حركية الإيمان في الشعيرة الحسينية

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد عن الرسول أنه قال: «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً وأبغض الله من أبغض حسيناً، حسين سبط من الأسباط» صدق الرسول الكريم.

يدور الحديث في محاور ثلاثة:

المحور الأول: الحركة التكاملية بين المادة والصورة.

يقول الفلاسفة كل ممكن سوى الله تبارك وتعالى يعيش تركيب من مادة وصورة، وكل موجود ما سوى الله فهو مركب من مادة وصورة، الوجود الوحيد الذي يعني البساطة التامة من دون تركيب هو وجود الله عزوجل، ما سوى وجود الله فإن كل وجود آخر هو يعيش زوجية، يعيش تركيباً من مادة وصورة، سواء كان هذا الوجود وجوداً مادياً أم كان هذا الوجود وجوداً روحانياً، مثال / الشمس وجود مركب من مادة وصورة، ومادة هذا النجم العملاق الطاقة الحرارية، أما صورته فهو الشعاع المستدير، كذلك الانسان مركب من مادة وصورة، الانسان مركب من عنصرين عنصر الحياة «حياة النمو والاحساس» وهذا العنصر مشترك بين الانسان وبين سائر الكائنات الحية، وهناك صورة تخص الانسان ألا وهي القدرة على التعبير والقدرة على النطق، هناك منطقة في دماغ الانسان يعبر عنها بمنطقة بروكا وهي المنطقة التي تختزن قدرة الانسان على التعبير والبيان وعلى النطق.

كل وجود هو مركب من مادة وصورة فإذن كل وجود يعيش حركة، وجميع ما في الكون متحرك لا يوجد شيء جامد أو ساكن، من الجزيء تحت الذري إلى أعظم مجرة في هذا الكون، كل يعيش حركة «حركة المادة» التي تنتقل من صورة إلى صورة، ومن شكل إلى شكل، من صورة إلى صورة أكمل، ومن صورة إلى صورة أفضل، عندما نلاحظ الانسان نجد أنه يعيش حركة تكاملية في جسمه وفي فكره وفي سلوكه.

يعيش الانسان حركة تكاملية في جسمه ويتحدث عنه القرآن ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14» [المؤمنون: 12 - 14] الانسان تحرك من صورة إلى صورة، من صورة أدنى إلى صورة أكمل إلى أن أصبح مخلوقا عاقلا كاملا ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14».

الانسان يعيش حركة تكاملية أيضاً في فكره وخبرته وفي تجربته، يقول القرآن الكريم ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ [الأحقاف: 15] إذن هو عاش حركة تكاملية حتى بلغ سن الحكمة، فالحركة التكاملية مبثوثة في كل وجودات الكون الذي نعيشه.

المحور الثاني: مظهر الحركة التكاملية في الفكر الإسلامي.

هناك نظرية يعبر عنها كثير من علماء الدين تسمى بنظرية تجسم الأعمال، هذه النظرية ترتبط بالحركة التكاملية بين الصور، وهنا لدينا عدة معلومات:

المعلومة الأولى:

الفيزياء تقول بأن النسيج الكوني يتمدد في كل لحظة ربما بأسرع من الضوء، بينما الزمن يسير على نسق سرعة الضوء، لذلك الزمن ينقسم إلى ماضي وحاضر ومستقبل، ولو استطاع الانسان في حركته أن يصل إلى سرعة الضوء لتوقف الزمن لا يتقدم ولا يتأخر، الزمن في إطار سرعة الضوء فمن تجاوز سرعة الضوء تجاوز حد الزمن، ولو استطاع الانسان أن يتجاوز سرعة الضوء لكان الزمن بالعكس.

