الرشد الحضاري

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا

قبل الدخول في الحديث عن منهج الوسطية نتكلم حول تحليل معنى الاية المباركة الاية لها تحليلان:

  1. تحليل لغوي.
  2. تحليل عرفاني.

التحليل اللغوي: ينبني على تفسير الشهادة بالميزان.

والتحليل العرفاني: ينبني على تعرف الشهادة بالشهود الملكوتي.

شرح التحليل اللغوي للآية: العلماء يقولون لابد ان يكون النظام التربوي نظام منسجم مع انسانية الإنسان، انسانية الإنسان قائمة على علاقة تفاعلية بين الروح والمادة، صحيح أن المادة موجود مادي يشغل حيز من الفراغ، والروح موجود غير مادي بل موجود مجرد، مع ان الروح موجود مجرد وجوداً تجري والجسم موجود وجودا مادي مع ذلك علاقة الروح بالجسم علاقة تفاعل علاقة وثيقة، وليست علاقة انفصالية فمرض الروح ينعكس على الجسد ومرض الجسد ينعكس على الروح، إذا أصاب الروح غمٌ ظهر الوجة، وإذا أصاب الجسد غم تعطل نشاط الروح علاقة الروح بالحسم والمادة علاقة اتصالية علاقة تفاعل وليس انفصالية إذا النظام التربوي: يجب أن يكون نظام قائم على المزج بين غداء الروح وغداء الجسم حتى ينسجم هذا النظام مع انسانية الإنسان.

النظام التربوي: لابد أن يكون نظام وسطي النظام الوسطي هو النظام القائم على المزج بين غداء الروح والمادة، بينما الفلسفة التبتلية التي انتهجتها بعض المذاهب المسيحية قائمة على غداء الروح فقط وفصل الروح عن المادة كمال الروح والإنسان بالانقطاع الروحي إلى الله تبارك وتعالى وان لم يقدم الانسان أية خدة للمجتمع أو للحضارة، في المقابل فلسفة مادية وهي الفلسفة الشائعة في العصر الحاضر وهي قائمة على غداء المادة يعني أن كمال الإنسان بمنجزاته المادية والاجتماعية بغض النظر عن روحه إذا، هناك فلسفتان:

  1. فلسفة تبتلية.
  2. فلسفة مادية.

كلتا الفلسفتين خاطئتان لان كلتا الفلسفتان قائمتان على الانفصالية بين الروح والمادة، الفلسفة الصحيحة المنسجمة مع إنسانية الإنسان النظام التربوي المنسجم مع انسانية الإنسان هو النظام الإسلام القائم على مزج غداء الروح بغداء المادة يعتبر غداء الروح غداء للمادة وغداء المادة غداء للروح، قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» علاقة مزج بين غداء الروح وغداء المادة، النظام التربوي الإسلامي يقول الهدف من وجود الإنسان: إقامة خلافة الله في الأرض قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وخلافة الله في الأرض يعني اعمار الروح والحضارة، أعمار الروح والمادة، أعمار الروح وأعمار الأرض، فالنظام الإسلامي هو النظام الوسطي لانه قائم على الجمع والمزج بين غداء الروح وغداء المادة.

الإمام أمير المؤمنين : كان أمامه أخوان عاصم بن زياد وحارث بن زياد وهذان الاخوان متضادان عاصم لبس المسوح واعتزل أهله والتزم المحراب، دخل عليه الامام علي قال ياعاص لقد استهام بك الخبيث «يعني الشيطان» أتظن أن الذي وهبك هذه النعم حرمك منها «يعني أن الله الذي وهبك النعم لم يحرمك منها» كمثل وهبك حب التملك وغريزة الجنس وشهوة الطعام كيف يهبك هذه الغرائز ويحرمك من اشباعها ولو بالطريق المشروع، قال العاص: سيدي ها أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مطعمك، قال أمير المؤمنين : أنت لست كأنا، إن الله فرض على أئمة العدل ان يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيغ بالفقير فقره، أما أخوة الحارث بنى قصراً كبيرا ً وجلس يستمتع بقصرة، زاره الإمام علي في قصره قال: ما تصنع في هذه الدار الواسعة، فسكت الحارث فقال أمير المؤمنين: تستطيع أن تصل بها الآخرة، تقري الضيف وتصل الرحم وتخرج الحقوق من مخارجها فإذا فعلت ذلك وصلت بها الآخرة.

إذا النظام التربوي قائم على الجمع بين إعمار الروح، وأعمار الأرض والحضارة لذللك تقول الآية المباركة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أي أمة ذات نظام تربوياً وسطي يجمع غداء الروح وغدا المادة واعطيناكم ذلك ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ أي قدوة للأمم ورمزاُ وميزان لأنها جمعت بيت كمال الروح وكمال المادة﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًاأي أن الرسول ميزان لكم كما أنتم ميزان للأمم لأنه رمز وقدوة تجمع بين كمال الروح وكمال المادة، كان رسول الله مستغرقاً مع الله تعالى، وكان يخرث الأرض ويزرعها بيديه، وكان إذا جاءت العشر الأواخر من رمضان ربط الحزام على بطنه وتبتل من أول الليل إلى آخرة وهو نفسه يقول أحب من دياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة، إذا التحليل اللغوي للآية أن الوسطية هي النظام الجامع بين غداء الروح والمادة والمراد بالشهادة أي الميزان بين الأمم.

التحليل العرفاني للآية: يبتني على أن المراد بالشهادة هو الشهود الملكوتي، فهناك عالم ملك وعالم ملكوت فعالم الملك هو عالم الصور المادية قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، عالم الملوكوت هي حقائق الأشياء وبواطنها «تبارك الذي بيده ملكوت كل شي» لهذا كل ما يعمله الإنسان له جنبتان:

  1. جنبه ملكيه.
  2. جنبه ملكوتية.

مثلا: إذا صلى الإنسان الجنبة الملكية هي القيام والركوع والسجود والجنبة الملكوتية في النعاني التي ترتسم على المصلي أثناء الصلاة هل يصلي رياءً او خشوعاً، هل هو متفاعل مع الصلاة أم ساهي في صلاته والبشر لا يرون الحقيقة الملكوتية للصلاة، فشهادة البشر العاديين شهادة ملكية والشهادة على حقيقة العمل لا يشهد بها إلا المؤمنون الحقيقيون الخلص قال تعالى: ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَحيث ذكر القرآن خصوص المؤمنين ليدل على أن المقصود الرؤية الملكوتية فالرؤية الملكية ليست مختصة بالمؤمنين بل لجميع الناس.

فشهادة الرسول على الامة في التفسير العرفاني للآية هي الشهادة الملكوتية لأنه يرى حقائق الأعمال وكذلك شهادة الأمة على الأمم شهادة ملكوتية، الأمة الأسلامية تشهد شهادة ملكوتية لكن لا لجميع أفراد الأمة بل لأن في الأمة الإسلامية رجالا ًوصلوا إلى رؤية الملكوت كما كان لإبراهيم : قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ففي الأمة رجال مثل إبراهيم وصلوا لرؤية الملكوت وهؤلاء الرجال هم الوسط قال تعالى: ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا يعني واسطة فالنبي هو القائد والأمم هي الشعوب هناك واسطة بين الشعوب والرسول هي المؤمنون الذين يروا الأعمال رؤية ملكوتيه ويشهدون بذلك عند النبي، وهذا ما ورد عن الإمام الباقر في رواية معتبرة: «نحن الأمة الوسط ونحن الشهداء على الناس ونحن حجة الله في أرضه»، وهكذا عرفنا تحليل الآية اللغوي والعرفاني.

بعد ذلك نتحدث حول ظاهرة الوسطية التي هي ظاهرة الرشد الحضاري في محاور ثلاثة:

  1. أن الوسطية رشد حضاري بل ضرورة.
  2. أن الوسطية تقود للإنفتاح لا الانعزال.
  3. أن الوسطية تأتي هرمية من رأس القيادة.

المحور الأول:

قد يقول قائل أن الوسطية لا نعرف لها معناً فالأمور إما أن تكون حق أو باطل، والجواب أن الوسطية هي الحق وما سواها فهو باطل، فلايقال بالوسطية بين الحق والباطل أو بين الصلاح والفساد وفلا وسط بينهما فنقول أن الوسطية هي الحق والإفراط والتفريط باطل.

الوسطية: هي عبارة عن منهج الإعتدال، لكن ما هو المعيار في الوسطية فكل مذهب وتيار ينسب نفسة للوسطيه حتى وإن كان لبراليا او متشددا، فما هو المعيار الصادق في الوسطية؟ كل عمل قامت الحجة الواضحة على مشروعيته فهو وسط وما سواه فهو إفراط أو تفريط سواءً كانت الحجة عقلية أو إجماع أو آية فإن قامت الحجة القاطعةعلى مشروعيته فهو وسط وماسواه في افراط او تفريط.

ما هي أمثله على الوسطية؟

  1. وسطية استهلاكية.
  2. وسطية صحية.
  3. وسطية فكرية.

الوسطية الاستهلاكية: إذا كنا مجتمعاً استهلاكياً كما هوالحال في دول الخليج فهل هناك ضوابط ومعايير لترشيد الاستهلاك عندنا؟ المنهج الإسلامي وضع ضوابط في مجال الاستهلاك قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً، وسئل الإمام الباقر ع عن النفقه فقال حسنة بين سيئتين وقال قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا فالإسراف سيئة والتقتير سيئة وما بينهما حسنة بين سيئتين.

الوسطية الصحية: القرآن الكريم يقول: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُل الْبَسْطِ إذا ً الترشيد الإستهلاكي هو عبارة عن الوسطية نأتي للوسطية الصحية والتي أهتم بها القرآن والتي تعني التكافوء في مقدار الطاقة التي تصرفها عليه أن يأخد من طعام وشراب فلا بد من التوازن وهذه هي الوسطية الصحية قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وقال تعالى: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ بمعنى أن تمشي مشية عادلة وهي التي تحرك طاقة البدن تؤدي للوسطية الصحة.

للوسطية الفكرية: وتعني أن المجتمع الإسلامي يعيش روح الاعتدال في فكره لا روح الانسياب ولا روح الانغلاق فيكون وسطاً بينهما، مثال: هذا أن في داخل المجتمع الإسلامي هناك اختلاف في ووجهات النظرفكيف يتعامل النظام الإسلامي معها، المجتمع الذي يعيش الوسطية سيتعامل مع هذا الإختلاف تعاملاً وسطياً مع الأخد بالنظر أن هناك ضرورات وهناك نظريات، فأصول الدين وصفات أهل البيت والواجبات كالصلاة، والصوم وغيرها هذه أمور ضرورية لا محل للنظر فيها، لكن هناك قضايا نظرية من الطبيعي أن يحصل فيها الإختلاف والذي ان تحول إلى خلاف فإنه يؤذي للتطرف.

أما إذا حصرنا المسألة في الإختلاف الفكري فهذه وسطية فكرية مثلاً: هناك اختلاف في مسألة التطبير هناك بعض العلماء يحرم التطبير وبعضهم يرى أن التطبير مستحب ومن الشعائر، فهل نعظم الاختلاف ونجعله قضية أساسية ويعادي بعضنا بعضا على قضية ليست من ضروريات المذهب؟؟ فيتحول الاختلاف إلى خلاف وهذا تطرف، المنهجية الوسطية هي أن يعيش المجتمع هذا الاختلاف كسائر الإختلافات الفقية ولايتحول الى خلاف حتى نقول هذا مؤمن وهذا كافر.

المثال آخر: للوسطية الفكرية هوفي التعامل مع الرموزونعني بالرموز أي رموز المجتمعات والمسارات المختلفه، فهناك من يتعامل مع الرموز كأنهم آله، وهذا غير صحيح لأنه من سوى المعصومين الأربعة عشر يجوز عليهم الخطأ فنحترمهم ولانقدسهم، أما إصالهم لدرجة العصمة هذا تطرف، وعكس هذا بعض المجتمعات التي تحتقر رموزها وتعتدي على مراعها وعلمائها وقادتها هذا المجتمع الذي يهمش رموزه هو مجتمع متتطرف، إذا الوسطية الفكري في التعامل مع الرموز بتعظيمهم وتقديرهم بمقياس رمزيتهم وإنتاجهم.

أما بالنسبة لأهل البيت فهناك جماعة تؤله الإمام علي موجودين ويسموهم علي إلهية ويقولون في بعض اعتقاداتهم «إياك نعبد» أي الإمام علي وهذا غلو لكن هناك جماعة بالمقابل يقولون أهل البيت مثل البقية لا ميزه لهم وهذا يتنافى مع القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وينافى وما تواتر عن النبي : «إني مخلفٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، فالوسطية هي ما ورد عن الباقر نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم.

إذا بالنتيجة: عرفنا أن المنهج الوسطي الفكري تنقسم للوسطية استهلاكية ووسطية صحية ووسطية فكرية، فالأمة التي تتحلى بالوسطية في تمام هذة الجهات والجوانب هي أمة لها مقام الشهادة على الأمم ولها مقام القدوة على الأمم الأخرى قال تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فالوسطية ليست رشدا ًحضاريا وفكريا فقط بل ضرور أي لا يمكن لأي أمة أن تكون قدوة للأمم الأخرى دون أن تعيش الوسطية في تمام جهاتها وحالاتها.

للمحور الثاني:

وهو أن منهج الوسطية تقابله ظاهرة التطرف وسنركز على ظاهرة التطرف وسنجيب عن ثلاثة أسئلة: ما هي مظاهر التطرف؟! ما هي مفاسد التطرف؟! ما هي مناشئ التطرف؟!

ما هي مظاهر التطرف؟ فمتى يعتبر الشخص شخصية متطرفة ومتى يعتبر الفكر مطرفاً، مظاهر التطرف بالرجوع لكتاب سيوكلوجية التطرف والارهاب للدكتور عزة ابراهيم دكتور في جامعة الكويت تحدت عن الشخصية المتطرفة من مقاييس نفسية.

المظهر الأول للتظرف: هو التصلب فالمتطرف هو الذي لا يتنازل عن رأيه حتى إذا قامت الأدلة الواضحة على خطأه، فلو أن المجتمع كله اعتتزله ورأى رأياُ آخرفهو مصر على رأيه مع عدم امتلاكه لدليل، فمثلاً: عندما يقول الشخص أنا عندي كتاب مئة في المئة فهو صحيح سنداً صحيح متناً صحيح مضموناً فهذا يعتبر تطرف وعلى سبيل المثال عندما يأتي شخص بصحيح البخاري ويقول أنه صحيح متناً وسندا ً ومضمونا ًوأن هذا الكتاب بعد القرآن الكريم فهذا تطرف، أن يقول أحدهم أن كتاب الفقيه للشيخ الصدوق صحيح مئة في المئة ويقول أنه صحيح متناً وسندا ً ومضمونا ً فهذا تطرف لماذا؟؟

لأن هذا الكتاب هو نتاج المخلوق وليس نتاج الخالق، هذا المخلوق معصوم أو غير معصوم، إذا هو نتاجي لغير المعصوم فكيف يكون معصوما فهذا غير معقول فالنتيجة تتبع أخس المقدمات فهذا الكتاب قد يكون صحيحا ً في نظر مؤلفه وباجتهاده وليس صحيح واقعاً إذ ربما يكون هذا الكتاب غير صحيح في نظر فقيه آخر، فكتاب صحيح متناً وسندا ً ومضمونا ًولا يمكن تألأيفه الا عن طريق المعصوم وثانيا ًإنه الغاء إلى حرك الاجتهاد فلو أخدت رواية من صحيح البخاري: «أن ملك الموت عندما جاء للقبض روح النبي موسى بن عمران فصفعه على وجهه ففقأ عينه فصار ملك الموت أعور» فهذا كلام لا يقبله العقل أو تأتي لكتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق يذكر روايات سهو النبي فيقول أن النبي صلى الظهر ركعتين في المدينة وذكر أنه سهى فلا نقبلها لقوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ «4» الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَإذا نحن نرى أن فكرة الصحيح هي تطرف.

