تأثير العقل الجمعي على الإنسان

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ

حديثنا انطلاقا ً من الآية المباركة في محاور ثلاثة:

  1. في مرجعية العقل.
  2. تقسيم العقل إلى عقل فطري وعقل جمعي.
  3. تأثير العقل الجمعي على أثر الفرد والمجتمع.

المحور الأول في مرجعية العقل:

قسم العلماء العقل: إلى عقل نظري وعقل عملي. العقل قوة واحدة دورها الإدراك ولكن ما يدركه العقل على قسمين تارة يكون ما يدركه العقل من القضايا النظرية، من ما ينبغي أن يعلم. مثل: الله موجود، النبي معصوم، هذه القضايا النظرية تسمى بالعقل النظري.

وهناك قضايا سلوكية ترتبط بمجال العمل، ما ينبغي أن يعمل. مثلاً: العدل جميل والظلم قبيح، الصدق جميل والكذب قبيح. هذه أمور سلوكية تسمى بالعقل العملي، فعندنا عقلي نظري وعقل عملي والعقل سواءً كان نظريا ً أو عمليا ً، له المرجعية الأولى، وله الحجية الأولى، حجية العقل فوق الحجج كلها، ومرجعية العقل فوق الأدلة كلها، كل دليل ينتهي إلى العقل وكل حجة تنتهي إلى العقل.

العلماء يقولون ما بالعرض يرجع إلى ما بالذات، الأمر الاكتسابي يرجع إلى أمر ذاتي.

مثلا ً: عندما تضع إناء فيه ماء على النار، يصبح الماء حارا ً، وهذه الحرارة اكتسابية وليست ذاتية - الماء لم يخلق حارا ً - الماء اكتسب الحرارة من النار، فهذه الحرارة اكتسبها الماء من النار، فحرارة الماء بالعرض - حرارة اكتسابية -، جاءت من حرارة النار. أما حرارة النار فهي ذاتية لم تكتسبها النار من شيء آخر، حرارة الماء اكتسابية وبالعرض رجعت إلى حرارة أخرى وهي حرارة النار، وحرارة النار ذاتية ولم ترجع إلى شيء آخر. فعندنا شيء عرضي وآخر ذاتي.

أيضا ً في مجال الحجية فنفس الكلام. عندنا بعض الحجج التي نحتج بها، وبعض الأدلة التي نستدل بها، بعض الحجج حجيتها اكتسابية، وبعض الحجج حجيتها ذاتية. جميع الحجج وجميع الأدلة حجيتها اكتسابية، العقل فقط هو الذي حجيته ذاتية، ما بالعرض يرجع إلى ما بالذات، كل الأدلة التي نستدل بها - كلام الله، كلام النبي، كلام الإمام، كلام العلماء - هذه كلها حجج مكتسبة، حجيتها مكتسبة، حجيتها بالعرض، حجية هذه الحجج والأدلة كلها تعود إلى حجة أولية، تعود إلى حجة ذاتية وهي العقل، فالعقل فوق الحجج كلها وفوق الأدلة كلها، سواء على المستوى النظري أو العملي.

مثلا ً: المستوى النظري: أنت تحتج بالقرآن، تقول قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا هذا نص قرآني يدل على حرمة الربا، فهذه الآية حجة على المسلمين في حرمة الربا. هذا الحجة ذاتية أو مكتسبة؟. حجية القرآن مكتسبة من حجية العقل. يجب إرجاع الموضوع إلى قضية عقلية، كلام القرآن كلام صادر من الخالق، والخالق أعرف بمصالح عباده منهم. بما أن القرآن خطاب الخالق، والخالق أعرف بمصالح العباد من العباد أنفسهم، إذن خطاب الخالق حجة على المخلوقين.

أنت أرجعت القضية إلى قضية عقلية، لو لم ترجع الموضوع إلى قضية عقلية، ما صار القرآن حجة، فحجية القرآن مكتسبة من حجية العقل، لولا العقل لما ثبت لنا أن الله خالق، ولما ثبت أن القرآن كلامه، ولما ثبتت لنا النبوة والإمامة، كل هذا يرجع إلى العقل، إذن حجية كلام الخالق وكلام النبي وكلام الإمام كلها تعود إلى الحجية الأولى وهي حجية ما يدركه العقل النظري.

المستوى العملي: هناك بحث بين المذهب الأشعري والمذهب الإمامي، المذهب الأشعري يقول أن الفعل الحسن ما حسنّه الشرع. مثلا: لولا أن الشرع قال الصدق حسن فإن العقل ليس له مجال أن يحكم بذلك. الحكم بيد الشرع، هو الذي يحكم على الأفعال بالحسن والقبح، هو الذي يقول أن الصدق حسن والكذب قبيح. الأمر بيد الشرع وليس بيد العقل، العقل مطيع للشرع. الشرع هو المتحكم.

المذهب الإمامي: الحسن ما حسنّه العقل والقبيح ما قبّحه العقل، المرجعية إلى العقل، هو الذي يحكم بحسن الأشياء وقبحها، العقل يقول الظلم قبيح، والعدل جميل، والصدق جميل، والكذب قبيح. العقل يقول كذلك وليس الشرع. مثلا: لو أن المجاهد في سبيل الله، بذله نفسه وصار شهيدا ً، هذا المجاهد هل يمكن لله أن يدخله النار؟!، هل يعقل أن الله يدخل المطيع المجاهد الشهيد إلى جهنم أو لا؟!، هل هذا أمر معقول أم لا؟!

المسلك الأشعري: يقول ”معقول“، السبب الأول: لأن العبيد ملكه والمالك يتصرف بملكه في ما يشاء، هذا المجاهد ملك لله، وجميع العباد مخلوقون لله، والمخلوقون مملوكون، فجميع العباد ملك لله، وللمالك أن يتصرف في ملكه بما يريد، إذا كان هذا المجاهد الشهيد ملكت لله فلمالكه أن يتصرف فيه بما يريد، وليس للعقل أن يقول بأن لهذا الشهيد حقا ً على ربه أن لا يدخله النار، فهل يعقل أن يكون للمملوك حقا ً على المالك؟!، هذه الشهيد وجهاده وشهادته كلها ملكا ً لله، فليس له حق على المالك بأن لا يدخله النار، للمالك أن يتصرف في ملكه بما يريد.

السبب الثاني: العقل ملك من؟!، أليس ملك لله؟!، العقل ملك لله، لأن العقل مخلوق لله، فهو ملك لله، فإذا كان العقل مملوكا لله فهل يعقل أن يتحكم المملوك في أحكام المالك؟!، إذا كان العقل مملوك لله فليس له قدرة على التحكم في أفعال المالك. إذن العقل فقط يستمع إلى لشرع، الله يقول له: هذا حسن، هذا قبيح، اعمل كذا، لا تعمل كذا. العقل مجرد مطيع وليس حاكما ً.

المسلك الإمامي: نحن نقول لا، العقل هو صاحب المرجعية، المرجعية الأولى للعقل، حجية الحجج للعقل، العقل هو الذي يقرر أن هذا حسن وأن هذا قبيحا بيان ذلك:

أولا: صحيح أن العباد كلهم ملك لله، وكل ما يصدر من العباد من حسن فهو ملك لله، كل ما عندنا ملك لله، ولذلك ورد في الحديث الشريف أن الله أوحى إلى النبي موسى بن عمران - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: «يا موسى اشكرني حق شكري، قال: وكيف أشكرك حق شكرك. وكلما وصلت إلى شكر علمت أنه نعمة منك تستحق الشكر، فكيف أشكرك حق شكرك، قال: الآن شكرتني حق شكري، حيث علمت أن ذلك مني».

صحيح أننا نعترف بهذه القضية، جميع العباد ملك لله، جميع الأعمال ملك لله، لكن الله ألزم نفسه بميثاق في كتابه، وهو أن لا يدخل المطيع النار وهو أن لا يدخل المطيع إلى النار قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ من الله إذن الله هو الذي تعهد، بعد أن تعهد الله بأن يدخل المجاهد إلى الجنة فلا يعقل أن يخلف الله عهده، ولا يعقل أن يخلف الله ميثاقه، لما؟!.. نحن هنا رجعنا إلى العقل، لأن العقل يحكم بأن خلف العهد قبيح من الإنسان فكيف من الحكيم تبارك وتعالى؟!، لا يعقل، محال أن يخلف الله عهده، هذا قبيح فلا يصدر من الحكيم تعالى.

