الزهراء والحسين (ع) وجهان لثورة العدالة

الليلة العاشرة

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى: 23]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في ثلاث نقاط:

  • في التحشيد العاطفي من قبل الأئمة المعصومين حول مصيبة الحسين .
  • في الرؤية التحليلية لهذا التحشيد العاطفي.
  • في فلسفة الشعائر الحسينية.
النقطة الأولى: في التحشيد العاطفي من قبل الأئمة المعصومين حول مصيبة الحسين .

عندما نراجع الروايات الواردة عن الرسول وأهل بيته في كتب السنة والشيعة نجد تحشيداً عاطفياً هائلاً حول مصيبة الحسين أكثر من أي مصاب آخر، فهذا التحشيد لم يظهر منذ زمن العصر البويهي أو زمن معز الدولة الفاطمي كما ذكر بعض الباحثين، بل إن هذا التحشيد العاطفي بدأ منذ عهد النبي ، فقد ذكر الشيخ الأميني صاحب كتاب الغدير رحمه الله في كتابه «سيرتنا وسنتنا» أن النبي أقام ثمانية عشر مأتماً على الحسين ، سبعة في بيت أم سلمة، وسبعة في بيت عائشة، ومآتم أخرى في بيت فاطمة وفي داره، عندما نراجع تاريخ ابن عساكر فما ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الإمام الحسين، وما ذكره ابن سعد في طبقاته، وما ذكره أحمد بن حنبل في مسنده، وما ذكره ابن حجر العسقلاني، والهيثمي، ذكر الجميع ثلاثمئة رواية عن الرسول في البكاء على الإمام الحسين ، وكان منها أن الرسول في يوم ولادة الإمام الحسين لما جيء به إليه ذرفت عيناه بالدموع وقال: ”نزل أخي جبرائيل وأخبرني أن ولدي هذا يقتل بأرض العراق تقتله نفر من أمتي لا أنالهم الله شفاعتي“.

وعندما نأتي إلى كتب الشيعة نجد أن الأحاديث متواترة في الحث على البكاء على الحسين، وفي التحشيد حول مصيبة الحسين أكثر من أي مصيبة أخرى، وأكثر من أي حدث آخر، بما فيها روايات صحيحة السند على كل المباني الرجالية والحديثية، ومن تلك الروايات الصحيحة ما ورد عن الإمام الرضا : ”إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وعلى مثل الحسين فليبكي الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام“.

كما ورد بالرواية الصحيحة عن الإمام الصادق دخل عليه أبو عماره وقد كان شاعراً منشداً يقول دخلت عليه يوم عاشوراء فرأيته كاسف اللون حزيناً كئيباً، فقال: يا أبا عمارة أنشدني. فصرت أنشده فأنشدته فبكى، وأنشدته فبكى، وأنشدته فبكى، حتى بكى من داخل الدار النساء والجواري، ثم التفت إلي وقال: يا أبا عمارة من أنشد فينا فبكى وأبكى فله الجنة.

هذه الروايات الواردة في التحشيد العاطفي حول البكاء على الحسين وحول مصيبة الحسين على قسمين:

القسم الأول: هي الروايات التي تذكر الثواب الجزيل على البكاء على الحسين، ومن هذه الروايات ما ورد عن الإمام الرضا : من ذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبكي عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يُحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

وورد عن الإمام الصادق : من ذكر مصابنا فسال من عينه مقدار جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

القسم الثاني: هو الذي يظهر لنا القيمة الروحية للبكاء والتفاعل مع الحسين ، ففي الرواية عن الإمام الصادق : نفس المهموم لظلمنا تسبيح وهمه عبادة، وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله.

إن هذه الروايات بقسميها تظهر لنا مدى اهتمام الأئمة بالتفاعل الروحي مع مصيبة الحسين ، فإن التفاعل الروحي والارتباط النفسي بهذه المصيبة بشتى ألوانه: بكاء، إبكاء، إنشاد شعر، حضور في المآتم، تفاعل، نفس  يقول الإمام حتى النفس، نفس المهموم لظلمنا تسبيح  الهم وهو تذكر مصائبهم، كل هذه الألوان وكل هذه المظاهر للتفاعل الروحي مع مصيبة الحسين ترقى إلى قيمة العبادة عند الله تبارك وتعالى.

النقطة الثانية: في الرؤية التحليلية لهذا التحشيد العاطفي.

