1447-01-03
ما هو أثر حضور الإمام المهدي «عج» في الاهتمام بالمجتمع الإسلامي ومشاركته في همومه
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: 55]
صدق الله العلي العظيم
لا ريب أن هناك أدلة وبراهين عديدة على ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه ووجوده وغيبته، وقد بحثها الأعلام في كتبهم وأنا أيضاً بحثت ذلك في كتاب الحقيقة المهدوية وهو مترجم للغة الإنجليزي، ترجمته مؤسسة العروة الوثقى، وهو كتاب مفصل في براهين ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وغيبته، ولسنا اليوم نتحدث عن ولادته وغيبته، كثير من أبناء المذهب الإمامي يتساءل أين أثر وجود الإمام المهدي بيننا؟
نحن نؤمن بوجوده، ولكننا نتساءل ونقول: المجتمع الإيماني يمر بكوارث وانتكاسات وأزمات خانقة على المستوى الحقل الاقتصادي، والحقل الاجتماعي، والحقل الديني. وتنخر في المجتمع الإيماني كثير من الاختلافات الحادة التي يأكل فيها بعض المؤمنين بعضاً، ومع هذه الكوارث وهذه الأزمات الخانقة التي يمر بها المجتمع الإيماني أين أثر وجود الإمام المهدي؟
إذا كان الإمام مولوداً وموجوداً كما نعتقد فأين أثر وجوده والمجتمع الإيماني ينادي لبيك يا مهدي، وينادي يا مهدي أدركنا، أين أثر وجود الإمام المهدي في المجتمع الإيماني؟
هذا يعني أن من يعتقد ومن لا يعتقد على حد سواء، فكل المسلمين سواء منهم من يعتقد بوجود الإمام أو من لا يعتقد بوجود الإمام كلهم يمرون بهذه الحوادث، بهذه الأزمات، بهذه الانتكاسات فأين أثر وجود الإمام المهدي كي يحصل فرق بين من يعتقد بوجوده، ومن لا يعتقد؟
حتى نجيب عن هذا التساؤل نتعرض إلى محاور ثلاثة:
- بيان حدود العقل الإدراكي.
- أهمية الإيمان بالغيب.
- الآثار المترتبة على وجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.
المحور الأول: بيان حدود العقل الإدراكي.
نحن لنا عقول لكن هل العقول تدرك كل شيء؟ رغم تقدم العلم وتطوره بشكل مذهل في فهم الكون وفهم الحياة ورغم تقدم الفلسفة، ورغم تقدم وتطور العقل البشري إلا أنه ما زالت هناك مناطق غامضة تقف العقول عندها حائرة لأنها لا تستطيع أن تكتشف لغزها، ولا تستطيع أن تصل إلى غموضها، ولأن المنهج التجريبي للعلم لا يمكن أن يصل إلى قياسها وإلى رصدها، أذكر لك أمثلة من الواقع الكوني ومن الواقع الاعتقادي، أمثلة ما زال العقل أمامها حائراً، وما زال العلم مع تطوره بالشكل المذهل في المنهج التجريبي، ما زال يقف أمامها حائراً، ومنها:
المثال الأول: الوعي
نحن نؤمن بالوعي ونؤمن بأثر الوعي، ولكن ليس الوعي مجرد تفاعلات كيميائية في الدماغ، الوعي هو النافذة الوحيدة التي يطل منها الإنسان على الحياة، على الكون، على كل شيء، وبالوعي نفهم كل شيء، حتى مفهوم اللا شيء نفهمه بالوعي، حتى مفهوم اللا وعي نفهمه بالوعي، الوعي يدرك كل المفاهيم حتى مفهوم اللا شيء واللا وعي، وهنا نتساءل: إذا كان الدماغ مادة فكيف ينتج إدراكات لا مادية؟ كيف ينتج شعوراً وإدراكاً لا مادياً؟ الدماغ يدرك القيم، والقيم شيء غير مادي، يدرك الأفكار والأفكار شيء غير مادي، يدرك الله والله شيء غير مادي، كيف للدماغ وهو مادة أن يدرك أشياء ليست مادية؟
هذا سؤال ما زال العقل يقف أمامه حائراً رغم تقدم العلم بشكل مذهل، ما زال العقل يقف حائراً أمام هذا السؤال، وتفسير كيف يدرك الدماغ المادي الأمور غير المادية.