ينتقل الزمن من ماضي إلى حاضر ثم إلى مستقبل، يبدأ الانسان من بطن أمه فرضيع فطفل فشاب فشيخ، ولو انعكس الأمر بمعنى تجاوزنا سرعة الضوء لرأينا الزمن بالعكس، يعني لرأينا الشيخوخة ثم الكهولة ثم الشباب ثم الطفولة ثم الرضاعة، ثم يعود الانسان إلى بطن أمه، ولرأينا الأحداث تتسلسل بعكس ما نراه على الطبيعة لأننا خاضعون لإطار الزمن الذي يخضع لإطار سرعة الضوء، وهذا يعني أن الأحداث لا تمحى ويطلق عليه في علم الفيزياء بتموضع الحدث يعني أن كل حدث يحدث في الكون لا يمحى باق، وكل حركة يتحركها الانسان باقية لا تمحى، كل تاريخك منذ ولادتك حتى مماتك لا يمحى باق في الكون مع أنك تجاوزته لكنه مازال باقيا، تماما كالقلم الرصاص لو أن الانسان أخذ قلم رصاص وسار به على الجدار يبقى أثر القلم الرصاص وإن تجاوزه القلم، أنت كذلك كل حركتك وكل أحداثك وكل قضاياك باقية لا تمحى، لأن هناك ذاكره كونية تختزن الأحداث وتختزن الصور والقضايا، باقية في تلك الذاكرة لا تمحى ولا تتغير.

المعلومة الثانية: هي الفرق بين الصور الرقمية والصور التماثلية.

الصور الرقمية هي التي تحتفظ بالثنائية صفر وواحد، ولأنها تحتفظ بهذه الثنائية فهي لا تتغير ولا تتبدل باقية كما هي، اليوم نحن نعيش هكذا كتبنا وبياناتنا، قضايانا، إحصاءاتنا، كلها صور رقمية لا تتغير ولا تتبدل، أما الصور التماثلية التي كانت مثل الكاميرات القديمة كلما مر عليها الزمن تأثرت قدرتها، والصور تغيرت ملامحها بمرور الزمن، أما الصور الرقمية باقية لا تمحى ولا تتبدل ولا تتغير.

في علم الفيزياء تموضع الأحداث يعني أن أحداث الكون من لحظة الانفجار الأعظم إلى يومنا هذا بما فيها حركة الانسان وأعماله كلها مختزنة في ذاكرة رقمية، وهذه الذاكرة الرقمية باقية في ضمير الكون لا تتغير ولا تتبدل مهما تقادم الزمن ومهما تغير.

المعلومة الثالثة:

وصل العلم الحديث اليوم عبر الاستنساخ إلى إمكانية إعادة الحياة، أي أن الكائن الحي يمكن إعادته مرة أخرى عن طريق الاستنساخ، والآن يفكرون في إعادة ذاكرة الانسان، عن طريق أخذ خريطة دماغ الانسان بعد موته وزرعها في جسم آخر فيسترجع الدماغ بعد ذلك ذاكرته وجميع معلوماته وجميع الأحداث التي مر بها، ويريد العلم أن يصل إلى يوم يستطيع فيه أن يحتفظ بذاكرة لجميع حياة الانسان من يوم خروجه من بطن أمه إلى يوم ماته حتى لو بلغ تسعين سنة، وكل هذا يعني أن ما يطرحه الفكر الديني من أن كل أعمال الانسان سيراها يوم القيامة تؤكده الفيزياء الحديثة، أن كل أعمالك مسجلة محتفظ بها وكل ما يصدر منك من عمل ينطوي في ذاكرة رقمية ستظهر لك يوما من الأيام، وستبرز لك ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران: 30] ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [الكهف: 49] ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف: 49] فما هو هذا الكتاب المذكور في الآية؟ هو ذاكرة رقمية اختزنت كل أحداث الكون سجلتها ورآها الانسان ناصعة متحركة أمامه يوم القيامة ولعله هو المقصود في الآيتين عندما يقول تبارك وتعالى ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد: 39] ويقول تبارك وتعالى ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [البقرة: 255] ذاكرة رقمية لا تغفل ولا تنسى تختزن كل الصور وكل الأحداث، تحتفظ بها في جميع السماوات والأرض، ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255]

هنا تتطابق الفيزياء مع الفكر الديني في وجود ذاكرة رقمية تختزن الأحداث وتحتفظ بها وتسجل جميع صور عمل الإنسان من دون أن تغفل عن صورة من هذه الصور.

المعلومة الرابعة:

أن العمل يتجسم أي أن العمل يعيش حركة، يتغير من صورة إلى صورة، وهذا العمل الذي نعمله اليوم كالصلاة، اليوم هي بصورة صلاة ولكننا نراها غداً يوم القيامة بصورة شجرة مثمرة أو بصورة نهر يتدفق أو نعيم ورخاء، فالمادة هي المادة ولكن الصورة تغيرت وهذا ما يعني الحركة التكاملية، فالحركة التكاملية هي مادة أعمالنا تتحرك من صورة إلى صورة لنراها يوم القيامة بصورة أخرى قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور: 16] وقال تبارك وتعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ «7» وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «8» [الزلزلة: 7 - 8] أعمالنا نراها ولكن نراها بصورة أخرى تنسجم مع هدف العمل ومعطيات العمل نفسه.