ما هي الرؤية التحليلية لهذا التحشيد العاطفي من قبل الأئمة في مصيبة الحسين ؟

ربما يقول قائل لا مناسبة بين الثواب والعمل، هل من المعقول أن دمعة واحدة كجناح بعوضة تغفر الذنوب، وهل من المعقول أن الدمعة يترتب عليها كل هذا الثواب وأن من يبكي يكون مع الأئمة في درجتهم يوم القيامة؟ ليس هناك انسجام بين العمل وبين الثواب، لذلك ذهب بعض الباحثين إلى نسب هذه الروايات إلى الغلاة، فقالوا هذه من وضع الغلاة والمتطرفين وإلا لا يصدر مثل هذا المنطق من الإمام المعصوم أن دمعة صغيرة تغفر الذنوب كلها، ولكن هذا المنطق هو منطق غير صحيح وغير موضوعي، والروايات كما قلنا متواترة بعضها صحيح السند في كتب السنة والشيعة وليست في خصوص كتب شيعة أهل البيت ، إذن ما هي الرؤية التحليلية لهذا التحشيد العاطفي من قبل المعصومين تجاه مصيبة الحسين؟

هنا عدة اتجاهات في تحديد الرؤية التحليلية لهذه الروايات الشريفة:

الاتجاه الأول: الاتجاه التعبدي.

يقول نحن متعبدون بما يرد عن أئمة أهل البيت ، فإذا ورد عنهم أن هذا العمل عبادة، وأن هذا العمل محط الثواب فمقتضى التعبد بكلماته حيث أن الرسول أمر باتباعهم فقال: ”إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي“.

إذن مقتضى التعبد والتدين بأئمة أهل البيت الذين أمر الرسول باتباعهم أن نأخذ بمضمون هذه الروايات الشريفة وإن لم نعرف سرها ولا الحكمة منها، فهذا مقتضى الاتجاه التعبدي.

الاتجاه الثاني: الاتجاه التاريخي.

في زمن الدولة الأموية والدولة العباسية لم يكن لشيعة أهل البيت قدرة على الظهور، ولم يكن لشيعة أهل البيت مجال للبروز الإعلامي، فلم تكن هناك وسيلة ولا طريقة لإحياء ذكرى كربلاء إلا عن طريق الدموع والبكاء والجلوس في المأتم، لذلك فهذه الروايات الشريفة التي جاءت تحث وتحشد وتؤيد البكاء، والمأتم، والإبكاء، والإنشاد؛ لأن ظروف التقية والتي كانت ظروفاً خانقة، وكانت ظروفاً شديدة على شيعة أهل البيت لم تكن تسمح إلا بهذه المظاهر من بكاء وإبكاء وشعر ومأتم وحضور، ولأجل ذلك حث الأئمة عليها حفظاً لذكرى كربلا، ء وحفظاً لوجود شيعة أهل البيت حفاظاً على أنفسهم، إذ لا توجد طريقة إعلامية أكثر من هذه الطريقة.

الاتجاه الثالث: الاتجاه النفسي.

الإنسان بطبيعته يحتاج إلى البوح والتنفيس، ومن الحاجات الأولية التي يحتاج إليها الإنسان كما يحتاج إلى الطعام، وكما يحتاج إلى الهواء، وكما يحتاج إلى الانتماء، يحتاج إلى البوح والتنفيس والبكاء، وأفضل وسيلة للبوح والتنفيس عما يعتلج في داخل الإنسان من هموم وغموم، جامعة بوتاه الأمريكية تخصص غرفة لطلاب الامتحانات النهائية من أجل أن يبكوا؛ لأن البكاء يزيل حالة التوتر ويزيل حالة الاحتقان عند الإنسان وتعقبه حالة من الشعور بالاسترخاء والهدوء، لذلك حاجة الإنسان رجلاً أو امرأة للبكاء هي حاجة طبيعية وحاجة إنسانية، فالبكاء مظهر للبوح والتنفيس، من أجل ذلك فالبكاء على مصائب أهل البيت له أثر نفسي على توازن شخصية الإنسان، وإزالة التوتر من خلال غليان مشاعر الإنسان.

الاتجاه الرابع: الاتجاه الروحي.

رأى مولى لعلي بن الحسين رآه في وسط الليل في سجوده وهو يبكي على أبيه الحسين، فالإمام زين العابدين بكى على أبيه الحسين أربعاً وثلاثين سنة، وما وضع له طعام ولا شراب إلا وقال: وكيف أكل وأشرب وقد قتل أبي الحسين عطشاناً! وكان بكاءه امتداداً لبكاء الزهراء على أبيها رسول الله ، فلقد أجمع المؤرخون على أن الزهراء بكت على أبيها شهوراً حتى انزعج أهل المدينة من بكائها، وقالوا إما أن تبكي الليل أو تبكي النهار، إلى أن بنى لها الإمام أمير المؤمنين دار الأحزان في خارج البقيع، فكانت تخرج إليها وتبكي، وبكاء زين العابدين امتداد لبكاء فاطمة الزهراء ، هذا البكاء الطويل رآه أحد مواليه، رآه يبكي في ظلام الليل في سجوده فقال: سيدي إلى متى هذا البكاء؟ أما تخاف أن تكون حرضاً أو تكون من الهالكين؟ التفت إليه وقال له: لقد كان ليعقوب اثنا عشر ولداً، فلما غَيَّب الله واحداً منهم بكى وشكى حتى ابيضت عيناه من الحزن، وأنا رأيت أبي وأخي وعمومتي وسائر أهلي مجزرين كالأضاحي على الثرى فكيف ينقضي حزني وبكائي!

