فاطمة (ع) مرآة لذات الله

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد عن النبي محمد أنه قال: فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها.

حديثنا عن الفقرة الثانية من هذا الحديث النبوي الشريف «يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها»

كثير من الباحثين عندما وقف على هذه الفقرة فسرها بالعصمة، فقال أن النبي أراد أن يبين للمسلمين أن فاطمة معصومةٌ من الخطأ والزلل فدل على العصمة بقوله «يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها» إذ لا يتصور أن يناط رضا الله برضا شخصاً إلا إذا كان معصوماً، ولكن عند التأمل في هذه الفقرة نجد أن المعنى الذي قصد بيانه بها معنى أعمق وأوسع من مقام العصمة، مقام العصمة أحد المقامات المنطوية تحت هذه الفقرة وتحت مضمونها إلا أن مغزاها ومعناها أعمق وأوسع من مسألة العصمة عصمة الزهراء .

هذه الفقرة ترشد إلى مقام المرآتية أن ذات الزهراء مرآة لذات الله، مقام المرآتية يتجلى لنا من خلال ثلاث وجوه:

الوجه الأول: أننا إذا حللنا معنى الرضا سوف يتضح لنا من خلال توضيح معنى الرضا مرآتية ذات الزهراء لذات الله تبارك وتعالى، بيان ذلك:

الرضا رضا الإنسان بفعله، إذا رضي الإنسان بفعله، إذا رضي الإنسان بفعلهِ مستبطن لعناصر ثلاثة:

1/ إرادة.

2/ أمر.

3/ رضا.

لا يمكن لشخصاً أن يرضى بفعله حتى تجتمع فيه هذه العناصر، مثلاً: عندما أقول أنا رضيت بصلاتي، رضيت بعبادتي، ما معنى رضيت بصلاتي ورضيت بعبادتي؟

رضاي بصلاتي وعبادتي تعني عناصر ثلاثة أولاً أردة هذه الصلاة، ثانياً أوجدت هذه الصلاة خارجاً، ثالثاً لما رأيت آثارها رضيت بها، فهناك مراحل ثلاث، لما علمت أن هذه الصلاة في مصلحتي دنياً وآخرة صممت عليها فهذه هي المرحلة الأولى مرحلة الإرادة.

المرحلة الثانية: هي مرحلة إعمال القدرة وإيجاد هذه الصلاة، أنا قمت بحركة أوجدت من خلالها الصلاة فهذه المرحلة الثانية.

المرحلة الثالثة: لما رأيت آثارها على سلوكي وعلى تصرفاتي وعملي رضيت بها عبادةً، إذن لا يمكن لإنسان أن يرضى بفعل حتى تجتمع العناصر الثلاثة الإرادة، والأمر ثم الرضا، هذا أيضاً بالنسبة إلى الله تبارك وتعالى فالكلام هو الكلام.

لا يمكن أن يرضى الله تبارك وتعالى بفعل جميل حتى تجمع عناصر ثلاثة إرادته تبارك وتعالى، ثم أمره ثم ثنائه على ذلك العمل الجميل، مثلاً الله تبارك وتعالى رضي بفعل علياً ما معنى أن الله رضي بفعل علياً؟ الله رضي بهذا الوجود الذي كله حياة وعطاء، هذا الوجود الذي كله حياة وعطاء رضي به الله، ما معنى رضي به؟

معناه أولاً أراده، وثانياً أمر به، وثالثاً رضي به فرضا الله عن فعل وعن شخص وعن أي أمراً من الأمور رضاه تبارك وتعالى يستبطن عناصر ثلاثة إرادة ثم أمر ثم رضا يعني ثناء على ذلك العمل «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» الله أراد هذه البيعة ثم هيئ المقدمات والمعدات لتحقيق هذه البيعة فلما تحققت البيعة وتبين آثارها العظيمة الجميلة أثنى عليها وذلك رضاه بها.