المحور الثالث: حاجة الحركة التكاملية للشعيرة الحسينية.

الحركة التكاملية تفتقر إلى الشعيرة الحسينية، وحتى تتوضح هذه النقطة أذكر أمور ثلاثة:

1. كما أن الجسم يتحرك ويخلع صورة ويلبس صورة أخرى، يخلع صورة الطفولة ويلبس صورة الشباب، يخلع صورة الشباب ويلبس صورة الكهولة وهكذا، كذلك الإيمان يتحرك من صورة إلى أخرى، هناك ثلاث صور للإيمان: صورة فطرية، صورة فكرية، وصورة حسية عملية، الصورة الفطرية هي التي يعبر عنها القرآن الكريم بقوله ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم: 30] كل انسان يعيش الإيمان بصورة فطرية، يقول الله تعالى ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» [الشمس: 7 - 8] ثم تنتقل من الصورة فطرية إلى صورة فكرية.

فالصورة الفكرية هي تحول الإيمان إلى ذكريات وفكر يقول القرآن الكريم ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191] هؤلاء يعيشون الإيمان بصورة فكرية، ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13] وهؤلاء يزدادون إيمانا، ومن ثم يتحول الإيمان من صورة فكرية إلى صورة حسية.

الصورة الحسية: الايمان له ذوق كما للطعام ذوق، وكما أن للورد رائحة فالإيمان له رائحة أيضاً، فهل أن الإنسان يعيش الإيمان شما وطعما وحسا كما يعيشه فكراً وعقيدةً؟

إذا تحول الإيمان إلى ذوق فقد بلغ الإيمان منتهاه، وتحول إلى وجدان وإحساس وطعم يشعر به الإنسان، يقول القرآن الكريم ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة: 83] فهؤلاء بلغوا كمال الإيمان وذرى الإيمان ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا «1» يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا «2» [الجن: 1 - 2] وصلوا إلى مرحلة الإحساس بالإيمان.

فالإيمان إذا تحول إلى صورة حسية يعني أن الإيمان عاش حركة تكاملية من صورة فطرية إلى صورة فكرية ثم إلى صورة حسية، فمتى يتحول الإيمان إلى صورة حسية؟ يتحول الإيمان إلى صورة حسية عبر الشعيرة وهناك فرق بين الشعيرة والشعار، الشعار راية ورمز لشيء معين، مثلاً / قبر الحسين له راية حمراء ترمز إلى شهادته ودمه الطاهر، أما الشعيرة فهي تختلف عن الشعار، والتي تتضمن ثلاثة عناصر:

  • الشعيرة عمل جمعي وليس فردي، والفرد وحده لا يستطيع أن يأتي بالشعيرة، لابد أن تكون عملا جمعياً، فالشعيرة هي نسك جمعي ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا [الحج: 34] مثلاً / صلاة الجماعة شعيرة لأنها عمل جمعي، ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]
  • ترمز إلى شيء ومدلول معين، لذلك هي باقية برمزيتها، الطواف بالبيت الحرام شعيرة لأنه يرمز إلى انتظام الانسان وراء أمر الله ونهية وراء نظام السماء،
  • الشعيرة ما ارتبطت بالله تبارك وتعالى، وما كان لها علقة روحية بالله تبارك وتعالى قال في كتابه ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32].

2. فائدة الشعيرة أنها تنقل الإيمان من صورة إلى صورة، الانسان يؤمن بأن الشيطان عدو له، ويؤمن بضرورة رفض الشيطان، هذه مجرد عقيدة لكن إذا حج ورمى الجمرة بالسبع الحصيان تحولت العقيدة إلى إيمان حسي ببركة الشعيرة، ورمي الجمرة بسبع حصيات تحول الإيمان من صورة فكرية إلى صورة حسية، إذن الشعيرة ثمرتها أنها تحرك الإيمان، وتحوله من صورة إلى صورة أخرى

3. حاجة الإيمان وحاجة الدين في حركته إلى الشعيرة الحسينية، فالشعيرة الحسينية ضرورة في حركة الإيمان وفي نقل الإيمان من صورة إلى صورة أخرى، لم يرتبط مذهب التشيع بإمام بعد الإمام علي كما ارتبط بالحسين بن علي، التشيع يعني الحسين والحسين يعني التشيع، لا يستطيع إنسان شيعي أن يعيش منعزلاً عن الحسين ، فارتبط التشيع بالحسين في كل مسيرته وفي كل تفاصيله وكل شؤونه، فأصبح الحسين شعاراً وشعيرة.