ثانيا: نحن نسأل سؤالا، نحن نقول بأن الله مالك، والعقل مملوك، وليس للملوك حق ٌ على المالك، من هو الذي أدرك هذه القضية؟!، العقل نفسه، من أين الفرار من العقل، أي أن حتى الأشعريون يستدلون بالعقل، هم كلامهم كلام عقلي، هم عندما يقولون: العقل مملوك والمملوك لا يتحكم في أعمال مالكه، هذه المقالة عقلية أم نقلي؟!، عقلية بالطبع!، إذن رجعنا إلى العقل، أرادوا أن يبطلوا حكم العقل بالعقل نفسه، أرادوا أن ينقضوا على العقل بالعقل نفسه، إذن رجعنا إلى العقل، من الذي أدرك أن الله مالك، ملكية ذاتية، ومولى مولوية ذاتية، وأن العقل مملوك له، وليس للمملوك حق ٌ على مالكه، كل ذلك أدركه العقل، إذا كان أدركه العقل، العقل الذي أدرك أن الله مالك، هو الذي أدرك أن لهذه الملكية حدودا ً وهو أن لا يفعل القبيح تبارك وتعالى بملكه، وملكه ولكنه لا يفعل القبيح بملكه لأن فعل القبيح مناف للحكمة، العقل الذي أدرك أن العقل مملوك وأن الله مالك هو نفسه الذي أدرك بأن هذه الملكية في حدود الفعل الحسن، أي أن ملكيته في حدود حكمته، كما أنه مالك، هو أيضا حكيم، فلا تعارض بين ملكيته وحكمته، العقل أدرك أن ملكيته في حدود حكمته تبارك وتعالى، إذن رجعنا إلى العقل. المرجعية الأولى للعقل، جميع المرجعيات، جميع الحجج، جميع الأدلة، حجيتها دليليتها بالعرض - مكتسبة - وما بالعرض يعود إلى ما بالذات والذي حجيته ذاتية أولية هو العقل، ورد عن النبي محمد : «أول ما خلق الله العقل وقال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، قال بك أثيب وبك أعاقب، العقل ما عبد به الرحمن، واكتسب به الجنان».

المحور الثاني: يتحدث عن تقسيم العقل إلى عقل فطري وعقل جمعي:

حكم العقل له منشأ، ما هو منشأه؟، إذا كان منشأ حكم العقل عاملا ً كيفيا ً - برهان ودليل - يسمى عقلا فطريا، وإذا كان منشأ حكم العقل عاملا كميا - رأي الأكثرية - يسمى عقلا جمعيا.

العقل يحكم بأن المرأة ليست أهلا للولاية العامة، أي أن المرأة تصبح معصومة، وحجة ولكن لا تصبح الولي العام، ولاية الأمر الولاية العامة ليست للمرأة، الزهراء كانت موجودة وحجة، لكن الولاية العامة لزوجها ولأبنائها، المرأة أهلا ً للولاية، لماذا؟، لا لأن المرأة أقل ذكاء من الرجل، بل لأن سيطرة القضاء العاطفي على شخصية المرأة أكثر من سيطرة القضاء العقلي على شخصيتها، فبما أن المرأة - غالباً وليس دائما ً - في معرض سيطرة القضاء العاطفي، وضعف سيطرة القضاء العقلي، لذلك لا تكون جديرة ً بمنصب الولاية العامة، يمكن أن تصبح وزيرة، ممكن أن تصبح رئيسة برلمان، لكن لا تصبح لها الولاية العامة، هذا الحكم حكم يستند إلى برهان وهو حكم فطري، بينما عندما نقول أن المرأة لا تصلح لقيادة السيارة، والمرأة لقيادة الطائرة، لماذا؟، ”والله بكيفنا!!“، إذا كانت ملتزمة بحجابها وبحشمتها فلم اذن لا تصلح لقيادة السيارة والطائرة؟!، لا مانع من ذلك، لا يوجد مانع شرعي، هذا الحكم حكم العرف، حكم أبناء العرف بأن المرأة ليس لها قيادة المركب، سيارة أو سفينة أو طائرة، هذا الحكم العرفي ليس منشأه دليلا أو برهانا ً كي يكون عقلا فطريا ً، منشأه عامل كمي وهو رأي الأكثرية، رأي أبناء العرف، ولذلك يسمى هذا الحكم عقلا جمعيا لا عقلا فطريا.