إذن، رضاه بعمل جميل مسبوق بإرادته وأمره ثم تأتي مرحلة الرضا ألا وهي مرحلة ثناءه، قال تبارك وتعالى «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ» فهناك أرد ثم جاءت أمر، يعني إذا علم بالمصلحة الفعلية في أمر من الأمور، العلم بالمصلحة الفعلية هذا معنى الإرادة حسب المصطلح الفلسفي، حسب المصطلح الفقهي أو المصطلح عند فقهائنا إرادته «إيجاده»، حينما يعلم بالمصلحة الفعلية في شيئاً من الأشياء هو يعلم بتمام المصالح من الأزل من الأول، لكن المصلحة الفعلية «يعني أن الوقت مناسب للمصلحة الآن» متى ما علم بالمصلحة الفعلية تحققت الإرادة يعقبها الأمر «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فإذا كان رضي به، فعندما يقول النبي محمد : «فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها» يعني رضاها رضا الله، النتيجة ماهي؟ كما أن رضا الله يستجمع إرادته وأمره وثناءه، رضا فاطمة رضا الله أي أن فاطمة وعاء لإرادة الله ثم هي وعاء لأمر الله ثم هي وعاء لرضا لله تبارك وتعالى، لا يتحقق رضا الله في أمراً إلا بعد مرحلتين، مرحلة إرادته ومرحلة أمره.

إذن، لا يتحقق رضا فاطمة الذي هو رضا الله، مرآة لرضا الله، رضا فاطمة رضا الله، ورضا الله يعني عناصر ثلاثة إرادته، أمره ثم ثناءه، فرضا فاطمة يعني «اشتمالها على إرادة الله وأمر الله ثم اشتمالها على رضا الله وثناءه صلوات الله وسلامه عليها» فإرادتها مظهرٌ لإرادة الله، وأمرها مظهرٌ لأمر الله، ورضاها مظهرٌ لرضا الله، علمها مظهرٌ لعلمه، وولايتها التكوينية على هذا الوجود من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة مظهرٌ لولايته تبارك وتعالى، ورضاها عن كل فعلاً جميل رضاه تبارك وتعالى.

إذن، كلمة «يرضى الله لرضاها» ليست بهذا المعنى العرفي البسيط وإنما هي تشير إلى جامعية الزهراء لإرادة الله وأمر الله ورضاه تبارك وتعالى. هذا هو الوجه الأول

الوجه الثاني: «يرضى الله لرضاها»، نحن نعلم أن الله تبارك وتعالى له صفات ذاتيه وفعليه.

صفاته الذاتية عين ذاته، علم عين ذاته، قدرته عين ذاته، حياته عين ذاته هذه تسمى صفات ذاتية، الصفات الذاتية لا تتحقق في عالم المادة لأن عالم المادة محدود، والصفة الذاتية لو تحققت في عالم المحدود لكانت ذاته محدودة، علمه عين ذاته فلا يمكن أن يتحقق علمه في عالم المادة، عالم المادة مظهر لعلمه لا أنه علمه، هذا الوجود المادي بل الوجود بأسره مادياً أو مجردً كل الوجود محدود لا محالة، هذا الوجود المحدود مظهرٌ لعلمه وقدرته وحياته لا أنه علمه وقدرته وحياته، هو لا محدود فلا يمكن أن يكون المحدود مجسداً للا محدود، هذا واضح.

أما صفاته الفعلية: فتتحقق في عالم المادة لأن صفاته الفعلية هي فعله، هي خلقه، هي إفاضته والخلق يمكن أن يكون محدوداً ويمكن أن يكون لا محدوداً ن بما أن صفاته الفعلية هي فعله وفعله يتجسد، يتحقق في عالم المادة، مثلاً: الشمس خَلقه، أموالنا رزقه، إماتتنا إماتته، إحيائنا إحيائه، أفعاله تتحقق في عالم المادة بنفسها سواءً كانت محدودة أو لا محدودة، بعد أن نفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية، الصفات الذاتية لا تتحقق في عالم المادة، الصفات الفعلية تتحقق في عالم المادة، نأتي الآن ونقول:

ما يتحقق به صفاته الفعلية قد يكون محدوداً ضيقاً وقد يكون لا حد له من جهة المنتهى، مثلاً: رحمة الأم بولدها وجنينها هي رحمة الله، نفس الرحمة الإلهية، هي رحمة الاهية ليست مظهر، رحمته تبارك وتعالى أودعها في قلب الأم، فرحمة الأم بولدها هي رحمة الله تبارك وتعالى.

رحمة الأستاذ بتلميذة هي رحمة الله تبارك وتعالى، لكن هذه محققات محدودة، رحمة الأم بولدها من جهة معينة وهي جهة الشفقة، رحمة الأستاذ بتلميذة من جهة معينة وهي جهة العلم والتعليم، ولكن هناك رحمة لله لا حد لها «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» أما رحمة محمد فهي رحمة الله من دون حدٍ ومن دون قيد، جميع الخلق رحمه رحيمية، رحمة الأم بولدها رحمة رحيمية ولكن رحمة النبي محمد بالعالمين جميعاً بتمام أنحائهم وألوانهم وأنواعهم رحمته رحمةٌ رحمانية لله تبارك وتعالى، رحمته هي المجسدة للرحمة العامة لله تبارك وتعالى في عالم التشريع وعالم التكوين.