المثال الثاني: المادة المظلمة والطاقة المظلمة.
يقر علم الفيزياء ضرورة وجود المادة والطاقة المظلمة لأن لها تأثير في تماسك البنية الكونية ولها تأثير في اتساع الكون، ومع ذلك إلى الآن العلم لم يفسر لنا ما هية هذه المادة المظلمة، ما هية هذه الطاقة المظلمة، مع أن العلم لا يعترف بأشياء لا يمكن رصدها ولا يمكن قياسها، المنهج التجريبي لا يعترف بأشياء لا تخضع للتجربة لكنه مع ذلك يقر بوجود المادة المظلمة وإن لم يمكن تفسير ما هيتها وحقيقتها.
المثال الثالث: ولادة الزمن في غياب الزمن.
كلنا يقر بأن لهذا الوجود بداية سواء آمنا بنظرية الانفجار العظيم أم لم نؤمن، الوجود له بداية، الله تبارك وتعالى يقول: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: 30]
ويقول: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104]
إذا رجعنا إلى بداية الوجود أليس بداية الوجود لحظة؟ تلك اللحظة ربما نسبتها إلى الثانية نسبة واحد إلى المليار من الثانية، لكن تلك اللحظة التي بدأ الوجود بها هي زمن، فإذا كانت لحظة البداية زمن فكيف ولدت مع غياب الزمن؟ قبل الوجود لم يكن هناك زمن، قبل الكون لم يكن هناك زمن، كيف ولدت اللحظة التي هي زمن مع غياب الزمن؟
هذا سؤال يقف أمامه العلم حائراً، وتقف أمامه الفلسفة حائرة لا يمكنها تفسيره، لأنه شيء لا يمكن رصده بالمنهج التجريبي ولا يمكن البرهنة عليه بالمنهج الفلسفي.
المثال الرابع: انتظام الكون.
الكون الذي نعيش فيه يقر العلم بأن هذا الكون يعتمد على قوانين دقيقة بانتظام مذهل ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40] هل الدقة في الكون أم الدقة في إدراكنا؟ هل القوانين التي يقوم عليها الكون هي وهم رياضي أدركتها عقولنا فآمنت به، أو أن هذه القوانين الدقيقة ذات الانتظام المذهل لها واقعية ولها وجود؟
بالنتيجة أن العقل محدود، لابد أن يعترف العقل البشري أنه محدود قاصر، هناك أشياء نؤمن بها ولا يمكن لنا رصدها ولا قياسها بالمناهج التجريبية، ولا يمكن لنا إقامة البرهان الفلسفي عليها، عقولنا قاصرة، الإدراك العقلي له حدود، المنهج العلمي التجريبي له حدود، هناك حقائق ما زالت ملغزة ومبهمة.
هذا على مستوى الواقع الكوني، تعال إلى مستوى الواقع الاعتقادي، مثلاً:
المثال الأول: الروح.
الروح هل هنا تفسير للروح؟ يقول القرآن: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]
دائما القرآن يضيف الروح إلى الأمر لا إلى الخلق، يضيف الإنسان إلى الخلق ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ [المؤمنون: 12]، يضيف السماوات إلى الخلق ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ﴾ [ق: 38]، لكن الروح لا يضيفها إلى الخلق بل إلى الأمر، ويقول: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: 52]
ما هي الروح؟ ليس هناك جواب حاسم، لغز مبهم.
المثال الثاني: الموت.