نركز هنا على العقل الجمعي، نحن نلاحظ خصوصا ً هذه الأيام على شاشات القنوات الفضائية المختلفة الحديث الكثير عن الحكومة الديمقراطية، والحكومة الديمقراطية هي التي تقوم على انتخاب الأكثرية، القانون والمقياس في الحكومة الديمقراطية هي التي تقوم على أساس صندوق الاقتراع، على أساس انتخاب الأكثرية، وانتخاب الأكثرية عقل جمعي، لأنه يستند إلى عامل كمي، إذن الحكومة الديمقراطية هي التي تستند إلى العقل الجمعي، وهو انتخاب الأكثرية.

ما هو موقف القرآن من المنطق الديمقراطي القائم على أساس العقل الجمعي، وهو انتخاب الأكثرية؟، نحن عندما نراجع الآيات القرآنية، نجد أن الآيات القرآنية تصب الذم على اتباع الأكثرية، أي تتصب الذم على تحكيم العامل الكمي، دون العامل الكيفي وهو البرهان والدليل، لاحظ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ وقال تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ، وقال تبارك وتعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ، إذن كيف نستند إلى رأي الأكثرية، والحال أن القرآن يرى أن العامل الكمي وهو رأي الأكثرية ليس مناطا ً وليس ملاكا، المناط هو إتباع الحق المستند للدليل والبرهان، لا لرأي الأكثرية، لماذا القرآن ليس ديمقراطيا ً؟، هناك ملاحظات ثلاث على المنطق الديموقراطي المعتمد على العقل الجمعي:

الملاحظة الأولى: أن تحكيم رأي الأكثرية، افترض الأكثرية انتخبت دستور أو انتخبت حاكم معين، تحكيم رأي الأكثرية إلغاء لإرادة الأقلية التي لم تعترف بهذا الانتخاب، ولم تعترف بنتيجة الانتخاب، إذن تحكيم رأي الأكثرية ظلم وإلغاء لإرادة الأقلية.

الملاحظة الثانية: جاك روسو هذا المفكر الفرنسي في كتابه العقل الاجتماعي، هو بنفسه طرح الملاحظة، يقول: في الدولة الديمقراطية هل السيادة للشعب أو السيادة للأمة؟، الشعب هم الجيل الموجود فعلا ً، أم الأمة فهي مجموع الموجود والجيل الذي لم يولد بعد، هل السيادة للشعب أم السيادة للأمة؟، إذا كانت السيادة للشعب، شعب انتخب دستور أو حاكم معين سيادة إلى هذا الشعب الموجود، تحكيم رأي الشعب الموجود إلغاء إلى رأي الأجيال الآتية، فلعل الأجيال الآتية إذا بلغت وولدت ترفض هذا الدستور وترفض هذا الانتخاب، أليس كذلك؟!، وإذا قلتم أن السيادة للأمة، أي مجموع الأجيال الموجودة والأجيال الآتية، فمن الذي له حق التعبير عن إرادة الأجيال الآتية؟!، التي لم تولد ولم توجد بعد.

الملاحظة الثالثة: نحن إذا ألقينا نظرة على المجتمعات الديمقراطية، في أميركا على سبيل المثال، الذي يفوز في هذه الانتخابات هو الحزب الذي يمتلك قوة مادية وقوة إعلامية، الحزب إذا امتلك قوة مادية صار قادرا ً على شراء الأصوات لصالحه، وإذا امتلك قوة إعلامية صار إعلامه المضلل نافذا ً إلى كل زاوية وإلى كل بيت، إذن لو أن الأكثرية خرجت وانتخبت دستورا ً أو حاكما، فإن هذا الانتخاب لم يخضع للتأمل والدليل والبرهان، وإنما خضع للقوة المادية والإعلامية لحزب معين أو جهة معينة، لذلك الدولة الديمقراطية المعتمدة على منطق العقل الجمعي محل ملاحظات وتأملات.

فما هو النظام الإسلامي؟، النظام الإسلامي يرتكز على ركيزتين:

الركيزة الأولى: أن الدستور ليس منتخبا ً بل الدستور مستنبط من الكتاب والسنة، مجموعة من الفقهاء مع مجموعة من الخبراء الإدارة والسياسة والاجتماع يتكفلون بصياغة الدستور المستنبط من الكتاب والسنة قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.

