عاشوراء حركة محمدية

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد عن النبي محمد : «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا وأبغض الله من أبغضا حسينا، حسين سبط من الأسباط»

صدق الرسول الكريم.

انطلاقاً من هذا الحديث نتحدث في محورين:

  1. في تحديد الحركة الحسينية.
  2. وفي كيفية التعامل مع هذه الحركة.

المحور الأول:

حركة الحسين إذا عرضت على المقايس الطبيعية نراها حركة مستغربة لايمكن لإنسان بمائة أو بألف شخص أن يقاوم دولة كدولة بني أمية، حتى لو أن الحسين سيطر على الكوفة والبصرة لم يكن قادراً على مواجهة الدولة الأموية التي كان لها جيشٌ يملئ الشرق والغرب، الإمام علي وهو كان رئيس دولة وكان لديه جيش عقائديٌ ضخم لكنه لم يستطع أن يوقع بالجيش الأموي هزيمة منكرة فكيف بالحسين ولم يكن له عدة ولا عتاد ولا جيش إذن لو نظرنا لحركة الحسين بحسب المقايس الطبيعية لرأينا لا تكافؤ ولا تعادل بين الحسين وبيط الطرف الأخر، من هنا إنقسم الباحثون إلى قسمين:

القسم الأول: قسم لا يؤمن بالحسين خطأ هذه الحركة وقال أنها حركة تهورية ومغامرة غير محسوبة واضحة إذا لاتكافؤ بين الموضعين، القسم الأخر الذي يؤمن بالحسين حاول أن يبرر الحركة وأن يجد لها تفسيراً ينسجم مع إيمانه بالحسين كإنسان معصوم عن الخطأ والزلل، فطرحت للحركة ثلاث تفسيرات:

التفسير الأول: أن الحركة كانت حركة إستشهادية فالحسين كان هجفه أن يقتل ويستشهد نظير إخوتنا في فلسطين الذين يفجرون انفسهم في الدبابات الإسرائيلة دفاعاً عن حياتهم واستقلالهم، كما ورد عنه : كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلا بين النواويس وكربلا فيملأ مني أكراشاً جوفا وأتربة سغبا لا يمحيص عن يوماً خط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين.

التفسير الثاني: أن حركة الحسين كانت رفضا للذل، الحسين عرض عليه أن يبايع يزيد بن معاوية ورأى الحسين أن بيعة يزيد إذلا لمنصب الإمامة والخلافة فرفض البيعة من أجل صيانة منصب الإمام عن الإذلال، قال يأمير إن إذلال النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله وكرر ذلك يوم عاشوراء وقال: ألا إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذله يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجذورٌ طابت وحجورٌ طهرت وأنوف حمية ونفوسٌ أبيه أن تؤثر طاعة الائام على مصارع الكرام، ولذلك أن الحسين لم تعرض عليه بيعة يزيد وأن يزيد قال للحسين أنت وشأنك حراً أن تبايعني أو لا، لن يثور ويتحرك لأنه إنما يتحرك رفضاً للإذلل فإذا لم يكن إذلال ولم تعرض عليه البيعة فإن الحسين سيبقى ساكتاً في المدينة كما بقي أخوة الحسن.

التفسير الثالث: أن حركة الحسين كانت دفاعاً عن النفس ليس إلا، أي أنها لك تكن بثورة ولا رفضاً بل كان يدفع عن نفسه؟ الأمويون بدويون وطبع البداوة هو عم نسيان الثأر وقد مرغهم النبي في وحل يوم بدر فقتل أشياخهم ومرغ وجوههم في التراب فلم ينسى الأمويون يوم بدراً أبدا، لذلك خطط الامويون مخططين، الأول أن يهينوا الهاشميين كما أهانوهم يوم بدر وهذا المخط قام به معاوية مع الإمام الحسن فمعاوية كان يخطط أن يأسر الإمام الحسن فإذا أسره وجيء به مغلل بالقيود تحقق لمعاوية هدفه بإهانة الهاشميين بإهانة الإمام الحسن وأسره بين يديه لكن الإمام الحسن فوت عليه الفرصه وضيع عليه المخطط وصالحه قبل أن ينشب القتال ويأسر بين يديه.

