إنَّ عَلِيَّاً كَانَ أُمَّة

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55]

صدق الله العلي العظيم

في هذه الذكرى الأليمة ألا وهي شهادة الإمام علي ، نتعرض لشخصية الإمام أمير المؤمنين علي من جهة جاذبيته الأممية، وهنا عدة محاور:

المحور الأول:

إن الناس على أربعة أصناف: مغبون، ومثير، ومؤثر، ووجود أممي.

  • الصنف الأول: المغبون؛ وهو الشخص الذي يعيش روتيناً محدوداً لا يتغير عمله ولا نمطه في الحياة، لا يجدد ولا يبدع ولا يطور من نفسه، يمشي على روتين صارم في كل يوم من أيام حياته، فهذا شخص مغبون لأنه لا يؤثر ولا يثير، وقد ورد عن الإمام الكاظم : ”من تساوى يوماه فهو مغبون“ لأنه لا يضيف جديداً لا إلى نفسه وإلا إلى المجتمع.
     
  • الصنف الثاني: المثير، هنا شخص مثير بسلوكه القيمي، عندما يكون شخصاً متواضعاً خلوقاً فهو يثير الالتفات إليه ويوجب حسن الذكر بالنسبة إلى شخصيته، هو من مصاديق ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134]، وهذا شخص مثير إثارة إيجابية.

    وهناك شخص مثير إثارة سلبية؛ وهو الذي يتخذ أسلوباً عدوانياً أو وحشياً ضد المجتمع أو ضد بعض جهات المجتمع، أو يستخدم أساليب استفزازية من أجل إلفات نظر الآخرين إليه، إلى كلامه وإلى سلوكه، فهذا شخص مثير إثارة سلبية.
     
  • الصنف الثالث: المؤثر؛ أي الذي أبدع وأعطى نتاجاً متطوراً، أعطى نتاجاً محلقاً، اقتضى أن يؤثر في مستوى من مستويات المجتمع، أبو الطيب المتنبي أحمد شوقي صنف مؤثر بأدبه وشعره؛ لأنه شغل المجتمع وشغل الناس بأدبه، آينشتاين في تحليقه في سماء الفيزياء شغل المجتمع بعلمه، فهذا يعتبر شخصاً مؤثراً.
     
  • الصنف الرابع: الشخص الأممي؛ وهو الشخص الذي ليس مغبوناً ولا مثيراً ولا مؤثراً فقط بل هو أعظم من ذلك كله، إنه وجود أممي، شخص تلهج بذكره جميع الأمم، شخص تتأثر به جميع مستويات المجتمع، وجميع طبقات المجتمع تتغنى بفضائله، هذا الشخص الأممي تحول من وجود شخصي إلى وجود أممي، ولأن شخصية الإنسان على قسمين: شخصية حقيقية؛ وهي هذه الشخصية المادية، كتلة لها أبعاد أربعة من طول وعرض وعمق وزمن، وهناك الشخصية المعنوية؛ وهذه الشخصية المعنوية إذا تحولت إلى وجود أممي بلغت أرقى درجات التأثير.

القرآن الكريم عندما يذكر إبراهيم ويقول: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل: 120] وذلك لأن جميع الأديان في عصرنا الحاضر هي أديان إبراهيمية، أي ترجع إلى إبراهيم الخليل ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 79]

النبي محمد وجود أممي، كل اللغات وكل الأعراق وكل القوميات تتغنى بذكر محمد وهذا مصداق للآية المباركة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شخصية أممية تحول من وجود فردي إلى وجود أممي، تحول إلى أغنية تتغنى بها كل المجتمعات البشرية التي تعشق الفضيلة وتعشق القيم المثلى، أمير المؤمنين ليس شخصية حقيقية كتلة من الجسم عاشت على الأرض وماتت، إنما هو شخصية معنوية ملأت الآفاق، ضرار عندما دخل على معاوية بن أبي سفيان قال له معاوية: يا ضرار صف لي علياً. قال له: اعفني. قال: أبيت عليك إلا أن تصف لي علياً. قال: كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول عدلاً ويحكم فصلاً، يستأنس بالليل ووحشته، ويستوحش الدنيا وزهرتها، يعجبه من الطعام ما جشب، ومن اللباس ما خشن، يتحبب إلى المساكين، ويعظم أهل الدين... إلى أن ذرفت دموع معاوية على خديه قال: هكذا كان أبو الحسن.

