هل فقدت الأسرة القدرة على تربية الأبناء في زمن السوشل ميديا

1443-09-17

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في ثلاثة محاور:

  • حقيقة التربية.
  • أهداف التربية.
  • المنهج العلوي في مجال التربية.
المحور الأول: حقيقة التربية.

هناك فرق بين الرعاية والتعليم والتربية، فلكل عنوان مدلول معين، الرعاية هي توفير الخدمات كتوفير المسكن والملبس والغذاء والتعليم، هذه الأمور إذا قام بها الأب تجاه ولده فهو قد قام بالرعاية، والتعليم هو عبارة عن نقل المعلومة من ذهن إلى ذهن آخر، إذا قام الأب بنقل المعلومات إلى ولده أو الأم إلى ولدها تسمى عملية تعليم، وأما التربية فهي تختلف عن الرعاية والتعليم، التربية هي عبارة عن إحياء الطاقات في شخصية الطفل، كل إنسان له طاقات معينة، هناك طفل عنده طاقة فنية، وهناك طفل عنده طاقة عقلية، وهناك طفل لديه طاقة اجتماعية، إحياء الطاقات في شخصية الطفل وتنميتها بحيث تتبلور وتتجسد هو المعبر عنه بالتربية، التربية أن تُسْهِم في إحياء طاقات طفلك بحيث يجسد طاقاته في ميدان عمله ومجاله عمله.

حتى تنكشف لنا معالم حقيقة التربية نذكر ثلاثة علماء من علماء التربية وما يقولونه عن التربية:

العالم الأول: هو العالم الألماني كانت>

يقول: التربية هي عبارة عن نقل الطفل من الحيوانية إلى الإنسانية، الطفل يمر بمراحل ثلاث المرحلة الأولى حيوانية مثله مثل باقي الحيوانات، وهي في الأربع سنوات الأولى، ووظيفتك أن تراقبه كي لا يؤذي نفسه ويؤذي غيره، وبعد الأربع سنوات الأولى لابد أن تنقله من الحيوانية إلى الإنسانية حيث تدخله مجال التعليم في المدرسة ومن خلال المدرسة يتعلم الانضباط، ويتعلم النظام، الطفل من خلال المدرسة يُنْقل من الحيوانية إلى الإنسانية لأنه يتعلم ثلاث خصال الانضباط بالنظام، فن الإصغاء والاستماع، وكيفية إقامة العلاقات مع الأطفال الآخرين، يتعلم هذه الخصال الثلاث فينتقل من الحيوانية إلى الإنسانية، ثم يأتي دور التعليم والتربية بزرع الخصال التي تسهم في نمو شخصيته ونمو عقله.

العالم الثاني: جون ديوي.

هناك كتاب للدكتور فؤاد إبراهيم أهوان المصري يتحدث عن نظرية جون ديوي في مجال التربية، يقول في مجال التربية: التربية لها عنصران عنصر نفسي وعنصر اجتماعي، والفرق بين العنصرين الطفل خلال السبع سنوات الأولى اتركه على راحته هو يعبر عن نفسه بنفسه لأن الطفل خلال السبع سنوات الأولى يتصرف بما تمليه طبيعته وجبلته وأنت تكتشفه من خلال تصرفاته، أنت ستكتشف طفلك من خلال تصرفاته في السبع سنوات الأولى هل هو طفل يحب العزلة أو هو يحب الاجتماع، هل هو طفل يحب التعلم أو يحب التقنيات والأمور المهنية، هل هو طفل يميل إلى الرياضيات أو طفل يميل إلى العمل، هل هو طفل فوضوي أو طفل نظامي، ستكتشف طفلك خلال السبع سنوات الأولى، فإذا اكتشفته حينئذ تنتقل في السبع سنوات الثانية إلى مجال التربية، أي بعد أن اكتشفت شخصيته على إثرها تحاول أن تنقله إلى العنصر الثاني وهو العنصر الاجتماعي أي أن تحدد له العلاقات الاجتماعية التي تنسجم مع طبيعته التي اكتشفتها خلال السنوات الأولى، لذلك ورد عن النبي : ”لاعب ابنك سبعاً وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً“.