المخطط الأخر: أن يقتلوا سيد بني هاشم، فإذا قتلوه ضفروا بالثأر وحصلوا على الثأر وهذا ما تم لهم يوم الحسين ، كما قال يزيد بن معاوية ليت أشياخي ببدراً شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا وستهلوا فرحاً ثم قالوا يا يزيد لا تشل لعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء ولا وحي نزل قد قتلنا القرم من أشياخهم «القرم أي السيد» وعدلناه ببدراً فاعتدل، أي أنهم أخذوا ثأر يوم بدر، وهذا ما أكد عليه الحسين قال: والله لا يدعوني والله لو كنت في جحر هامتة لستخرجوني حتى يقتلوني ولو كنت متعلقا بأستار الكعبة لما تركوني إذن الحسين مقتولا على كل حال بايع يزيد او لم يبايعه، تحرك أو لم يتحرك، هو أخذا بثأر يوم بدر، فدار الأمر بين الحسين لما علم أنه سيقتل على كل حال إما أن يقتل وهو مختبأ في المدينة أو مكة أو يقتل وهو مقبل مواجهاً للموت وجهاً لوجه، فتله وهو مختبأ سيكون قتلاً بارداً وسيضيع دمه بلا معنى فأراد الحسين أن يقتل وهو مقبل على الموت غير مدبر وهذه قمة الشجاعة والبطولة أن استقبل موته بإقبالٍ لا بإدبار، نحن لا نقبل شيئاً من التفسيرات الثلاثة!!!

نحن نقول لحركة الحسين تفسيرٌ أخر: لاهو رفض الذل ولا حركة استشهادية ولا دفاع عن النفس وإنما حركة الحسين حركة إصلاح للقيادة الفاسدة «ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمتي جدي أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» وهي إصلاح القيادة الفاسدة، ما هو الدليل على ذلك؟؟ هناك دليلان:

الدليل الأول: لا يمكن لنا أن نفهم أي حركة ومشروع إلا من خلال بيانات رائد وكلمات صاحب الحركة فلنرجع إلى كلمات الحسين وأبناءه الذين فهموا مغزى حركته، الحسين صرح بتصريحات متعددة وهي على قسمين:

  • القسم الأول: قسم يعبر عن مواقف إنفعالية وقتيه
  • القسم الثاني: قسم يعبر عن موقف مبدأي فاعل.

القسم الأول: مثال ذلك، الحسين صرح بأنه مقتولا لا محالة ”كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلا........“ لكن هذا ليس هدفه أن يقتل فهناك فرق بين أن يعلم أنه مقتول وبين أن يكون هدفه القتل، فهدفه أكبر من القتل وأعظم من أن يستشهد في المعركة فهي أكبر من مجرد عملية استشهادية يمكن أن يقوم بها أي إنسان أخر وإن كان يعلم بقتله، فقسم من التصريحات كانت ترتب بتغير موقع الحركة ”لما جاء الحر بن يزيد الرياحي حاصر الحسين أخرج الحسين خرجين من الكتب وقال هذه كتبكم لم أتي إليكم حتى قدمت إلي كتبكم أن أقبل إلينا فلقد إخضر الجناب وأينعت الثمار وإنما تقبل على جندا لك مجندة“ ولهذا قدم الحسين «فإن كرهتم قدومي عليكم دعوني أنصرف في أرض الله الواسعة» فالإنسان اذا قرأ هذا التصريح يقول أن الحسين إنهزم، لماذا؟ لأنه لما رأى المحاصرة قال دعوني أرجع، هذا التصريح تكتيك في تغيير موقع الحركة كان موقع الحركة هو الكوفة فالحسين يقول إذا رفض أهل الكوفة قدومي فأنا أذهب إلى مكان أخر وأنطلق من مكان أخر فلم يكن تصريحاً إنهزاميا بل كانت تغييراً لموقع الحركة، أيضا من تصريحات الحسين تصريحه حينما رفض بيعة يزيد لما عرض عليه بيعة يزيد قال «إنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة...».