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185] ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة: 11] الموت ليس هو توقف القلب عن النبض، توقف القلب علامة على الموت، هو أثر للموت وليس هو الموت، إذن ما هو الموت؟ هل هو انتقال النفس من عالم إلى عالم؟ هل هو احتباس الروح في عالم الأرض وعالم المادة؟ لا نعرف حقيقة الموت مع أنه حقيقة نؤمن بها، لكن حقيقتها ما زالت لغزاً.
المثال الثالث: علم الله بمخلوقاته قبل أن يخلقها.
كيف علم الله بمخلوقاته قبل أن يخلقها؟ وهو سؤال من أشد المسائل العويصة وما زال علماء الكلام والفلسفة حائرين أمام هذا السؤال، نحن عِلْمُنا بالأشياء قسمان: علم حصولي، علم حضوري.
العلم الحصولي، مثلاً أنا أعلم بأشياء خارج هذا المركز، علمي بها باعتبار لها صورة في دماغي يسمى علم حصولي، أي هناك صورة لِمَا غاب عني في دماغي، يسمى علمي علم حصول، أي نتيجة حصول صورة في دماغي.
وهناك علم حضوري، علمي بنفسي حضوري، علمي بمشاعري وأفكاري حضوري لا يحتاج إلى صورة.
إذن هناك علم عن طريق الصورة وهو علم حصولي، وهناك علم عن طريق الحضور وهو علم حضوري، عِلْم الله بمخلوقاته قبل أن يخلقها لا حصولي ولا حضوري، لا حصولي لأن الله ليس مادة حتى تكون له صور ترتسم في دماغه، ولا حضوري لأن الأشياء لم يخلقها بعد حتى يكون لها حضور لديه، فعلمه بالأشياء قبل خلقها لا حصولي ولا حضوري، إذن ما هو؟
إذن بالنتيجة العقل البشري قاصر، العقل البشري محدود، العقل البشري مصداق لقوله عز وجل: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]
إذن عندما يقول الإنسان أنا أؤمن بوجود الإمام المهدي لكن لا أرى له أثر، عدم رؤية الأثر لا تعني أن لا أثر، لا تعني عدم الوجود، ارجع لعقلك واعترف أن هناك حقائق في عالم الطبيعة، وفي عالم المعتقدات ما زال عقلك قاصراً عن نيلها وعن إدراك كنهها، وعن إدراك حقيقتها، لابد من الاعتراف بهذا الأمر وهو قصور العقل في إدراكاتها.
المحور الثاني: أهمية الإيمان بالغيب.
لماذا يوجد غيب؟
الله تبارك وتعالى يقول: ﴿الم «1» ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ «2» الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 1 - 3] ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الأنعام: 73]
لماذا يوجد غيب؟ لماذا لم يظهرنا الله على كل شيء؟ لماذا لم يكشف لنا الله كل الحقائق؟ لماذا يجعل بعض الحقائق غيب ويقول: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 59]؟
وجود هذه المساحة التي تسمى الغيب من أجل أن يعترف الإنسان أنه عبد مملوك، لابد له من الخضوع والتسليم. من أنت؟! أنت عبد مملوك، مهما بلغتَ من القوة العسكرية، أو القوة الاقتصادية، أو القوة العقلية، أنت عبد مملوك، يتصرف الله فيك بما يريد، بالمرض، بالصحة، بالابتلاءات، يتصرف فيك كما يشاء، ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: 83]
قال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ «6» الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ «7» فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ «8»﴾ [الانفطار: 6 - 8]