العالم الثالث: كوستاف لوبون.

عالم فرنسي درس الحضارات الشرقية وكان معجباً بالعرب وكتب عن العرب عدة كتابات قال: لم أجد فاتحاً أكثر تسامحاً من العرب، العرب فتحوا عدة دول وتعاملوا بالتسامح وتعاملوا مع الأدب، وعلموا الناس الأدب والحرية وقال: لا حضارة بلا أخلاق كما قال الشاعر: وإنما الأمم الأخلاق إن بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

كوستاف لوبون لديه تعريف للتربية، التربية هي عبارة عن نقل الفعل الإرادي إلى الفعل اللاإرادي، وحتى أشرح هذا المعنى استشهد بعالم آخر اسمه جون بياجيه عالم سويسري أيضاً في مجال فلسفة التربية، يقول بياجيه: التفكير على أربعة أنواع: تفكير حركي، تفكير اجتماعي، تفكير غيري، وتفكير مجرد، وكل إنسان يمر بهذه الأربعة أنواع من التفكير.

  • التفكير الأول: التفكير الحركة أي أن الإنسان خلال الأربع سنوات الأولى من حياته يمارس التفكير الحركي كيف يتحرك، كيف يأكل، كيف يتلفظ، كيف ينام، يتعلم الحركات المتعارفة الإنسانية فهو يظل أربع سنوات الأولى في التفكير الحركي.
     
  • التفكير الثاني: ينتقل من التفكير الحركي إلى التفكير الاجتماعي، من أربع سنوات إلى ثمان سنوات يصبح لديه أصدقاء من الأطفال فيكتسب من خلال محيط الأطفال التفكير الاجتماعي، كيف يقيم علاقات وكيف يكون مؤدب مع الناس كيف يستجيب لهم وكيف يستجيبون له، هذه المرحلة تسمى مرحلة التفكير الاجتماعي.
     
  • التفكير الثالث: مرحلة التفكير الغيري.
     
  • التفكير الرابع: ثم تأتي المرحلة الرابعة ألا وهي مرحلة التفكير المجرد أي يبدأ يتأمل، كان يعرف الأشياء من خلال رموز هذا اسمه مروحة وهذه اسمها آلة تصوير وهذا اسمه كرسي، هذا كله تعلمٌ للأشياء من خلال ألفاظ ورموز، أما إذا وصل مرحلة التفكير المجرد من سن أحد عشر يبدأ يفكر تفكير مجرد يفكر في أشياء لا لغة لها ولا ألفاظ لها، ماذا وراء هذا العالم، هل هناك عالم آخر أم لا، هل هناك خالق لي أم لا، هل هناك حياة ثانية أم لا، يبدأ في تفكير أوسع من محيطه وأوسع من حياته ودائرته وهذا ما يسمى بالتفكير المجرد.

في هذه المرحلة المهمة من حياة الطفل يحتاج إلى التربية، إذا وصل إلى مرحلة التفكير المجرد هنا يأتي دور الأبوين لينقلا الأفعال الإرادية إلى أفعال لا إرادية، في العالم العربي مع الأسف منهج التعليم فيه منهج فاشل لأن منهج التعليم في العالم العربي يعتمد على الذاكرة والمفروض أن يعتمد على الفن وليس على الذاكرة، منهج التعليم في العالم العربي يعتبر الطالب كمبيوتر يُعبأ بالمعلومات فقط، وأيام الامتحان يطالب بأن يكتب المعلومات كما قرأها وحفظها، وهذا تعليم فاشل لا يخرج إلى كمبيوتر مملوء معلومات لكن لا يستطيع أن يمارسها ويطبقها على أرض الواقع، التعليم يجب أن يعتمد على الفن وليس على الذاكرة أي على روح التدريب والتطبيق، لابد أن تقترن المعلومات بمؤثرات صوتية ومرئية، إذا اقترنت المعلومات بمؤثرات صوتية ومرئية ترسخ المعلومة وتتحول من معلومة إرادية إلى معلومة لا إرادية، كما هي طريقتنا في الخطابة أيضاً طريقة غير منتجة لأن الخطيب يصعد على المنبر ويتكلم ساعة وهذا المستمع ربع ساعة مع الخطيب وربع ساعة يلتهي عن الخطيب والربع ساعة الأخيرة يريد الانتهاء فقط، إذن الطريقة المنبرية الروتينية لا تنمي عند المستمع روح التفاعل مع ما يطرح ومع ما ينقل من معلومات، المعلومة لكي ترسخ وتتحول إلى طبيعة لدى المتعلم يمارسها بشكل أتوماتيكي هذه تحتاج إلى مثيرات صوتية ومرئية حتى ترسخ وتتحول مع معلومة إرادية إلى معلومة لا إرادية، كما تُعَلم الأم طفلها اللغة تعلمه إياها مع قرنها بمؤثرات إما صوتية أو بصرية لذلك تتحول اللغة بمرور الوقت عند الطفل من معلومات إرادية إلى معلومات لا إرادية، يتكلم اللغة من دون الحاجة إلى أن يستذكر الألفاظ ويمهد لها، بطريقة لا إرادية يتكلم، هكذا هي التربية النقل من الفعل الإرادي إلى الفعل اللاإرادي.