الركيزة الثانية: من الممكن أن ينتخب الشعب سلطة تنفيذية، هذا أمر ممكن، ولكن بشرط أن تكون السلطة التنفيذية واجدة للعدالة والنزاهة والإخلاص، لذلك من حق هذه المجموعة من الخبراء أن يعزلوا السلطة التنفيذية إذا انحرفت عن مسار النزاهة أو العدالة والإخلاص، هناك سؤال: إذا النظام الإسلامي لا يرى منطق العقل الجمعي منطق صندوق الاقتراع، فلماذا بعض مراجعنا أدام الله ظله الشريف في العراق أمضى وأيد مسألة منطق العقل الجمعي وهو الاعتماد على صندوق الاقتراع، لماذا؟ ألا يتنافى هذا مع منطق النظام الإسلامي؟

الجواب واضح: بعض مراجعنا أدام الله ظلالهم الشريفة جميعا، بض مراجعنا بحنكته السياسية وبعد نظره أراد أن يلزم المحتل بما ألزم به نفسه، أراد أن يلزم الدعاة إلى الدولة الديمقراطية بما ألزموا به أنفسهم، هو لم يطرح رأي شرعي أو إسلامي، هو يطرح رأي سياسي، بما أن المحتل جاء يدعو إلى إقامة دولة ديمقراطية، والدولة الديمقراطية تعتمد على منطق العقل الجمعي وصندوق الاقتراع، فنحن نلزم المحتل بما ألزم به نفسه، حتى يتحقق الاستقرار، بما أن الدعاة الوافدين جاء بمنطق الدعوة إلى الدولة الديمقراطية فنحن نلزمهم بميزان الدولة الديمقراطية، هذا رأي سياسي لتحقيق الاستقرار السياسي لا لأجل طرح رأي إسلامي، وإلا لو أمكن طرح النظام الإسلامي لكان النظام الإسلامي معتمدا على الركيزتين اللتين ذكرناهما.

المحور الثالث العقل الجمعي:

يعرفه ”غوستاف ليبون“ أحد مؤسسي علم النفس الاجتماعي، في كتابه علم النفس الاجتماع يعرف لنا معنى العقل الجمعي، يقول: الاستجابة غير العقلانية لما تردده الجماعة هو العقل الجمعي.

مثلا ً لدينا نادي الترجي في القطيف ولدينا نادي الخليج في سيهات، اجتمعا في مباراة رياضية، وحكم الحكم لصالح أحدهما فاعتبره الفريق المهزوم حكما ً ظالما جائرا، فقال أحد أفراد الفريق المهزوم هذا حكم جائر ظالم ولابد أن نثار بحقنا، وثارت الناس معه وهجموا على الملعب وكسروه وخربوه، واصطدموا واحتكوا بالفريق الآخر عراكا وضربا، هذا يسمى عقل جمعي، الاستجابة غير العقلانية لم تردده الجماعة عقل جمعي.

وهناك مثال آخر من القرآن على العقل الجمعي، تقرأه كل جمعة قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، الرسول يصلي، فقط صاح أحدهم: جاءت القافلة، ذهبوا وراء القافلة، هذا عقل جمعي، العقل الجمعي يستبطن ثلاث حالات، حالة عدم دراسة العواقب، حالة فقدان الإحساس بالمسؤولية، حالة عدم القدرة على ضبط الانفعالات، فعندما يسترسل الإنسان مع الصيحات الغوغائية من دون دراسة للعواقب ولا ضبط للانفعالات ولا إحساس بالمسؤولية، فذلك ما يسمى بحركة العقل الجمعي، هل العقل الجمعي موجود في مجتمعنا؟، هل للعقل الجمعي أمثلة حية في مجتمعنا المعاصر أم لا؟.

نعم، هناك ثلاثة أمثلة للعقل الجمعي: الموضات والعادات والإشاعات.

