حوار حول محاضرات محرم الحرام 1444

1444-01-12

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]

في هذه الأيام والليالي الماضية تشرفنا جميعاً بحضور سماحة العلامة السيد منير عدنان الخباز المعروف لدى المتابعين والمؤمنين في شرق هذه الأرض وغربها، وهو غني عن التعريف وقد استمتع واستمع وتعلم واستفاد منه جميع الأخوة الذين حضروا هذه المجالس الشريفة من أول ليلة إلى هذه الليلة، وكان لوناً وعلماً وصورة أخرى من صور العطاء التي رفد بها ولا زالَ علماءُ المذهب الشريف مراجعنا العظام رحم الله الماضين منهم وحفظ الله الباقين، وهذا كله من ثمرات وبركات صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، أن يحل في مدينتنا هذه وفي هذه المؤسسة مثل سماحة السيد الأجل السيد الأستاذ منير الخباز حفظه الله تعالى ورعاه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يكون هذا هو المجلس الأخير أو اللقاء الأخير ونتمنى من سماحته أن يكرر المجيء إلينا وزيارتنا، ونحن تشرفنا ولا زلنا نتشرف بحضوره وخدمته وبالخصوص خادمكم الذي رافقه هذه الفترة، فكان عالماً متواضعاً جليلاً تقياً حفظه الله تعالى ورعاه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا هذه النعمة وهذه البركة، وجميع الإخوان الذين استمعت إليهم والذين كانوا يتصلون بنا، فقد كانوا فرحين ومسرورين وهم في حالة من الارتياح لوجودكم سماحة السيد، وأيضاً سماحته عندما يتحدث عنكم يتحدث بكل احترام وتقدير وكان في هذا المجلس وباقي المجالس أيضاً التي حضرها كان مرتاحاً ومسروراً وحل عليكم وعلينا ضيفاً كريماً وعالماً وأستاذاً وفقيهاً وخطيباً وأخاً عزيزاً فأهلاً وسهلاً ومرحباً سيدنا الجليل الأجل، وأيضاً نحن نشكره جميعاً ولا يختلف معي أحد بأن الشكر للسيد على ما قدمه من المحاضرات والمعلومات الدقيقة جداً التي قلما يطّلع عليها إنسان، قد ينظر البعض أن أصحاب الحوزة والأساتذة فيها قد لا يطلعون، بل هم مطلعون جداً وهذا مثال عظيم على أن الأساتذة في الحوزة العلمية والعلماء مطلعين على ما يكون بعيد عنهم ولكنه قريب بمعلوماته لديهم، وأنه أعلم ممن يكون في مثل هذه البلدان وبالفعل كان سماحة الأستاذ الجليل هكذا.

وهذه مداخلات تفضلت بها السيدة زينب بنت السيد منير الخباز جاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، بعد الاستماع لمحاضرات الليلة الثانية من المحرم للوالد العزيز سماحة السيد منير الخباز تكونت في ذهني عدة مداخلات نابعة من حبي للاطلاع ومتابعة شغفة للمحاضرات الثقافية وسألخصها فيما يلي:  علي في هذا المقال أن أثير تساؤلات البعض للحصول على الأجوبة الوافية من سماحة الوالد 

المداخلة الأولى: أفاد سماحة الوالد بوجود دراسات أقيمت لمعرفة حقيقة الوعي بعد الموت بالرجوع إلى مقال منشور في الصحيفة العلمية الإلكترونية، وهو موضوع شائك ومحل جدل بين العلماء والمفكرين، إلَّا أني وجدت بناء على اطلاعي السابق على هذا المقال أن المذكور هو فرضية مستفادة من عدة حالات تعرضت للسكتة القلبية، ولا تصل بمستواها إلى كونها حقيقة علمية يصح طرحها لإثبات مسألة الوعي بعد الموت.

جواب سماحة السيد: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ «17» الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 17 - 18]

أشكركم جميعاً على تحملكم طول المحاضرات وكثرة المعلومات الملقاة فيها ومتابعتكم لهذه المحاضرات بالمداخلات والأسئلة دمتم موفقين ومؤيدين إن شاء الله تعالى.

المداخلة الأولى هناك جوابان عليها:

أولاً: البعض يقول لا يمكن أن ندعم الدين بنظرية علمية ما لم تتحول هذ النظرية إلى حقيقة، والدراسات التي استشهدنا بها لم تصل إلى مستوى الحقيقة حتى تُعتبر دليلاً علمياً لإثبات الوعي بعد الموت، نحن نقول هذه الدراسات التي تم الاستناد إليها لم نستند إليها لإثبات التواصل مع الغيب حتى يقال لنا بأن هذه نظريات لا تثبت ولا تؤدي إلى اليقين بالتواصل مع الغيب، إنما استندنا إلى هذه الدراسات مقابل فكرة أخرى، فهناك فكرة أخرى يطرحها البعض وهي أن القضايا الغيبية لا مجال للعلم فيها، وأنها مثل القضايا الخرافية والأسطورية لا يمكن أن نتحدث عنها بمنطق علمي، نحن في مقابل هذه الفكرة نقول نعم القضايا الغيبية يمكن الحديث عنها بمنطق علمي وليست من القضايا الخرافية، والدليل على أنه يمكن الحديث عنها بمنطق علمي أن هناك دراسات أقيمت حسب ما نقلته المجلة العلمية الإلكترونية أن هناك دراسات أقيمت لإثبات الوعي بعد الموت، فهذه الدراسات وإن لم تتحول إلى حقيقة علمية لكنها تحدثت عن الغيب بمنطق علمي، وليس بمنطق أسطوري وخرافي.

ثانياً: بما أن هذه الدراسات اعتمدت على معايير علمية  المجلة العلمية الإلكترونية لا تأخذ دراسات بدون أن تعتمد على معايير علمية صارمة  وأثبتت أن هناك وعي للإنسان بعد الموت فلنفترض أن هذه الدراسات ما زالت مجرد دراسات ونظرية علمية ولكننا نستفيد منها أن الموت ليس عدماً، بل هناك شيء يحصل بعد الموت، قد لا نستطيع أن نعممها لكل من مات، ولا نستطيع أن نعممها لمختلف الظروف لأنها لم تتحول إلى حقيقة بعد، لكن نستطيع أن نعتمد عليها في أن هناك دراسات علمية تؤكد ما يؤكده الدين؛ وهو وجود حالة للإنسان بعد الموت وليس الموت مجرد فناء وزوال.

سؤال: انطلاقاً من مفهوم الحرية في خطاب الإمام الحسين إلى آل أبي سفيان عندما قال لهم إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً، وقد أفضتم علينا بمحاضرة سابقة عن مفهوم الحرية وقارنتم مفهوم الحرية في الغرب والحرية في الإسلام، هل أن خطاب الإمام الحسين فقط في ذلك الوقت ينطبق على آل أبي سفيان أما أن الخطاب ما زال ينطبق علينا نحن؟ ونحن خرجنا من بلادنا ومن الحكومات التعسفية للتخلص من الظلم واستقرينا في هذه البلاد وتنعمنا بقوانينها فهل بقاؤنا في هذه الدول هو خطيئة؟

جواب سماحة السيد: أن قول الحسين للجيش المقاتل له «يا آل أبي سفيان إن لم يكن دين فكونوا أحراراً في دنياكم» هذا الخطاب يتوجه إلى كل إنسان، يعيش في الشرق أو في الغرب، يعيش في دولة جميلة أو غير ذلك، المقصود بهذا الخطاب كن مستقلاً في قرارك، أنت إذا أردت أن تتخذ قرار فخذه باستقلال وقناعة ولا تتخذ قرارك مجاملة لأحد ولا حياء من أحد، كن مستقلاً في قرارك وأن يكون نابعاً من دراسة وتدبر، وهذا لا فرق فيه بين جميع الناس.

المداخلة الثانية: تعرض سماحته في المحاضرة إلى تأثير الفراشة «نظرية الفوضى في الرياضيات» والتي تفيد بأن الأفعال أو الأحداث الصغيرة من المحتمل أن تكون سبباً معداً لسلسلة تؤدي لوقوع أحداث فادحة وخطيرة ولو في المستقبل، ولكن أجد أن هذه النظرية تطرح تأثيراً مادياً يفسر ترابط الأحداث المادية، بينما موضوع المحاضرة يدور حول التأثير الغيبي أي تأثير الصدقة أو الصلاة في تحقيق حاجات الإنسان تأثيراً غيبياً مما قد يجعل وجه القياس بين الأمرين غير متطابق؟

جواب سماحة السيد: مقتضى السنخية  كما يقال في الفلسفة  بين العلة والمعلول «المؤثر والأثر» أن يكون الأثر من سنخ المؤثر، هذا صحيح، وتأثير الفراشة كما مثَّلنا هو مقبول رياضياً لأنه في عالم الإمكان الرياضي أمر ممكن، وهذا التأثير هو تأثير مادي، الفراشة أمر مادي والإعصار أمر مادي.

ولكن حتى الصدقة والصلاة هي أشياء مادية، الصدقة هي عملية مادية يقوم بها الإنسان، والصلاة هي عملية جسدية يقوم بها الإنسان، فكما أن للصدقة عنصر غيبي وهو القرب من الله فإن لها عنصر مادي وهي أنها عملية خارجية يقوم بها الإنسان، غاية ما في الأمر أن الأثر المادي قد يقع في المستقبل بعد عدة سنين، وقد يقع ولا يشعر الإنسان بوقوعه، ولا يشعر بأنه نتج عن تلك الصدقة الصغيرة التي كانت قبل سنين وهذا هو وجه التطابق، بين رفرفة الفراشة في بلد وحدوث الإعصار في بلد آخر تأثير لكنه تأثير لا يشعر به الإنسان، كذلك الصدقة وبين أثرها المادي الذي يحصل بعد سنة أو بعد شهور، فقد يحصل تأثير مادي ولكن دون أن يشعر به الإنسان، إلا أنه بحسب إطار عالم الرياضيات كما أن الأول ممكن الحدوث، الثاني أيضاً أمر ممكن.

سؤال: ذكرتم الغيب وأنه يُدرك بالعلم، ولكن على حسب معلوماتي وما سمعته من بعض المراجع أن الغيب ما لا يدرك عقلاً فهل هناك أنواع للغيب؟ وكيف التوفيق بين هذين القولين؟

جواب سماحة السيد: لعل المقصود مما ذُكر أنه الغيب هو غيب ما بعد الموت أو الغيب الذي هو عبارة عن فعل الله تبارك وتعالى، فهو غيب لا يمكن إثباته بالأدلة العقلية إنما يمكن إثباته بالوجدان أو يثبت عن طرق علمية تجريبية، لكن لا يمكن إثباته بالعقل وحده، لعل المقصود من هذه المقالة التي نقلتموها أن إثبات وجود الغيب بالدليل العقلي وحده لا يتم، نحتاج إلى ضميمة إما ضميمة من الوجدان أو ضميمة من تجربة علمية خارجية وإلا العقل وحده لا يمكن أن يصل إلى إثبات الغيب.

المداخلة الثالثة: ذكرتم سماحتكم أن الدول الإسلامية على الرغم من تخلفها في مجالات علمية كمجال التكنولوجيا إلا أنها أقل من الدول الغربية من حيث حجم الأمراض النفسية وكثرة العيادات النفسية مما يجعل شعوبها تتقدم من ناحية الصحة النفسية إلا أنه قد يقال بأن الواقع يشكو من خلاف ذلك، فبناء على اهتمامي بموضوعات الصحة النفسية ومعرفتي بعدة متخصصين كشفوا عن مشكلة تأخر الشرق الأوسط في العلوم النفسية والاجتماعية، فمن ناحيةٍ أدى ذلك إلى ندرة الكفاءات في هذا المجال وأخَّر بلاد الشرق عن افتتاح القدر الكافي من العيادات النفسية، ومن ناحيةٍ أخرى أدى إلى انخفاض الوعي العام وثقافة الاهتمام بالصحة النفسية ومراجعة الطبيب للكشف عن كمية الأمراض الموجودة والقيام بإحصائيات واقعية تصح بها المقارنة.

جواب سماحة السيد: أولاً الاضطرابات النفسية على نوعين: اضطرابات نفسية تنشأ عن توتر الجو الأسري، وتنشأ عن حرمان، وتنشأ عن مواقف عدائية، هنا يشترك الشرق والغرب فيها بلا فرق، وهناك نوع آخر من الاضطرابات النفسية وهو الاضطراب النفسي الناشئ عن الشعور بالعزلة الاجتماعية أو الشعور بالوحدة الاجتماعية، أو الشعور بعبثية الحياة وأنه لا يوجد هدف في الحياة، هذا النوع من الاضطراب النفسي في الغرب أكثر منه في الشرق، اضطراب نفسي ينشأ عن الشعور بالعزلة الاجتماعية ليس موجوداً في الشرق إلا نادراً، وهو اضطراب نفسي ينشأ عن الشعور بأن الحياة عبث لا هدف فيها، إذن عندما نقول الشرق أقل من حيث الاضطرابات النفسية من الغرب نقصد نوع معين من الاضطرابات النفسية وهي الاضطرابات النفسية الناشئة عن الشعور بالعزلة الاجتماعية أو الشعور بعبثية الحياة.

ثانياً: يمكن لنا أن نقول هنا بأنه لنفترض أنه لا توجد إحصاءات علمية عن نسبة الأمراض والاضطرابات النفسية بالنسبة إلى الشرق لكن لا إشكال أن هناك إحصاءات معدل حالات الانتحار في الدول الغربية أضعاف وأضعاف ما هو في الشرق، هذا لا شك فيه ولا جدال، ولا يمكن أن يكون معدل حالات الانتحار في الغرب أضعاف الشرق إلا لأن مناشئ الاضطرابات والقلق النفسي في الغرب أكثر منها في الشرق وهذا ما أردنا الوصول إليه وهو أن الرصيد الديني في الشرق ساعد على تقليل هذه الاضطرابات المؤدية إلى تفاقم حالات الانتحار.

سؤال: تفضلتم في الليلة الثانية بآية ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك: 1] وتطرقتم إلى الملك والملكوت والفرق بينهما، والسؤال هنا عن الانفجار العظيم هل حدث كما تفضلتم قبل 13.8 مليار سنة، وما الذي كان قبل الانفجار العظيم؟ الله سبحانه وتعالى هو أزلي فما الذي كان قبل الانفجار وأين كان ملكوت الله سبحانه وتعالى؟ وهل هنالك أحاديث من مناهل أهل البيت تؤيد هذه النظرية؟

وفي اليوم العاشر تفضلتم بتلاوة الآية ﴿أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد: 41] قلتم أنه للآن التفاسير والتأويلات التي طُرحت أننا لم نعرف ما معناها بينما من مصادر كثيرة تذكر أن معناها هو موت العلماء فهل هذا يتناسب مع ما تفضلتم به؟

جواب سماحة السيد: نظرية الانفجار العظيم تبقى نظرية وليست حقيقة علمية حتى نبني عليها ونقول بأن الأحاديث تؤيدها، ثانياً أنتم ذهبتم إلى العالم المادي ولكن العوالم لا تنحصر في العالم المادي، العالم المادي كان قبل 13.5 مليار سنة ويوجد عوالم أخرى مثل عالم الجبروت وهو عالم العقول، وعالم الملكوت وهو عالم الأرواح والملائكة والأشباح. يوجد عوالم أخرى غير العالم المادي، وعمر العالم المادي 13.5 مليار سنة لا أنه عمر كل العوالم حتى نقول ماذا كان قبل هذا العالم! كانت هناك عوالم أخرى.

ومن جهة أخرى نحن عندما نقول أن الله أزلي فإن وجود الله أزلي لا أن فعله أزلي، الخلق فعله، وكونه أزلي لا يعني أن خلقه أزلي، أزلية الذات لا تستلزم أزلية الفعل، لا ملازمة بين أزلية الذات وأزلية الفعل، الله أزلي سرمدي ولكن فعله تبارك وتعالى الذي هو الخلق أو الرزق أمر حادث وليس أمر أزلي.

وأما جواب الشق الثاني من السؤال عن معنى الآية الذي ذكرتموه أن المراد بها هو موت العلماء فهو تأويل ونحن لا نتكلم بالتأويلات، نحن نتكلم عن حقيقة علمية، فهل وصل المحللون إلى الحقيقة العلمية للآية أم لا؟ ما ذكرتموه ليس تأويلاً علمياً أي ليس مادي، ونحن قسناها على الآيات المادية مثل آية ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً [النمل: 88] قلنا أن العلم توصَّل إلى حقيقةٍ ماديةٍ لهذه الآية، فهل توصلوا إلى حقيقة مادية للآية ﴿أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا؟ ما معنى هذا النقص مادياً وجيولوجيا؟ إلى الآن لم يُتوصل إلى ذلك، فنحن ناظرون إلى الحقيقة العلمية المادية ولسنا ناظرين إلى تأويلات قد ذكرها بعض المفسرين أو تناولتها بعض الروايات الشريفة.