يقول الإمام علي : ”ما لابن آدم والفخر وإنما أوله نطفة وآخره جيفة، أوله نطفة قذرة، وآخره جيفة مذرة وهو ما بينهما يحمل العذرة“
أراد الله أن يبين لنا حجمنا وهو أننا عباد مملوكون قاصرون فجعل مساحةً وهي مساحة الغيب؛ كي نعترف بالعبودية والمملوكية لله تبارك وتعالى، لاحظوا لماذا خُلق الإنسان؟
الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]
ويقول: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5]
والعبادة هي الخضوع والخشوع والاعتراف بالعبودية والمملوكية، وحتى يصل الإنسان إلى درجة العبادة يحتاج إلى تدريبات وتمرينات، الجندي إذا دخل مركز التدريب يصدر له المدرب أوامر من دون تبريرات، من دون توجيهات، من دون تعليلات، استرح، استعد، ارفع يديك، ارفع رجليك، يمين، يسار.. لماذا المدرب يصدر أوامراً للجندي بدون تبرير وتعليل؟
حتى يدرب الجندي على روح المطواعية والخضوع والتسليم، حتى يكون الجندي مطواعاً خاضعاً مسلماً يمر بتدريبات بدنية بدون تبريرات لأنه لو عرف التبريرات لما تفاعل إلا بقدر ما يفهم من التبريرات، لكن المدرب يأمره بلا كلام لكي تحصل عنده روح المطواعية، هكذا تعامل الله مع خلقه، جعل مساحات غيبية، أنت تصلي في المغرب ثلاث ركعات، لماذا ثلاث ركعات؟ لا يوجد تفسير لذلك، أنت تطوف بالكعبة سبعة أشواط لماذا لا تكون خمسة؟ لا تفسير.
أنت ترمي سبع حصيات جمرة العقبة لماذا هذا العمل؟ لا يوجد تفسير، كلها مساحات غيبية، وهذه المساحات الغيبية لكي يقول لك أنت عبد مملوك ولكي تتحقق عندك روح المطواعية وروح الخضوع وروح التسليم لابد أن تمارس العبادة بلا تبريرات، بلا توجيهات، تمارس العبادة خلوصاً لله وخضوعاً لله تبارك وتعالى بدون أي تبرير.
إذن هناك مساحات للغيب جعلها الله كي نصل إلى درجة الخضوع لدينا، ومن مساحات الغيب وجود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
كما أن المغرب ثلاث ركعات بدون تفسير فإن الإمام موجود فهمت التفسير أم لم تفهمه، كما أنك ترمي جمرة العقبة سبع حصيات بدون تفسير، التفسير لا يعنيني، الذي يعنيني أن أظهر الخضوع والتسليم لله تبارك وتعالى لأوامره ونواهيه هو أيضاً جزء من الغيب، في الرواية الواردة عن داوود بن كثير الرقي، عن الإمام الصادق سأله عن قوله تعالى: ﴿الم «1» ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ «2» الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 1 - 3] قال وما هو الغيب؟
قال: من آمن بقيام القائم أنه حق فذلك الغيب.
وهذا يعبّر عنه الفقهاء بالتفسير المصداقي، التفسير التطبيقي، أي أن من مصاديق الغيب وجود الإمام المهدي وولادته صلوات الله وسلامه عليه.
المحور الثالث: الآثار المترتبة على وجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.
لدينا أثر كوني، وأثر تشريعي، وأثر روحي، وأثر اجتماعي. نتحدث عن الآثار الأربعة:
الأثر الأول: الأثر الكوني.
ارجع إلى كتاب بصائر الدرجات من علمائنا الأقدمين[1] ، روايات عديدة عن الإمام الرضا والباقر والصادق ، سأل الجعفري الإمام الرضا
: هل تخلو الأرض من حجة؟ قال: لو خلت الأرض من حجة لساخت بأهلها.