المثال الأول: الموضات عقل جمعي، كثير من فتياتنا وزوجاتنا يجرين وراء الموضات، الإعلانات في صفحات الجرائد والمجلات والشاشات التلفزيونية والمواقع الإنترنت وحتى كثير من شبابنا، يجري وراء الموضة، في قصة الشعر، في طريقة اللبس، في نوع الحذاء، وهكذا، كأن مجتمعنا مجتمع فارغ، لا تراث له ولا قيم له، يستورد كلما يلقى إليه، ويتلقى كلما يعلن له من دون روية ولا تفكر، مع أن القرآن أمرنا بالتأمل والتفكر، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ

المثال الثاني: العادات. نحن لسنا ضد العادات، لكنها على قسمين: عادات تخدم المصلحة العامة فهي عادات حسنة، وهناك عادات تضر بالمصلحة العام للمجتمع فهي عادة سيئة، ولذلك ورد عن النبي محمد : «من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عملها إلى يوم القيامة».

العادات تنقسم إلى قسمين: عادات حسنة وعادات سيئة، حتى لو كانت جديدة أو قديمة، ومن باب المثال: عادة الناصفة، الأطفال يخرجون ليلة النصف من شهر شعبان أو ليلة النصف من شهر رمضان، يزورون البيوت المختلفة ويأخذوا شيئا من هداياهم وعطاياهم، عادة حسنة وسنة حسنة لأنها إحياء لشعائر الله، لأنها تقوية للأواصر والروابط الاجتماعية، فهي تخدم المصلحة العامة، فهي عادة حسنة، حتى عادة عيد الميلاد، نستطيع أن نجعلها حسنة، ونستطيع جعلها سيئة، الاحتفال بعيد ميلاد الطفل إذا كان احتفالا بموسيقى لهوية، وإذا كان احتفالا بأهازيج لهوية فهو عادة سيئة، وأما إذا كان الاحتفال بعيد ميلاد الطفل متضمنا لذكر مدائح أهل البيت وأناشيد في حق أهل البيت، فهو عادة حسنة، هناك فئة من المجتمع تصر على إبقاء العادات، لماذا؟ ما هو سبب الإصرار على العادات؟.

هناك ثلاثة أسباب:

السبب الأول: الترف، القرآن يصرح بدافع الترف قال تعالى: ﴿مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ «23» قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ مثلاً: ولد العائلة المغمورة لا يتزوج بنت العالة المشهورة، هذه عادة، إذا البنت من عائلة معروفة وتقدم شاب إليها من عائلة غير معروفة يُرفض، هذه عادة سيئة والإصرار عليها، إصرار بدافع الترف، أي بدافع إبقاء الطبقية بين أبناء المجتمع الإسلامي، ورد عن النبي محمد : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إن لا تفعلوا ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».

السبب الثاني: بعض الفئات تخشى أن التغير إذا حصل ينفتح باب التغير فلا يبقى حجر على حجر، مثلا أنتم هنا لكي تتسمعون وجالسون على الأرض، لو كانت حسينياتنا مملوءة بالكراسي، كلكم تجلسون على الكراسي مرتاحين، حتى لو أطال الخطيب، هناك مجال للتحمل، لماذا إلا الجلوس على الأرض، هذه عادة وليست أمرا شرعيا، إنها عادة اعتاد عليها المجتمع، وعندما تقول هذه عادة غيروها، فلتكن الحسينيات مملوءة بالكراسي، مثل المجتمعات الأخرى، يأتي المستمع وهو مرتاح، لكن لا، إذا نفتح هذا الباب تذهب قدسية المأتم وروحانيته وهيبته، فكأن قدسيته في الجلوس على الأرض.

السبب الثالث: بعضهم يتصور أن للعادة أصلا شرعيا فيتشبث بالعادة ولا يتنازل عنها، مثلا إذا انتهت الفاتحة يوم الجمعة، فإنها لا تختم ليلة السبت، لماذا؟ يقولون أنه إذا ختمت الفاتحة ليلة السبت ترجع مرة أخرى، كأنما عزرائيل ينتظرها، متى ما ختمنا ليلة السبت أعاد الكرة علينا مرة أخرى، بعضهم يتصور أن هذه العادة ذات أصل شرعي، ويتمسك لها بما ورد في الحديث «ما رفع حجر يوم السبت إلا وعاد إلى مكانه» هذا التصور غير صحيح.