سؤال: تحدثتم عن الابتلاء وتعرض الإنسان إلى الصعاب في حياته كالسجن أو الأمراض، وذكرتم أن ذلك قد يكون هدفاً وغاية من وجوده ويبقى السؤال ما هو هذا الهدف هل هو هدف أخروي أم دنيوي؟ فإن كان أخروياً فهو لا يجيب عن السؤال الأساسي الذي يبحث عن تأثير الغيبيات في تقدم الإنسان في الدنيا وتحقيق حاجاته، وإن كان دنيوياً فما هو أثره على الإنسان الذي لا عقيدة له بالدين؟

جواب سماحة السيد: الابتلاء له هدف أخروي وهدف دنيوي، الهدف الأخروي الذي عبَّرت عنه الآية الكريمة ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] هذا الهدف الأخروي يشمل حتى غير المسلم، لو أن غير المسلم ابتلي في حياته بالحرمان والأمراض وما أشبه ذلك، له أجره أيضاً يخفف عنه العذاب، تناله الرحمة بالنتيجة الله الذي ابتلاه أيضاً يعوضه عما ابتلاه ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46] لا فرق في هذه الجهة بين المسلم وغير المسلم.

وللابتلاء أيضاً هدف دنيوي وهو صقل شخصية الإنسان، تنصقل شخصية الإنسان بالتجارب، الإنسان إذا لم يعش تجارب مريرة لا تنصقل شخصيته، ولا فرق في هذا بين المسلم وغير المسلم، الجميع يحتاج إلى أن تُصقل شخصيته ويكون ذلك بمروره ببعض الابتلاءات والتجارب الصعبة حتى يعيش نوعاً من الفهم والوعي والانصقال بالتجربة.

ورد عن الإمام أمير المؤمنين : >العقول تجزر وتنهى، وفي التجارب علم مستأنف<

سؤال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] ذكرتم أنه واجبٌ احترام القانون في الدول الغربية فهل جميع فقهاء الشيعة يقولون بذلك؟ وما هو الحد الواجب في الالتزام بالقانون؟

جواب سماحة السيد: ذكر سيدنا الخوئي قدس سره والسيد السيستاني دام ظله أن المراد بالنظام هو النظام الذي وُضع في البرلمانات من أجل المصالح العامة كأنظمة المرور والبلديات والتعليم... إلخ، هذه أنظمة ضرورية، ولا يمكن تحقيق الصحة العامة إلا بالأنظمة، فالأنظمة والقوانين في أي دولة إذا كانت أنظمةً لأجل حفظ الأنفس أو الأموال أو الأعراض من صحة وتعليم، وبلديات، وطرقات يجب الالتزام بها.

سؤال: الغرب والشرق عندهم أمراض نفسية لكن الغرب واعٍ ويتجه للعلاج، وأما الشرق يستحي من المرض النفسي فينكره وتتفاقم مشاكله وقلقه، فعندما يراجع الغربي يُسجل مراجع، وفي الشرق يُنكِر ويُخرج أمراضه على مجتمعه.

جواب سماحة السيد: هذا سؤال أجبنا عنه سابقاً.

سؤال: تكلمتم في بحثكم عن الروحانية وأنها ارتباط بشيء أكبر من الذات، وناقشتم كتاب الصحوة الذي يشير إلى عدم وجود ذات، بحيث لا يوجد مكان في الدماغ البشري يشير إلى المركزية وبالتالي يسمى ذات، كتاب الصحوة يبحث عن الروحانية بعيداً عن الدين، والرد المقابل من الحاضرة أن الارتباط بالله مثل ارتباط الطفل بالأم هو أساس الروحانية، ونستشعر ذلك في الصلاة التي تربطنا بالله خمس مرات في اليوم وبالتالي يلجأ الإنسان إلى الصلاة كلما شعر بالخوف.

جواب سماحة السيد: صاحب كتاب الصحوة يقول أن الروحانية لا ربط لها بالدين وتحصل بأعمال أخرى، وأنا ذهبت إلى الروحانية المرتبطة بالدين فكيف يكون هذا رداً عليه؟

أنا ذكرت في المحاضرة أن الروحانية هي عبارة عن تجاوز الذات وهذا يحصل للمسلم وغير المسلم يقوم بعمل روحي يتجاوز ذاته، وأن الروحانية لها أسباب ومن أسبابها الاسترخاء أمام نهر مثلاً، واستماع الموسيقى الهادئة، أخذ تنفس عميق، هذه كلها أسباب للروحانية ولكن أكمل درجات الروحانية التي تعتبر شعور مستقر ويثمر ثمرات دائمة هو ما كان عن ارتباط بالله عزوجل، من خلال الدعاء، والصلاة، والصدقة... وإلى غير ذلك.

سؤال: من الثابت عند السيد الخوئي قدس سره تفسير البيان أن السيد الخوئي يذكر رواية صحيحة عن الإمام الباقر عندما سألته السيدة فضة أنه خلقهم الله ولم يكن مع الله شيء إلا نحن وهو فهذا ثابت أن الله سبحانه وتعالى خلق محمد وآل محمد «نحن صناع الله والخلق من بعدنا...» بالنتيجة كيف نربط ونفسر وجود هذه الرواية وما يقوله العلماء من قوس الصعود وقوس النزول بين العوالم عالم النورانية والأنية والطين وعالم الجبروت إلى أن تصل إلى عالم الإمكان ثم صعوداً، محمد وآل محمد الصنائع الأولى فهل وجود هذه العوالم ما زال أم أنها انقطعت ومضى عليها الدهر وهل هناك تواصل بين العوالم، ونظرية آينشتاين عن وجود سبعة عوالم، وبين الروايات الأخرى التي تقول أن لله سبعون ألف عالم، فكيف نربط هذه الروايات والعقائد؟

جواب سماحة السيد: هناك عوالم متعددة مذكورة في كتب الفلسفة والعرفان، وأول عالم هو عالم العرش ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]، والعالم الثاني هو عالم الكرسي وهو عالم الإحاطة بما فيه العالم المادي، ثم يأتي عالم العقول والجبروت وعالم الأرواح والملكوت ثم عالم الإنسان، وهذه العوالم متسلسلة ويؤثر بعضها في البعض الآخر وهي باقية إلى أن يشاء الله، ما دام عالم المادة موجود، عالم المادة متأثر بعالم الملكوت، وعالم الملكوت متأثر بعالم الجبروت.. وهكذا.

أما بالنسبة لنور محمد وآل محمد حيث ورد عن النبي : >أول ما خلق الله نوري ونور علي< سر الوجود كله بجميع عوالمه هو نور النبي وآله، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] ليس لهذا العالم فقط بل للعالمين، أي أن جميع العوالم مرتبطة بنور النبي من العرش وحتى عالم المادة، وهو سرها، نور محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والمعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين «ما خلقت سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يسري ولا بحراً يجري إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء».

سؤال: الجزع في مجالس العزاء سواء الحسينية أو غيرها هو خلاف المتوقع من الاطمئنان بالله المتمثل في قول الإمام الحسين : يا رب خذ حتى ترضى. عندما قُتل أخوته وعياله وأصحابه ولم يجزع لأنه بعين الله. وحتى في الإرث الديني في استمرارية استحضار الأئمة لواقعة عاشوراء يتم الحديث عن الحزن والكآبة الملازمة لمحرم وليس الجزع، فكيف تتم الموازنة بين التسليم لله والحزن والكآبة المتوقعة من محبي الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، القرآن والإرث الديني يعلمنا أن لا نأمن مكر الله بمعنى أننا لا نعلم أي امتحانات الحياة مكتوبة لنا وهذا هو مصدر القلق عدم معرفة الامتحان القادم، فكيف يطمئن الإنسان وهو في حالة امتحان مستمر؟

جواب سماحة السيد: هذا السؤال له ثلاثة أجوبة:

الجواب الأول: الجزع له صورة وله مضمون، فمن حيث الصورة يختلف الجزع باختلاف المجتمعات فبعضها تهرول وبعضها تصفق وبعضها تلطم، وهذا اختلاف في أساليب التعبير، الجميع يعيش حالة الجزع كمضمون مادة، لكن أسلوب التعبير عن الجزع قد يختلف من مجتمع إلى آخر نتيجة اختلاف جذور ثقافية معينة، الشرق مثلاً بما فيه باكستان، الهند، أفغانستان يستخدم اللطم تعبيراً عن الجزع، هذا مجرد تعبير رمزي لا يضر ولا يوجب كون الجزع قبيحاً أو كونه مرفوضاً.

أما من ناحية المضمون، فإن الجزع المرفوض هو الذي يقترن بالاعتراض على الله، أو الجزع الذي يقترن بالإحباط واليأس من الله، فهذا الجزع مرفوض، أما الجزع الذي يحصل للإنسان احتجاجاً على جريمة قام بها ظالم ضد مظلومين أو مضطهدين فهو ليس مذموماً، أو الجزع الذي يحصل للإنسان من أجل الاحتجاج على إهدار طاقات معينة، أو إهدار مبادئ معينة، وما تقوم به الشيعة الإمامية أيام عاشوراء حتى لو كان بصورة جزع هو ليس اعتراضاً على الله حتى يكون مذموماً، ولا يأساً ولا إحباطاً وإنما هو صرخة احتجاج أمام الجريمة الأموية التي قاموا بها في عترة النبي المصطفى ، حيث أبيدت عن آخرها على أرض كربلاء.