هناك مجموعة من العلماء ومنهما العلمان الخوئي والخميني، الخوئي في مصباح الفقاهة[2] ، والخميني في مصباح الهداية في الخلافة والولاية كلاهما يقولان الأئمة وسائط الفيض أي وسائط في عالم الوجود، الإمام ليس فقط بشر يتكلم، بل هو واسطة في الوجود، واسطة في الكون، هناك فرق بين المفيض وواسطة الفيض، أنا عندما أريد أكتب سطراً على الورق، من هو المفيض للكتابة ومن هو واسطة الفيض؟
أنا الذي أفيض الكتابة وواسطة الفيض هي حركة يدي بحركة القلم، أنا مفيض أي أنا أوجد الكتابة ولكن أحتاج إلى واسطة وهي حركة اليد بالقلم.
ضوء الشمس يصل إلى جميع الأرض وبقاعها، الشمس هي المفيض تفيض الضوء، لكن تحتاج إلى واسطة حتى يصل الضوء إلى جميع طبقات الأرض، والواسطة هي حركة الأرض، واسطة في وصول الضوء إلى جميع بقاع الأرض.
فهناك مفيض وهناك واسطة في الفيض، كذلك الله بالنسبة إلى هذا الوجود، المفيض إلى الخلق والصنع والوجود هو الله، والأئمة محمد وآل محمد وسائط في الفيض، أنت تقرأ في زيارة الجامعة الواردة عن الإمام الهادي : بكم فتح الله وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبكم ينفس الهم، وبكم يكشف الضر...
أي أنتم واسطة في الفيض، الله لا يحتاج إلى ذلك، الله قادر على أن يخلق بلا وسائط، لكن تشريفاً لهم وتكريماً لمقامهم جعلهم وسائط في الفيض من دون حاجة منه إليهم، ولا عجزه منه تبارك وتعالى، وإنما تشريف لهم أعطاهم هذا المنصب.
مثلاً ألا يستطيع الله أن يتوفى الأرواح بدون ملك الموت؟ هو قادر، ولكنه أعطى ملك الموت هذه المهمة ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة: 11]
هم وسائط في الفيض، ومن هنا نفهم معنى قوله: لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها.
الأثر الثاني: الأثر التشريعي.
الأثر التشريعي لوجود الإمام هو حفظ الدين، الطوسي في الآمالي[3] يقول: قال الإمام أمير المؤمنين علي : اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو مستتراً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته.
هذا دور تشريعي لابد منه، دور الإمام حفظ الدين وإن كان غائباً عن أعيننا، في كل عصر يمر على المسلمين يوجد فئة تتصدى للطعن في الدين والتشكيك في الدين، لا يمر عصر إلا مع وجود هذه الفئة، كل عصر يمر هناك فئة دورها الطعن في القرآن تشويه سمعة الدين الإسلامي، وحرف الناس عن الدين الإسلامي، بالتشويهات والتشكيكات، هذا المد وهذه التيارات التي تمتلك إعلام، فكر، مقالات، تمتلك كل شيء، مع هذا كله في مقابل هؤلاء المشككين والمشوهين توجد ثلة مسددة من قبل صاحب العصر والزمان للدفاع عن الدين وحفظ الدين ودفع التشكيكات والتشويهات والطعون في القرآن والسنة لئلا تبطل حجج الله وبيناته، الله تبارك وتعالى عندما يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] كيف يحفظ الذكر، إنما يحفظ الذكر على الأرض بوجود من هو قرين للذكر ألا وهو الإمام المعصوم «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» في كل عصر فيه قرآن فيه إمام دوره حفظ القرآن، في كل عصر فيه دين فيه إمام دوره حفظ الدين، هذا هو الأثر التشريعي لوجود الإمام.
الأثر الثالث: الأثر الروحي.
القرآن عندما يذكر لفظ الأئمة يقرنهم بكلمة الهداية ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: 73] ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [السجدة: 24]
وقوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7] يا رسول الله أنت منذر لكن كل مجموعة بشرية لها من يهديها، أليس الرسول هو من يهدي؟ ولكن مضافاً إلى الرسول ما ترك الله زمناً إلا وجعل فيه هادياً، راجع كتاب الكافي[4] ، في ذلك الكتاب يتحدث أنه لكل زمن إمام هادٍ، يسأل الراوي الإمام الصادق يقول: ما معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾؟ قال: رسول الله هو المنذر ولكل زمانٍ منا هادٍ يهديهم إلى ما جاء به رسول الله
.