هذا الحديث كناية عن استحباب السفر يوم السبت، أي أن النبي حتى يبن أن السفر مستحب يوم السبت عبر بهذا التعبير، ما رفع حجر إلا وعاد إلى مكانه يعني أن السفر يوم السبت موضع تفاءل، ل أن كل شيء يختم يوم السبت يعود، أو يبدأ يوم السبت يعود، يعني أنه إذا بنيت بيتا يوم السبت، بعد شهر يهدم؟!، وإذا تبدأ درس يوم السبت ترجع جاهلا؟!، وإذا تشرب دواء يوم السبت ترجع مريضا؟!، لأنه ما رفع حجر إلا وعاد إلى مكانه!!، العرب يفهمون من هذه الكلمة استحباب السفر لا أن يوم السبت مشؤوم، ولو فرضنا أن يوم السبت مشؤوم، خصائص يوم السبت لا تسري إلى ليلة السبت، خصائص يوم السبت لا تسري إلى ليلته، إذن هي عادات ربما يتصور أن لها أصلا شرعيا، إذن العادات عقل جمعي يقتضي أن نقف منه موقف التأمل والتناظر.

المثال الثالث: الإشاعات، مع الآسف كثير من الفئات في مجتمعنا تستقبل الإشاعات، بل ربما تسعى إلى ترويجها بحسن نية أو بسوء نية، ورد عن النبي محمد : «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه أو هدم مروءته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان ثم لا يقبله الشيطان وأتي به يوم القيامة ووضع على تل من نار حتى يخرج من ما قاله فيه» أنا ألفت إلى شيء يا إخوان، مواقعنا الإنترنتية بعض المواقع الشيعية في الإنترنت، الهدف من تأسيس هذه المواقع خدمة الطائفة الإمامية، فمن أجل تحقيق هذا الهدف وظيفة هذه المواقع أن تسعى لوحدة أبناء الطائفة وجمعهم على الكلمة الواحدة ولكننا نرى مع الآسف بعض الأقلام في بعض المواقع الإنترنتية تجرح المراجع، تجرح العلماء، تجرح المصلحين، تفتح أبوابا للتجريح وللإشاعات التي لا أساس لها، في سبيل ماذا؟ هذا النوع من الكتابات وهذه الأنواع من التعليقات تثير الفتنة بين أبناء الطائفة الإمامية، تثير الحزازات والشحناء بين أبناء الطائفة الإمامية، وهذا لا يلتقي مع الهدف الذي وضعت وأسست من أجله هذا المواقع، النقد ليس محجوبا على أحدن، من حق كل أحد أن ينتقد، لكن المطلوب هو النقد البناء الهادف المبني على أسس أدبية وعلمية، فنحن نخاطب مواقعنا بأن تكون أسمى وأعلى من الدخول في المهاترات والقضايا الشخصية وصب النقد والذم من دون أسس أدبية أو علمية، فكل ذلك من مظاهر العقل الجمعي المذموم، حتى نختم الحديث العقل الجمعي يا إخوان نوعان: عقل جمعي خاسر وعقل جمعي هادف، حتى نتخلص من العقل الجمعي الخاسر ونتحول إلى عقل جمعي هادف، هناك خطوات طرحها القرآن الكريم:

الخطوة الأولى: الانفراد الروحي، أنت الآن إذا لديك امتحان ي مادة معقدة متى تذاكر؟، أنا أقول لك بحكم تجربتي صل ركعتين ثم انفتح على المذاكرة تنفتح لك الأبواب، خصوصا إذا كانت المذاكرة بعد صلاة الفجر، الانفتاح الانفراد الروحي بمعنى أن يتوجه الإنسان منفردا إلى الله تبارك وتعالى، هذه خطوة تخلص الإنسان من غوغاء العقل الجمعي الخاسر، حتى يتخلص الإنسان من العقل الغوغائي فلينفرد الإنسان لربه، القرآن ذكر هذه الآية قال تعالى: ﴿ثم تتفكّروا ما بصاحبكم من جنّة إن هو إلا نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد، راجع ما ذكره العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه في الجزء السابع عشر صفحة 888 في تفسير آية 45 من سورة سبأ، ذكر أن الخطوة للتخلص من العقل الغوغائي هو ما دلت عليه الآية المباركة.

