

مثلاً إذا قيل: زيد أسد، زيد ليس مصداقاً من مصاديق الأسد، لكن توصيف زيد بأنه أسد هذا اعتبار، اعتبار أدبي، يعني المراد الاستعمالي مغاير للمراد الجدي، المراد الاستعمالي من كلمة أسد هو الحيوان المفترس المعروف، ولكن المراد الجدي من كلمة أسد هو زيد، فعندما أقول: جاءني اليوم أسد، فالمراد الاستعمال يختلف عن المراد الجدي، ما أردت تفهيمه بكلمة أسد هو الانتقال إلى ذلك الحيوان المهيب المعروف بالشجاعة والإقدام، والمراد الجدي لديّ هو زيد.

هذا اعتبار أدبي لم يتطابق فيه المراد الاستعمالي مع المراد الجدي.

أما الاعتبار القانون: ما تطابق فيه المرادان.

لأن الاعتبار القانوني مرتبط بمصلحة عامة، والمصلحة العامة تقتضي تطابق المرادين.

مثلاً عندما نقول بأن هذا ملك، هذه الطاولة ملك، الملكية اعتبار لكنها اعتبار قانوني؛ لأنه لا يوجد لديّ مرادان من لفظة ملك، لم أرد من لفظة ملك شيئاً مغايراً للمراد الجدي، بل المراد التفهيمي من اللفظ هو نفس المراد الجدي، فكلمة «الطاولة ملك» تحكي تطابقا بين المراد التفهيمي والمراد الجدي.

لماذا؟ لأن هذا الاعتبار وهو اعتبار الملكية للأشياء اعتبار اقتضته المصلحة العامة، ولهذا جاء فيه تطابق المرادين الاستعمالي والجدي.

التقسيم الثاني: الاعتبارات الثابتة والمتغيرة.

الاعتبارات الثابتة: ما نشأت عن طبيعة الإنسان.

كل الاعتبارات التي تنشأ عن طبيعة الإنسان اعتبارات ثابتة؛ لأن طبيعة الإنسان ثابتة.

الاعتبارات المتغيرة: كل الاعتبارات التي تنشأ من عامل خارج عن طبيعة الإنسان اعتبارات متغيرة.

أمثلة الاعتبارات الثابتة والمتغيرة: عندما نرجع للإنسان فنجد أن له حكماً بالحسن على بعض الأشياء وحكماً بالقبح على أشياء أخرى، هذا العمل حسن بالنسبة لي وهذا العمل قبيح بالنسبة لي، بمعنى أن هذا العمل ملائم وهذا العمل منافر، اعتبار الإنسان للحسن والقبح بما يتلاءم وما يتنافر مع طبيعته هذا اعتبار ثابت لا يخلو منه إنسان، لا يخلو إنسان من اعتبار القبح والحسن للأشياء، لا يخلو الإنسان من اعتبار الوجوب والحظر، الإنسان عنده بعض الأشياء واجبة وبعض الأشياء ممنوعة، هذه الاعتبارات لأنها ناشئة من طبيعة الإنسان اعتبارات ثابتة لا تختلف باختلاف البشر، وهناك اعتبارات متغيرة؛ لأنها نشأت من عامل خارج طبيعة الإنسان، ما نشأ عن طبيعة البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان، نوع الملبس الذي يلبسه، نوع المسكن الذي يسكنه، نوع العلاقة التي يكوّنها مع أصدقائه وجيرانه، هذا النوع يختلف باختلاف البيئات والمحيطات التي يعيش فيها الإنسان، لأنها نشأت عن عامل خارج عن طبيعة الإنسان نسميها بالاعتبارات المتغيرة التي تختلف باختلاف البشر والمجتمعات البشرية.

التقسيم الثالث: الاعتبار العام والاعتبار الخاص.

المجتمع بأسره بنى على تقسيم الزمن، إلى سنة وشهور وأسابيع وأيام، هذه اعتبارات عامة بنى عليها كل المجتمع، وهناك اعتبارات خاصة يقوم بها نفسه، أنا بيتي بيدي أضع فيه اعتبارات معينة، أو علاقتي بزوجتي أضع فيه اعتبارات معينة، أرى بأن تنظيم حياتي البيتية أو الزوجية يقتضي هذا النوع من الاعتبارات فهي خاصة بي، هذه نسميها بالاعتبارات الخاصة.

