المذهب الإقتصادي في العهد العلوي

1443-09-20

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود: 61]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتناول ثلاثة محاور:

  • في تعريف المذهب الاقتصادي.
  • في ركائز المذهب الاقتصادي.
  • في معالم المذهب الاقتصادي الإسلامي في العهد العلوي للإمام أمير المؤمنين علي .
المحور الأول: في تعريف المذهب الاقتصادي.

هناك فرق بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد، علم الاقتصادي هو علم مستقى من علمي التاريخ والسياسة منذ أربعة قرون، منذ أن بدأ النظام الرأسمالي يخطو خطواته نشأ علم الاقتصاد؛ وهو علم يدرس الحياة الاقتصادية وظواهرها والعوامل المؤثرة فيها، أما المذهب الاقتصادي فهو عبارة عن النظام والمنهج الذي يضبط التوازن بين الإنتاج والتوزيع، كل مجتمع فيه اقتصاد لأن فيه إنتاج وفيه توزيع، لذلك كل مجتمع يحتاج إلى مذهب اقتصادي أي يحتاج إلى نظام ومنهج يضبط التوازن بين الإنتاج والتوزيع، وهذا ما يعبَّر عنه بالمذهب الاقتصادي.

وتختلف المذاهب الاقتصادية لاختلاف رصيدها، قد يكون الرصيد فكري، وقد يكون الرصيد قيمي، وقد يكون الرصيد سياسي، مثلاً يختلف المنهج الاقتصادي الإسلامي عن المنهج الاقتصادي الرأسمالي في المنطلق، المنهج الاقتصادي الرأسمالي منطلقه ومحوره الإنسان، ولأن محوره الإنسان فهو يركز على حرية الإنسان، ولأنه يركز على حرية الإنسان فهو يركز على أن من حرية الإنسان أن يحصل على الثروة بأي طريق شاء، ولذلك يبيح المذهب الاقتصادي الرأسمالي تحصيل الثروة عن طريق الفائدة الربوية لأن الإنسان حر في أن يحصل على ثروته من أي طريق ما دام محور الحياة هو الإنسان، بينما المذهب الاقتصادي الإسلامي لا يرَ المحور هو الإنسان بل المجتمع ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13] ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران: 110]، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً [البقرة: 143] أي أن المحورية للمجتمع وليس لفرد الإنسان، فتتكرر كلمة الأمة في القرآن الكريم لترشدنا إلى أن المحورية في الفكر القرآني والإسلامي للأمة والمجتمع وليس للإنسان الفرد، لذلك يمنع الإسلام استحصال الثروة التي تدعو إلى حصول طبقية في المجتمع، يمنع الإسلام من أي طريق تكون تحصيل الثروة فيه لصالح طبقة على حساب طبقة أخرى، لذلك يمنع من الربا والاحتكار؛ لأنه يفتح باب الطبقية وباب التفاوت بين مراتب المجتمع الإسلامي ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة: 279].

المحور الثاني: في ركائز المذهب الاقتصادي.

الإسلام عنده منهج اقتصادي، لا نقول هو اقتصاد إسلامي لأنه لا يوجد شيء كذلك، بل إن الاقتصادي هو ما يعتمد على عاملين إنتاج وتوزيع، فالاقتصاد قضية اجتماعية إنسانية لا علاقة لها بالإسلام، والإسلام أسس منهج لضمان التوازن بين الإنتاج والتوزيع، ولم يؤسس اقتصاد، إنما للإسلام منهج في مجال الاقتصاد يسمى بالمذهب الاقتصادي الإسلامي مقابل المذهب الاقتصادي الرأسمالي، مقابل المذهب الاقتصادي الاشتراكي ليس إلا.

ركائز المذهب الاقتصادي الإسلامي أربعة:

  • الركيزة الأولى: كمال الإنسان بالطبيعة ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود: 61] أنتم أبناء الأرض إذن إنسانيتكم بالأرض، فلو أن الإنسان خُلق في غير الأرض لم يكن إنسان، ولو لم يتعامل الإنسان مع الطبيعة لم يكن إنسان، فالإنسان ابن الطبيعة وكماله أن يستثمر الطبيعة وأن يستعمرها، إذن الركيزة الأولى من ركائز المذهب الاقتصادي هي إعمار الطبيعة وإقامة الحضارة على هذه الأرض، واستثمار طاقاتها ومعادنها.
     
  • الركيزة الثانية: تلاقح الطاقات والتجارب، عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات: 13] التعارف ليس معناه معرفة النسب بل هو عبارة عن تلاقح الطاقات والخبرات، لكل شعب طاقات وخبرات إذا تلاقى شعب وشعب، حضارة وحضارة، وتلاقحت الطاقات والخبرات أنتجت حضارة إنسانية على الأرض، لذلك لا يستغنِ المجتمع الشرقي عن المجتمع الغربي، ولا يستغنِ المجتمع الغربي عن طاقات المجتمع الشرقي، تفاعل الطاقات والخبرات هو الذي يؤسس لحضارة إنسانية على الأرض.
     
  • الركيزة الثالثة: التعاون ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]
     
  • الركيزة الرابعة: الأخوة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103] وهذا هو الفارق بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، الحضارة الإسلامية تقوم على مبدأ الأخوة، الشعب لابد أن يعيش أخوة، يرحم بعضه بعضاً، يعطف بعضه على بعض، يُعين بعضه بعضاً، لابد أن تكون هناك روابط الأخوة واضحة في الشعب حتى تصبح الحضارة حضارة إنسانية، وحتى تصبح الحضارة هي الحضارة التي طلب الله إقامتها وترسيخها على الأرض، الحضارة القائمة على مبدأ الأخوة.
المحور الثالث: في معالم المذهب الاقتصادي الإسلامي في العهد العلوي للإمام أمير المؤمنين علي .

كتب الإمام علي عهداً لمالك الأشتر، وكثير ممن يحاول أن يغض النظر عن العهد ولا يقرأ ما فيه، ولكن هناك مجموعة من الباحثين المنصفين ركزوا على العهد، الإمام محمد عبده المصري الذي شرح النهج يقول: لا توجد وثيقة تتحدث عن المنهج الاقتصادي الإسلامي بشكل متكامل إلا عهد الإمام علي بن أبي طالب لمالك الأشتر، القرآن فيه آيات تتحدث عن الاقتصاد لكنها آيات متفرقة تتحدث عن جوانب مختلفة، السنة النبوية كذلك، أما وثيقة تتحدث عن الاقتصاد، مناشئه، مراحلة، معالمه بشكل متكامل، فأول وثيقة نحصل عليها في هذا المجال العهد العلوي من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمالك الأشتر.

الدكتور طالب فارس دكتور عراقي متخصص في مجال الاقتصاد له عدة مقالات حول العهد العلوي من الإمام أمير المؤمنين لمالك الأشتر، والسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره في كتابه اقتصادنا ركز على العهد العلوي في شرحه للمذهب الاقتصادي الإسلامي، رويا متحدة باحث أمريكي ركز في عدة لقاءات له على العهد العلوي الذي تضمن خارطةً للمذهب الاقتصادي الإسلامي من قبل الإمام أمير المؤمنين علي .

المذهب الاقتصادي في تراث علي بن أبي طالب، في كلمات علي بن أبي طالب له عدة معالم نتحدث عنه:

المعلم الأول: التركيز على العدالة.

لاحظ الإمام يبدأ في النهج الشريف وفي هذا العهد الشريف بالتركيز على العدالة، عندما يقول الإمام علي : ”أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك هوى من رعيتك فإن إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل“ عدل، إنصاف، ووسطية هي منطلقات المذهب الاقتصادي، العدل هو وضع الأشياء في مواضعها، مثلاً عندما نريد أن نحدد القيمة التبادلية لقلادة ذهب فهناك عدة عناصر اشتركت في قلادة الذهب، المادة، الآلة التي حولت هذه المادة إلى ذهب، الفن والخبرة والجهد الذي قام به صانع القلادة، والتاجر الذي نقل القلادة من المصنع ووفرها بيد المستهلك، عدة عناصر تدخلت في هذه القلادة فإذا أردنا أن نحدد قيمتها هل نوزع القيمة على العناصر الأربعة أم نجعل القيمة بإزاء ما قام به صانع القلادة من خبرة وجهد وفن؟ توزيع القيمة التبادلية على العناصر كلها أو حصرها في بعض العناصر هو ما يرتبط بمبدأ العدالة، العدالة أن تضع الأشياء في مواضعها، تدرس القيمة التبادلية للسلعة بلحاظ جميع العناصر والعوامل التي تدخلت في إيجادها وتوفيرها بيد المستهلك، هذا يسمى عدالة.

والإنصاف هو تطبيق العدالة، العدالة ملكة والإنصاف تطبيق لها، كما التقوى ملكة والعبادة تطبيق لها، وأما الوسطية فهي عبارة عن القوانين الاقتصادية المتحركة التي تضمن مواكبة النظام للمستجدات، وهذه القوانين المتحركة تعبِّر وتجسد حالة الوسطية.

المعلم الثاني: مفردات هذا المذهب الاقتصادي في العهد العلوي المباركة:

المفردة الأولى: هل أن التجارة إنتاج أم تداول؟ في العرف الاقتصادي الآن يُعتبر التاجر وسيط بين المنتج والمستهلك، فالتاجر ليس منتجاً، ولكن الإمام أمير المؤمنين علي يرى التاجر منتج، يرى أن التجارة إنتاج لأنه يعبِّر عن التجار بأنهم مواد المنافع ”ثم استوصي بالتجار وذوي الصناعات وأوصي بهم خيراً، المقيم منهم والمضطرب بماله، والمترفق ببدنه فإنهم مواد المنافع“ فالتاجر عنده خبرة وجهد ورأس مال، فمن يبذل رأس مال ويبذل خبره ويبذل جهد ويبذل فن في سبيل توفير السلعة بيد المستهلك بأفضل حالة يعتبر منتجاً ويعتبر مادة من مواد المنافع كما عبَّر الإمام أمير المؤمنين علي .

المفردة الثانية: المنع من الاحتكار، ”واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة“ الاحتكار باب مضرة للعامة، جماعة تلعب في قوانين العرض والطلب داخل السوق حتى تحتكر السلعة فيزداد الطلب ويقل العرض، وإذا ازداد الطلب وقل العرض أصبحت قيمة السلعة قيمة عالية لا يستطيع الوسط من الناس أن ينال من هذه السلعة أو يستفيد منها، فهذا احتكار، ولابد من قرار من أرباب القرار لمنعه.

واليوم لدينا صور أخرى من الاحتكار، مثل الشركات العالمية المعروفة والبنوك العالمية المعروفة هي التي تحتكر الاستثمار، لذلك أغلب الناس تكون ثروته أسيرة بيد الشركات العالمية والبنوك المعروفة لهذا اتجه كثير من الناس إلى تداول العملات الرقيمة حتى يتحرر من أسر هذه الشركات الغول وهذه البنوك المستعمرة ليتحرر منها، فأصبح يدخل عالم العملات الرقمية ليحفظ ثروته أو لكي ينمي ثروته بطريقة سهلة لا تكون ثروته بها أسيرة لهذا البنك أو لهذه الشركة.

المعلم الثالث: دور السلطة في ضبط المذهب الاقتصادي.

هناك عدة مجالات يستطيع أرباب القرار ضبط المنهج الاقتصادي:

المجال الأول: إدارة الموارد الطبيعية.

”هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصراً قال: عمارة بلادها واستصلاح أهلها، وجهاد عدوها، وجباية خراجها“ ذِكْرُ هذه العنوانين الأربعة في سطر واحد يرشد إلى أن الإمام علي يطلب من أرباب القرار التوازن بين الإنتاج والتوزيع، عمارة بلادها وجباية خراجها، عمارة بلادها إنتاج، جباية خراجها توزيع، التوازن بين جباية خراجها وعمارة بلادها، ثم يقول: واستصلاح أهلها، مثلاً جائحة كورونا أسرعت بعالم التجارة والاقتصاد إلى التحول الرقمي، هذا التحول الرقمي كان سيحصل بعد خمس أو ست سنوات ولكن جائحة كورونا أسرعت به، فأصبحت شركات عالمية تتخلص من الأيدي العاملة، لأنها لا تحتاج إلى أن تفتح مكاتب وتتحمل كلفة تأثيثها وصيانتها والمواصلات ومداراة عمالها، كل هذا يأخذ من ميزانيتها، فاستغنت عن ذلك عن طريق العالم الافتراضي الرقمي، توفر أيدي عاملة من خلال هذا العالم بكلفة أسهل وأيسر دون أن تتحمل عبء فتح المكاتب واستجلاب الأيدي العاملة من كل مكان، وهذه تعتبر بداية لثورة، فعندما تراجع التقارير الاقتصادية تجد أن العالم مرت عليه أربع ثورات اقتصادية:

  • الثورة الأولى في القرن الثامن عشر عندما اخترع الإنسان المحرك البخاري فاستغنى في إدارة الزراعة عن الحيوانات والإنسان الذي كان يتحمل عبء هذه الأمور.
     
  • الثورة الثانية عندما اخترع الإنسان الكهرباء وأصبح يعتمد على الطاقة أكثر من اعتماده على الإنسان.
     
  • الثورة الثالثة التحول الرقمي، الانتقال إلى العالم الافتراضي.
     
  • الثورة الرابعة: فيدافوس عام 2016 بشَّر مؤتمر دافوس بأنه خلال سنوات قادمة سيدخل الاقتصاد كله في العالم الافتراضي، فلن تجد عملة تُتداول، ولن تجد مكاتب مفتوحة، ولن تجد كل هذه الحركة الحسية المادية، سيدخل العالم كله في العالم الافتراضي؛ لأن الإنسان سيمتلك القدرة الهائلة على اختراق تكنولوجيا العالم الافتراضي، وعلى اختراق الطاقة الانترنتية، وبالتالي كل العالم سيتعامل بالأرقام ولن يتعامل بأي شيء آخر.

إذن أين الأيدي العاملة وأين سيكون الإنسان، وأين سيكون موضع الإنسان؟ الإنسان إذا لم يعمل يموت، الإنسان يحتاج إلى أن يحرك جسده وعقله، ويبدع بالفن والجهد والخبرة لكي يسهم في بناء الحضارة، من هنا يرى الإمام أمير المؤمنين أنه لابد أن يكون من بنود المذهب الاقتصادي توفير الأيدي العاملة واستصلاح أهلها.

المجال الثاني: فرض الضرائب.

لا يوجد مجتمع ليس فيه ضرائب، الضرائب تزيد من الميزانية، وتغطي كثير من الفراغات، فلابد من وضع ضرائب بالنحو الذي ينسجم مع المعدل أي معدل ارتفاع المال المعيشي، الإمام علي وضع ضرائب في عهده، الزكاة معروفة في الأنعام الثلاث: الإبل والبقر والغنم، وزاد على ذلك الإمام علي وفرض الزكاة في الخيل العتاق وفي البرادين، ضرائب فرضها من أجل رفع ميزانية الدولة وتغطية الفراغات والمساحات الشاغرة آنذاك.

المجال الثالث: رعاية القطاع العام.

”وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج“ أي لا تهتم أن تأخذ من الناس، بل أهتم أكثر بالإعمار والبناء والصنع، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج فإن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج من غير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، هناك فرق بين التنمية الاقتصادي والنمو الاقتصادي، النمو الاقتصادي هو عبارة عن قراءة أو دعم ارتفاع معدل رأس المال والتنافس الإقليمي في مجال التعليم والصحة والأمن، أما التنمية الاقتصادية فهي وضع خطط تطويرية من أجل تطوير جميع موارد النماء الناتج المحلي الإجمالي، لذلك وضع هذه الخطط بيد أصحاب القرار، والإمام يركز على ذلك أن في وضع هذه الخطط إعمارٌ للأرض ”وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج“ مثلاً الصين اليوم تدعم شركات الإنتاج بمبالغ ضخمة من أجل أن تغطي الصين كل السوق العالمية، الصين اليوم غول عملاق يريد أن يغطي السوق العالمية بكل منتجاته ومصنوعاته ومخرجاته بأيسر سعر وأجود هيئة وبالتالي يعجز الغرب عن منافسة الصين، الصين بلد يدعم شركات إنتاجه في سبيل أن يكون معدل الإنتاج عنده يجعله البلد الأول في هذا المجال، وهذا نتيجته أغلب العالم ستتعطل فيه الشركات الخاصة ويذوب الإنتاج المحلي لأن المنتجات الصينية ستغطي كل الأسواق وسيكون بإمكان الإنسان أن يحصل على السلع التي يريدها بأرخص سعر وأفضل جودة بلا حاجة إلى أن يجهد نفسه أو يدفع المبلغ الأوفر في سبيل أن يحصل على السلعة المحلية أو المنتج المحلي، من هنا يركز الإمام أن وظيفة صناع القرار دعم الإنتاج المحلي، ودعم الشركات المحلية المنتجة ”وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في جباية الخراج“

المعلم الرابع: الضمان الاجتماعي.

كل دولة فيها ضمان اجتماعي كدور عجزة، جمعيات خيرية، لجان معينة، بعض البلدان فيها حساب المواطن أي ينزل راتب للمواطن يسهم في دعمه ودعم وضعه، هذا يسمى ضمان اجتماعي، الإمام أمير المؤمنين يتحدث عن الضمان الاجتماعي فيقول: ”الله الله بالطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمنى فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً فاجعل لهم قسماً من بيت المال، وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وتعهد ذوي اليتم منهم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه“ الإمام أمير المؤمنين علي رأى رجلاً يتسول قال: ما هذا؟ قالوا: هذا رجل نصراني كبر سنه وعجز عن العمل فأصبح يتسول. قال: استخدمتوه حتى إذا كبر تركتموه يتكفف الناس! أعطوه من بيت مال المسلمين. صحيح أنه رجل نصراني ولكنه مواطن في الدولة فله حق المواطنة، له نصيب كل مواطن، إذن يُعطى من الضمان الاجتماعي الراتب الذي يكفل له رزقه وحياته، وهكذا كان الإمام أمير المؤمنين علي ، كان يعيش عيشة المساكين وعيشة الفقراء، كان يخصف نعله ويرقع ثوبه، ويأكل الخبز اليابس، يرش عليه الملح والخل، ويحمل جراب الطعام باللحم والخبز يدور به على فقراء الكوفة ينعشهم ويسقيهم ويطعمهم بأبي هو وأمي لا يفتأ عن ذلك أبداً، كان بنفسه يدور على فقراء الكوفة، وكان بنفسه يدخل على العجوز وينظفه ويصلح مكانه ويسقيه ويطعمه إلى أن صارت الليلة الواحد والعشرين ومرت الليلة التاسعة عشر فقد الفقراء شخصاً يمر عليهم، فقد الفقراء إنساناً حنون عطوف يدور على بيوتهم.