المحور الثاني: أهداف التربية.

الأهداف تتجلى من خلال معرفة أبعاد شخصية الإنسان: ما هي الأبعاد المتمثلة في شخصية الإنسان؟

هونغ فيلسوف معروف تحدث عن عدة أبعاد في شخصية الإنسان: البعد العقلي، البعد الاجتماعي، البعد الجمالي، البعد الروحي، البعد النفسي.

البعد الأول: البعد العقلي.

علم طفلك كيف يتأمل وليس كيف يحفظ، الحفظ له فترة عمرية معينة فما إن يصل الإنسان إلى ستين أو سبعين سنة حتى يبدأ في النسيان، الحفظ ينتهي، عَلِّمه كيف يفكر وكيف يتأمل فهذا هو ما يبقى معه طول عمره ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 18].

البعد الثاني: البعد الاجتماعي.

كيف يتعامل مع المجتمع بلغة مؤدبة، كيف ينسجم مع قوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] كيف يضبط مشاعره وكيف يضبط انفعالاته، كيف يعيش مع الناس بإحسان وخلق عالي، لأن الإنسان لديه  كما يذكر علماء الأخلاق  عقل فعلي وعقل انفعالي، العقل الانفعالي هو الذي يثير عند الإنسان الغضب والبخل والأنانية، يُثار فيغضب، يُطلب منه شيء فيبخل، يُقال له قدم نفسك فيحرص على الأنا، هذا يسمى عقل انفعالي، العقل الانفعالي هو الذي يكرس الأنا، الغضب البخل، الحرص، العصبية.

أما العقل الفعلي فهو الذي يبعث الإنسان نحو الفضائل ونحو الصدق ونحو الأمانة ونحو الإحسان والتواضع، وهذا الذي تعبر عنه الآية المباركة ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] عقل فعلي يضبط العقل الانفعالي، والعطاء والإحسان هو أجمل صور العقل الفعلي، إذن البعد الاجتماعي هو عبارة عن تحكيم العقل الفعلي على العقل الانفعالي،.

البعد الثالث: البعد الجمالي.

كل إنسان يحب الجمال، ولأن الإنسان يحب الجمال علم طفلك كيف يحيي مواهبة، طفلك يحب الرياضة علمه الرياضة، طفلك يحب التصوير أو الرسم دعه يتعلم الفن، طفلك يحب أن يكون إنساناً فيلسوفاً افتح له المجال، علم طفلك أن يكتسب موهبة وفن ومهارة، ورد عن الرسول محمد : ”علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل“ أي اجعل لديه موهبة من المواهب يمارسها، فن من الفنون يمارسه والسباحة أو الرماية وركوب الخيل هي مجرد أمثلة وإلا أمثلة الفنون والمهارات كثيرة.

البعد الرابع: البعد النفسي.