الإمام زين العابدين يشير إلى هذا المقطع من القرآن الكريم عندما يقول: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ «84» قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ «85» قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ «86» [يوسف: 84 - 86]، فبكاء يعقوب لم يكن بكاء بل كان شكوى إلى الله، والشكوى إلى الله لون من الدعاء، والدعاء نوع من العبادة إذن البكاء نوع من العبادة، البكاء الذي جسده النبي يعقوب وهو من أنبياء الله، واقتدى به السجاد وهو من الأئمة المعصومين، كان نوعاً من العبادة؛ لأن البكاء كان شكوى إلى الله من الجريمة والظلم اللذان وقعا على أهل بيت النبوة، والشكوى إلى الله دعاء والدعاء عبادة حث عليها القرآن الكريم عندما قال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186] بل إن التفاعل الروحي مع مظلومية الحسين ومع ما جرى على الحسين يربط الإنسان بشكل طبيعي بمبادئ الحسين وقيم الحسين فيكون البكاء طريقاً لتنقية الروح وتهذيب النفس، طريقاً للتأثر والاقتداء بدرب الإمام الحسين سيد الشهداء صلوات الله عليه وآله.

النقطة الثالثة: فلسفة الشعائر الحسينية.

ما هي ألوان فلسفة الشعائر الحسينية التي تمارسها أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم في كل سنة وفي هذه البرهة من السنة ألا وهي أيام عاشوراء؟ هناك عدة آفاق لفلسفة الشعائر:

الأفق الأول: الأفق الولائي.

القرآن أمر بولاء أهل البيت، وهو بالأصل ركن من أركان الدين عند جميع المسلمين لقول القرآن الكريم: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى: 23]، والمودة تختلف عن المحبة، فالمحبة في القلب، ولكن المودة هي إبراز المحبة، فلا يكفي أن تقول أنا موالي لأهل البيت وأنت لا تبرز محبتك لهم وارتباطك بهم، القرآن أمر بالمودة أي بإبراز الحب، وإبراز الارتباط، ومن أعظم مظاهر المودة وإبراز الارتباط هذه المآتم وهذه المجالس وهذه الشعائر بألوانها المختلفة، إذن الأفق الولائي الذي نادى به القرآن الكريم يفرض القيام بهذه الشعائر وبهذه المآتم في كل عام.

الأفق الثاني: الأفق الإعلامي.

كل عقيدة ليس معها إعلام تموت، وكل فكرة لا يدعمها إعلام تنمحي وتتبخر، لذلك أي إنسان يخترع فكرة لابد أن يخترع معها إعلاماً يدعمها ويبقيها، ومن هنا نلاحظ أن الإعلام ضروري لكل فكرة ولكل دين، ولكل عقيدة، لأن للإعلام أثرين:

الأثر الأول: أنه يرسخ مبادئ الفكرة في نفوس أتباعها وفي نفوس المتدينين بها.

الأثر الثاني: أن الإعلام يجعل للفكرة حضور على الأرض بحيث لا يمكن نسيانها ولا يمكن تكذيبها، ولا يمكن محوها لأنها ثبتت على الأرض وفي حركة التاريخ بواسطة الإعلام.

من هنا نتساءل لماذا جعل الله فريضة الحج؟

الزهراء كما ذكرنا في إحدى الليالي عند شرح خطبتها الفدكية قالت: وجعل الحج تشييداً للدين؛ أي أن الحج ظاهرة إعلامية، لذلك قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158]، فالشعيرة هي الإعلام الذي يُشْعر الآخرين بعظمة الفكرة، وقال تبارك وتعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [الحج: 36]، وقال: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32]، الحج ظاهرة إعلامية قوية جداً، ولها أثران:

الأثر الأول: ترسخ مبادئ الدين في النفوس.

الأثر الثاني: تجعل للدين هيبةً ومنظراً شامخاً لكل من يتابع ولكل من يشاهد.