الحسين شعارٌ للتشيع لا يستطيع أحد أن يقيم مجلس الذكر للمناقب أو للمصائب إلا ويسمى ذلك المجلس حسينية، مات أحدٌ إلا وذُكِرَ في محفل موته الحسين، أُرِيد أن يتُبَارك بذكر تُبرك بذكر الحسين، فأصبح الحسين شعار في الأفراح والأتراح وفي جميع الأحوال ومسيرة التشيع، وكما أن الحسين شعار فهو شعيرة، زيارة الحسين من أعظم الشعائر وأسماها، والوقوف أمام قبر الحسين من أجل الشعائر، الحسين وزيارته وذكره ومصيبته وكل شؤونه أصبحت شعيرة ضرورية في حركة الإيمان.

يختلف الشيعة عن غيرهم من أبناء المذاهب بأنهم يعيشون حركة حسية للإيمان تحولت ببركة الشعيرة الحسينية للإمام الحسين ، ولأجل ذلك نحن عندما نقرأ زيارة الحسين فنحن نمارس الشعيرة، عندما نقف على ضريح الحسين وعندما نقول «اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوح نَبِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّد حَبيبِ اللهِ» فنحن نريد أن نقول كل الرسالات تلخص في حركة الحسين، وكل مشاريع السماء من آدم إلى النبي الخاتم تلخصت في مشروع الحسين ، فحركة الحسين جمعت حركة التاريخ كله، وتبلورت حركة التاريخ بمصلحيه بعمالقته في حركة الحسين عليه فهو وارث الأنبياء والأوصياء ووارث الرسل والمجاهدين والصديقين والشهداء والصالحين، وهو الوارث لكل هذه الحركات في حركته المباركة.

عندما نقول «أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده وبررت بوالدين وحللت حلال الله وحرمت حرام الله» قد يتساءل الانسان هل يحتاج الحسين إلى هذه الشهادة أليس الحسين سيد شباب أهل الجنة، أليس الحسين ريحانه رسول الله، أليس المسلون مجمعين على أن الحسين كان انسانا عادلا؟ فلماذا نقول نشهد أنك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة؟ وهل هو يختلف عن المسلمين في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حتى نشهد له بهذه الشهادة، ماذا تعني هذه الشهادة للحسين ؟ أننا بتلاوة هذه الشهادة نحقق هدفين:

الهدف الأول: أننا نريد أن نُبْلِغ العالم أن الإعلام الأموي المزيف الذي حاول أن يشوه حركة الحسين وجهاد الحسين إعلام كاذب، وأن حركة الحسين هي تجسيد للدين وإقامة للصلاة وإيتاء للزكاة وتجسيد للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن هذه الشهادة هي تلخيص لأهداف حركة الحسين التي قال عنها ، ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت في طلب الإصلاح في أمة جدي.

الهدف الثاني: أن هذه الشهادة هي شهادةٌ، وهي تلقين للنفس، فالإنسان عندما يقف أمام هذا العملاق الشامخ الثائر العظيم الحسين بن علي ويقول «أقمت الصلاة آتيت الزكاة أمرت بالمعروف» فهو يلقن نفسه أنت أقمت الصلاة وأنا على طريقك أقيم الصلاة، أنت آتيت الزكاة وأنا على دربك أعطي الزكاة، أنت أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأنا على خط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الشهادة تلقين للنفس وتربية روحية للنفس أننا مع الحسين في التزامه وفي واجباته وفي خطوط وتفاصيل دينه، أننا مع الحسين في أهداف حركته، وأننا مع الحسين في تجسيد الدين بكل تفاصيله وحذافيره، نحن مع الحسين

«اللهم ارزقنا في الدنيا زيارة الحسين وفي الآخرة شفاعة الحسين واجعلنا من خدم الحسين أحياء وأمواتاً، واجعل لنا مقعد صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين »