الليلة الربعة عشر من شهر محرم الحرام 1445هـ
حوار هادف | الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ «17» الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ «18»﴾ [الزمر: 17 - 18]
صدق الله العلي العظيم
امتداداً لما سبق عرضه في الليلة السابقة في الإجابة عن مجموعة من الأسئلة والملاحظات حول محاضرات عاشوراء لهذا العام، نتعرض لمجموعة أخرى من الملاحظات والأسئلة المتعلقة بمحاضرتي ليلة السادس من المحرم وليلة التاسع من المحرم، وملاحظة واحدة وردت على محاضرة ليلة الحادي عشر من المحرم.
نبدأ بالملاحظات التي وردت على محاضرة ليلة السادس من المحرم وهي المحاضرة التي كانت حول السحر والحسد والعين، وتعرضنا في ضمن المحاضرة إلى ما يعبر عنه بعلم الطاقة الذي أصبح متداول حديثاً وكلمات بعض العلماء في تزييف أو تفنيد ما يسمى بعلم الطاقة.


يقول السائل: الذين يمارسون هذا العلم لا يتخطون الحدود الإسلامية ويستدلون على ذلك بمجموعة من الأمور منها ما ورد تفاءلوا بالخير تجدوه، وهذا هو الموضوع الأساس الأكبر لعلم الطاقة، وهو يتحدث عن طاقة الجذب، وما ورد في الروايات من التخلص وأنتم بكرامة من القمامة وما له من آثار إيجابية، أو استحباب شرب الماء في أوقات واقفاً وأخرى جالساً والكثير من المكروهات والمستحبات وآثارها وهم يرون أن هذه تعتبر طاقة، إذ كل شيء له طاقة قد تكون جيدة وقد تكون سيئة وما يتعلق بالكون وتأثيره على حياة الإنسان، ولذلك هناك ليالٍ يُبْتعد عنها في الزواج وتسمى ليالي الكوامل وهذه أيضاً ترتبط بالطاقة وأمثال ذلك من الأمور.
الأمر الأول: الاستدلال على قانون الجذب بما نُسب للنبي في قوله ”تفاءلوا بالخير تجدوه“، وقد نسبه السيد الطباطبائي في الميزان[1] ولكن لا يوجد مصدر لهذا الحديث أصلاً حتى في كتب أهل السنة، وعلماء أهل السنة نفوه وقالوا هذا منسوب إلى النبي وليس له مصدر.
وأما الحديث الثاني: كل متوقع آت. هذه العبارة وردت في إحدى خطب الإمام علي ، وردت في نهج البلاغة[2] ، وقد كان الإمام علي
يذم الدنيا يقول: ”فَلا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا، رَحِمَ اللهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، واعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ، فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الآخِرَةِ عَمَّا قَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ، وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ، وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ، وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ“.
واضح من سياق الخطبة الشريفة أنها تقول أن الإنسان في هذه الدنيا يتوقع المرض فالهرم فالموت، وهذا سيأتي حتماً، كما أن الأيام معدودة وستنقضي فما سيتوقعه من نهاية لهذه الدنيا من مرض وهرم وموت سيأتيه قطعاً، ولذلك عطف على هذه العبارة قال: الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَكَفَى بِالْمَرءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ.
ذهب التستري والشيخ ميثم في شرح نهج البلاغة إلى أن المراد ب «متوقع آت» هو الموت فما بعده، خصوصاً أنه أعقبه قال: ”يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ“.
