1447-01-01

كيف نستثمر العظة والعبرة من سنن التاريخ

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران: 137]

صدق الله العلي العظيم

هناك سؤال يطرحه الكثير من المسلمين وهو أن المسلمين مروا بكوارث وأحداث دامية، وهذه الكوارث تتكرر على مدى فصول التاريخ، فماذا يستفيد المسلمون من هذا التاريخ الذي امتلأ بالكوارث والأحداث؟

هذا السؤال يدعونا إلى أن نبحث حول مبدأ قرآني ألا وهو مبدأ سنن التاريخ، وكيف نستثمر سنن التاريخ ونستفيد من عطاء القرآن في مجال سنن التاريخ.

وهنا محاور ثلاثة:

  • أهمية القراءة الموضوعية للتاريخ.
  • ركائز سنن التاريخ في القرآن.
  • التفاعل القرآني مع سنن التاريخ.
المحور الأول: أهمية القراءة الموضوعية للتاريخ.

كيف نقرأ التاريخ؟ تاريخ نبينا، تاريخ أئمتنا، تاريخ أسلافنا؟

قراءة التاريخ على ثلاثة أنواع: قراءة سردية، قراءة توثيقية، وقراءة موضوعية.

القراءة الأولى: القراءة السردية.

أن نتلو التاريخ، مثلاً أن نتحدث عن النبي محمد فصلاً فصلاً، وجزء جزء، تلاوة التاريخ تسمى القراءة السردية.

القراءة الثانية: القراءة التوثيقية.

كيف نثبت حصول التاريخ؟ عندما يروي بعض المؤرخين من إخواننا أهل السنة أن الرسول الأعظم لما جاء المدينة نهى المسلمين عن تأبير النخل أي تلقيحها، فامتنع الناس عن تأبير النخل، فلما جاء وقت الحصاد ظهر الثمر شيصاً ولم يظهر رطباً، فجاؤوا إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله نهيتنا عن تأبير النخل فما أثمر، ظهر شيصاً! قال: أنتم أعرف بدنياكم.

هذه الحادثة التاريخية عندما نريد أن نوثقها هل هي صحيحة أم لا، توثيق التاريخ يخضع للعامل الكمي وللعامل الكيفي. العامل الكمي يعني كم شخصاً روى هذه الرواية، هل الرواية ذكرها كل المؤرخين؟ رواها عدة أصحاب؟ حضرها عدة شهود؟ العامل الكمي يؤثر في قبول الرواية، وهذه الرواية ليس لها عامل كمي حتى عند إخواننا أهل السنة، روتها بعض المصادر دون جميع المصادر، فهي تفتقد للعامل الكمي.

وفي العامل الكيفي، هل هذه الرواية تنسجم مع رسول الله ؟ لا تنسجم، بغض النظر عن كون النبي معصوماً لا يخطئ الرسول كان من أهل مكة ومكة قريبة من الطائف والطائف بلد زراعي، ولا يخفى على رسول الله بديهيات الزراعة وهو أن النخل لا يثمر إلا بالتلقيح، هي قضية من الأوليات والأبجديات لا تخفى على رسول الله .

ثانياً الرسول حكيم، يقول القرآن: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة: 2] من يعلم الكتاب والحكمة أليس حكيماً؟ مقتضى حكمته أن لا يتدخل في غير اختصاصه، فكيف الرسول ينهاهم عن عملهم وهم أعرف به؟!

وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38] أمور الناس هي اختصاصات تخضع لخبراتهم وطاقاتهم.

إذن هذه الرواية غير صحيحة، لا العامل الكمي يساعدها، ولا العامل الكيفي.

القراءة الثالثة: القراءة الموضوعية.

كيف ندرس التاريخ؟ كيف نتعرف على العوامل والأسباب المحركة لمسيرة التاريخ؟ كيف نستفيد من تجارب التاريخ؟

هذه القراءة نسميها قراءة موضوعية، والقراءة الموضوعية للتاريخ أيضاً تنقسم إلى عدة قراءات: قراءة عفوية، قراءة قسرية، وقراءة علمية.

1. القراءة الأولى: القراءة العفوية.