الجواب الثاني: قال السائل أن الجزع ليس موجوداً في التراث الديني وهذا خاطئ، الجزع موجود في التراث الديني، في النصوص الشريفة الواردة عن أهل البيت، وحتى في كتب بعض أهل السنة مثل كتاب «الصواعق المحرقة» لابن حجر «أمطرت السماء دماً عبيطاً لقتل الحسين»، وفي زيارة عاشوراء الواردة عن الإمام الصادق : وجلَّت وعظمت مصيبتك في السماوات على أهل السماوات، وكل ذلك احتجاج سماوي على فظاعة الجريمة.

وقد ورد في الروايات الشريفة:

رواية معتبرة «عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله الصادق في حديث أنه قال لشيخ: أين أنت عن قبر جدي المظلوم الحسين؟ قلت: إني قريب منه. قال: كيف إتيانك له؟ قلت: إني لآتيه وأكثر. قال: ذاك دم يطلب الله تعالى به. ثم قال: كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين .

وفي رواية أخرى «رواية الحسن بن علي بن أبي حمزة ذكرها ابن قولويه: كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا البكاء والجزع على الحسين فإنه فيه مأجور».

الجواب الثالث: قال السائل أن الآية تقول: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99] فإذا كان الله يطالبنا بأن لا نأمن مكره فكيف نستطيع أن نعيش مطمئنين! هذا هو ما يربط الإنسان بالله، كلما توقع الإنسان مكراً من الله ازداداً تعلقاً بالله وارتباطاً به، وهذه هي حقيقة الإيمان، لذلك القرآن الكريم يقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] وقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2]

المؤمن مطمئن بأن الله لا يفعل فيه إلا خيراً ولا يكتب له إلا ما هو صالح، ولا يقدِّر عليه إلا ما هو مصلحة له، لكن عدم الأمن من مكر الله لا يوجب القلق والاضطراب والمرض النفسي وإنما هو سبب لزيادة الارتباط بالله تبارك وتعالى.

سؤال: مقولة أن الإمام الحسين عَبْرة وعِبْرة، والبعض يقول أن الإمام الحسين عَبْرة والعِبْرة منطوية تحتها، فهل رسالة الخطيب الحسيني تُركّز على القضايا المجتمعية الحالية أم تركز على جهة العبرة فقط أم الاثنين؟

جواب سماحة السيد: أنا أقول أن دور المنبر الحسيني أن يجمع بين الأمرين، دور المنبر الحسيني أن يطرح المحاضرات الثقافية المليئة بالمعلومات المفيدة المثمرة خصوصاً المحاضرات التي تعالج هموم الشباب والشابات وأفكارهم وتجيب عن أسئلتهم، وتجيب عما يختلج بأذهانهم وما يتعرضون إليه من إشكالات وشبهات على الدين وعلى مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

وأيضاً أن يطرح عَرْضاً لمظلومية أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وما حدث في كربلاء بلحاظ ما ورد في الأحاديث الشريفة >من ذكر مصابنا أو ذكرنا عنده فسال من عينه مقدار جناح بعوضة غفر الله له< >من ذكر مصابنا فبكى وأبكى كان معنا في درجتنا يوم القيامة< وقال الإمام الصادق: >أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا< وإحياء أمرهم بالدفاع عن دينهم ومذهبهم وبذكر مظلوميتهم وما جرى عليهم من المحن والمصائب.

سؤال: تكلمتم عن تخلف البلاد الإسلامية وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وأن أسباب هذا التخلف يعود إلى الصراعات المذهبية وغيرها، فهل هذه الدول كلها هي مشمولة في هذا الحديث مع أننا نرى أن بعض الدول ظاهرها مستقر وشعوبها مطمئنة، فما هو تعلقكم على هذا؟

جواب سماحة السيد: لا إشكال أن مقصودي هو بعض الدول الإسلامية والشرقية التي تعيش صراعاً في داخلها، إما صراع إثني، أو صراع عرقي، أو صراع أحزاب، أو صراع تيارات، أو صراع مذهبي، الدول التي تعيش صراعاً في داخلها نعم هي دول متخلفة تكنولوجياً وحضارياً نتيجة الصراع المتأزم في داخلها ولا أقصد جميع الدول الإسلامية أو جميع الدول الشرقية، من المعروف أن الكثير من الدول الإسلامية هي دول متحضرة كدول الخليج العربي مثلاً، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، العلماء في الطب والهندسة سواء في الخليج أو المملكة العربية السعودية متفوقون في الأبحاث العلمية في الجامعات كهارفارد، وواشنطن، نتيجة مهارتهم وتعبهم.

هذه الدول لأنها لا تعيش صراعاً إثنياً ولا عرقياً ولا مذهبياً في داخلها هي دول مستقرة ومتقدمة ودول تنتج علماء في مجالات الرياضيات والهندسة وفي مجالات أخرى بين فترة وأخرى.

سؤال: تحدثتم في محاضرة عن إنقاذ الجنين أو إنقاذ الأم إذا استدعى إنقاذ أحدهما فهلا وضحتم أكثر؟ وأيضاً نحن نعيش في بلد فيه انفتاح كبير، وفيه المثليين الذين لهم دور قوي حالياً، فما هو دورنا في تربيتنا لأولادنا وكيف نحافظ عليهم من هذا الاتجاه؟

جواب سماحة السيد: بالنسبة للمسألة الأولى هناك فتوى للسيد الخوئي قدس سره أنه إذا دار الأمر بين إنقاذ الأم أو الجنين وكان إنقاذ أحدهما يوجب موت الآخر أن الأم تقدم، بينما السيد السيستاني يستشكل في ذلك ويقول كلاهما نفس محترمة ولا يمكن ترجيح أحد الطرفين على الآخر.

بالنسبة إلى النقطة الثانية وهي نقطة تربوية مهمة وهي أن على الأبوين أن يُسخِّرا الجهود وأن يتفرغا تفرغاً كاملاً للحديث مع الأولاد، كثير من الآباء مشغول وليس لديه وقت ليتحدث مع أولاده، والأم لاهية عنهم، فلابد من الحديث مع الأطفال منذ الصغر، أن يتحدث الأبوان عن الشخصية الخلقية للإنسان وأن الشخصية الخلقية للإنسان هي الشخصية التي تملك صدق وأمانة وعدالة وتواضع وسائر القيم الإنسانية، ولا يمكن الحفاظ على هذه القيم الإنسانية إلا إذا عاش الإنسان فطرته، أي عاش على ضوء الفطرة، وضوء الفطرة تحدد للرجل دور وللمرأة دور، متى ما سار الإنسان على طبيعته الفطرية التي ولد عليها استطاع أن يسيطر على القيم والمثل من الصدق والأمانة والتواضع... وغيره، ومتى ما خرج عن إطار فطرته فهو معرض على أن يخرج عن القيم والمثل الإنسانية العليا، فلابد من تربية الأولاد والحديث معهم دائماً عن البقاء على الفطرة، وأن شخصية الإنسان ومستقبله بأن يبقى على فطرته، هذا هو الطريق للحفظ أمام هذه الثقافة الوافدة.

سؤال: من ضمن حديثكم في محاضراتكم أشرتم إلى وجود فرق بين المسلمين في الخارج والذين لهم إنجازاتهم والبلدان الإسلامية، فكيف نميز بين الأمرين والبلدان الإسلامية يقطنها المسلمون وبالتالي اعتبار الإنجازات تنسب لإصحابها بشكل خاص أو بسبب توفر الظروف في بلدان الغرب من حيث الحرية العلمية واحترام العلم، وأما البلدان الإسلامية التي يسكنها المسلمون لا تتوفر لهم هذه الظروف بل وإقحامهم في صراعات تمنع إنجازاتهم وبالتالي فإن المسلمين من هذه الجهة متخلفون فعلاً وغير قادرين على بناء الحضارة.

جواب سماحة السيد:

الجواب الأول: المسلم قد لا ينتج لقصور فيه، وقد لا ينتج لعامل يمنعه وهو عدم توفر الظروف المناسبة، وهذان النوعان موجدان في الشرق وفي الغرب، أيضاً بعض المسلمين في الغرب لا ينتج إما لقصور أو لوجود عوامل تمنعه من الإنتاج.

كذلك غير المسلمين قد لا ينتج إما لقصور أو لعوامل تمنعه من الإنتاج، في هذه الناحية لا يوجد فرق بين المسلم وبين غير المسلم، لذلك ليس سبب عدم الإنتاج هو الإسلام، لأن المسلم وغير المسلم يتساوى، قد لا ينتج لقصور أو لوجود مانع يمنعه من الإنتاج.