هذا تصريح يعبر عن موقع إنفعالي في ذلك الوقع لكنه لا يعني أن حركة الحسين تتلخص في هذا الموقف بحيث أن يزيد قال نحن ابناء عم فلنتصالح بدلا من الدماء إذهب أنت المدينة وأنا أبقى في عرشي وملكي في الشام فهل كان الحسين سيختار السكوت؟ لا، فالمسألة أكبر من ذلك، إذن هذه التصريحات كانت تعالج مواقف إنفعالية أما التصريح الذي يعبر عن موقف مبدأي وفعلي لا مساومة عليه ولا تراجع عنه هو قوله: «إني ما خرجت أشراً ولا بطراً...»

فهذه وصية كتبها الحسين بخط بيده لأخيه محمد بن الحنفية توضح لنا أن للحسين مخططاً مبدأياً سيقوم به على كل حال. فهذا الكلام الصريح منه بأنه سيخرج على كل حال، فهذا الذي نفهممه من زيارات الإمام الحسين كزيارة ليلة العاشر ويوم عرفة فهي وردت عن الإمام الصادق وهي تعبر عن ما فهمة الإمام الصادق من حركة الحسين ، مثلاً: زيارة عاشوراء: ”فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثارك مع إماماً منصور من أهل بيت محمد“ فما هو ثأر الحسين؟ هل هو ثأر شخصي، حيث يخرج الإمام المهدي «عج» ويطلب بثأر جده؟ الإمام المهدي ليس إنتقامياً فالمهدي كالنبي محمداً وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، دولة المهدي دولة الرحمة كدولة النبي، إذن ما هو الثأر الذي سيخرج به الإمام المهدي، ثأر الإمام الحسين هو ما عبر عنه النبي حينما قال يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا ”فثأر الحسين هو إقامة دولة العدل ففي زيارة وارث يذكر“ السلام عليك يا ثار الله ”أي انت قتلت في سبيل مبدأ إلهي وثأرك هو إقامة ذلك المبدأ الإلهي“ السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، نوح نبي الله، ابراهيم خليل الله......... " زيارة عاشوراء

فالحسين وارث الأنبياء كلهم وحركته مجرد دفاع عن النفس أو استشهاديه فهذا لا يتناسب مع وارث الأنبياء والرسل معناه أن مشروعه هو مشروع الأنبياء والرسل ولذلك كان وارثهم قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، أي لأجل العدالة وإقامة دولة العدالة فهذا هو هدف الأنبياء والرسل ومشروعهم إذن مشروع الحسين هو إقامة العدالة وإصلاح القيادة الفاسدة. وفي زيارة ليلة عيد الفطر والأضحى ”أشهد أنه صفيك وبن صفيك ووليك وبن وليك الثائر بحقك أكرمته بطيب الولادة وختمت له بالشهادة وجعلته سيداً من السادة وقائداً من القادة فمنح النصيحة واعذر في الدعاء وبذل مهجته فيك“ وفي زيارة العباس ”أشهد أن مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل الله.....“ ولذلك كل الزيارات بها هذه الكلمة أشهد أنك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده " إذن من هذه النصوص نعرف أن الحسين ثورة ومشروع إصلاح للقيادة الفاسدة وإقامة العدالة. ولذلك الظالمون فهموا حركة الحسين أكثر مما فهمها الباحثون، لما الظالمون قاوموا وسلطوا الظلم على قبر الحسين؟ حرثوا القبر ومنعوا زوار الحسين من الوصول إليه بقتلهم وتنكيلهم من أيام يزيد بن معاولة إلى المتوكل العباسي لأنهم عرفوا أنها ليس دفاعاً عن النفس بل لإقامة دولة العدل وإصلاح القيادة الفاسدة فحركة الحسين زلزلت عروشهم وأماكنهم، فالمتوكل هدم القبر وقال ابن السكيت:

تلله   إن   كانت   أمية   قد  iiأتت

فلقد    أتته    بنو    أبيه    iiبمثله

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا



 
قتل    بن    بنت   نبيها   مظلوما

فغذا     لعمرك    قبره    مهدوما

في      قتله     فتتبعوه     iiرميما

الدليل الثاني:

السياق التاريخي، نحن لا نفهم حركة إن كنا باحثين في علم الإجتماع حتى بربطها بسياقها التاريخي، ماهو السياق التاريخي الذي كان لحركة الحسين :

أولاً: الحسين هو الذي تحرش بالأمويين قبلهم، إقرأ ما يذكره إبن كثير والطبري يقول: أرسل والي اليمن قافلة محملة بالذهب والجواهر إلى معاوية فمرت القافلة بالمدينة سمع الحسين فأمر بأن يعترضوا القافلة ويصادروها فوزع الإمام الحسين القافلة على فقراء المدينة، فهذا التصرف من الحسين بأنه صاحب مخطط يريد أن يبدأ المعركة وليس أن يدافع عن نفسه.

ثانياً: لماذا الحسين أصر على رفض بيعة يزيد مع أنه أعطي عقد الأمان؟ في ليلة العاشر اجتمع عمر بن سعد مع الحسين والعباس وعلي الاكبر في خيمة واحده فكان حوار بين الحسين وعمر بن سعد ولذلك الحسين شخصية حوارية قبل أن يكون شخصية هحومية، أنتهى الحوار ابن سعد قال أنا لا قائد وصاحب قرار فتأتي معي الى عبيد الله بن زياد تسلم عليه يداً بيد وتبايعه بيعة ليزيد بن معاوية فتنتهي المشكلة، ترجع إلى المدينة ولكن عهد أمان، قال الحسين لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد ". هذا الإصرار على رفض البيعة لم تكن مسألة دفاع عن النفس وحركة استشهادية.

ثالثاً: الحسين بعث مسلم بن عقيل إلى الكوفة وبعث وفود إلى اليمن والبصرة فبالعاث بالوفود غرضه الجمع من اسلحة وعدة وعتاد.

رابعاً: خروج الإمام الحسين بالنساء والأطفال فهل من العقلانية أن احدا يريد الإستشهاد يخرج معه النساء ووالأطفال؟ فماهو الوجه في ذلك؟ علم الحسين بأن هذا المشروع يحتاج إلى وقفة المرأة البطلة زينب بنت علي ويحتاج إلى وقفة سكينة ورقية ويحتاج إلى وقفه عبد الله الرضيع، فهو يحتاج إلى هذه الهمم والعزائم كلها ويحتاج إلأى هذه النماذج والبراعم كلها. ”شاء الله أن يراني قتيلاً وأن يرى النساء سبايا“.

إذن هذه الأدلة نفهم أن حركة الحسين لم تكن مسألة دفاع عن النفس ولا رفضاً للذل ولا حركة استشهادية، بل كانت أكبر من ذلك فكانت حركة الحسين مشروعاً إصلاحياً لإصلاح القيادة الفاسدة. كانت حركة الحسين ذات بعد اتصالي لا بعد مرحلي، أبو ذر قام بحركة وثار ضد الأمويين ونفاه معاوية إلى المدينة ثم نفي إلى الربدة ومات هناك هذه الحركة تسمى حركة مرحلية، أما حركة الحسين لم تكن حركة مرحلية لم يكن الحسين يرى المشكلة في يزيد او بن امية فالحسين لم يخطط لمئة سنة مثل الحسين يخطط ليوم القيامة وللأمم والبشرية كلها أو يخطط لقرن من الزمن، فكان الحسين يرى المشكلة في القيادة الفاسدة في كل زمن ومجتمع فكان مشروعه إصلاح القيادة الفاسدة، إذن مشروعه حركة إتصاليه فلم يكن مشروع ينتهي بموته.

الذين قرأو الحسين قرأة مادية طبيعية فقالوا ماذا استفاد، فقتل رضي الله عنه وإذا ذكر قلنا إنا لله وإنا إليه لراجعون وكأن المسألة هي فقدان شخص فهذه قضية الحسين كلها، قضية الحسين ليست مصيبة وإنما تأسيس لخط إصلاحي وفكري وقرأني ”أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر“ فإذا ذكرنا الحسين لا نقول فقط إنا لله وإنا اليه لراجعون بل إذا ذكرنا قضية الحسين تفاعلنا معها وقلنا نحن مع الحسين ولازلنا معه إلى يوم القيامة.

ولم تكن قضية الحسين تنتهي بموت الحسين فموت الحسين هذه كانت أول خطوة من مشروع الحسين، فالحسين الحسين ما خطط لحياته ولا زمانه ولا مرحلته فكان موته مجرد محطة فالحسين خطط للأمم والإنسانية إلى يوم القيامة.

الدكتور ابراهيم بيضون يذكر في كتابه الحركات السياسية ”وهو إنسان علماني“ يقول أن الحسين هو مبدأ الإنتفاضات ويوم الحسين كان يومٌ مفصلياً في تاريخ الإسلام وغير التاريخ الإسلامي من تاريخ إستسلم إلى تاريخ مقاومة ومواجهة، إذن مشروح الحسين مشروع إتصالي وليس مرحلي ولذك لم ينتهي المشروع بموت الحسين فثارت حركة التوابين في الكوفة بعد مقتل الحسين وثار أهل المدينة في الحرة، ثار المختار الثقفي، ثار زيد بن علي وثار الحسين بن علي صاحب معركة فخر وكلهم كانوا يرفعون صوت الحسين وكلمته ”ألا وأن الدعي ابن الدعي ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات من الذلة“.

المحور الثاني:

كيف نتعامل مع حركة الحسين، إننا نتعامل معها تعامل شكلي ورياضي لا تعامل واقعياً، تعاملنا مع الحسين كتعاملنا مع الدين إننا نتعامل مع الدين معاملة شكلية وحسابية رياضية، مثلاً: يربي له لحية ويحمل سبحة ويواضب على المسجد فنقول هذا إنسان متدين، وعندما إنساناً يحلق لحيته نقول عنه فاسق لماذا؟ لأنه يحلق لحيته، فهل المقياس هو الشكل أو الصورة؟ ربما يكون ربما هذا الشخص الحليق اصدق لسانا واكثر أمانة من هذا الشخص الملتحي، فليس التدين شكلاً فالتدين مضمون يجب أن نحكم على المتدين من خلاص سلوكه لا من خلال شكله، ورد عن الإمام زين العابدين : لا تغتروا بكثرة صلاتهم ولا كثرة صيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركهما استوحش اختبروهم عن صدق الحديث وأداء الأمانة. ”الدين المعاملة“ وكما ورد عن النبي محمد . وأحياناً نتعامل مع الدين تعامل رياضي وحساب، مثلاً ليلة القدر يقرأ في مفاتيح الجنان أن يقرأ سورة القدر ألف مرة ومن قرأها أصبح شديد اليقين بالله وهذا يظل من المغرب الى الصباح وهو يقرأها الف مرة لماذا؟ لآنه يسير على مسألة رياضية فيقول إذا قرأتها ألف مرة فلي مليار حسنة ولو قرأتها خمسمائة فلي نص مليار حسنة فتنقص الحسنات وهكذا فالمسألة عنده مسألة حسابية هكذا يتعامل مع الدين بهذا الآفق الضيق، أيهما أعظم قرأة إنا أنزلناه أو الصلاة؟

الصلاة عمود الدين ومع ذلك النبي يقول: ”إن الصلاة ليقبل منها نصفها أو ثلثها أو ربعا أو عشرها وأن منها ما يلف كما يلف الثوب الخرق البالي ويرمى به وجه صاحبه“ ليس دائما الصلاة تجلب لك الثواب فهي تسقط عنك العقاب، فإذا كانت الصلاة وهي أفضل شيء قد لا يترتب عليها أي ثواب وأنت جالس تحاسب ربك بقرأة إنا أنزلناه ألف مرة حتى تحصل على مليار حسنة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، ليكن معنا يقين وتقوى وورع عن محارم الله وإلا مجرد الكم والشكل فهذا ليس هو التدين الحقيقي.