المحقق الألماني الكبير مير في كتاب «تحقيقيات في فلسفة التاريخ» يقول: التاريخ ليس علم بل مجرد حوادث متكررة خاضعة أحياناً للصدفة، فلماذا نتعب أنفسنا في التاريخ والقارئ والمقروء واحد؟

التاريخ هو سيرة للإنسان والقارئ للتاريخ هو الإنسان إذن الإنسان يقرأ الإنسان، التاريخ سيرة الإنسان وقارئ التاريخ هو الإنسان إذن القارئ والمقروء واحد، وبما أن القارئ والمقروء واحد إذن لن تكون القراءة حياديه، الإنسان بطبعه يميل إلى رواسبه الثقافية، يميل إلى معتقداته، فلن يقرأ التاريخ قراءة حيادية، وهذه المشكلة موجودة في العلوم الإنسانية، والفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية أن العلوم الطبيعية وهي علم الفيزياء والكيمياء والفلك وغيرها هي علوم مبنية على تجارب متكاملة، لأجل ذلك القراءة فيها قراءة حياديه، والإنسان لا يستطيع أن يخرج عن أصول علم الفيزياء مثلاً إذا قرأ الفيزياء.

أما علم النفس وعلم الاجتماع، وعلم التاريخ هي علوم إنسانية، لا تستند إلى تجارب متكاملة، لذلك ليست القراءة فيها قراءة حيادية، قراءة تخضع للميول والرواسب.

إذن هذه المدرسة تقول القراءة الموضوعية للتاريخ تعني أن التاريخ ليس علماً، لأن القارئ والمقروء واحد إذن القراءة ليست حيادية.

بينما المدرسة الأخرى وهي المدرسة القسرية التي يعبَّر عنها بالجبر التاريخي؛ أي أن التاريخ يسير وفق قوانين قسرية، مثلاً الكون الذي نعيش فيه يخضع لقوانين قسرية، الإنسان الذي يعيش على الأرض يخضع لقانون الجاذبية شاء أم أبى، لا يمكن للإنسان أن يتعدى سرعة الضوء وإلا تبخر، هذه قوانين قسرية، فكما أن الكون يخضع لقوانين قسرية فالتاريخ أيضاً يخضع لقوانين قسرية، مسيرة التاريخ تخضع لقوانين قسرية.

وفي المدرسة الثالثة  وهي المدرسة الصحيحة  وهي القراءة العلمية.

2. القراءة الثانية: القراءة العلمية.

وهي القراءة التي تقول أن القارئ شيء والمقروء شيء آخر، كما أن الكون صفحة تستحق القراءة من خلال قوانين الفيزياء والفلك، كذلك التاريخ صفحة يمكن لنا أن نقرأها قراءة نزيهة حيادية، التاريخ مسيرة طويلة ابتدأت من آدم إلى يومنا هذا، يمكن لنا أن نقرأ التاريخ قراءة موضوعية حيادية نزيهة، إذن قراءة التاريخ القراءة النزيهة هي عبارة عن القراءة العلمية، صحيح أن الكون كله يخضع لمشيئة الله ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] والتاريخ أيضاً يخضع لمشيئة الله ولكن هذا لا يعني أن القوانين قسرية، الله ربط المسببات بأسبابها، مشيئته يخضع لها الكون كله والتاريخ كله، لكن هناك مسببات وأسباب، الله ربط المسببات بأسبابه، كما أن الحوادث الطبيعية تحتاج إلى أسباب، احتراق الكتاب يحتاج إلى شعلة نار، أيضاً موت حضارة ونهوض حضارة يحتاج إلى سبب، مسيرة التاريخ تحتاج إلى أسباب كما أن مسيرة الكون تخضع إلى أسباب، صفحة التاريخ فيها أسباب متكررة من يوم آدم إلى يومنا هذا، تلك الأسباب المتكررة هي التي نسميها بسنن التاريخ، تلك الأسباب المتكررة هي التي يجب أن نقرأها وأن نضع أيدينا عليها، ما هي الأسباب التي تتكرر فتكرر فصول التاريخ ولذلك نقول التاريخ يعيد نفسه.

المحور الثاني: ركائز سنن التاريخ في القرآن الكريم.

بعد أن وصلنا إلى ما ذكره الباحث في فلسفة التاريخ مقدمة في فلسفة التاريخ الباحث والش، أيضاً المؤرخ الأمريكي المشهور تشيني يؤيد هذه النظرية، التاريخ علم، التاريخ صفحة تستحق القراءة النزيهة، التاريخ يخضع لعوامل وأسباب لابد أن نضع أيدينا عليها لنتعرف على واقعنا من خلال التعرف على تاريخنا.