أبو الحسن وجود أممي، يقول عنه بولس سلامة الشاعر اللبناني المسيحي:

جَلجَلَ الحقُ في المسيحي حتى   صَارَ   مِن   فَرطِ  حُبِهِ  iiعَلَويًّا
لا   تَقُل   شيعةٌ   هواةُ   علٍّي   إنَّ     كلَّ    منصفٍ    شيعيًا
أنا مَن يَعشقُ البطولةَ iiوالإلهامَ   والعدلَ      والخلقَ     iiالرَضِيَّا
فإذا    لم    يكن   عَليٌّ   نَبيًّا   فَلَقَد     كانَ     خُلُقَهُ    نَبوّيَا
يا سماءُ اشهَدِي ويَا ارضُ قَرِّي   واخشَعِي  إنَني  ذَكَرتُ  iiعَليًِّا

جورج جرداق في كتابه «علي والعدالة الاجتماعية» وغيره ممن عشق الوجود الأممي لشخصية الإمام أمير المؤمنين علي .

المحور الثاني: ما هو سر الوجود الأممي لأي شخص؟

السر هو الجاذبية الإنسانية الفطرية، والجاذبية على نوعين: جاذبية تكوينية، وجاذبية إنسانية ﴿رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد: 2] أي هناك أعمدة رفعت السماء وهي أعمدة غير مرئية، فيزياء اليوم تؤكد أن هذا الوجود كله بمجموعاته الشمسية يعتمد على قوتين: قوة الجاذبية، والقوة المضادة، ولولا قوة الجاذبية لتناثرت كل أجزاء الكون ولم يبق هناك فلك ولا حركة ولا انتظام، ولولا القوة المضادة لالتصقت وارتطمت أجزاء الكون بعضها بالبعض الآخر، فمن أجل تحصيل التوازن وُضعت هذه الأعمدة غير المرئية من قوة الجاذبية والقوة المضادة، هذه هي الجاذبية التكوينية.

وهناك جاذبية بشري وجدانية، لكن ما هو المقياس والمعيار في الجاذبية الإنسانية البشرية؟

هناك ثلاثة عوامل للجاذبية البشري يذكرها علم النفس الفلسفي: التشابه، الحاجة، والفطرة.

  1. العامل الأول: متى ما وجد الإنسان إنساناً يشبهه في خصاله وفي تفكيره وفي نمط سلوكه ينجذب إليه بشكل تلقائي، فالتشابه سر التجاذب، بينما التضاد هو سر التنافر، وشبه الشي منجذب إليه.
     
  2. العامل الثاني: الحاجة، كل من يشعر بحاجة ينجذب لمن يكمله ويغطي حاجته، كما نلاحظ التجاذب بين الزوجين يقول القرآن الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم: 21] السكون هو عبارة عن الانجذاب، الرجل يعيش نقصاً عاطفياً لا يملأه إلا دفء المرأة وحنان الزوجة، والزوجة تعيش حاجة عاطفية لا يغمرها إلا حنان الزوج وإقبال الزوج وحبه، فهذه جاذبية إنسانية منشأها الحاجة.
     
  3. العامل الثالث: الجاذبية الفطرية، كل إنسان مؤمناً أو غير مؤمن ولد وهو بفطرته يعشق القيم، حتى الذي يرفض القيم إلا أنه يعشقها، الكاذب يعشق الصدق، والظالم يعشق العدالة، والخائن يعشق الأمانة، كل البشر تعشق القيم السماوية وتعشق القيم الإنسانية والقيم الكمالية، كل بشر ولد وهو يعشق الكمال، وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تبارك وتعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم: 30] الدين فطرة، والدين هو عبارة عن القيم والمثل.

وقال تبارك وتعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا «9» وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا «10» [الشمس: 7 - 10] كل إنسان يعشق القيم لأنه يميل ميلاً فطرياً وينزع نزعة وجدانية نحو القيم، قيم الكمال، الفضيلة، التقوى، الصدق، الأمانة، العدالة... إلخ، فلأجل ذلك حتى الظالم الذي يُمارس الظلم هو يعتبر نفسه عادلاً لأنه يعشق العدالة.