الجواب الثاني: نحن لا ننكر أن كل مجتمع يبتعد عن القيم الإسلامية والإنسانية تنتشر فيه الجريمة والفساد، فساد إداري، فساد مالي، فساد خلقي... إلخ سواء كان مجتمع شرقي أو غربي، فكما في الشرق يوجد بلدان فيها إجرام يوجد في الغرب أيضاً عصابات ومافيا محترفة للجريمة والسرقة، وهناك إحصاءات وتقارير تذكر ذلك.

رغم أن المجتمع الشرقي فيه جرائم وسرقات، وفيه فساد إداري ومالي، ولكن مع ذلك يصح المقارنة بأن نقول ما زالت معدلات الانتحار في المجتمع الغربي أو في بعض دوله أضعاف مما في المجتمع الشرقي، مما يؤكد أن للإسلام أثراً وتأثيراً على صيانة الإنسان من هذه الاضطرابات النفسية.

سؤال: ذكرتم في إحدى المحاضرات تأويلكم وتفسيركم لدعاء كميل: «وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء» وذكرتم أن أسماء الله الحسنى هي تجلي واضح إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق وملأ بها أركان كل شيء، فالسؤال الأول هل هذا ينطبق على جميع العوالم أم فقط على عالم الإمكان؟ والثاني ما تعليقكم على قول الأئمة كقول الإمام الصادق عندما قال: نحن أسماء الله الحسنى التي ملأ الله بنا أركان كل شيء، فالرحمن والرحيم واسم المعصوم أو وجوده الشريف فكيف تؤلون لنا ذلك؟

جواب سماحة السيد: أسماؤه تبارك وتعالى ملأت أركان كل شيء في جميع العوالم، كل موجود أبدعه الله سواء كان مادي أو غير مادي، وفي أي عالم كان هو مظهر للرحمة، هو مظهر للخلق، هو مظهر للرزق، هو مظهر للحياة، هو مظهر لأسماء الله وصفاته.

وأعظم مظهر لأسماء الله هم محمد وآل محمد فعندما يقول نحن أسماء الله أي نحن أعظم مظهر يتجلى به الله تبارك وتعالى من حيث العلم والقدرة والحياة والصفات والخصائص المتنوعة والمتعددة.

سؤال: ذكرتم في الليلة السابعة أن حسن الفعل متقوم بالهدف من الفعل وهذا مخالف للمعروف عند الإمامية من الحسن والقبح العقليين وأن العدل مثلاً حسن لذاته لا لهدف آخر، ولو سلمنا جدلاً أن الحسن يرجع لهدف فالهدف إنساني وهو أن العمل يرضي الوجدان الإنساني ولا علاقة له بالهدف الإلهي.

جواب سماحة السيد: في الإمامية ثلاث مدارس:

المدرسة الأولى: المدرسة الكلامية؛ وهي التي يتبناها سيدنا الخوئي قدس سره وأغلب تلامذته من أن حسن الأفعال وقبحها ذاتي بمعنى أن العدل حسن في نفسه ولا يحتاج إلى أن ندخله تحت عنوان آخر، فأفعال الإنسان الاختيارية حسنها وقبحها لا يحتاج إلى علة وسبب، بعض الأفعال حسنة في حد ذاتها، بعض الأفعال قبيحة في حد ذاتها.

المدرسة الثانية: المدرسة الفلسفية؛ وهي ما يتبناها المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني وهو أستاذ السيد الخوئي، وصاحب الأنوار القدسية  وهي التي طرحتها على المنبر وما أختاره في دروسي وأبحاثي  أن حسن الأفعال وقبحها منوط بالغاية منها، بمعنى أن حسن العدل وقبح الظلم هو عبارة عن تطابق آراء العقلاء عليه لهدف، أي لو خُلِّي الإنسان وحده فهل يحكم عقله بحسن العدل وقبح الظلم! لا يحكم بذلك إلا إذا عاش ضمن مجتمع، وهذه أحكام اجتماعية، أحكام تطابقت عليها آراء العقلاء من أول مجتمع بشري إلى يومنا هذا، وإنما تطابقت عليها آراء العقلاء لهدف وهو حفظ النظام عن الاختلال، لو لم يعمل بالعدل لاختل النظام، لو لم يعمل بالأمانة لاختل النظام، لو لم يعمل بالإحسان لاختل النظام، فالمجتمع العقلائي اتفق على الحسن والقبح لهدف ألا وهو حفظ النظام عن الاختلال والضياع.

المدرسة الثالثة: المدرسة العرفانية، يقول العرفاء حسن العدل لا لأنه عدل بل لأن العدل كمال للنفس، ومتى ما حصل الإنسان على الكمال صار قريباً من الله تعالى، لأن الله هو الكمال المطلق، فالإنسان إذا تحلَّى بالكمال أصبح مظهراً لكمال الله تبارك وتعالى، فانطلاقاً من هذه النقطة يراد بحسن الأفعال وقبحها أن تعود للكمال النفسي الذي يكون مرآة لكمال الله تبارك وتعالى.

النقطة الثانية من السؤال لماذا لا نقول أن الأفعال حسنة لأنها ترضي الذات؟ السبب في حسن الصدق والعدل أنهما يرضيان الذات الإنسانية، وهذا ليس صحيح لأن السؤال يعود مرة أخرى، فمن يقول بأن إرضاء الذات الإنسانية حسن! نحتاج إلى هدف، تقول أنا أفعل العدل لأنه يرضي ذاتي، وإنما أرضي ذاتي لأنني أساهم في بناء مجتمع متوازن، وإنما يكون بناء المجتمع المتوازن حسن لأنه يحقق الكمال الإنساني المنشود للإنسانية، فما لم يرجع الأمر إلى الهدف الأخير وهو الكمال لا يكون العمل حسناً.

سؤال: في محاضرتكم سيدنا ذكرتم الحب وتكلمتم عن الزواج المثالي وهو زواج علي من فاطمة صلوات الله عليهما وأننا يجب أن نقتدي بهذا الزواج، فسؤالي هو كيف بدأت علاقة الحب بين علي وفاطمة وكيف استمرت وهل كان هناك حب قبل الزواج؟ وكيف اختار علي فاطمة للزواج؟

جواب سماحة السيد: لا إشكال أن الله تبارك وتعالى اختار علياً لفاطمة، واختار فاطمة لعلي وقد ورد في الروايات الشريفة >لو لم يكن علي لم يكن لفاطمة كفؤ، ولو لم تكن فاطمة لم يكن لعلي كفؤ< فهما متكافئان الله اختار أحدهما للآخر، لكن إذا جئنا للمنظار الإنساني بلا إشكال لقرب الإمام علي من النبي فهو بالتأكيد قد سمع عن فضائل فاطمة من النبي، فأعجب بها وأحبها ومال إليها وبالعكس، فاطمة أحب إنسان إلى رسول الله فمن الطبيعي أن تسمع من النبي عن فضائل الإمام علي ومناقبه وعظمته عند الله وبالتالي أعجبت بعلي، لذلك بمجرد أن عرض الرسول على فاطمة الزواج بعلي ما ترددت أبداً لأنها بلا إشكال تعيش هذا التقديس الخاص للإمام علي قبل زواجها به وكذلك العكس، وعمق الحب بينهما يتجلى عندما وقف الإمام علي على قبر فاطمة وقال: يا رسول الله قلَّ عن صفيتك صبري ورق عنها تجلدي. وقال: ما أقبح الخضراء والغبراء. أي كان يعبّر عن عمقٍ من المحبة حصل بينهما لم يحصل بين زوجين آخرين.

سؤال: قلتم في ليلة شهادة أبي الفضل العباس أن الدين هو المرجع في تزاحم الأخلاق مثل تزاحم إنقاذ الأم وإنقاذ الجنين فكيف يكون الدين مرجعاً في هذه المجالات مع اختلاف الفقهاء في الأحكام والفتاوى؟

جواب سماحة السيد: أولاً نسبة الاختلاف بين الفقهاء ضئيلة جداً مقارنة لما اتفقوا عليه، فهي ليست كبيرة حتى يُعتبر الاختلاف مشكلة ويخلق أزمة وأحداث مروعة.

ثانياً الاختلاف بين الفقهاء طبيعي جداً، ألا يختلف الأطباء؟! ألا يكون اختلاف الأطباء أحياناً يؤدي إلى كارثة؟! ما الفرق بين اختلاف الأطباء والفقهاء؟! الدين الإسلامي نوعان بعضه ضروري وبعضه نظري، الضروري هو ما وصل إلينا بالتواتر والقطع وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء.

والنظري هو مجموعة أحاديث وصلتنا وهذه الأحاديث تحتاج إلى إثبات، وإلى مناقشة الدلالة وإلى رؤية المتن، ومثال على ذلك: عندنا رواية عن الرسول محمد : >لا ضرر ولا ضرار< يبحث الفقيه أولاً ما هو الطريق لهذه الرواية هل هو عن طريق رجال ثقاة أم لا، فيدخل الفقيه في علم يسمى علم الرجال لبحث كل رواة هذه الرواية هل كانوا ثقاة كي يعتمد على روايتهم أم لا، فهذا جهد لابد أن يقوم به الفقيه.