كيف نقرأ أسباب التاريخ وعواملها؟

هنا اتجاهان: اتجاه حرفي، واتجاه تحليلية.

الاتجاه الأول: الاتجاه الحرفي.

وهو الاتجاه الذي يقول أن السبب في مسيرة التاريخ واحد وليس متعدد، بعضهم قال أن السبب هو الصنف، وبعضهم قال هو العامل الجغرافي، وبعضهم قال العامل الاقتصادي.

  • النظرية الأولى: العامل الصنفي.

تقول بعض المدارس أن الدم الأبيض هو القادر على صنع التاريخ أما الدم الأسود فهو غير قادر على صنع التاريخ أي أن الشعوب الإفريقية المسكينة مثلاً غير قادرة على صنع التاريخ، القادر على صنع التاريخ هو الدم الأبيض، هو القادر على أن يصنع حضارات ومدنية عملاقة أما الدم الأسود فليس قادراً على ذلك، العامل الذي يتدخل في صنع التاريخ ومسيرته هو الدم، هو العامل الصنفي.

  • النظرية الثانية: العامل الجغرافي.

أن العامل المتحكم في مسيرة التاريخ هو العامل الجغرافي، المجتمع الذي يعيش في بيئة صحراوية منغلقة لا يستطيع أن يبني حضارة، المجتمع الصحراوي لا يستطيع أن يصنع تاريخاً، هؤلاء هم الأعراب ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [التوبة: 97] بينما المجتمع الذي يعيش في بيئة مفتوحة، الذي يعيش في حوض البحر المتوسط، المجتمع الذي يعيش على المحيطات، المجتمع الذي يعيش على الخليج هو مجتمع مفتوح يستطيع أن يبني الحضارة، لذلك برع البيزنطيون في بناء الحضارة لأنهم عاشوا على حوض البحر المتوسط، برع الروم، برع الفرس في بناء الحضارة لأنهم يعيشون على مجموعة من البحار، من كان يعيش في عامل جغرافي منفتح يستطيع أن يتحكم في مسيرة التاريخ.

  • النظرية الثالثة: العامل الاقتصادي.

أن المتحكم في مسيرة التاريخ هو العامل الاقتصادي، وهذه نظرية ماركس، وهو الذي قال أن المتحكم في مسيرة التاريخ العامل الاقتصادي، أي أن التنافس على أدوات الإنتاج يخلق تاريخ من الصراع، عندنا قوى منتجة، ولدينا أدوات الإنتاج ولدينا علاقات الإنتاج، القوى المنتجة هي الطاقات المعادن، الإنسان، الحيوان. وعندنا أدوات للإنتاج وقد كانت الأداة الأولى هي اليد، ثم جاء العصر الحجري، ثم جاء بعده العصر الزراعي، وبعده جاء العصر الصناعي، وبعده جاء العصر المعلوماتي وهو عصرنا اليوم، عصر التكنولوجيا.

وعندنا علاقات الإنتاج، البشر يتنافسون ويتسابقون على قوى الإنتاج، ونتيجة التنافس المحموم بين البشر على امتلاك الثروات والأموال تحصل الحروب، تحصل الصراعات، إذن تحصل مسيرة التاريخ، فصار العامل المؤثر في مسرة التاريخ هو العامل الاقتصادي.

الاتجاه الثاني: الاتجاه التحليلي.

وهذا الاتجاه يقول بأن كل العوامل دخيلة، حركة التاريخ لا تستند إلى عامل واحد بل إلى مجموعة عوامل، منها العامل الصنفي، منها العامل الجغرافي، ومنها العامل الاقتصادي، ومنها العامل المبدئي، الدين عامل مؤثر في حركة التاريخ، العامل المبدئي عامل مؤثر في صنع التاريخ وحركته، الإنسان كما يحتاج إلى ثروة، كما يحتاج إلى أموال كذلك يحتاج إلى كرامة ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70]

الإنسان يحتاج إلى قانون يرفع النزاعات والاختلافات، قال تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25] أي قانون يقيم العدالة.