أيضاً الرضا، الرضا من صفاته الفعلية، إذن يتحقق في عالم المادة، رضا الوالدين عن ولدهما رضا الله، ولكن رضاً محدود، رضا الأستاذ عن تلميذه من حيث مستواه رضا الله لكنه رضاً محدود، وهناك مجسدٌ لرضا الله لا حد له، من هو الذي يجسد رضاه رضا الله لا حد له؟ «فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها» أي أن رضاها محققٌ لرضا الله بنحو لا حد له ولا أمد له، رضاه بتمام تفاصيله ومراحله ومراتبه متحققٌ في رضا فاطمة .

إذن فبالنتيجة، هذا لا يتصور ولا يتعقل إلا إذا كانت فاطمة مرآة لله، ذاتها مرآة لذات الله، لذالك كان رضاها محققاً لرضا الله بتمام صوره ومراحله وألوانه.

الوجه الثالث:

ذكر علماء العرفان أن التعلق بالله «كل إنسان منا يريد أن يتعلق بالله ليس بعبادته فالكل قادر على العبادة يصلي ويصوم» أنا أريد مرحلة أقوى من ذلك، أريد مرحلة تعلق أن يكون في قلبي تعلق بالله، أن يكون في قلبي نزوع نحو الله تبارك وتعالى، مراحل التعلق بالله والارتباط بالله بثلاث مراحل، مرحلة التوكل، مرحلة التسليم، مرحلة الفناء في الله.

مرحلة التوكل: التي ذكرها القرآن الكريم في عدة آيات «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا» هذا ليس كلام نقوله فقط «فكل واحد يستطيع أن يقوله ويتكلمه» فهل هو يعتقد بذلك أم لا؟؟ هنا المشكلة!! لكن هل هو نابع من قلوبنا أم لا هذه هي المسألة؟

التوكل أن يعتقد قلبك أن الله لا يصنع لك إلا ما هو صالح لك «لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ» هذه هي مسألة التوكل، التوكل الحقيقي هو هذا، لو كان في مصلحتي لما ذهب، لو كان خيراً لي لم يذهب، ما هو خيرٌ لي هو المكتوب لي، أنا علي أن أسعى ولكنني إذا سعيت وبذلت جهدي فكتب الله لي أمراً ولم يكتب لي شيئاً آخر فهذا هو خيرٌ لي وصالحٌ لي ووليس شيءٌ آخر، هذا هو الصالح الخير لي أن أعتقد بذلك، الأعتقاد بأن ما يصنعه الله بنا مما هو خارجٌ عن اختيارنا هو خيرٌ لنا «هذه هو التوكل» «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا».

عصرنا هذا عصرٌ يحتاج إلى التوكل، عصرنا هذا عصر الأمراض والأوبئة والحروب المدمرة وعصرُ فتك الإنسان بالإنسان، عصر وحشية الإنسان بالإنسان، عصر الطغيان والتعالي والتسلط والحروب الطائفية والدينية، هذا العصر كيف يقاوم الإنسان رعبه وخوفه؟ الإنسان مملوء بالرعب والقلق والتوجس من هذا العصر بما فيه من حروب ومأساً وقضايا مفزعة لا يمكن للإنسان أن يقاوم هذا العصر ومخاوفه ورعبه إلا بالتوكل «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا» نحن نسعى بقدر ما في طاقتنا ووسعنا وما أصابنا مما هو خارجٌ عن إختيارنا «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا».

إبراهيم الخليل «عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام» لما وضع وألقي في نار نمرود واجتمعت النيران على بدنه وأحاطت به من قرنه إلى قدمه فتصور له ملك الريح، وقال يا إبراهيم إن شئت طيرت لك هذه النار إلى موضعٍ آخر، قال ليس عندي إليك حاجة، تصور له ملك الأمطار إن شئت أطفئت لك هذه النار في لحظة واحدة، قال ليس عندي إليك حاجة، تصور إليه ميكائيل قال إن شئت نقلتك إلى مكان آخر في ثانية وفي أسرع من لحظة، قال ليس عندي إليك حاجة، قال إذن حاجتك عند من؟ «أنت تعتقد بمن» قال: حاجتي عن ربي قال إذن ادعوا ربك، قال علمه بحالي يغني عن سؤالي.