من هنا من خلال العامل الثالث نفهم سر الجاذبية في الوجود الأممي، الوجود الأممي هو عبارة عن الجاذبية، والجاذبية هي أن الشخص الذي تحول إلى وجود أممي إنما تحول إلى وجود أممي لأنه يمتلك جاذبية إنسانية فطرية استعبد بها القلوب، واستأسر بها المشاعر، وملأ بها العقول، وهذا ما ينطبق على الإمام أمير المؤمنين .

الفلاسفة هاموا بفلسفته في نهج البلاغة، والشعراء تغنوا بأدبه وكلماته وحكمه القصار، والعرفاء عاشوا استغراقه في ملكوت الله من خلال الخشوع والعبادة، وكل صاحب حقل وصاحب جمال وكمال يرى في علي رمزاً له، ويرى في علي قدوة له ويرى فيه مناراً له، ويقول المتنبي:

وتَركتُ   مدحي  للوَصيّ  iiتعمُّداً   إذ  كانَ  نوراً  مستطيلاً  iiشامِلا
وإذا  استقَلَّ  الشيءُ  قام  بذاتهِ   وكذا ضياءُ الشمسِ يذهبُ باطِلا

هذه الاستطالة وهذا الامتداد وهذا الوجود الذي يسري في كل شي هو عبارة عن الوجود الأممي الذي قام على الجاذبية الفطرية، كل إنسان يعشق الكمال، وعليٌ مظهر الكمال، فهو يعشق علي، وإن كان يكره شخص علي، قد تجد إنساناً مناوئاً يكره شخص علي لكنه يعشق علياً من خلال كماله.

الإنسان ملون بلونين: لون شهواني، ولون عقلاني، فإذا نظر إلى علي من خلال نظارته الشهوانية فإنه يبغض علي لأن علي يقف سداً أمام الشهوات، ولكنه إذا نظر إلى علي بنظارته العقلانية الإنسانية عشق علياً لأن علياً مظهر القيم الكمالية كلها، فسر الوجود الأممي هو هذه الجاذبية الفطرية التي ملكها علي بن أبي طالب .

 المحور الثالث:

الولاء الذي تحدث عنه القرآن الكريم عندما قال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55] الولاء هو معناه الانجذاب لتلك القيم عبر الاعتقاد بالإمامة الجعلية الإلهية لعلي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

الولاء قد يكون ولاء مصالح وقد يكون ولاء مبادئ، أصحاب معاوية بن أبي سفيان كانوا موالين له ولاء مصالح لأنه يشبعهم ويطعمهم ويملأ أكراشهم وجيبوهم بما يشتهون، إما أصحاب علي بن أبي طالب فكان ولائهم له ولاء مبادئ، ميثم التمار عاش فقيراً ومات فقيراً وكان من أقرب المقربين لعلي بن أبي طالب، علي ما ملأ كرشه ولا جيبه بالأموال، لكن علي ملأ قلبه ووجدانه بالمبادئ والقيم، حتى أن ميثم التمار عندما أُريد صلبه، وقف عند النخلة التي صُلب عليها وهو يبتسم ويقول: ألا أحدثكم عن سيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟ فأُمر بقطع لسانه وصلبه.

ابن السكيت الذي كان يعشق علياً ويواليه ولاء مبادئ لا ولاء مصالح، كان معلماً لولدي المتوكل العباسي وكان يغدق عليه المتوكل الهدايا، فقال له يوماً: يا ابن السكيت أيهما أحب إليك ولداي أم الحسن والحسين؟ فنظر إلى المتوكل وهو غاضب: قال ما تقول! قنبر خادم علي بن أبي طالب أحبّ إلي منك ومن ولديك، فكيف بعلي أمير المؤمنين! فأمر بقطع لسانه وصلبه.

إذن هذا هو ولاء المبادئ وهذا هو الولاء الذي يُعبر عن الانجذاب الفطري نحو مجمع الكمال ومنار قيم الكمال، هذا الولاء الذي يؤكد الوجود الأممي لعلي بن أبي طالب ، من هنا نأتي إلى ما ذكره الرسول الأعظم في حق علي بن أبي طالب تأكيداً لجاذبيته الأممية، قال: ”ذكر علي عبادة“ والحديث الآخر: ”ذكر علي حسنة لا تضر معها سيئة“ الحسنة هي الفعل الجميل، ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، الصدقة حسنة، النافلة حسنة، الكلمة الطيبة حسنة، أما العبادة فهي مقام أرقى من الحسنة، العبادة لها درجات ثلاث: الخضوع، إظهار العبودية، إقامة الذكر الإلهي.