لابد أن يكون لدى طفلك طموح لا يكفي أن يكون ناجحاً فقط بل لابد أن يكون متميزاً، حاول أن تربي طفلك على أن يكون إنساناً متميزاً، يقول القرآن الكريم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2] عليك أن تربي فيه روح التميز وروح أن يكون أحسن وأكمل وأفضل من غيره، روح التميز هي التي ترضيه، الإنسان كلما رأى نفسه متميز يرضى عن ذاته ويرضى عن أسرته ويرضى عن مجتمعه، يتنقل من طموح إلى طموح، ولكن من يرى نفسه أقل من غيره يصاب بالإحباط ويصاب بالعزلة وقد يكره أسرته ويكره مجتمعه لأنه ليس هو المتميز وليس هو البارز وليس هو الأفضل، علم طفلك على أن يكون إنساناً متميزاً.

البعد الخامس: البعد الروحي.

كل مخلوق ولد على الفطرة، يقول القرآن الكريم: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: 30] ولد الإنسان على الفطرة وفي قلبه ميل إلى ما وراء الطبيعة، في قلبه ميل إلى الفضائل وإلى القيم والمثل الإنسانية ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا «9» وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا «10» [الشمس: 7 - 10] إذن تربية الطفل على تنمية البعد الروحي وغرس القيم والفضائل في ذاته وفي قلبه هدف مهم من أهداف التربية.

المحور الثالث: المنهج العلوي في مجال التربية.

المنهج التربوي العلوي الذي نستقيه من تراث النبي وتراث الإمام علي صلوات الله عليهما وآلهما، كيف نطبق هذا المنهج التربوي على أبنائنا وأطفالنا؟

معالم هذا المنهج التربوي:

المعلم الأول: مراحل النمو.

مراحل النمو يتحدث عنها الإمام أمير المؤمنين يقول: ”ولدك ريحانتك سبعاً وخادمك سبعاً، ثم هو عدوك أو صديقك“ في السبع سنوات الأولى هو ريحانة، طفل رقيق المشاعر يقر عينيك بلعبه وكلامه وقصصه، هو ريحانتك ترتاح له، ثم تأتي المرحلة الثانية «خادمك سبعاً» أي مستعد لما تقول تعلمه الآداب وتعلمه الدين، وتعلمه الثقافة، هو خادم لك قابل لما تلقيه عليه من معلومات، ثم يدخل في مرحلة المراهقة فإما هو عدوك أو صديقك ويكون حسب ما ربيته، فإذا كنت في السبع سنوات الثانية تحاول أن تقترب منه وأن تسمع إليه، وأن تعرف همومه ومشاكله وأن تعرف أوضاعه فسوف يصبح صديقك، أما لو كنت في السبع سنوات الثانية مهملاً له بحجة العمل، والأطفال على أمهم أو على المجتمع أو على المدرسة، وليس عندك وقت للجلوس مع أبنائك وليس لديك فرصة للحديث معهم ولو مقدار ساعة أو ساعتين كل يوم مع أبنائك لتعلمهم وتزرع فيهم القيم، وتزرع فيهم المعارف، فبعملك هذا تحول أبناءك من أصدقاء إلى أعداء «ثم هو عدوك أو صديقك» فاختر أنت شخصية ولدك بنفسك من خلال السبع سنوات الثانية، ورد عن الرسول محمد : ”لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً“ اقترب منه اقتراب الصديق من صديقه.

المعلم الثاني: مواكبة الروح.

نحن الآن في شهر رمضان المبارك ونتيجة أجواء شهر رمضان المبارك يفرض الجو علينا أن نقرأ القرآن ونقرأ الدعاء، وأن نستمع إلى دعاء وزيارة وأن نصلي النوافل، وبعد شهر رمضان تصبح لدينا حالة من الاسترخاء والفتور والنفور، نتوجه إلى حالة من البرود والفتور في مجال العبادة وهذا شيء طبيعي في الإنسان وليس شيء مستغرب، ورد عن الرسول : ”للقلوب إقبال وإدبار فإذا أقبلت فاحملوها على الفرائض والنوافل“ غذي روحك بالنافلة وبالقرآن والدعاء والمناجاة، وإذا أدبرت وانتهى هذا الجو العبادي فاقتصروا بها على الفرائض، واكب روحك، فالروح مثل الموج يصعد وينزل، يحتاج إلى مواكبة، ورد عن الإمام علي : ”إن القلوب تمل كما تمل الأبدان“ طبيعة القلوب هكذا.