الناس مضافاً إلى القانون والكرامة تحتاج إلى الإيمان، الإيمان يوفر للناس بيئة مستقرة مطمئنة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] الناس تحتاج إلى قيم أخلاقية ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل: 90]

إذن هناك حاجات مبدئية ومعنوية تحركت وأثبتت جدارتها في صناعة التاريخ، الدين الذي يهتم ويعنى بهذه الحاجات المعنوية المبدئية حاجة الإنسان إلى الكرامة، حاجة الإنسان إلى القيم، حاجة الإنسان إلى القيم، حاجة الإنسان إلى الإيمان، الدين الذي يهتم بهذه الحاجات صار دخيلاً مؤثراً في صناعة التاريخ.

إذن الدين له نظرتان: نظرة قانونية، ونظرة فطرية.

1. النظرة الأولى: النظرة القانونية.

الدين تشريع وقانون قال الله تبارك وتعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13]

2. النظرة الثانية: النظرة الفطرية.

الدين محرك لفطرة الإنسان ومسيرته، يقول القرآن الكريم: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم: 30]

الدين دخيل في فطرة الإنسان، دخيل في محركية الإنسان نحو الأفعال الخيرة والطيبة، إذن الدين دخيل في مسيرة التاريخ وفي صنع التاريخ.

النظرية باختصار:

التاريخ هو مسيرة الإنسان، فلكي نقرأ التاريخ لابد أن نقرأ الإنسان، إذا قرأنا المعالم الرئيسة في شخصية الإنسان كان تلك بوابة لقراءة مسيرة التاريخ، ما هي المعالم الرئيسة في شخصية الإنسان؟

القرآن يتحدث عن الإنسان في الكثير من الآيات ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54] ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ [الأنبياء: 37] ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [الإسراء: 70]

لكن هنالك معالم رئيسية في شخصية الإنسان:

المعلم الأول: الحرية.

الإنسان حر، وهذ الحرية جعلته يصنع التاريخ ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ «8» وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ «9» وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ «10» [البلد: 8 - 10] وقال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: 3]

المعلم الثاني: الإرادة.

أن الإنسان لديه إرادة حديدية يستطيع أن يقهر كل شيء بإرادته، مثلاً ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [الفتح: 29] محمد صنع التاريخ بإرادته القوية، لأنه يمتلك إرادة حديدية استطاع من خلال قوة إرادته أن يصنع التاريخ «والله لو وضعوا الشمس والقمر في شماله على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، الإرادة عامل مهم في مسيرة الإنسان، إذن هي عامل مهم في كتابة ومسيرة التاريخ.

المعلم الثالث: الاختلاف

قدرة الإنسان على الاختلاف مع الآخر والصراع معه، الإنسان لديه قدرة على الصراع والاختلاف، يقول القرآن: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ [هود: 118] البشر مختلفون شئنا أم أبينا، مختلفون في قدراتهم العقلية، مختلفون في أذواقهم وثقافاتهم وبيئاتهم ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم: 22] عنده قدرة على أن يستثمر الاختلاف في الصراع، يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا [الحج: 40] إذن هذه القدرة على الصراع هو عامل مؤثر في مسيرة التاريخ.

المعلم الرابع: التكامل.

قدرة الإنسان على التكامل، الإنسان قادر على أن يتطور ويتكامل، قال القرآن الكريم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2]

وقال القرآن الكريم: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة: 105]

ويتحدث القرآن عن الإنسان الكامل ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 112]

من خلال فهمنا للإنسان نفهم التاريخ، وأن هناك سنن تحكم مسيرة التاريخ، وهذه السنن التاريخية من القرآن قال بها: من الغرب أليكسندر غراي في كتاب الآلهة والعبيد، تحدث أليكسندر عن نظرية سنن التاريخ وأن هناك مجموعة من العوامل تحكم مسيرة التاريخ.

ومن المفكرين المسلمين ينقل الدكتور حسن كيلي وهو أستاذ في جامعة الخرطوم، في مجلة الثقافة الإسلامية[1] ، ينقل الدكتور أن أول من تكلم في نظرية سنن التاريخ في القرآن هو الإمام محمد عبده، وبتعبيره يقول: وأنه تحدث في كتابه المجموعة الكاملة عن ربط سنن التاريخ في القرآن بالدين.

ثم جاء السيد الشهيد محمد باقر الصدر وبحث في نظرية سنن التاريخ في القرآن، وأنا تحدثت عن هذه النظرية في ست محاضرات في درس التفسير في النجف الأشرف نقداً وبناءً بشكل مفصل يمكن المراجعة، ونظرية سنن التاريخ تتلخص في أن هناك قوانين تحرك التاريخ، وقد جعل القرآن لهذه القوانين ثلاث صفات:

الصفة الأولى: الاطراد.