التقسيم الرابع: اعتبارات ما قبل الاجتماع واعتبارات ما بعد الاجتماع. [1] 

هناك اعتبارات وُلدت مع الإنسان قبل أن يكوّن مجتمعاً، وهناك اعتبارات ما جاءت إلا بعد وجود مجتمع بشري على الأرض.

من أمثلة اعتبارات ما قبل الاجتماع:

الاعتبار الأول: اعتبار الوجوب.

ما هو معنى اعتبار الوجوب؟

يذكر علماء الحكمة أن الإنسان يمتلك قوى ويمتلك أفعالاً، عندي قوة بدنية قوة ذهنية وعندي أعمال أقوم بها، كيف ترتبط القوى بالأعمال؟ كيف تكون القوى مؤدية للأعمال مفضية إلى الأعمال؟ عندي قوة بدنية، وعندي قوة نفسية تسمى بالإرادة، وعندي قوة ذهنية تسمى بالمفكرة، هذه القوى كيف ترتبط بالعمل؟ لا يمكن الربط بين القوى وبين العمل إلا بواسطة وهي واسطة الإدراك، الإدراك هو الذي يربط القوى بالأعمال.

كيف تكون هذه الصور رابطة بين القوى وبين الأعمال؟

قالوا: تكون رابطة عبر كلمة الوجوب، مفهوم الوجوب مفهوم اعتباري، يقوم الذهن البشري باعتبار الوجوب مرتين حتى يتوصل إلى الفعل.

مثلاً: إذا أحس الإنسان بالعطش، هذا أمر غريزي وليس اعتباري، ثم يرى ويدرك أن المزيل لهذا العطش الارتواء، هذا أيضا إدراك فطري وليس اعتبارياً، ولكن بعد أن يدرك العطش ويدرك أن المزيل للعطش الارتواء يعتبر الوجوب، يعني يحكم ذهنه بأن الارتواء ضروري له، هذا الوجوب أمر اعتباري يقوم به الذهن البشري بطبعه، الارتواء ضروري لي؛ لأنه لا مزيل للعطش سوى الارتواء، هذا يسمى اعتبار الوجوب، ثم يدرك الإنسان أن المحقق للارتواء هو الماء، فأضطر أصنع الوجوب مرة ثانية، فلابد أن أقوم بشرب الماء لأحقق الارتواء، وهذه اللابدية وجوب أيضاً يعتبره الذهن ليتوصل إلى العمل.

فأولاً اعتبر وجوب الارتواء ثم اعتبر وجوب شرب الماء لتحقيق الارتواء، ثم القوى البدنية والنفسية والذهنية اجتمعت وأفضت إلى حركة شرب الماء، فحصل الربط بين القوى وبين العمل وهو شرب الماء عبر واسطة اعتبارية وهي مفهوم الوجوب.

فالوجوب مفهوم اعتباري يصنعه الذهن البشري كرابط بين القوى والعمل، وهذا اعتبار موجود عند الإنسان سواء وُجد مجتمع أم لم يوجد.

الاعتبار الثاني: الحسن والقبح، لكن بمعنى الملاءمة والمنافرة.

بعض الأطعمة تلائمني ضروري آكلها فهي حسنة، وبعض الأطعمة لا تلائمني فلا آكلها، الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة اعتباران يقوم بهما الإنسان وإن لم يوجد في مجتمع.

الاعتبار الثالث: انتخاب الأسهل.

مسألة التزاحم واضحة، كل إنسان تتزاحم عليه الأفعال فإذا أدرك أن أحدهما أهم يقدمه على الآخر المهم، ولكن إذا تساوى الفعلان في الأهمية وكان أحدهما أسهل فإنه بطبيعته البشرية يحكم باعتبار انتخاب الأسهل.

انتخاب الأسهل أيضاً اعتبار يقوم به الإنسان بطبعه وإن لم يكن موجوداً ضمن مجتمع.

الاعتبار الرابع: ما عبر عنه السيد الطباطبائي قدس سره في الميزان بنظرية الاستخدام.

قال: أول اعتبار كان به المجتمع هو اعتبار الاستخدام.