الدرجة الأولى: العبادة بمعنى الخضوع، قد يكون الخضوع ذاتياً وقد يكون قصدياً، السجود عبادة ذاتية لأنه خضوع قهري، سواء قصد الإنسان الخضوع أم لم يقصد، متى ما سجد فقد خضع، أما الصوم وهو الإمساك عن المفطرات فهو لا يكون عبادة حتى يقصد به الإنسان الخضوع والتذلل لله تبارك وتعالى، فالعبادة بمعنى الخضوع قد تكون ذاتية كالسجود وقد تكون قصدية كالصيام.

الدرجة الثانية: العبادة بمعنى إظهار العبودية لله لا مجرد الخضوع، وهي درجة أرقى من الخضوع، إظهار العبودية لله، أي أن تُظهر أنك رق وأنك عين الربط لله، وأنك لا حول ولا قوة لك إلا بالله تبارك وتعالى، وهذا المعنى من العبادة هو الذي يؤكد عليه القرآن الكريم من خلال ألفاظه عندما يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186] قال «عبادي» لأن الذي يدعون الله فيُستجاب لهم ليس كل الناس وليس كل المؤمنين وليس كل المصلين إنما هم عباده، وعباده هم الذين أظهروا العبودية له، لذلك عبر القرآن الكريم عن النبي المصطفى بعبده ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء: 1] قال «بعبده» لأن النبي كان مظهراً للعبودية لله تبارك وتعالى.

الدرجة الثالثة: أن العبادة إقامة ذكر الله على الأرض، قال تبارك وتعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45] وقال: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه: 14] أي اجعل من الصلاة وسيلة لإظهار ذكر الله عزوجل، عش صلاة هي ذكر لله، حلِّق في صلاة هي ذكر لله، عش جمال ذكر الله وحلاوة ذكر الله، هذه العبادة أرقى من إظهار العبودية فقط بل هي أن تعيش ذكر الله في جماله وجلاله، الله له جمال وجلال، فأن تعيش جماله وجلاله في صلاتك فهذا أرقى درجات العبادة.

هنا عندما يقول الرسول المصطفى : ”ذكر علي عبادة“ فهو يقصد المعنى الثالث، ذكر علي هو ذكر لله، ذكر علي ذكر لجمال الله وجلاله، جمال الله تجسد في جمال علي، جلال الله تجسد في جلال علي، شجاعة علي وفضائله مظهراً لجمال الله، إرادة علي الحديدية وصبر علي وشدته في الله وفي المواقف الإلهية مظهراً لجلال الله، علي جمع الجلال والجمال الإلهيين فكان ذكره ذكراً لله وكان ذكره عبادة، من أجل ذلك نقول بأن هذا الحديث النبوي ”ذكر علي عبادة“ إشارة إلى مطلوبية ذكر علي في الصلاة وفي الأذان، وفي موارد ذكر علي ، لأجل ذلك أفتى فقهاؤنا باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان لا لأجل عنوان خاص ورد في الأذان بل لأن ذكر علي عبادة، والأذان مظهر للعبادة.

وقد ورد عن الإمام الصادق : ”من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين“ قرن ذكر علي بذكر الله وبذكر الرسول، وهو ما جاء في القرآن الكريم ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55] فالشهادة الثالثة ذكر لعلي وهي إقامة لذكر الله عزوجل فهي أجلى مصاديق العبادة، ولقد كان علي قطعة من العبادة وقطعة من الصلاة، بدأ حياته بذكر الله وببيت الله حيث ولد على الرخامة الحمراء، وختم حياته شهيداً في بيت الله، سقط صريعاً في محرابه وهو يتلو ذكر الله، سقط صريعاً في محرابه وهو في نافلة الفجر مشغولاً ومشغوفاً بذكر الله عزوجل.

علي هو قرآن العبادة بدأ ببيت العبادة وانتهى ببيت العبادة، مات والصلاة بين شفتيه، مات وذكر الله بين شفتيه، سقط في محرابه وهو يقول: فزت ورب الكعبة. لأن حياته كلها ملأها في القرب من الله وذكر الله والارتباط بالله.