أنا اعتقد بأنه لا يصنع إلا ما هو صالحٌ لي، إذا هذا صالح لي أنا أبقى في النار؟ فليكن، إذا هو غير صالح لي سيأخذنا إلى ماهو صالحٌ لي، علمه بحالي يغني عن سؤالي «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ».

المرتبة الأولى مرتبة التوكل، المرتبة الثانية مرتبة التسليم، مرتبة التسليم هي مرتبة برهانيه «يعني أنا ملكٌ والله مالك فلابد أن أسلم الملك إلى مالكه»، قضية كما يقول المناطقة «فطرية قياسها معها» أنا ملك وهو مالك والملك مأله إلى المالك، ما دمت مملوكاً لله أنا مملوك، نفسي مملوك، علمي مملوك، طاقتي البدنية مملوكة، كل وجودي هو ملكه، لأن كل وجودي فيضه، مادام وجودي مملوكاً له فليكن هذا المملوك تحت يد مالكه وفي إطار مالكه، فليكن كل ذلك له «إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ»، مرتبة التسليم أن تعتقد بهذه المملوكية فتسلم الأمر لله «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».

المرتبة الثالثة والتي هي خاصة بالأولياء والأصفياء: مرتبة الفناء، فناء العبد في ربه «لا يوجد شيئين» في المرتبة الأولى والمرتبة الثانية نعتقد بشيئين «أنا ملكٌ والله مالك فهناك شيئنا مالك ومملوك» أما في مرتبة الفناء فليس هناك شيئان وليس هناك اثنان، بل ليس هناك إلا الله «يعني لا أنية لي، لا نفسية لي ن لا استقلالية لي، لست أنا، بل ليس هناك إلا الله تبارك وتعالى، مرتبة فناء ذات العبد في ذاته تبارك وتعالى عبر عنها أمير المؤمنين : «ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبل وبعده وفوقه وتحته وفيه»، إذا وصل العبد إلى مرحلة الفناء كان رضا الله رضاه وغضب الله غضبه «فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها» إناطة رضا الله برضا فاطمة إشارة إلى مرتبة الفناء.

إذن، هذه الكلمة «يرضى الله لرضاها» قلنا لها تجليات ثلاثة:

التجلي الأول «أن رضاها مجمع لإرادته وأمره عز وجل، ثم رضاه».

التجلي الثاني «بأن رضاها مجسدٌ ومحققٌ لرضاه المطلق تبارك وتعالى».

التجلي الثالث «أنها إشارةٌ إلى مرتبة الفناء» ولأن فاطمة وصلت إلى مرتبة الفناء فلهذه المرتبة آثار واضحة في سيرة فاطمة وحياتها.

الأثر الأول: احتضان فاطمة للقيادة، من الذي احتضن القيادة؟ منذ أول يوم منذ النبي محمد إلى الإمام علياً ؟ الذي احتضن القيادة فاطمة، قيادة النبي كان محمل بأعظم مسؤولية لم يحمل شخصٌ مسؤوليةً كما حمل النبي وحُصر في شعب أبي طالب، وحُرب، وكسرت رباعيته يوم أحد، وأثخن بالجراح وأوذي من قبل المنافقين بجميع أنواع الإيذاء «ما أؤذي نبيٌ مثلما أوذيت» هذا الشخص الذي يتحمل الآلام كل يوم هذا الشخص الذي يتجرع الآلام والمصاعب والغصص كل يوم، هذا الشخص وهو النبي كان يحتاج إلى عضد ويد تمتد إليه، كان يحتاج حاجة ماسة إلى من يقف إلى جانبه حتى يواجه هذه الآلام الصعبة والمواقف الخطيرة، كان يحتاج إلى مدد روحي يملؤه روحانيةٍ، يملؤه قرباً وإقداماً، وذلك المدد فاطمة.

النبي كان يحتاج إلى فاطمة النبي سيد الخلق وأشرف الخلق لكنه كان محتاج إلى فاطمة، كان محتاجاً إلى حنان فاطمة، دفء فاطمة، عطف فاطمة، رحمة فاطمة، إلى ما تغدقه فاطمة لذلك أن كان يحتاج إليها كان يرى فيها ذات الله، كان يراها مرآة لذات الله، كان يرى عطفها عطف الله وحنانها حنان الله ورحمتها رحمة الله، كان يرى فيها الرحمة الإلهية بتمام صورها، لذلك كان يحتاج إليها كما هو محتاج لرحمة الله، آخر من يودع فاطمة وأول من يستقبل فاطمة وإذا أقبلت قام إليها وقبل مابين عينيها وأجلسها مجلسه وصار يصغي إليها «فاطمة بضعة مني» بضعة!! البضعة هي القلب.

لاحظوا النبي عبر عن أهل البيت قال «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» عبر عنهم بالثقل، عبر عن الإمام علي والحسين ب «من»، «حسين مني وأنا من حسين»، «علي مني وأنا منه» لكن عبر عن فاطمة بتعبير أقوى «فاطمة بضعة مني» أنا احتاج إليها كما أحتاج إلى قلبي، الإنسان يحتاج إلى بضعته يحتاج إلى قلبه، فاطمة أم أبيها.

إذن، النبي كان مسئولاً عن إصلاح الأمة وفاطمة كانت مسئولة عن رعاية النبي واحتضان القيادة واحتوائها، فكان أول عضد للقيادة امرأة، نحن نستغفل المرأة!! نحن نحتقر من شأن المرأة!! ونستصغر من مقام المرأة!! والرسول يبين لنا أن أول من وقف إلى جانب القيادة واحتضنها هو المرآة «خديجة وفاطمة»، فاطمة أم أبيها، واستمر هذا الاحتضان، فاطمة نهرٌ من العواطف والمشاعر والمدد والعطاء والتضحية، فاطمة يد القيادة عضد القيادة مظلة القيادة، الفيء الذي تلتجئ إليه القيادة لتأخذ شحنتها الروحية وعطائها الروحي، فاطمة استمرت على ذلك إلى عصر الإمام أمير المؤمنين.

عليٌ غصب حقه، عليٌ أبعد عن منصبه، عليٌ تعرض لأعظم مظلومية في التاريخ، عليٌ مع هذه الآلام كلها لولا فاطمة لما صار هذا، فاطمة هي عضده، فاطمة هي يده، فاطمة هي مظلته، وكنت إذا نظرت إلى وجهها انجلت عني الهموم والغموم، فهي لعلياً كما كانت لرسول الله، وهذا كاشفٌ عن مرآتية ذاتها لذات الله تبارك وتعالى.

الأثر الثاني: عبادتها ن عبادة فاطمة كانت عبادة متميزة، ليست متميزة بالصلاة أو الصوم «الكثير يصلي والكثير يصوم والكثير يطيل الوقوف بين يدي لله تبارك وتعالى»، إذن ما هي الميزة لعبادة فاطمة التي جعلت فاطمة مرآة لذات الله «يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها»؟؟ الميزة في عبادة فاطمة إحساسها بالمسؤولية، فاطمة إذا وقفت غمرها الإحساس بالمسؤولية، عبادتها هي إحساسها بالمسؤولية الاجتماعية، فاطمة لم تكن كمريم امرأة متبتلة في محرابها لا، فاطمة محرابها يربطها بالمسؤولية الاجتماعية والقيادية، الإمام الحسن الزكي يقول: «ما رأيت أعبد من أمي فاطمة» هذا أقرب شخص إلى فاطمة ابنها الحسن، لأنه هو أول ولد وعاصرها وعاصر آلامها وشجونها وحياتها وكل شيء فيها، فهو أقرب راوي يعكس لنا فاطمة «ما رأيت أعبد من أمي فاطمة، كانت إذا قامت إلى صلاتها لا تنفتل حتى تتورم قدماها من طول الوقوف بين يدي ربها وما رأيتها دعت لنفسها قط وإنما تدعوا للمؤمنين والمؤمنات فأقول لها أماه فاطمة لما لا تدعين لنفسكِ فتقول بني حسن الجار ثم الدار» إحساس بالمسؤولية، وهي في محرابها يغمرها الإحساس بالمسؤولية، هي مسؤولة عن إصلاح هذا المجتمع، ومن طرق إصلاحه الدعاء له بالتوفيق بالمدد، بالغفران، بالعفو هذا من طرق الإصلاح، فاطمة تشعر بالمسؤولية وهي في محرابها وهي في آخر لحظات عمرها تخرج يديها من تحت سترها وتقول: «اللهم نجي شيعتي ومحبيا من النار»، ما رأيتها دعت لنفسها قط وإنما تدعوا للمؤمنين والمؤمنات، فاطمة هذا هو تميز عبادتها الذي يدلنا على أن ذاتها مرآة لذات الله إحساسها بالمسؤولية عندما تقف بين يدي الله تبارك وتعالى، فاطمة نهرٌ من البذل وبحرٌ من العطاء والتضحية، ما خلقت فاطمة لتعيش!! وتبني دنيا!! وقصوراً وتجمع ثروة، ما خلقت فاطمة إلا للتضحية ولتعلم الأجيال معنى التضحية والبذل والعطاء، هذا الذي خلقت له فاطمة، فكانت كما خلقت له صلوات الله وسلامه عليها.