ثانياً الرواية تقول «لا ضرر ولا ضرار» لكن توجد رواية أخرى تقول «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، وفي رواية أخرى «لا ضرر ولا ضرار على مؤمن» فأيهم الأصح؟ فيدخل الفقيه في جهد ثانٍ فيقارن بين الكتب أي الكتابين أرجح من الكتاب الآخر؟ كتاب الكافي أرجح أم كتاب الفقيه للصدوق؟ أم كتاب التهذيب للطوسي؟ فيدخل الفقيه في عملية معقدة لجمع القرائن على أرجحية أحد الكتب على الكتاب الآخر.

والمشكلة الثالثة أن الكتاب الواحد أحياناً له عدة نسخ، فالكتب سابقاً لم تكن مطبوعة مثل ما يحصل في زماننا الآن بل كانت بخط اليد أي أن الكتب التي حملت روايات أهل البيت ما أتت بشكل واضح بل منسوخة ولها نسخ متعددة، فيدخل الفقيه في عملية معقدة ثالثة لترجيح النسخة الصحيحة عن النسخ الأخرى.

والعملية الرابعة بعد أن يتم هذا كله يبحث في معنى لا ضرر ولا ضرار، هل أن لا ناهية أو أنها لا نافية؟ وهل معنى الرواية النفي أو النهي، وإذا كان معناها النفي فهل تشمل الأحكام العدمية أم تختص بالأحكام الوجودية؟! فهذه كلها بحوث مطولة.

ومن باب المثال أقول خذ كتاب بحوث في علم الأصول للسيد محمد باقر الصدر وأدخل على جزء قاعدة لا ضرر، تجدها تصل إلى خمسين صفحة كلها تبحث في كلمة لا ضرر ولا ضرار.

وكتاب آخر للسيد السيستاني تجده في مئتين صفحة يتحدث في هذا الحديث فقط «لا ضرر ولا ضرار».

إذن عملية الاستنباط عملية معقدة تحتاج إلى عمر من الدراسة، وتحتاج إلى عمر من الخبرة والاطلاع على علوم متنوعة ومختلفة حتى يستتم ويصبح فقيه قادر على الاستنباط، فإذن من الطبيعي أن يختلف الفقهاء لأن اختلاف درجات الذكاء تسبب اختلاف في الفهم، واختلاف الجهد الذي يقومون به يسبب اختلاف في الفتوى، واختلاف المصادر قد تسبب اختلافاً، إذن بالنتيجة اختلاف الفقهاء في المباني، في القواعد، في الذهنية، في الخبرة يقتضي اختلافهم في الفتاوى، وهذا أمر طبيعي جداً مثلما يختلف الأطباء في تشخيص الأمراض، وكما يختلف المهندسين في النتائج يختلف الفقهاء وهذا أمر طبيعي جداً.

وأي اختلاف هو اختلاف في الدين وليس اختلافاً عن الدين، أي أن الفقهاء وإن اختلفوا لكن الجميع يستندون إلى مرتكزات دينية مستفادة من القرآن والأحاديث الشريفة، ولا يستندون إلى رأي خارج الدين حتى يكون هذا الاختلاف مضراً أو عبئاً أو أزمة.

سؤال: هل يجوز أن أصاحب أشخاص مثليين لأنهم من جيراني أو أصدقاء عمل، وما حكم العلاقات معهم والأكل والشرب معهم؟

جواب سماحة السيد: حسن التعامل معهم لا إشكال فيه، يحسن التعامل معهم، والقرآن الكريم أمرنا بحسن التعامل مع جميع الناس ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63] الإنسان يتعامل مع الجميع بالبسمة والخلق العالي والتواضع خصوصاً إذا كان جاراً أو زميلاً في وظيفة أو غيره، ولكن إذا استطاع أن يوصل له النصيحة بحيث تكون النصيحة مجدية في حقه فلابد أن يأخذ هذا الدور، فمتى ما شخَّص أنه يستطيع أن يُوصِل له النصيحة لابد أن يقوم بهذا الدور ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]

سؤال: في الليلة الأولى جاء في المحاضرة «إن معركة كربلاء تميزت على سائر المعارك الإسلامية لمشاركة سائر الأصناف ومنهم النساء» والمعروف في تاريخنا أن النساء شاركن في معركة بدر وأحد لمداواة الجرحى، كما شارك الشباب والكهول، فيها فما هي الميزة؟

جواب سماحة السيد: نحن قلنا أن كربلاء تميزت على كل المعارك بمشاركة كل الطبقات، أولاً معركة كربلاء لم تنتهي بقتل الحسين، بل بقيت ما بقيت زينب، الحسين قاتل بالسيف وزينب قاتلت بلسانها، لم تنتهي كربلاء إلا عندما توفيت العقيلة زينب وذلك بعد مقتل الحسين بسنة كاملة، إذن المعركة بقيت وبقيت زينب في المعركة، وإلا لماذا أخرجت زينب من المدينة! أمر يزيد والي المدينة بإخراجها من المدينة فأُخْرِجت نفياً منها، إذن زينب كانت مواصلة للمعركة إلى أن جاءها الموت، فمعركة كربلاء مستمرة وبالتالي لم تمر معركة على المسلمين شاركت المرأة فيها بصوتها وخطابها في كل مجلس وطريق، وكل محفل كما حصل لمعركة كربلاء ببركة صوت وجهود السيدة العقيلة زينب صلوات الله وسلامه عليها.

ثانياً تميزت كربلاء بمشاركة الأطفال وهذا لم يحصل في أي معركة أخرى، حتى الأطفال والصبيان شاركوا في معركة كربلاء، من أهل البيت وغيرهم كالقاسم بن الحسن، وعبد الله بن الحسن أخو القاسم، وعبد الله بن عمر بن جنادة الأنصاري، إذن حتى الأطفال والصبيان كانوا يمتلكون وعي بعظمة المعركة وشاركوا فيها وهذا ما لم يحصل في معركة أخرى، مما جعل لكربلاء ميزة على المعارك السابقة.

سؤال: بحكم عملي الكثير التنقلات أصل فيها لمناطق نرويجية وآكل من مطاعمها الوجبات البحرية والخضار ولكن لأني أعمل في المطابخ فلي علم بطبيعة عملهم من خلط في أدوات المطبخ مع اللحم الحرام، فما حكم الأكل منها؟

جواب سماحة السيد: الإنسان يدور مدار علمه، فإذا علم أن هذا السمك طُبخ بدهن طُبخ فيه الخنزير أو علم بأن هذا السمك طبخ بدهن طُبخ فيه لحم غير مذكى لا يجوز حينئذ أكله لأنه تنجس بهذا الدهن، أما إذا احتمل ذلك ولم يتقين يجوز له الأكل «كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر».

سؤال: إذا كان مصدر الحركة يعود إلى نقطة التفرد ومن ثم حصل الانفجار الذي ظاهراً أن سماحتكم تؤيدونه نريد توضيحاً أكثر لنقطة التفرد ومن أين أخذتم بهذا التعبير؟ ولماذا لا نعبر عنها بتعبير آخر كما ورد في حديث الرسول لجابر أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر؟

جواب سماحة السيد: نحن نتكلم عن العالم المادي والسائل يتحدث عن سائر العوالم، أول ما خلق الله هو نور النبي للعوالم كلها، وأما الانفجار العظيم فهو متقوقع في العالم المادي وليس في جميع العوالم، فلا تنافي بين ما ذكرنا وما ذكرته الأحاديث الشريفة من أن أول مفتاح للوجود «بكم فتح الله وبكم يختم» هو نور محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

أما التعبير عن هذه الخميرة التي انبثق منها الكون المادي نتيجة الانفجار العظيم عبرنا عنها بنقطة التفرد هو تعبير علمي موجود وتستطيع الرجوع إلى كتاب الدكتور عمر شريف «كيف بدأ الخلق» يتحدث عن هذه النقطة مفصلاً ومن قال بها ومن لم يقل، ونحن استخدمنا نفس المصطلح العلمي الذي عبروا به عن مبدأ الوجود المادي لا مبدأ العالم كله.