الأمر الثاني: لا إشكال في حسن الظن بالله، إذا كان المقصود أن الإنسان يحسن الظن بالله كما ورد في بعض الأبيات المنسوبة للإمام علي :
رَضيتُ بِما قَسَّمَ اللَهُ لِي | وَفَوَّضتُ أَمري إِلى خالِقي | |
كَما أَحسَنَ اللَهُ فيما مَضى | كَذَلِكَ يُحسنُ فيما بَقي |
هذا يعبر عنه بحسن الظن بالله والتوكل على الله وهو مطلوب، فإذا كان المقصود بالجذب والطاقة الإيجابية ربط الأمور بالله عز وجل وأن الله يكتب لنا الخير سواء الخير الذي نريده أو الخير الذي هو يريده لنا تبارك وتعالى، فهذا هو الموافق للروايات الشريفة، لا أن كل ما تتوقعه سوف يأتيك لاحظوا قوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216] الإنسان لا يريد الشيء المكروه ولكنه يأتيه، وهو الخير له ﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾
فليس المقصود بالطاقة الإيجابية أنني أريد ما أراه أنا صالح، بل ما يراه هو صالح، فهذا من تعاليم الدين، وهذه هي فلسفة الدعاء، فلماذا نحتاج إلى قانون الجذب ولدينا في المفاهيم الإسلامية مبدأ التوكل على الله، مبدأ حسن الظن بالله، مبدأ الدعاء ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60] الإنسان يدعو الله أن يعطيه الخير ما يراه هو سبحانه خير سواء أنا كرهته أو أحببته، ما يراه خيراً لي أنا أدعو به، ويستجيب لي ويعطيني ما يراه هو خيراً لي وصلاحاً، هذا هو الدين، التسليم لله تبارك وتعالى كما ورد عن الإمام الحسين : اللهم رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك. لا أنه أنا أمشي على قانون الجذب، بل أمشي على ما يريده الله صلاحاً لي وخيراً.
الأمر الثالث: الإنسان إذا درس أي مشروع ورأى إيجابياته ومطابقته للموازين الشرعية فليقدم عليه وليتوكل على الله، صحيح قد يخاف من التعثر والمشاكل، ولكن يقدم عليه متوكلاً على الله، وهذا ما ورد عن الرسول محمد : ”إن المؤمن لا يخلو من ثلاث: الطيرة، الظن، والحسد. إذا تطيرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق“
وأما في موضوع المستحبات والمكروهات والليالي الكوامل التي يتجنب الناس الزواج فيها، هناك فرق بين الأثر المادي الجسدي والأثر الغيبي غير المرئي، فالأول هو ما دلت عليه المستحبات والمكروهات كطريقة شرب الماء وإزالة القمامة من البيت، واستحباب السواك، وغسل اليدين قبل الطعام ومضمضة الجنب، كل ذلك يدخل في إطار الطب وليس في علم الطاقة، هي لوقاية البدن عن الأمراض والآفات الجسدية، ولا علاقة لها بما يسمى بعلم الطاقة.
وأما الثاني وهو الأثر غير المرئي والمحسوس، نحن ليس لدينا في الروايات عن الكوامل بل هي عادة جرت عليها الناس وهي الليالي الكوامل وليالي النحس، والموجود في الروايات المعتبرة فقط أنه يكره عقد الزواج والقمر في برج العقرب.
على أية حال هناك بحث عند العلماء أن هذه الكراهة قد تكون تعبدية أو أنها كراهة إرشادية، وإذا كانت كراهة إرشادية هل أنها ترشد لأثر غيبي لا يمكن لنا نيله والوصول إليه أو أنها ترشد إلى أثر يتعلق بالشياطين؟ أي كأن شياطين الجن مثلاً في هذه الفترة والقمر في العقرب لهم تأثير على نفس الإنسان بوسوسة أو إثارة أو ما أشبه ذلك، لأجل ذلك أمر بتجنب العقد والقمر في برج العقرب.
بالنسبة إلى ما ورد في القرآن الكريم: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5]، وما ورد في الروايات من الرقية من العين، نقول: لم نقل أن العين أو الحسد لا أثر لهما وإنما قلنا لا دليل عندنا، لا يوجد دليل علمي على ترتب أثر على ما يعبر عنه بالعين، والروايات التي وردت في العين ضعيفة السند، عندنا رواية واحدة يراها بعض العلماء موثقة وهي رواية السكوني وبعض العلماء لا يقبلها، وهذه الرواية دعت إلى الرقية من العين باعتبار أن لعل لها أثر، أي يكفي في صحة الرقية والإتيان بها الوقاية، ويكفي في الوقاية احتمال وجود الأثر.
بعبارة أخرى إن قام الدليل من الكتاب أو السنة المعتبرة على وجود أثر تعبدنا به لأنه ورد في الكتاب والسنة لا لأنه مرتبط بعلم الطاقة، وباب الدعاء والأحراز الواردة عن أهل البيت وأشباه الأحراز هي الطريق للوقاية.
أما في مسألة تطوير علم الطاقة وإعادة شرحه إسلامياً تحتاج أولاً إلى إثبات أنه علم حتى تُبذل الجهود في تطويره وشرحه، ما هو المراد من أنه علم؟ هل المراد منه المصطلح المنطقي أم المراد منه هو العلم التجريبي أم العلم الغيبي؟
إذا كان المراد منه المصطلح المنطقي فإن العلم بالمعنى المنطقي يعني تصور الشيء أو التصديق به وينطبق على السحر والشعوذة ويسمون ذلك علماً، السحرة عندهم أن السحر علم، والشعوذة عند المشعوذين علم.