حنان البنت على أبيها، من منا يمتلك ابنةً ترحمه وتعطف عليه كما يعطف عليها «عادة الأب أكثر عطفاً وحناناً على ابنته منها»، أما فاطمة فهي تكافئه في الرحمة والعطف، تحتاج إليه ويحتاج إليها، حنان فاطمة على أبيها لا حد له وحنان الزوجة على زوجها مثلته فاطمة «زوجاتنا في هذا الزمان سَبُع على زوجها، لا يفر لا يميناً ولا شمالاً إلا وتحت أمرها ونهيها تحاسبه على كل صغيرة وكبيرة ولا تغرف له زلة ولا تقبل من عتاباً ولا ترحمه في أي فعلاً من الأفعال» فلتتعلم زوجاتنا ونساءنا وبناتنا من فاطمة كيف حنان الزوجة على زوجها ن كيف تبذل كل ما عندها في سبيل زوجها.

بعض الناس يضن أن فاطمة لأنه لما حصل لها هذا الحادث المأساوي في هجوم الدار صارت لا تتكلم وكئيبة وحزينة ولا تبتسم وصار الإمام علي يعيش مع امرأة حزينة كئيبة باكية لا يرى منها أي بسمة، لا، الرواية تقول «فاطمة إذا خرج علي بكت وأنّت وبمجرد أن يعود استقبلته بالابتسامة» ما رآها إلا وهي مبتسمة، إلا وهي تبتسم في وجهة وتقبل عليه، كانت تخفف عنه هذه الآلام كلها، كانت ترفع منه هذا الألم كله ببسمتها، أتدرون ما هي ابتسامة فاطمة؟ ابتسامة فاطمة ابتسامة الجنة، لأنها تفاحة من الجنة، كما كان الرسول يشتاق إليها ويقول إذا شممتها شممت رائحة الجنة، كانت بسمتها ابتسامة الجنة، إذا ابتسمت لعلياً أحس كأن الجنة أمامه بأفيائها وألوانها ومفاتنها، ابتسامة فاطمة لعلي كان له أثر كبير على نفس علي ، «ما فارقتها الابتسامة».

من شدة حنان الزوجة على زوجها ما فارقتها الابتسامة أبداً، وهذا يؤكد لنا مرآتية ذاتها لذات الله، وحنان الأم على أولادها، حنان البت على أبيها «حنان فاطمة»، حنان الزوج على زوجها «حنان فاطمة»، حنان الأم على أولادها «حنان فاطمة»، أي حنان أغدقت به حسناً وحسيناً وزينباً وأم كلثوم، ما كان حناناً مادياً ولا حناناً دنيوياً، وإنما كان حناناً روحياً ربت هؤلاء الأربعة على أن يكونوا أبطال التاريخ لم تكتفي أن تربيهم على الصلاة أو الصوم أو النافلة ربتهم على أن يكونوا أبطال التاريخ وكوكبة التاريخ يقودون مسيرة التاريخ «حسنٌ وحسين وزينب وأم كلثوم» نساءً ورجالاً قادوا مسيرة التاريخ كما ربتهم فاطمة، ربتهم على العطاء أن لا شيء في الكون اسمه أنانية أو احتكار واستقلال هناك عطاء وبذل وتضحية، منذ صغرهم ينذرون ثلاثة أيام صوماً وعندما ينتهي يوم الصوم أطفال صغار صائمون يعشقون قرصاً من الرغيف حتى يسدوا به جوعتهم لكن بمجرد أن يقبل المسكين ثم اليتيم ثم الأسير «ما تحتاج الزهراء تقول لأولادها تصدقوا بأقراصكم» لا، هم يبادرون بأنفسهم ويتسابقون الأربعة الصغار يتسابقون إلى الصدقة «يوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴿7 وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴿8 إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً».

فلنربي أطفالنا على العطاء والصدقة والبذل ليأخذوا شيئاً من نور فاطمة ويأخذوا شيئاً من وميض فاطمة

والحمد لله رب العالمين