ما معنى اعتبار الاستخدام؟

الإنسان منذ ولادته وُلد وهو مزود بالنزعة الاجتماعية، يعني أن يُنشأ مجتمعاً، ولذلك نلاحظ ذكراً وأنثى، الذكر جُهّز بأجهزة جسمية يحتاج فيها إلى أنثى، الأنثى جُهّزت بأجهزة تحتاج فيها إلى الذكر، الأم جهزت بأجهزة تحتاج فيها إلى طفل، الطفل جهز بأجهزة يحتاج فيها إلى أم، زُوّدت الطبيعة الجسمية للإنسان بمحفزات تحفزه على أن يكوّن مجتمعاً، الذكر يطلب أنثى الأنثى تطلب ذكراً، وهكذا.

ترى الإنسان إذا كان لوحده في الصحراء مثلاً فإنه بمجرد أن يرى إنساناً مثله يشعر بالأنس؛ لأنه يحب ذاته يحب نوعه، فمتى ما رأى من هو من نوعه يميل إليه وينجذب إليه، وهذا أمر غريزي، كما أنه زُوّد بما يحفزه للعلاقة مع الآخر زُوّد بغريزة الأنس التي تجذبه نحو الآخر، هذا يسمى بالنزعة الاجتماعية، نزعة اجتماعية لمحفز جسمي أو محفز نفسي، هذه النزعة الاجتماعية غريزية طبيعية عند الإنسان.

ولكن الإنسان رأى أنه محتاج إلى أن يستخدم الآخر مثل ما يستخدم بدنه، فإنني لكي أشرب مثلاً لابد أن أحرك يدي وفمي، ولكي أصل إلى المنطقة الأخرى لابد أن أمشي وأن أركب شيئاً لكي أصل، كما أستخدم بدني للوصول إلى مقاصدي أدركت أنني لا يمكنني الوصول إلى مقاصدي إلا باستخدام الآخرين، أستخدم من يصنع لي أستخدم من يزرع لي مثلاً.

فمسألة الاستخدام، ضرورة استخدام الآخر للوصول إلى المقاصد الطبيعية، هذه الضرورة أدركها الإنسان قبل ولادة المجتمع، ولذلك يقول السيد صاحب الميزان عليه الرحمة في تفسير الآية المباركة ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا[2]  يعني استخداماً، ليسخر بعضهم بعضاً لخدمته، الاستخدام قبل ولادة المجتمع.

الاعتبار الخامس: تكوين الاجتماع.

من الاعتبارات السابقة على تكوين مجتمع أن الإنسان يميل إلى مسألة تكوين الاجتماع، تكوين الاجتماع قبل الاجتماع، تحويل هذه النزعة إلى ضرورة أن يكوّن بيتاً أو يكوّن مجتمعاً.

ومن أمثلة اعتبارات ما بعد الاجتماع:

بعد أن وُجد مجتمع بشري على الأرض جاءت اعتبارات غير تلك الاعتبارات.

الاعتبار الأول: اعتبار الملك.

هذا ملكي فليس لك أن تتصرف فيه إلا بإذني، ذاك ملكك فليس لي أن أتصرف فيه إلا بإذنك، مفهوم الملك جاء بعد ولادة المجتمع.

سبق هذا المفهوم مفهوم الاختصاص الذي جاء قبل ولادة المجتمع، يعني أنا منذ نشأتي حتى لو لم يوجد مجتمع أرى أن ما تناله يدي مختص بي، أرى بأن طعامي وشرابي مختص بي، حيثية الاختصاص مفهوم اعتباري سبق المجتمع، لكنه تطور بعد ولادة المجتمع وتحول إلى مفهوم الملك، مفهوم الملك يعني أن من له الملك له كل التصرفات وليس لغيره أي تصرف في الأمور التي تحت ملكه إلا بإذنه.

الاعتبار الثاني: اعتبار اللغة.

لو لم يكن مجتمع ما نشأت اللغة، لمّا وُجد مجتمع واضطر الإنسان إلى أن يتفاهم مع غيره ورأى أن التفاهم مع الآخر والوصول إلى المقاصد لا تحققه الإشارات ولا الأصوات انتقل ذهنه إلى ضرورة إنشاء اللغة حتى تكون وسيلة لتبادل المعلومات والحوار بينه وبين الآخر.

الاعتبار الثالث: اعتبار الرئاسة والمرؤوسية.

نفس البيت والأسرة لا يمكن أن تكون هناك أسرة ليس لها رأس، كما أن الأسرة تحتاج إلى رأس المجتمع يرى نفسه يحتاج إلى رأس، وهذا كله انتزاع من مفهوم طبيعي، يعني الإنسان عندما ينظر في جسمه يجد أن هذا الجسم يتصرف انطلاقاً من الرأس، الرأس يرسل الأوامر إلى الأعصاب فتتحرك.