وإذا كان المراد بالعلم هو العلم التجريبي فإننا ذكرنا كلاماً لعدة متخصصين في تلك الليلة، قالوا هذا زائف، ولا يوجد ما يثبته علمياً، ولم يرد في أبحاث علمية أو في مجلات علمية متخصصة حتى نعتبره علماً.
وإذا كان المراد منه هو علم الغيب فعلم الغيب لابد أن يأتي عن أهل الغيب وهم أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، فلو ورد في روايات معتبرة لأخذنا به.




وقلنا أن الدين واجه انتشار هذه الظاهرة بطريقة تدريجية وذكرنا العوامل التي طرحها الدين لتقليل هذه الظاهرة أو محوها بطرق تدريجية، أما لو وجد السبب الشرعي ووجد الرق فإن أحكام الرقيق موجودة كما نصت عليها الروايات، وكما ذكرها الفقهاء.
شحرور وسروش يدّعون أنهم يحددون مراد المتكلم، بينما الهرمينوطيقا قائمة على أن مراد المتكلم لا شغل لنا به وأن المحورية للمفسر فلماذا أدخلتم هذا في هذا؟
وأما ما ذكرته من أمثلة كمثال مثال الحد الأعلى والأدنى في الإرث لمحمد شحرور أنا ما ذكرته كأنه من الهرمينوطيقا بل ذكرته كنتيجة، أي لو قلنا بالهرمينوطيقا الفلسفية سنقبل كلام شحرور في تحديد الإرث وأن ما ذُكر في القرآن ليس حداً حاسماً للإرث إنما هو بيان للحد الأعلى والحد الأدنى، إذا قبلنا الهرمينوطيقا الفلسفية سنقبل كلام شحرور، ذكرناه كنتيجة لا أننا ذكرناه كمثال لهذا المنحى من البحث.

أما الشيخ البهائي رحمه الله نعم كان عالماً في الروحيات من الطراز الأول، وله كتاب «السر المستتر» لكن ليس في كتابه أي إشارة إلى ما يسمى بعلم الطاقة، ولم يستخدم هذا المصطلح حتى في كشكوله المعروف فكيف ينسب إلى الشيخ البهائي وإلى العلوم التي دخل فيها وأبدع أنه ممن يدعم أو يقول بمسألة علم الطاقة؟
أما في مجال البحث الفقهي فإنه لم يكن موضوعاً لذلك البحث، البحث الفقهي لا يتعلق بكون المنقولات التاريخية صحيحة أم لا، يتعلق البحث الفقهي في هل أن الأئمة رتبوا الأثر على ما حصل من الفتوحات من إمضاء الملكية في الفيء والأنفال والغنائم والرقيق أم لا، وأنا ما تعرضت لهذا البحث لأنه يستدعي متابعة الفتاوى والشهرات في المقام، وذكرت أن السيد الخوئي قدس سره له رأيان، له رأي بالموافقة، ورأي بعدم الموافقة، ورأيه المتأخر هو عدم الموافقة، ورأيه السابق زمانه هو الموافقة لهذا الإمضاء.
والقسم الثاني فيه اقتضاء للحسن والقبح، لذلك في الموارد التي يتم فيها الاقتضاء يكون الإنسان ملزماً به كقبح التكبر وقبح البخل، فهذا يدور مدار تمامية الاقتضاء في الموارد التي يكون فيها.
والقسم الثالث: هي الكمالات؛ هي من الأمور المستحبة.
فنحن عندما نقول بأن الدين ضمان للأخلاق نقصد القسم الأول وهو ما يكون الخلق ذاتي الحسن أو ضده ذاتي القبح كما مثلنا بذلك.
مثلاً ذكرنا في ليلة من الليالي لو أن إنسان ذكر كلمة مؤلمة، هو كلام لكن الناس تتأثر بهذه الكلمة، ليس تأثراً مادياً وإنما أثر نفسي، وجود الأثر النفسي للساحر لا يعني أن للسحر حقيقة واقعية مادية ترجع لأسباب مادية، لكن له أثر نفسي، وبما أن له أثراً نفسي جاءت التعويذات والأحراز وغير ذلك.