الخطوة الثانية: الرجوع إلى الفطرة من خلال التسلح بسلاح العلم لاحظ القرآن لماذا يذم القرآن العقل الجمعي؟ إنما يذمه لأنه ابتعاد عن الفطرة وجري وراء الظن، يقول القرآن الكريم قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ إذا رجعت إلى الفطرة وتسلحت بسلاح العلم، تخلصت من العقل الجمعي الخاسر، قال تعالى: ﴿وَإِنْتُطَع أَكْثَرَ مَنْ فِيالْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وأنت تتبع العلم، ليس كلام الخطيب كلام الله، ولا العادات والتقاليد كلام الله، ولا ما تسمع في الإعلام كلام الله، الجميع اعرضه على فطرتك، وتسلح بسلاح العلم سينكشف لك صحة الشيء من سقمه وصدقه من كذبه.

الخطوة الثالثة: تنبه لمصدر العقل الجمعي، مثلا إشاعة من هو مصدرها؟، إذا عرف رأس الخيط عرف صدق الإشاعة من كذبها، القرآن ينبه على معرفة المصادر قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْجَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نادمين.

الخطوة الرابعة: فلنؤسس عقلا جمعياً هادفاً مقابل العقل الجمعي الخاسر. كيف؟، دخل علينا شهر محرم والشيعة يبادرون إلى أن يستغلوا ويستثمروا أيام هذا الموسم العظيم، بعضهم يؤسس مأتم هذا عقل جمعي، بعضهم يؤسس موكب عزاء هذا عقل جمعي، بعضهم يؤسس صندوق خيري، كل هذه مظاهر للعقل الجمعي، المأتم عقل جمعي، موكب العزاء عقل جمعي، الصندوق الخيري عقل جمعي، صلاة الجماعة عقل جمعي، كل هذه مظاهر للعقل الجمعي، المطلوب عقل جمعي هادف، والعقل الجمعي الهادف هو الذي يعتمد على عناصر ثلاثة:

أولا: الهدفية، لماذا أقيم المأتم؟ لخدمة أشخاص أم لخدمة الإسلام؟ لخدمة ألقاب أو عناوين أم لخدمة الإسلام؟ لابد أن نحدد الهدف من العقل الجمعي ولذلك يصر القرآن على تحديد الهدف قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ.

ثانيا: القيادة، كل عقل جمعي له قيادة ولابد أن تكون قيادته نزيهة ومخلصة، إذا كانت القيادة نزيهة ومخلصة، كان العقل الجمعي هادفا، لذلك القرآن يبدأ بالقيادة أولا قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌرَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْبدأ أولا بالقائد، حتى يشير ويرشدنا إلى ضرورة اختيار القيادة النزيهة المخلصة.

ثالثا: مبدأ الأخوة، نحن يا إخوان عندما نؤسس مأتما لابد أن نؤسسه على مبدأ الأخوة، نحن عندما نريد أن نؤسس صندوقا لابد أن نؤسسه على مبدأ الأخوة، ومبدأ الأخوة يعني أن نتنازل عن القضايا الشخصية ونركز على القضايا الإلهية، لا يمكن لنا أن نؤسس مأتما ونحن نركز على قضايانا الشخصية، لا يمكن أن نؤسس موكبا عزائيا ونحن نركز على القضايا الشخصية، لا يمكن لنا أن نؤسس صندوقا خيريا ونحن نركز على القضايا الشخصية، علينا أن نتنازل عن القضايا الشخصية، فلان أهانني، فلان جرحني، فلان لا يعجبني شكله، إذن كيف يقوم العمل؟!، لابد أن نترفع وأن سمو وأن نكبر على القضايا الشخصية حتى تتحقق مشاريعنا الهادفة، وحتى يتحقق العقل الجمعي الهادف، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، ﴿َاعْتَصِمُواْبِحَبْلِ اللّهِجَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ.

والتاريخ يرشدنا إلى الفرق بين العقل الجمعي الخاسر، والعقل الجمعي الهادف، عمر بن سعد سار بجيش لقتل الحسين، هذا عقل جمعي لكن عقل جمعي خاسر، لأنه اعتمد على أهداف مادية:

أملأ ركابي فضة أو ذهبا   قتلت خير الخلق أما وأبا

ومقابل ذلك، هناك عقل جمعي هادف قاده الحسين ، ولذلك تسمع بعض أصحابه يقولون ”أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤادي البشير النذير له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منير“، هذا هو مسلم بن عقيل، سفير الحسين .