بعد أن أدرك الإنسان جسمه ورأى أن حركات جسمه تنطلق من رأسه الذي يرسل الأوامر، نفس هذا المفهوم طبقه على المجتمع وأن المجتمع يحتاج إلى رأس ومرؤوس، فمفهوم الرئاسة أيضا مفهوم اجتماعي اعتباري.

الاعتبار الرابع: اعتبار الأمر والنهي والثواب والعقاب والوعد والوعيد.

رأى أنه لا يمكن أن تسير الحياة الاجتماعية ما لم يكن هناك أمر يحرك المخاطب ونهي يزجر المخاطب، وأيضا الأمر لا يمكن أن تكون له فاعلية ومحركية ما لم يقترن إما بالوعد أو الوعيد.

إذاً: اختراع الأمر والنهي والوعد والوعيد أمور اجتماعية جاءت بعد ولادة المجتمع.

الاعتبار الخامس: اعتبار حق الطاعة.

بعد أن وُلد المجتمع واخترع الأمر والنهي اضطر إلى أن يخترع حق الطاعة، بما أنك ولد عليك حق الطاعة للأب، بما أنك رق عليك حق الطاعة للسيد، بما أنك مرؤوس عليك حق الطاعة للرئيس، اخترعوا حق الطاعة من أجل أن تنتظم الحياة الاجتماعية.

النقطة التي اختلف فيها المتكلمون مع الفلاسفة: مسألة العدل والظلم.

حيث إن الفلاسفة يقولون:

العدل والظلم من الأمور الاعتبارية التي وُلدت بعد ولادة المجتمع لا قبله، أي أنه بعد أن وُجد مجتمع فكّر هذا المجتمع كيف تستقر حياته وتنظم؟ فرأى أن ما هو الحسن بالأصالة هو استقرار الحياة العامة، وبما أن استقرار الحياة العامة - الذي هو حسن بالأصالة - يتوقف على العدل، إذاً العدل حسن بالتبع، فحسن العدل حسن اعتباري جاء بتبع حكم المجتمع بحسن استقرار الحياة الاجتماعية، وما يتبع العدل - من الصدق والأمانة وغيرها - متفرعات وصغريات للعدل.

بينما المتكلمون يقولون:

الإنسان حتى لو لم يوجد في مجتمع، قبل كل شيء هو بفطرته يدرك أن العدل جميع والظلم قبيح، وأن جمال العدل وقبح الظلم أمور واقعية نفس أمرية وليست أموراً اعتبارية، العقل يدرك جماع العدل وقبح الظلم.

ومن هنا ترى المتكلمين منّا كالمرتضى والطوسي والعلامة والسيد الخوئي يستدلون بحسن العدل وقبح الظلم على ضرورة العدل الإلهي وصدق النبوة، كل ذلك استناداً إلى مبنى المتكلمين، بما أن الله تعالى كامل يجب أن يكون عادلاً.

ما معنى «يجب أن يكون عادلاً»؟ هل هذا الواجب واقعي أم اعتباري؟

الفلاسفة يقولون: هذا اعتبار جاء بعد ولادة المجتمع، فهو من الأمور المشهورة.

بينما المتكلمون يقولون: هذا من الأمور النفسية الواقعية التي يدركها العقل.

أو مثلاً عندما نقول بأنه يقبح إعطاء المعجزة بيد الكاذب، فمن أُعطي المعجزة فهو صادق، هذا القبح، قبح الإغراء بالجهل أو قبح الكذب - كما يعبّرون - إن كان من الأمور الواقعية التي يدركها الذهن يصح أن نستدل بها، أما إذا كانت من الأمور الاعتبارية التي وُلدت بعد ولادة المجتمع فهي أمر اعتباري وليس أمراً واقعياً.

هذا ما أردنا في هذه الجلسة بيانه حول المفاهيم الاعتبارية وتقسيماتها لدى الحكماء والأصوليين، ونجعل هذه الجلسة مفتاحاً للجلسات القادمة التي نبحث فيها موضوعاً يكون له ربط بالعقيدة وربط بالفهم أيضاً، فهو يجمع بين الأمرين معاً.

والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

[1]  وهو من أهم تقسيمات الاعتبارات.
[2]  الزخرف: 32.