ولهذا ذكرنا في مسألة الحسد نفس الأمر، قلنا القرآن الكريم قال: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5] لم يقل من شر الحسد، أي أن الأثر يحتاج إلى عنصرين: الحاسد، وأن يظهر حسده بعمل من الأعمال، أي كأنما النفس الخبيثة للحاسد هي مكمن الأثر، كأنما هذه النفس الخبيثة هي ذات أثر، فإذا انضم لهذه النفس الخبيثة عمل يظهره الحاسد ترجم تلك النفس الخبيثة وذلك الخبث بعمل من الأعمال يترتب عليه الأثر، لكن الأثر قد يكون أثراً نفسياً، قد يكون هذا الأثر استجلاب الشياطين، الشياطين لا ننكر أن لهم أثر، والقرآن دل على ذلك: ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ «4» الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ «5» مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ «6»﴾ [الناس: 4 - 6] الشيطان جناً أو إنساً له قدرة على الوسوسة والوسوسة لها أثر خطير على النفس.
فإذن السحر والحسد والعين ربما تكون هذه الأشياء لها أثر من حيث أنها تستجلب الشياطين الذين يكون لهم أثر على الإنسان، نحن لا ننكر هذا، إنما نقول لم يقم عليه دليل، السحر ليس له واقع مادي خارجي، والحسد ليس له واقع مادي خارجي، لكنه بالنتيجة نوع من المهارة، نوع من العمل النفسي الذي قد يكون له أثر خطير على نفس الآخر.

فالنزع له معاني ثلاثة دخول في أمر لإفساده، أو الإزعاج والإغراء، أو الوسوسة. وكلها معاني متقاربة ترجع إلى حيثيات نفسية وليس لها آثار مادية خارجية.
الآية الثانية ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201] يقول السيد صاحب الميزان هذا تعليل للأمر في الآية السابقة، والطائف من الشيطان هو الذي يطوف حول القلب ليلقي إليه الوسوسة.
وفي الآية الثالثة ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص: 41].
يقول السيد صاحب الميزان[7] ، الظاهر أن المراد من مس الشيطان بالنصب والعذاب استناد نصبه وعذابه إلى الشيطان بنحو من السببية والتأثير، وهذا لا ينافي استناد المرض إلى الأسباب المادية الطبيعية. يعني أن المرض الذي حل بأيوب مستند إلى أسباب طبيعية ومادية، ومع ذلك الشيطان جزء من التأثير في الوصول إلى هذا المرض، ولعله الشيطان وسوس إلى زوجة أيوب أو ابن أيوب ونتيجة هذه الوسوسة أن هذا الموسوس فيه وضع له طعاماً مسموماً أو قال له كلمات تؤثر على نفسه، بالنتيجة الشيطان له جزء من التأثير، لا أن الشيطان يدخل في الجسد، ويركب في الرأس، ويحرك الأذن، ويرمش العين، هذه أمور لم يقم عليها أي دليل سوى كلمات العامة من الناس.
وأما في قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].
فإن الشيطان له نحو من التأثير ولو أنه أغراهم ووسوس لهم وحبب إليهم هذه الأمور وهذه المعاصي.
والسائل العزيز الذي طرح هذه الأسئلة مصر على أن الأمر صحيح لأن هناك رواية تقول: خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين السجاد دهراً من عمره، ثم أراد أن ينصرف إلى أهله فأتى إلى علي بن الحسين وشكا إليه شدة شوقه إلى والديه فقال: يا أبا خالد يقدم غداً رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير، وقد أصاب بنتاً له عارض من أهل الأرض ويريدون أن يطلبوا معالجاً يعالجها فإذا أنت سمعت قدومه فأته وقل له أنا أعالجها لك على أن أشترط عليك أني أعالجها على ديتها عشرة آلاف.... إلى أن قال: انطلق يا أبا خالد فخذ بأذن الجارية اليسرى ثم قل: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية ولا تعد. ففعل أبو خالد ما أمره فخرج منها، فأفاقت الجارية وطلب أبو خالد الذي شرطه...
الرواية لم تثبت لأن رواتها مجاهيل وفيها أبو سمينة المعروف بالضعف فلا نستطيع أن نبني على رواية ونؤسس عليها علم وقواعد ومكونات عقدية وفكرية وهي ليست رواية تامة الاعتبار.