سؤال: ما هو أهم فعل يعمله الشيعي لتعجيل ظهور الإمام المهدي «عجل الله فرجه» بالخصوص للشباب مثلاً، وهل يوجد فرق بين من يسكن في دول الغرب أوالدول المسلمة؟

جواب سماحة السيد: ورد عن الرسول الأعظم : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج. والمقصود بالانتظار ليس هو الانتظار السلبي بأن يقول الإنسان عجل الله فرجه ويسكت، بل المراد الانتظار الإيجابي؛ والانتظار الإيجابي كما ذكرنا في عدة محاضرات تلخص في سورة العصر ﴿وَالْعَصْرِ «1» إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ «2» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ «3» [العصر: 1 - 3]

أي أن أعظم عمل يقدمه الإنسان لتعجيل الفرج وتمهيد لظهور الإمام هو أن يقوم بعملية التواصي، أي أن يكون رمزاً بين أصدقائه وأقربائه وجماعته، دائماً يثقفهم ودائماً يوصيهم بالمعروف، ويطرح لهم معلومات دينية، دائماً يرشدهم إلى طريق الخير، فعندما يكون قمة ومناراً بين أصدقائه وبين أرحامه وأقربائه فهو قد قام بمسؤولية التواصي، إذن الثقافة الدينية ونشر الوعي الديني هي من أعظم الأعمال التي يُسْهم فيها الإنسان في التمهيد للظهور المقدس لظهور الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه، وفي الغرب قد يزداد هذا الواجب عن الشرق باعتبار الحاجة الماسة للشباب والشابات إلى مثل إثارة الوعي الديني والثقافة العقائدية السليمة.

سؤال: هل المانع من إدراك الله سبحانه وتعالى هو المكان والزمان فقط؟ ذكرتم بأن الإنسان بعد الموت يتحرر من قيود الزمان والمكان، فهل يعني ذلك إمكانية أن يدرك الله تعالى؟

جواب سماحة السيد: الغيب يقسمه العلماء إلى أقسام: غيب مطلق وغيب نسبي، الغيب المطلق هو الله تبارك وتعالى الذي لا يدركه أحد، ليس كمثله شيء.

والغيب النسبي هو الغيب بالنسبة لبعضٍ دون بعض، مثلاً الملائكة بالنسبة إلينا نحن غيب ولكن الملائكة بالنسبة لمحمد وآله ليس غيب؛ لأنهم يرونهم ويشاهدونهم ويتواصلون معهم، هذا يسمى غيب نسبي.

عالم ما بعد الموت بالنسبة إلينا غيب لكنه بالنسبة إلى النبي محمد وآله ليس غيباً، فهم يدركون ما بعد الموت، ولذلك ورد عن الإمام علي : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً. لإدراكه هذه العوالم المختلفة المتنوعة، وبالتالي إذا تحرر الإنسان من قيد الزمان والمكان أي مات فسوف يدرك الغيب النسبي وهو عالم ما بعد الموت لا الغيب المطلق وهو الله، فإن الله لا يمكن إدراكه لا في الدنيا ولا في الآخرة، المحدود لا يدرك اللامحدود والإنسان يبقى محدود حتى بعد الموت، فلا يدرك اللامحدود، نعم يدرك ملكوت الله، كان يدرك في الدنيا عالم المُلك، وبعد الموت سيدرك عالم الملكوت.

سؤال: ذكرتم في إحدى المحاضرات عن الأولياء وتأثيرهم، وبأن عندهم تأثير مباشر وغير مباشر، والسؤال هو عن حرص المؤمنين المسلمين الموالين لمجاورة الأولياء في قبورهم، فهل الأولياء موجودين في قبورهم؟ وما هو التأثير أو الحسنة التي يحصلون عليها من الدفن بجوار الأولياء؟

جواب سماحة السيد: كما أن لروح المعصوم تأثير على الأرواح فإن لجسم المعصوم تأثير على الأجساد، ولقبر المعصوم تأثير على القبور، وقد ذكرنا أن زيارة الجامعة تضمنت ذلك «أسماؤكم في الأسماء، وأجسادكم في الأجساد، وأرواحكم في الأرواح، وأنفسكم في النفوس، وآثاركم في الآثار» أي أنتم لأنفسكم ولأرواحكم ولقبوركم ولأجسامكم ولآثاركم تأثير على ما حولها، ولأجل ذلك الدفن بقرب المعصوم له أهمية كبيرة، قبر المعصوم مشتمل على جسم المعصوم، وجسم المعصوم لا يتحلل في التراب ولا يندثر، صحيح أن المشاهد تختلف فمثلاً عندما تزور الإمام الحسين أو تزور الإمام الرضا فإن قبورهم في الأسفل، والمشهد هو ضريح يرمز إلى القبر الأصلي الذي يوجد في الأسفل بعدد من الأمتار حسب تقادم الزمن، إلا الإمام علي فهو في نفس مكانه، قبر الإمام علي هو نفس ضريحه وليس شيء آخر؛ لأن الإمام علي دُفن في أكمة؛ أي في تل مرتفع عن الأرض، والتل بمرور الأيام صار قريب من الأرض، فهذا هو نفس موضع قبر الإمام علي ، محل جسمه الشريف هو ضريحه الموجود الذي يزوره المسلمون والشيعة في كل مكان.

أجسامهم لها تأثير على الأجسام، قبورهم لها تأثير على القبور لذلك يستحب الدفن عند قبورهم باعتبار أن الرحمة تنتشر من قبورهم على ما حولها من القبور وإن كان صاحب القبر عاصياً مذنباً لكن الرحمة تنتشر من قبورهم على ما حولهم من القبور.

سؤال: تعرضتم في ليلة الحادي عشر لحديث الإمام الصادق أن العلم سبعة وعشرين جزء وأن ما جاء به الأنبياء جزآن وهو الموجود عند المجتمع الإنساني اليوم وأنه إذا خرج القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف يخرج خمسة وعشرين جزء، والملاحظة هي أن الأئمة الذين تمكنوا من نشر علمٍ كالإمام الصادق والباقر كانوا يركزون على العلوم الدينية والتربية الفلسفية وهي تعليم كيفية التحليل والبحث عن الأسباب في عدة مجالات ولم يطرحوا التربية الهندسية وهي البحث عن حلول المشاكل الفعلية مع أنه العلم النافع لإقامة الحضارة، ولذلك الغرب حينما ركز على الهندسة أحدث ثورة صناعية، فكيف نفسر إغفال الأئمة لمثل هذه العلوم الضرورية مع أنها الجزء المهم من العلم؟

جواب سماحة السيد: السؤال يركز على أن الأئمة لم يتطرقوا للتربية الهندسية بل تطرقوا للتربية الفلسفية وعلَّموا أصحابهم كيف يحللون وكيف يفلسفون الأفكار وكيف يصلون إلى بعض العلوم، ولم يطرحوا تربية هندسية لأن الهندسة تعالج المشاكل الفعلية وتقترح لها حلول ولا تبحث عن الأسباب والجذور كما في التربية الفلسفية.

فأولاً ما هي الهندسة؟!

الهندسة هي تطبيق للمعرفة الفنية والعلمية لحل المسائل الإنسانية، لذلك يستخدم المهندسون الخيال والتحكيم والتعليل لتطبيق العلم والتقنية والرياضيات والخبرة حتى ينتجوا تصميم وإنتاج محكم، إذن الهندسة علم تطبيقي، علم يرتكز على التطبيق والتنفيذ، فبما أن الهندسة تركز على الجانب العملي والتطبيقي في الخارج إذن لابد أن تسبقها مرحلة علم آخر وهو العلم التحليلي، أولاً نطرح العلم التحليلي النظري ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية ألا وهي مرحلة التطبيق.

فالعلوم الهندسية لأنها ناظرة إلى التطبيق لابد أن تسبقها علوم فلسفية ناظرة للتحليل تحليل الأسباب، تحليل المقتضيات، تحليل العوامل، حتى يكون الانتقال انتقالاً تدريجياً من العلوم النظرية التحليلية إلى العلوم التطبيقية.

ثانياً الدين ليس مسؤولاً عن كيف نسد الفيضان مثلاً، وكيف نحل مشكلة انبثاق غاز يلوث مدينة، هذا ليس اختصاص الدين، اختصاص الدين فلسفة الحياة، أن يقدم فلسفة للحياة تؤدي إلى هداية الإنسان للطريق الأصوب، لذلك ركز الدين على فلسفة الحياة وإرشاد الإنسان كيفية التعامل مع العلوم الأخرى، لذلك يُعتبر الدين محفزاً نحو الهندسة وإن لم يكن متطرقاً للتربية الهندسية.

ولعل عدم تصدي الإمامين الباقر والصادق «عليهما السلام» للهندسة بأنواعها كان توقياً من دور بني العباس لأن بعد زمن الإمام الباقر والصادق جاء دور بني العباس واستغلوا العلماء لمصالحهم، فلعل عدم إعطاء الإمام بعض المعلومات في المجال الهندسي حتى يضيِّع الفرصة على الظالمين من استغلال هؤلاء العلماء فيما يؤدي دوراً عدائياً أو جورياً لهؤلاء الظلمة.

سؤال: قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124] ما الفرق بين «لا ينالُ» أو «لا ينالَ» من حيث المعنى التفسيري؟

جواب سماحة السيد: الصحيح «لا ينالُ» لأنه فعل مضارع جاء بعد أداة نفي فيكون مرفوعاً، إنما هل أن عهدي هو الفاعل أو أن عهدي هو مفعول به، هل لا ينال عهدي الظالمون، أو لا ينال عهدي الظالمين.