هذه القوانين لا تتغير، كلما يأتي جيل تتكرر نفس القوانين والسنن، يقول القرآن الكريم ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43]

السنن تتكرر في كل جيل، في كل مئة سنة، في كل مجتمع.

الصفة الثانية: نسبتها إلى الله تبارك وتعالى.

سنن التاريخ تنتسب إلى الله تبارك وتعالى، الله بمشيئته يقلب هذا التاريخ لا بنحو القسر وإنما بنحو إعداد الظروف ورفع اليد بحيث الإنسان يتحرك على ضوء طبيعته لكنها بالنتيجة تستند إلى الله لذلك يقول القرآن: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43]

الصفة الثالثة: التضاد

لا يوجد تاريخ ليس فيه صراع ولا حروب، لا يوجد تاريخ ليس فيه مواجهات، في كل قرن وفي كل جيل تحدث صراعات، هذه سنة من سنن التاريخ، سنة التضاد، سنة الصراع، لذلك القرآن يركز على هذه السنة الموجودة من سنن التاريخ.

المحور الثالث: التفاعل القرآني مع سنن التاريخ.

كيف نستفيد نحن في واقعنا المعاصر من سنن التاريخ؟

أنا فصلْتُ هنا بين الظواهر الاجتماعية والسنن الاجتماعية، والسنن الإلهية. ليس كل ما ذكره القرآن من سنن التاريخ كما ذكر السيد الصدر قدس سره، القرآن ذكر ثلاثة أمور: ظواهر اجتماعية، عوامل اجتماعية، وسنن إلهية.

الصنف الأول: الظواهر الاجتماعية.

يقول القرآن الكريم: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: 34] هذه ظاهرة تحتاج إلى أسباب، وتعني كلمة ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ أي أن لكل حضارة حياة وموت، ليس هناك حضارة تبقى لابد ستموت يوماً من الأيام، قامت الحضارة البابلية والحضارة الآشورية والحضارة البيزنطية والحضارة الإسلامية وكلها ذهبت وماتت، الحضارة تولد وتموت كما يموت الإنسان.

الظاهرة الثانية حاجة الناس إلى القانون، عندما تقرأ قوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ [البقرة: 213]

بمجرد أن يتطور المجتمع تكنولوجياً يتطور ثقافياً، وبمجرد أن يتطور ثقافياً تحصل الاختلافات والمنافسات فحينئذ يحتاج المجتمع إلى القانون، من هنا قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة: 213]

الصنف الثاني: السنن الاجتماعية.

السنن ليست لها علاقة بالله مباشرة، بل هي سنن موجودة حتى في المجتمعات التي لا تؤمن بالله، نقرأها الآن لنستفيد منها في مجتمعاتنا وفي واقعنا المعاصر، من هذه السنن الاجتماعية التي أشار إليها القرآن الكريم ظاهرة الطبقية، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16] المترفون هو الذين يملكون الشركات العملاقة، شركات صنع الأسلحة، صنع أدوات التكنولوجيا، صنع الأدوية، صنع الأغذية، الذين يمتلكون الشركات العملاقة على مستوى العالم هي الطبقة المترفة.

في الطبقة الثانية هي طبقة العمال الكادحة التي تخرج من الصباح إلى الغروب وهي تعمل وتكدح في سبيل توفير لقمة العيش، وهذا هو العالم الرأسمالي اليوم، هذه هي حضارة اليوم القائمة على الطبقية، بين شركات عملاقة وبين طبقة عمالية كادحة، يقول القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16]

السنة الثانية عدم توزيع الثروة توزيعاً عادلاً، يقول القرآن الكريم: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]

كل بلد فيه فساد إداري، وفيه فساد مالي إذن فيه فقر وخوف، هذه سنة اجتماعية لا محيص عنها، كل بلد لا يوزع الثروة توزيعاً عادلاً لوجود الفساد الإداري والمالي إذن هو بلد مملوء بحالات الفقر وحالات الخوف وعدم الأمن، هذه سنة اجتماعية يذكرها القرآن الكريم.

الصنف الثالث: السنن الإلهية.

هناك سنن غيبية تستند إلى الله تبارك وتعالى يبتلى بها الناس شئنا أم أبينا، تدبروا في هذا القسم من هذا القرآن ألا وهو السنن الإلهية التي تحكمت في مسيرة التاريخ:

1. السُّنَّة الأولى: الابتلاء.