وقال الرضا : وما زالت فينا إلى قيام الساعة.
إذن الإمام غائب ولكن ذلك لا يعني أن لا علاقة له بالبشر، هو بيننا بين أظهرنا، يهدي من يراه قابلاً للهداية، يهدي من يراه مستعداً للهداية، يؤثر عليه بعلاقة مباشرة أو غير مباشرة ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: 73]
الأثر الرابع: الأثر الاجتماعي.
الإمام له أثر على الحياة الاجتماعية الإيمانية، الحافظ بن يحيى بن بطريق بن الحسن الحلي في كتابه نهج العلوم إلى نفي المعدوم، قال هذه الرواية وهي مما تلقتها الإمامية بالقبول، رواها الطبرسي في الاحتجاج، ورواها ابن شهر آشوب في المناقب، ورواها قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح أن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف أرسل رسالتين إلى الشيخ المفيد عليه الرحمة، في الرسالة الأولى قال: إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولانا لنزلت بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء.
وفي الرسالة الثانية يقول: لو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته كانوا على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عليهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا.
هنا يأتي السؤال: أين أثر الإمام الاجتماعي؟
في الجواب نقد وحل:
النقد:
كل المسلمين وليس الشيعة فقط بل كل المؤمنين بالله من جميع الديانات يؤمنون بثلاثة مفاهيم: الدعاء، التوكل على الله، الرحمة الإلهية.
1. المفهوم الأول: الدعاء.
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60] أليس الناس يدعون؟ أين الإجابة؟ السؤال هو السؤال، من يسألك يقول أين أثر الإمام المهدي إذا كان موجود؟ قل له ألا تؤمن بالدعاء، يقول لك نعم، فاسأله أين أثر الدعاء؟
إذا كان الإمام المهدي ليس له أثر فالدعاء ليس له أثر فلماذا أمر الله به ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]؟
2. المفهوم الثاني: التوكل على الله.
الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]
وورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : من أعطى ثلاثاً أعطي ثلاثاً، من أعطى التوكل أعطي الكفاية، وذلك قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ ومن أعطى الدعاء أعطي الإجابة وذلك قول الله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ومن أعطى الشكر أعطي الزيادة وذلك قول الله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7] نحن الآن نقول توكلنا على الله وفوضنا الأمر لله ومع ذلك قد نخفق في الامتحان، قد نخفق في الدراسة، قد نخفق في الوظيفة، قد نخفق في العلاقات إذن أين أثر التوكل؟
3. المفهوم الثالث: الرحمة.
أليس الله تعالى يقول: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: 7] أليس الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156] إذا كانت رحمته وسعت كل شيء فلماذا يمر المسلمون بانتكاسات وأزمات وظروف خانقة؟ أين الرحمة؟ أين الدعاء المستجاب؟ أين التوكل؟
إذن المسألة لم تقتصر على أين أثر الإمام المهدي، كل المسلمين اعتقدوا بالله أم لم يعتقدوا كل المسلمين يؤمنون بالدعاء، كل المسلمين يؤمنون بالتوكل، كل المسلمون يؤمنون بالرحمة، إذن السؤال يعم كل المسلمين، بل يعم كل المؤمنين بالله من جميع الأديان.
الحل:
هناك فرق بين المقتضي والشرط وعدم المانع، لكل وجود ثلاثة عوامل: مقتضي، وشرط، وعدم مانع.
1. المثال الأول: المشي.
أنا أريد الآن أن أمشي، المشي لا يتحقق إلا بثلاثة عوامل، العامل الأول المقتضي وهو الإرادة، لو لا الإرادة لما وجد المشي، الإرادة هي المقتضي منه الوجود.