ثم ذكر السائل رأي بعض المراجع الكبار ممن دعوا في كلماتهم إلى تضمين القصائد الحسينية عن أفعال الظالمين ومثالبهم.
وهناك أيضاً تعليق آخر يصب في نفس هذا المضمون يقول:
لا تقحم القضايا كذلك، كما أسلف سماحته بأن القصيدة واللطمية أثرت طوال القرون الماضية دأبت مواكب أهل البحرين لخلط العزاء الحسيني بالقضايا التي تلامس واقعنا لتؤرخ على مدى الأعوام كقضايا الحجاب والسفارة والظلم المجتمعي والتمسك بالعلماء، وقد نتج عن ذلك جيل واع عارف؛ لأن تكرار هذه الكلمات واللطميات لها تأثير على العقل الباطن للمستمع لتجعله يدرك الحق فيقف موقفه، أتمنى من سماحتك أن تستمع لهذه القصائد.
جاءتنا ملاحظات علمية صحيحة نذكر منها ثلاث ملاحظات:
الملاحظة الأولى: ذكرتم في تلك الليلة أركان النظرية العلمية وذكرتم من الأركان الركن الخامس وهو أن تكون النظرية قابلة للتكذيب والتخطئة، واستندت في ذلك إلى الفيلسوف كارل بوبير، ولكن ما يخص كارل بوبير تعرض منهجه للنقد، واتضح أن النظرية العلمية أوسع من منهج قابلية التكذيب، وأن بعض من تمسك بمنهجه من علماء الفيزياء ليست له خلفية فلسفية.
ثانياً إن النظريات التي تتحدث عن النظرية العلمية تخطت منهج عميد فلاسفة العلم كارل بوبير، بل النظرية التي لا يمكن إخضاعها للتجربة قد تعتبر نظرية علمية، النظرية لا يمكن إخضاعها للتجربة مع ذلك يمكن أن تكون علمية إذا كانت هي الوحيدة في الساحة العلمية.
وقد ذكرت موسوعة الإنترنت الفلسفية أيضاً هذه الملاحظة، قالت: ظل تفسير بوبير للمنهجية العلمية مؤثراً ولكنه واجه عدداً من الاعتراضات الجادة، أدت هذه الاعتراضات إلى ظهور تفسيرات بديلة للتفكير العلمي.
الملاحظة الثانية: نقلتَ تلك الليلة عن كتاب الدكتور علي شاكر الفتلاوي الظواهر الخارقة، وهو شخص متخصص في مجال علم الفيزياء دافع عن الباراسيكولوجي، ذكر في كتابه[8] : في الحقيقة أن ميكانيكية الكوانتوم يكون فيها الجزيء غامضاً بل شبحياً بل إنه شيء بلا شكل ولا يمكن التعرف على خصائصه وقياساته. واستدل بالعالم ويلز ونقل عنه شبيه بهذا الكلام أن الجزيء لا يمكن التعرف على خصائصه وقياسه.
بعض الإخوة من المتخصصين قالوا هذا الكلام يحتاج إلى إضافة، صحيح أن الكواركس هو الجزيء اللامتناهي في الصغر ولا يمكن قياسه وتحديد خصائصه، ولكن من خلال تجارب المسرعات والمعجلات يمكن تحديد بعض الخصائص والقياسات إنما بشكل غير مباشر.
الملاحظة الثالثة: قلتم الجسم المادي لا يمكن أن يصل في سرعته إلى سرعة الضوء ولو وصل إلى سرعة الضوء لاستحال إلى الفناء وهذا لا يمكن أن يحصل، وقد بينت له مقصودي أنه ليس بالفناء أن الجسم يزول ويتبخر ويتلاشى، بل لا يحتفظ بخصائصه المادية وعناصره الكيميائية المادية إذا وصل إلى سرعة الضوء بل يتحول إلى طاقة لا متناهية إذا فرضنا أنه وصل إلى سرعة الضوء، ولذلك ذكر الأخ العزيز الذي أرسل هذه الملاحظة أنه يمكن التعبير بنحو علمي أكثر مما ذكر.
وجاءتنا بعض الاعتراضات على بعض اللطميات التي استشهدنا بها.
أولاً لم نصف أحداً من الرواديد أو الشعراء بالغلو حاشاهم وهم خدمة المنبر الحسيني، وقد ذكرت تلك الليلة أنهم يمثلون اليوم المنصة الإعلامية لصوت الحسين ، هم يصنعون الآن ثقافة الأجيال أكثر مما تصنعه المحاضرات والمنابر والندوات، وهذا شيء يشكرون عليه ونحن نثني عليهم ومعهم ومنهم.