مثال على التعامل الشكلي: إن المأتم تتنافس فيما بينها، وكل مأتم يريد أن يطغى على المأتم الأخر في تقجيم الخدمات والإنجازات تجذب الناس إليه أكثر من المأتم الأخر وكأنها مسألة شكلية لتنافس عليها وكأنها ليست مسألة مضمونية وحركيه وواقعية. أنا اذهب لمأتم الحسين كي أأكل الطعام اللذيذ وما يسد جوعتي فلابأس بالإطعام ولكن لايكون ذلك على حساب قضية الحسين وثورته وأهدافه وهذا خطر على ثورة الحسين وأهدفه . فيجب صرف كل هذه الأموال للفقراء وللتبرعات بإسم الحسين فخدمنا قضية الحسين وهي انتشار العدالة أكثر مما نخدمه ننوع في الشكليات ونسيىء إلى الحسين .

لكن الثواب مع الفوائد الروحية والتربوية والفكرية التي تسقل شخصيتي وسلوكي وثقافتي خيراً من ألاف الحسنات التي احصل عليها في الليل وأضيعها في المعصية في النهار. إذن مقياسنا لقضية الحسين خاطئة وشكلية ورياضية وليس مقايس مضمونية فلنفكر في المدة التي قضيناه مع مأتم الحسين ماذا أستفتدت من ثقافة وفكر وسلوك لشخصيتي، الحسين ركز على أثرين فهل نحن اتبعناهما؟؟::

الأثر الأول: البذل والعطاء، فالحسين بذل نفسه وبذل أهله فهل تعلمنا منه روح البذل، نحن شحيحون أمامنا جمعيات خيرية تستغيث فهل نعطيها ولجان كافل اليتيم فهل نساعدها، الحقوق الشرعية لا نخرجها من أموالنا، نحن مع الحسين أم مع مأتم الحسين، فنحن مع مأتم الحسين للأسف، ولسنا مع الحسين لو كنا مع الحسين لتعلمنا منه روح البذل وروح العطاء قال تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ.

الأثر الثاني: تأكيد الحسين بالعلاقة مع الله " تركت الخلق طراً في هواك وأيتمت العيال لكي أراك فلو قطعتني في الحب إربا لما مال الفؤاد إلى سواك. الحسين لم يساوم على مبادئه فالحسين أسس لعلاقة مع الله فهل نحن تعلمنا منه أن نربي علاقتنا مع الله؟ إننا إذا تعلقنا مع علاقة غير مشروعة قد ننساق معها ونستمع الأغنية المطربة ونبادر إلى الأموال الربوية وأكل اللحم الحرام الذي لم يحرز تذكيته، لا يصدنا عن المعاصي أي شيء إذاً أين علاقتنا مع الله التي إستفدناها من الحسين ، الحسين مجموعة من القيم والمثل والفضائل، ولذلك تبار الشعراء في مديح ثورته المباركة ووصف حركته العملاقة، كما يقول السيد حيدر الحلي:

أبا  أن يعيش إلا عزيزاً iiأو

كيف يلوي على الدنية جيداً

وسامته يركب إحدى إثنتين

فإما  يرى  مدعناً أو iiتموت

فقال  لها  اعتصمي iiبالإباء

وأضرمها   لعنان  iiالسماء

فما أجلت الحرب عن iiمثله

عفريراً  متى عاينته الكماة













 
تجلى  الكفاح  وهو  صريعُ

لسوا  الله ما لواه الخضوعٌ

وقد  صرت الحرب iiأسنانها

نفساً   أبدا   العز   إذعانها

فنفس   الأبي   وما   iiزانها

حمراء     تلفح     iiاعنانها

صريعاً     يجب    شجعانها

يختطف    الرعب   iiألوانها