إذن اكتشف طفلك متى يُقبل ومتى يُدبر، متى تكون له روح مقبلة ومتى تكون له روح مدبرة، حاول أن تكون تربيتك له في إطار إقباله وإدباره وهذا ما يعبر عنه بمواكبة الروح.

المعلم الثالث: الأدب.

اليوم كثير من الآباء لا يهتم بأدب ابنه ولذلك ترى ذلك الولد لا يحترم ولا يوقر الكبير ولا يتحدث مع أحد بلغة مهذبة لأن هذا الطفل وقته كله في المدرسة ومع أصدقائه، والأب لا يصحبه معه إلى مجالس الكبار ليتعلم الأدب، ولا يصحبه إلى المجالس العامة ليتعلم الآداب العامة، الأدب عنصر ضروري في مجال التربية، الإمام أمير المؤمنين يخاطب ولده الحسن الزكي يقول: ”بني إنما قلب الحدث كالأرض الخالية فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك وينشغل لبك، وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى لو أن شيء أصابك أصابني“ الطفل أرض خالية كلما أُلقي فيها شيء قبلته.

المعلم الرابع: تحكيم العنصر الملكوتي على العنصر الملكي.

كل إنسان فيه عنصر ملكي وملكوتي، العنصر الملكي هو مجموعة الشهوات كشهوة الغضب، الشره وراء الأموال، وشهوة الجنس، ويعبّر عنها القرآن الكريم بالنفس الأمارة ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف: 53] نفس أمارة أي نفس تفرض نفسها عليك.

والعنصر الملكوتي فكل إنسان في داخله نور ملائكي، في داخله نور نقي، في داخله نور يحبب إليه الخير والصدق والجمال والأمانة والحياء والعفة، كل إنسان في داخله عنصر ملكوتي يحتاج إلى تنمية، فعندما نحكّم العنصر الملكوتي على العنصر الملكي نكون أخرجنا إنساناً صالحاً، تقول الآية المباركة: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6] فكيف يكون لديك في البيت ولد لا يصلي! أو في بيتك يعُزف الغناء ويهجر فيه القرآن! ورد عن الرسول : ”إن البيت الذي يُقرأ فيه القرآن تحضره الملائكة وتهجره الشياطين يضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض، وإن البيت الذي يعزف فيها القيان تهجره الملائكة وتحضره الشياطين“ فاختر أنت كيف يكون بيتك، حاول أن تغمر أجواء بيتك بصوت القرآن والدعاء ليحيي هذا الجو حياة روحانية، فبهذا العمل البسيط تملأ أطفالك بالروحانية وتربيهم على الأجواء الروحية، تربيهم على أن يسمعوا نداء الروح ونداء العنصر الملكوتي عوض أن يكونوا منغمسين بالعنصر الملكي ألا وهو عنصر الشهوات والغرائز، انقلهم من عالم إلى عالم.

ولدك لا يصلي هذه كارثة، حاول أن تقنعه وتضبطه على الصلاة ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم: 55] حاول أن تكون صارماً حازماً في مسألة الصلاة، في مسألة الحجاب أيضاً فهناك من يستصغر عمر الطفلة ويستنكر إرهاقها بهذا التكليف من عمر صغير، والحق أن الفتاة إذا أكملت تسع سنوات ودخلت العاشرة فهي مكلفة عند أغلب الفقهاء فهي تحتاج إلى أن تُعلم الصلاة والصوم وسائر التكاليف وتلتزم بالحجاب، هي بنت مكلفة، أنت المسؤول عن الأسرة أولاً وبالذات، وأنت المخاطب بقوله تعالى: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ [التحريم: 6] ولكن ليس المطلوب منك أن تتعامل بالعصا والقوة لا بل تعامل باللطف والإقناع تعامل بالروح الشفافة، اجلس مع طفلتك واقنعها بأهمية وضرورة الحجاب، اجلس مع ابنك علمه بالقناعة والبرهان عن أهمية الصلاة وضرورتها، المهم أن تقوم بمسؤوليتك لا أن تكون مهملاً.