وقد ذكرنا روايات لعن الغلاة لا من أجل أن نصف خدمة الحسين من المعزين والرواديد والشعراء بأنهم غلاة بل لأجل بيان أننا بريؤون من الغلاة الذين لعنهم الأئمة صلوات الله عليهم، ولأجل أننا بريئون من الغلاة لذلك نحرص على أن تكون عباراتنا عبارات غير موهمة بالغلو، والعبارات الواردة هي موهمة وليست غلو حتى نقول أنه قصْد منهم.
ثانياً ما ذكرته هو تطبيق لكلام المرجعية العليا، ذكرناه بالحرف الواحد «فليحذر الشعراء والرواديد جزاهم الله خيراً ونفع الله بهم من العبارات الموهمة للغلو» ولا نتهم أحداً بالغلو، ولكن هي عبارات كل من يسمعها توهمه بالغلو وهي مما استطعنا الوصول إليه وإحصاءه.
أيضاً من الأمور التي ذكرناها في ليلة التاسع من شهر محرم حبذا الالتزام بما ورد في الروايات المعتبرة، ومنها زيارة الجامعة قال: «بكم فتح الله، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبكم ينفس الهم» أنتم الوسيلة، والمصدر هو الله تبارك وتعالى.
الروايات المعتبرة أو روايات مشهورة في الكتب المعتبرة بحيث تعطينا الشهرة وثوقاً فنأخذ منها أوصاف أهل البيت ومنها: «إياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم» الإياب والحساب على الله ولكن هم الوسيلة والواسطة، وقد ذكرت هذا في كتابي ميثاق الإمامة في آية الولاية. وذكرت في هذا الكتاب أننا نعتقد بالولاية التكوينية لأهل البيت التي تنبسط على الوجود كله بعوالمه وذراته ومجراته، وبحثتُ هناك بحثاً علمياً دقيقاً عن الفرق بين العلة الفاعلية غير المستقلة، والواسطة في الفيض، والشرط المتمم لقابلية القابل وليس مصححاً لفاعلية الفاعل. هذه فروق علمية دقيقة ذكرناها وبحثناها بحثاً مفصلاً، إنما نحن نقول لا تُستخدم عبارة توهم الغلو.
واللام في كلمة «ليذهب» تعليل لما سبق من أوامر ربانية لنساء النبي كأن الآية قالت افعلن كذا وكذا يا نساء النبي من أجل أن يطهركم، ولا علاقة للتطهير بالعصمة وأهل البيت أعلى مقاماً من أن يطهرهم الله.

وثانياً اللام للتعدية وليست للتعليل كما قال تبارك وتعالى في آية أخرى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: 6] لام لتعدية الفعل لمفعوله، اللام للتعدية وليست لام التعليل وإلا لو قلنا بلام التعليل لكان لازمه أن تكون «إنما» لغو.
وثالثاً البعض يفهم من كلمة تطهير أنهم نجسين والله يطهرهم، بينما تطهير تفعيل وهو بمعنى إحداث الشيء مثل قول عندي تخطيط للبيت، والبيت ما وُجِدَ أصلاً، ومعنى ذلك أوجدت البيت مخططاً، فتطهيرهم يعني أوجدهم من الأصل طاهرين وليس أوجدهم غير طاهرين ومن ثم طهرهم حتى يقول أن أهل البيت أسمى من ذلك.
رابعاً الأخ اشتبه بين كلمة أهل وأهل البيت، وقد ذكرنا في المحاضرة أن كلمة أهل تطلق على المؤنث والمذكر، وإذا خاطبت المرأة بأهل يصح أن تعبر بضمير النسوة، يصح أن تقول للمرأة يا أهل فلان اعملي، يا أهل فلان اعملن؛ لأن أهل تطلق عليهما. الكلام في عنوان أهل البيت، وإنما خاطب القرآن زوجة إبراهيم وقال: ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود: 73] ما كان خطاباً لها بل كان خطاب لمجموع بيت إبراهيم ومنهم زوجته، وإنما كانت زوجته من أهل بيته لأنها ابنة عمه فبينه وبينها لحمة نسبية لذلك أدخلها القرآن في أهل البيت، وقد ورد الاستشهاد بآية التطهير في كثير من الروايات بأنهم من أهل آية التطهير.