يقول القرآن الكريم: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا «1» إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا «2» [الإنسان: 1 - 2] أنت أيها الإنسان مبتلى، مبتلى في الرزق، مبتلى في الجسد، مبتلى في الأولاد، مبتلى بجار، مبتلى برئيس، سنة الابتلاء سنة لا محيص عنها ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ «155» الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 155 - 156]

ما هو الهدف من سنة الابتلاء؟ لماذا نحن المسلمين مبتلون بالكوارث والأحداث؟

هناك آية تلخص لنا الأهداف والغايات من سنة الابتلاء يقول تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139] هذه الآية تريد أن ترفع عنا اليأس والخيبة، أن ترفع عنا القنوط، تقول لا يصيبكم اليأس والقنوط والكآبة والحزن نتيجة سوء الأوضاع ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران: 140] قرح مس أصحاب رسول الله، وأصحاب أمير المؤمنين، وأصحاب الحسين وأصحاب الأئمة، وهذا التاريخ يتجدد ويتكرر نفسه، والهدف من ذلك تمحيص المؤمن من غيره ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 141]

والهدف الثاني وجود شهداء ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران: 140] شهداء أي رمز وقدوة، الله تبارك وتعالى بسنة الابتلاء يختار منكم رموزاً وشهداء عليكم يكونوا لكم قدوة ورمزاً وعنواناً.

والهدف الثالث الاستفادة من التجارب ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140] استفيدوا من تجارب من مضى، استفيدوا من تجارب السابقين.

2. السنة الثانية: سنة الصمود.

يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا [الحج: 40] وقال تبارك وتعالى عن هؤلاء الذين هيئهم الله ليقوموا بمثل هذا الدور ويحفظوا هذا التراث ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ «40» الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 40 - 41]

3. السنة الثالثة: سنة الوعد الإلهي.

كثيراً ما نقرأ في الآيات الوعد، يقول الله تبارك وتعالى في الوعد الإلهي: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]

يقول: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]

ويقول: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران: 123]

ويقول: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال: 9]

الوعد الإلهي يحتاج إلى شروط وعوامل، على كل مجتمع عاقل ومفكر أن يهيئ هذه الشروط والعوامل، ومن هذه الشروط:

الشرط الأول: الصبر الحكيم.

ليس الصبر بمعنى النوم والاسترسال، والاستسلام، الصبر بمعنى الحكمة، الصبر الحكيم بمعنى التأني وعدم العجلة في اتخاذ القرارات ودراسة العواقب دراسة متينة، هذا يسمى بالصبر الحكيم وهو شرط مهم للوعد الإلهي، يقول في القرآن: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45]

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة: 214]

الشرط الثاني: التخطيط.

لابد أن يكون عندك تخطيط، إذا أردت أن تؤسس شركة أو مؤسسة تحتاج إلى التخطيط فكيف إذا أردت أن تؤسس مجتمع، تؤسس حضارة، التخطيط يعني دراسة الظروف الموضوعية، دراسة ما عندك من قدرات وطاقات، دراسة العواقب، قبل أن تتعجل ادرس العواقب، واعرف ماذا سيحصل وماذا سيترتب، التخطيط وقراءة الظروف والعواقب عامل مهم من عوامل الوعد الإلهي ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [الأنفال: 60] القوة ليست دائمة قوة عسكرية، الصناعة قوة، العلم قوة، المعرفة قوة، عندما تمتلك قوة اقتصادية، قوة معرفية، هو من جملة التخطيط.

الشرط الثالث: قراءة التجارب.

قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46]

وقال تبارك وتعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ [الروم: 42]

إذن هذه سنن إلهية علينا قراءتها قراءة دقيقة حتى نستفيد منها في الواقع المعاصر، ومن السنن الإلهية أنه إذا طغى الظلم تحركت الفئات لمواجهة الظلم، وهذا ما حدث في زمن أمير المؤمنين علي حيث تحركت الصفوة من صحابة الإمام علي لمواجهة الظلم والطغيان وهذا المنهج هو الذي انطلق منه الإمام الحسين سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، قال: ”ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً“.

وقال : ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون“.

[1]  مجلة الثقافة الإسلامية الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر، المجلد 15، العدد 1