العامل الثاني هو الشرط وهو حركة الرجلين، المشلول لا يستطيع المشي لأن الشرط غير موجود وإن كان المقتضي موجود وهو الإرادة.
وجد المقتضي ووجد الشرط لكن الأرض فيها عوائق لا أستطيع أن أمشي.
إذن إذا أردت المشي أحتاج إلى ثلاثة عوامل: مقتضي، وشرط وعدم وجود مانع.
2. المثال الثاني: شرب الدواء.
أنا مريض أحتاج إلى أن أشرب الدواء عندي ثلاثة عوامل، مقتضي وهو شرب الدواء، وشرط الدواء هل هو قبل الطعام أو بعد الطعام، قبل النوم أو بعد النوم، مرة أم مرتين، هذا يسمى شرط.
شربت الدواء متقيداً بالشرط ومع ذلك لم أشفَ من مرضي لوجود موانع.
إذن أحتاج إلى ثلاثة عوامل: مقتضي وشرط وعدم مانع.
نفس الكلام في الدعاء يأتي، الدعاء الله يستجيب الدعاء لكن الدعاء مقتضي فقط وليس علة تامة، لا يعني أنك إذا دعيت فحتما تحصل إجابة، الإجابة تحتاج مضافاً إلى الدعاء إلى الشرط وعدم المانع، كما أن الدعاء لا يعني حتمية الإجابة مع أن الله تعالى يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60] لأن الدعاء مقتضي يحتاج إلى شرط، يحتاج إلى عدم مانع كذلك وجود الإمام له أثر لكن أثره يحتاج إلى الشرط وعدم المانع، الإمام يبسط أثره على الحياة الاجتماعية الإيمانية ولكن يحتاج إلى شرط، والشرط هو وجود تلك الأمة المتمسكة به، المخلصة إليه التي لجأت خاضعة موقنة به مع ذلك، وأن لا تكون هناك موانع والتي منها: كثرة الفواحش، اتساع الذنوب، قتل بعضنا للبعض الآخر، وتكفير بعضنا للبعض الآخر. ولذلك يقول الإمام: ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته كانوا على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا.
المشكلة فينا وليس في الإمام، نحن الغائبون وليس الإمام، ولذلك تقرأ في دعاء الندبة: بنفسي أنت من غائب لم يخلُ منا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا، بنفسي أنت أمنية شائق يتمنى من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنا.
الإمام المهدي وجوده واعتقادنا بوجوده يجدد فينا الأمل للفرج، يجدد فينا الأمل في انفراج الأزمات، يجدد فينا الأمل في أن وراء كل عسر يسر، ووراء كل شدة فرجاً، وجود الإمام المهدي يجعلنا نراقب أعمالنا لأن الإمام يرانا، قال تبارك وتعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 105]
وورد في الرواية عن الإمام الصادق : المؤمنون هم الأئمة الذين تعرض عليهم الأعمال فيرونها كما كان يراها رسول الله
.
ربما يقول القائل لا نحتاج إلى إمام ليراقبنا لأن الله يراقبنا، صحيح هذا الكلام، لكن كما أن الله يراقبنا كذلك الملائكة تراقبنا ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ «10» كِرَامًا كَاتِبِينَ «11» يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ «12»﴾ [الانفطار: 10 - 12]
وكما أن هناك ملائكة تراقبنا هناك إمام وحجة لله يشاهدنا ويراقبنا، وهذا ما يجعلنا أن نكف عن العمل القبيح ونرتدع عن المعصية.
الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين هو أملنا وهو الشاهد علينا وهو وسليتنا إلى الله تبارك وتعالى، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35]
وأنت وسيلتنا إلى الله، كما ورد في دعاء التوسل: أيها المهدي يا ابن الحسن العسكري أيها الحجة إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهاً عن الله اشفع لنا عند الله.