من هنا ومن نفس المنطلق وضع أهل البيت هذه الشعائر لتكون إعلاماً لقضية الحسين ، وهذه الشعائر المرئية والمسموعة كلها بشتى ألوانها هي مظهر إعلامي، البكاء الصرخة، الحضور في المجالس، لبس السواد، نشر الأعلام، المواكب الزاحفة، زيارة الحسين، الفن، الشعر، الرسم، كل ذلك ألوان وشعائر ومظاهر أراد بها أهل البيت أن يكون إعلاماً واضحاً وداعماً لقضية الحسين ، ولذلك هذه الشعائر بكل ألوانها هي: أولاً ترسخ مبادئ الحسين في النفوس، وثانياً أنها تشكل حضوراً لكربلاء على أرض الواقع الإسلامي بحيث لا يمكن نسيانها ولا تجاهلها ولا التغافل عنها، فلولا إصرار أتباع أهل البيت والموالين لهم في كل عام على إحياء هذه الشعائر، وعلى إقامة هذه الألوان والمظاهر، لربما انمحت وتبخرت قضية الحسين منذ زمن سحيق، لكن أهل البيت خططوا لذلك وأرادوا أن تبقى فكرة الحسين وصرخة الحسين ببقاء هذه الشعائر وبقاء هذه الألوان...

.... في زيارته: السلام على صريع الدمعة الساكبة، وصاحب المصيبة الراتبة؛ أي صاحب المصيبة التي تتجدد في كل يوم وكل سنة، وورد في الحديث عن الإمام الصادق أنه قال: بأبي قتيل العبرة ما ذكره مؤمن إلا بكى.

إذن هذه جهة إعلامية ضرورية لإبقاء جذوة كربلاء وحرارة كربلاء، كما ورد عن الباقر : إن لجدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً.

الأفق الثالث: الأفق الديني.

الحسين بذل دمه في سبيل الله، الحسين خط خطة الإصلاح وقال: ما خرجت أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.

الحسين رفع راية الإصلاح وبذل أغلى الدماء من ذرية رسول الله في سبيل رفع راية الإصلاح فينبغي للأمة الإسلامية كلها أن تقف مع الحسين في مبادئه، وأن تقف مع الحسين في ثورته، وأن تقوم بتخليد هذه الثورة وبتعظيم هذه المبادئ إحياء لطريق الإصلاح الذي قال عنه القرآن الكريم: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104] وقال القرآن الكريم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 110]، فهذه الشعائر هي موقف تعظيم يقوم بها أتباع أهل البيت، الموالون لأهل البيت يقومون به تعظيماً لموقف الحسين ودعماً لثورة الحسين، ووقوفاً مع الحسين فيما بذل وأعطى ومنح في سبيل مبادئ السماء وتخليد وإحياء مبادئ دين جده محمد .

الأفق الرابع: الأفق السياسي.

هذه الشعائر التي يقوم بها الموالون في كل عام هناك أفق سياسي خطط له أهل البيت وراء هذه الشعائر ووراء هذه الألوان، هذه الشعائر هي مظاهرة احتجاج، المواكب، الأعلام، لبس السواد، الصرخات، البكاء، المآتم هي في الواقع مظاهرة احتجاجية على الجريمة النكراء التي ارتكبها الأمويون في حق ذرية رسول الله إلى يوم القيامة، فهذا تخطيط سياسي من قبل الأئمة الطاهرين ، مضافاً إلى أن هذه الشعائر هي توحيد لكلمة الموالين، فالمسلمون يختلفون في مذاهبهم وفي اتجاهاتهم، وفي أعراقهم ولغاتهم وألوانهم، لكن الإسلام وحد كل هذه الأمم المختلفة في ألوانها ولغاتها وأعراقها، وحدها تحت الشهادتين كلمة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحدها تحت الأذان، وحدها تحت الحج، وحدها تحت الصلاة، كل هذه الألوان من أجل توحيد هذه الأمم في خط واحد ودرب واحد.

أيضاً شعائر الحسين، وشعائر مآتم الحسين خطط لها أهل البيت لتكون توحيداً للكلمة، فكل الموالين لأهل البيت في العالم، والمسلمون كلهم يوالون أهل البيت، والمسلمون كلهم يحبون أهل البيت، إذن كل المسلمون من شأنهم أن يحتفلوا بذكرى الحسين، وأن يقيموا شعائر الحسين؛ لأن هذه الشعائر وضعها أئمة المسلمين الذين خلفهم رسول الله وهم علي وأهل بيته، وضعوها من أجل توحيد كلمة المسلمين، لكي يعيش المسلمون كلهم بشتى مذاهبهم وأطيافهم وألوانهم ولغاتهم تحت هذه الأجواء الحسينية، تحت هذا الرابط الحسيني، وتحت كلمة الحسين ومبادئ الحسين: ما خرجت أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. فليلة العاشر هي ليلة تجمع كل المسلمين تحت مبدأ واحد وشعار واحد ألا وهو شعار الإصلاح.