الفرق بينهما أنه إذا قال «لا ينال عهدي الظالمون» أي أن الظالمون لا يملكون الاستحقاق والجدارة للوصول إلى منصب الإمامة، فعلى هذه القراءة هي تنفي الاستحقاق وتنفي الجدارة.

أما إذا قرأناها كما هو المعروف والتفسير المعروف «لا ينال عهدي الظالمين» والعهد هو عبارة عن عهد الإمامة، فالمقصود بذلك أنا الذي أمتلك عهد الإمامة لا أعهد بهذا العهد إلى أحد من الظالمين ولو من باب الرحمة، فليس فقط أنهم لا يستحقون بل حتى أنهم ليسوا محلاً للرحمة.

فالتفسير الثاني أشمل؛ لأن التفسير الثاني ينفي الاستحقاق وينفي الرحمة، وعهد الإمام لا يصل إلى الظالم لا بالاستحقاق ولا من باب التفضل والرحمة.

سؤال: حسب ما سمعنا من حضرتكم حول علم الإمام وهو العلم اللدني من الإمام الذي سبقه، فهل يمكن أن نقول أن الإمام السجاد وكذلك ولده الباقر «عليهما السلام» كانوا على اطلاع كامل بتفاصيل واقعة الطف وخاصة لحظة استشهاد أبي الأحرار صلوات الله وسلامه عليه أم أن مشيئة الباري سبحانه وتعالى جعلتهم لا يطَّلعون لجميع الحوادث لحكمة هو يعلمها؟

جواب سماحة السيد: علم الإمام بالمنايا محل خلاف بين الفقهاء وفيه ثلاثة آراء:

الرأي الأول أن الإمام يعلم بالمنايا، ولكن في وقت وقوع المنية ينسيه الله طريقة موته، فلأجل ذلك يُقبِل على الموت بكل توكل وارتباط بالله تبارك وتعالى.

والرأي الآخر أن الإمام يعلم بالمنايا والبلايا، ولكن علمه خاضع للبداء، لذلك الإمام يحتمل التغير فيما علم.

والرأي الثالث وهو المشهور بين فقهائنا بأن الأئمة يعلمون بالمنايا والبلايا تفصيلاً بدون بداء وبدون نسيان، ولكن الله أمرهم بأن يقدموا أنفسهم كما أراد الله تبارك وتعالى قرباناً للدين واستمراراً لهذا المبدأ المحمدي.

سؤال: كتب تنصحون بقراءتها لطلبة العلم.

جواب سماحة السيد: الكتب التي يحتاجها الشباب والشابات التائقون للعلم والمعرفة خصوصاً في مجال علم الكلام، وفي مجال الثقافة العقائدية:

كتب السيد الطباطبائي صاحب الميزان مثل كتاب الميزان وهو أعظم تفسير للقرآن الكريم.

كتب السيد الخوئي قدس سره ومنها كتاب البيان في تفسير القرآن.

كتب السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر مثل فلسفتنا، والأسس المنطقية للاستقراء.

كتب الشهيد الشيخ مرتضى المطهري الذي كتب في مجالات مختلفة، في مجال الفقه، وفي مجال العرفان، وفي مجال علم الكلام، وفي مجال الأخلاق، وتناول نظريات عديدة في عدة مجالات بالنقد والبناء، فكُتُبُه حرية بالإقبال والتأمل والاستفادة منها.

أيضاً عندنا كتب أخرى ككتب الشيخ جعفر السبحاني «كتاب الإلهيات»، ولدينا بعض كتب المرحوم الحجة السيد محمد تقي الحكيم ككتابه «أصول الفقه المقارن»، كل هذه الكتب مهمة وجديرة بالقراءة والتأمل.

سؤال: نحن نؤمن وبقطع اليقين بأنه لا يوجد تعارض بين كتاب الله وبين حديث المعصوم أو أدعيته، وهنا نطلب توضيح مبسط عن دعاء الإمام السجاد : قد تبرأ جميع الخلق مني وأبي وأمي ومن كان له كدي وسعيي. وبين قوله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67]

جواب سماحة السيد: لا إشكال أن هناك فرق بين الموردين والموضوعين، ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ أي أن المتقين ينفعون الناس بشفاعتهم لا بتحمل تبعة العمل، هناك فرق بين المفهومين تحمل تبعة العمل وبين مفهوم الشفاعة، المتقون لا يتحملون تبعة الأعمال، ولكنه قد يشفع لهم، فلا منافاة بين الدعاء وبين مفاد الآية، الآية تقول بأن المتقين ينفعون يوم القيامة، والدعاء الوارد عن الإمام زين العابدين يقول سيتبرأ الكل مني، فالدعاء ناظر للبراءة أي عدم تحمل تبعة الذنب، والآية ناظرة للنفع أي نفع المتقين في مجال الشفاعة، فلا منافاة بين الأمرين.

سؤال: السؤال يتعلق بالجبر والتفويض، إذا ولد الإنسان في عائلة نصرانية فوالداه ينصرانه، وإذا ولد عند يهود يهودانه، وكذلك الوراثة تلعب دوراً أساسي في الجبر، والبيئة التي يعيش فيها، فهنا الجبر يلازم الإنسان حتى إدراكه؛ أي من بعد أن يكون إنساناً عاقلاً مرشداً، ألا يؤثر الجبر في مسيرة حياة الإنسان حين يفوض؟ وهل عندما يذنب يعاقب على ذنبه؟

جواب سماحة السيد: أولاً ذكرت في محاضرة ليلة التاسع أن العامل الوراثي ليس سبباً، العامل الوراثي هو مجرد استعداد لا أكثر، أي ليس العامل الوراثي يؤدي إلى جبر الإنسان على أن يكون كما ورث، العامل الوراثي يعطيه استعداد، لكن هذا الاستعداد لا يؤثر أثره إلا مع بيئة حاضنة، ولذلك ورد عن الرسول : كل مولود يولد على الفطرة إلا أن يكون أبواه يهوديين فيهودانه أو نصرانيين فينصرانه. أي لو لا البيئة لما تأثر بالعامل الوراثي، العامل الوراثي حتى يؤثر يحتاج إلى بيئة حاضنة تنسجم معه لكي يؤثر العامل الوراثي.

ثانياً إذا بلغ الإنسان سن التكليف، فإن الله أعطاه عقل وإرادة وقدرة فهو يمتلك القدرة على التحرر من البيئة ومن العامل الوراثي، لا يمكن للبيئة ولا للعامل الوراثي أن يجبر الإنسان على إدراكه بحيث ما يدرك إلا المعصية وما يدرك إلا الطاعة لأن البيئة هكذا، حتى لو ربي في بيئة منحرفة أو في بيئة سليمة فإن البيئة لا تجبر الإدراك، يبقى الإنسان مدرك ومحيط، يمتلك عقل وقدرة وإرادة، فبما أنه يمتلك العناصر الثلاثة إذن يحاسب سواء اختار المعصية أو اختار الطاعة، هو محل حساب أو ثواب، الإنسان ليس مجبور على هذه الجهة، ولذلك قال تبارك وتعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا «9» وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا «10» [الشمس: 8 - 10] وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا «18» وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا «19» كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا «20» [الإسراء: 18 - 20]

سؤال: ذكرتم في محاضرات سابقة أن الفكر الغربي العلماني أو الليبرالي يرى أن الحرية مطلقة دائماً ويرى أن للإنسان الحرية في اعتقاد وقول أي شيء وهذا خلاف ما ذكرتموه هذه السنة إذ طرحتم عدة أمثلة عن أفكار ودول غربية تقيّد الحرية بشكل ما، فما هو تعليقكم؟

جواب سماحة السيد: هناك فرق بين الرؤية الفلسفية والقانونية من جهة والرؤية الشعبية من جهة أخرى، فإذا رجعنا للرؤية الفلسفية والقانونية في الغرب فلا يوجد حرية مطلقة، جميع الفلسفات الغربية تجعل للحرية قيود، جميع القوانين في جميع الدول الغربية تجعل للحرية قيود، لا توجد حرية مطلقة بحسب الرؤية الفلسفية والقانونية في الغرب.

أما إذا جئنا إلى التيار الشعبي في الغرب وهو تيار ما بعد الحداثة نعم هذا التيار يطرح عنوان الحرية المطلقة، فعندما نقول بأن هناك من يعتقد بالحرية المطلقة فنحن نشير إلى التيار الشعبي وهو تيار ما بعد الحداثة، وعندما نقول حتى الغرب لا يرى الحرية المطلقة فنحن ناظرون إلى الرؤية الفلسفية والقانونية في الغرب فإنها لا تعتقد بالحرية المطلقة.