والآن المشكلة التي يطرحها الكثير كيف نتعامل مع أولادنا مع السوشال ميديا، والطفل منفتح على وسائل التواصل ويستقبل من خلال هذا العالم الافتراضي معلومات وأفلام إباحية ودعايات مثلية وألوان وأشكال كثيرة كيف نتعامل معها، أقول له هذه مسؤوليتك، فليست مسؤوليتك أن تذهب للمأتم فقط بل مسؤوليتك أن تجلس مع طفلك، مسؤولية أنت مطوق بها ومحاسب عليها، عليك أن تعرف ماذا يشاهد أطفالك وما هي المعلومات التي يستقبلونها من خلال هذا العالم الافتراضي، ولا عذر لك بعدم المقدرة أو عدم المعرفة تعلم وراقب وقنن، إذا كان الطفل صغيراً ولم يبلغ بعد سن التكليف اجلس معه، واقرأ ما يشاهد، شاهد معه الأفلام التي يشاهدها، شاهد معه الإعلانات التي تصله، شاهد معه المعلومات التي تُغرس في ذهنه بطريقة أتوماتيكية مؤثرة، شاهد معه واقرأ معه واجلس معه حتى يحصل لك معرفة بهذا العالم وبماذا يغذى الأطفال به من قيم فاسده وخطيرة ستؤثر على مستقبل أجيالنا الآتية كلها.

وإذا صار الطفل بالغ ومميز ليست لك عليه ولاية ولكن إذا ظهرت منه أفعال وأمارات تنبئ على أنه يشاهد مثلاً أفلام إباحية أو تنبئ أنه متأثر بأفكار مثلية، أو تنبئ بأنه في طريقة والعياذ بالله إلى الانحراف، فإذا لاحظت علامات استفهام وريب في شخصيته لزمك أن تفتح معه حواراً، ولزمك أن تجلس معه، ولزمك أن تتحدث معه، لا تستطيع أن تقول لا دخل لي وهو بالغ ويعرف مصلحته، هو ابنك وامتدادك ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74] إذن لا مجال لك إلا أن تتفرغ للتربية الصالحة والتربية العالية.

المعلم الخامس: غرس قيم العزة والإباء.

هناك صفة مشتركة ركز عليها الرسول وعلي وأبناء علي ألا وهي صفة العزة والإباء، كيف يكون المؤمن عزيزاً، يقول الإمام علي : ”المؤمن عزيز لا ذليل“ المؤمن هو الذي يفتخر بإيمانه ويفتخر بأهل البيت وولائه، ويفتخر ويعتز بتراثه العميق، المؤمن هو الذي لا يذل أمام أي إعصار وأي عاصفة وأي نازلة، متمسكاً ثابتاً على طريقه ودربه درب الإيمان، هذه الصفة صفة العزة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] يقول الرسول : ”لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه“، ويقول علي أمير المؤمنين : ”لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، والله لو كان المال لي لساويت بينهم فكيف والمال مال الله“.

وهذا الحسين بن علي يقول: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجذور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام“.

نعم علي تجلت عزته يوم الطف في عزة أبنائه، العباس جسد علياً، والحسين جسد علياً، والأكبر جسد علياً، تجلى علي في أبنائه، يقول الشاعر:

أبَا   حَسَن  إنَّ  الذين  عَهِدْتَهُمْ   ثِقَالَ  الخُطَى إلاَّ لِكَسْبِ الفَضَائِلِ
أُعَزّيكَ  فيهم  يَا لَكَ الخيرُ iiإنَّهم   مَشَوا لِوُرُودِ الموتِ مِشْيَةَ iiعَاجِلِ
أرادت  بنو  سُفْيَانَ  فيهم  مَذَلَّةً   وذلك  من  أبناك صَعْبُ iiالتناولِ
متى  ذَلَّ  قومٌ  أنت خَلَّفْتَ iiفيهِمُ   إباءً   به  يندقُّ  أَنْفُ  iiالُمجَادِلِ
نَعِمْتَ  بهم عيناً فَقَدْ سَار ذِكْرُهُمْ   كما قَدْ فَشَا معروفُهُمْ في القَبَائِلِ