المظهر الثاني للتطرف: هو الجمود الفكري فيستمعون إلا لفكر واحد وهو موجود في مجتمعنا فترى فئات لا تحظر إلا خطيبا معينا ولاحضر إلا مسجدا معينا ولا تشاهد الا قناة معينه فهذا الجمود الفكري هو مظهر للتطرف لأن المتطرف هو الذي لا يتحمل أن يسمع فكرة تختلف معه أما الشخص الوسطي هو من يستمع للأفكار ويقوم بالمقارنه والمحاكمة بينها قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ

المظهر الثالث للتطرف: وهو الانتقائية ماثلا على ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فطائفة تدعوا لاستخدام الشدة في أخرى دعوا للبرالية والتحرر وكلٌ منهما لديه انتقائية فمن يقول أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الشديد يستند لبعض النصوص كما ورد عن النبي قال تعالى: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلساه فان لم يستطع فبقلبه» أما الذي يدعوا للتحرر فيتمسك أيضا ببعض النصوص مثل قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، إذا مقتضى الموضوعية أن لا تكون انتقائية بل أن تجمع النصوص المختلفة مع التقدير انها لها ضرف معين وتقدير معين فهي ليست نصوصا مطلقه.

المظهر الرابع للتطرف: هي لهجة التكفير وهو مظهر خطير ف مجتمعنا الاسلامي فعندما يصل الانسان لمستوى كفير المسلم الآخر سواءً كان كانت لغة التكفير من الشيعة أو السنة فهي تطرف لان القرآن يرى أن الإسلام منوط بالشدتين فقد ورد عن النبي محمد : «من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله حرم مالله ودمه وعرضه»، «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده»، فالاختلافات الفرعية لا تؤدي لان يكون هذا الاسان الذي أختلف معه كافراً لمجرد ذلك.

مفاسد التطرف: ظاهرة التطرف تترتب عليها آثار وخيمة.

المفسدة الأولى: العزلة فالأمة المتطرفة تعزلها الامم والفئة المتطرفه ينفر منها سائر الناس، المتطرف شخص منعزل ينفر منه أبناء المجتمع بينما الأنفتاح والوسطية هي التي تستفيد من الحضارات الاخر والامم الأخرى قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.

المفسدة الثانية: التطرف يقود إلى الإرهاب وتسمى ثلاثية في علم النفس الحقيقة التقديس العنف فان اعتقد ان فكره هو العقيدة اللهية سيكون فكرة مقدسا لديه والتقديس يقود للعنف، إذا التطرف يقود إلى العنف والإرهاب والاعتداء على الطرف الآخرعلى كل حقوقه.

المفسدة الثالثة: أن التطرف يقود لتشتت المجتمع الاسلامي فمجتمعنا مثلا يعاني من التطرف والتشنج الذي يقود للعداوة لاختلاف في الرأي والفكر فأتتبع اخطاءك وعوراتك لانك تختلف معي في الفكرة، فترى أتباع المرجعيات يختلفون بينه لذلك واتباع العالم يعادون اتباع ذلك العالم قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ.

ما أسباب التطرف: أسباب عديدة:

السبب الأول: أن يولد في عائلة متشددة فإذا ولد في عائلة أن أفكارها مقدسة ولا يرد عليها باطل ولاشك فيرث منها التطرف.

السبب الثاني: أن يعيش اإنسان حياة قاسية أو فقر شديد فيقود ذلك للتطرف.

السبب الثالث: أن ينتمي الإنسان لجماعة أو وسط فكري متطرف وهذا الموجود في مجتمعنا مع الأسف مما يؤدي للتطرف وعداوة الآخرين.

المحور الرابع

أن الوسطية ظاهرة هرمية يعني أنها تنبع من القيادة لا من القاعدة فإن لم يكن القائد وسطيا ً فلن تكون الأمة وسطية فوسطية القيادة هي التي تزرع الوسطية في المجتمع والأمه فهي تنبعث من رأس الهرم لذلك القرأن الكريم يؤكد على وسطية القيادة قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًافأنت وسطيون قائدكم يعيش الشهادة الوسطية.

فمثلا: في المجتمع العراقي الذي يعيش أحزاب وتيارات مختلفه وتوجهات متفاوته فلو لا أن المرجعية في النجف الأشرف تعيش ظاهرة الوسطية تعيش ظاهرة الأبوة للمجتمع والاستقطاب للجميع الأحزاب فلو لا ان المرجعية كانت بهذا الرشد السياسي والإحتضان للأطراف المختلفة لرأينا العنف وصل لأبشع صوره بين الشيعة أنفسهم لكن وجود القيادة الوسطية يبث حالة من الوسطية في نفوس المجتمع فالأئمة كانو شخصيات وسطية يحتضنون اطراف المجتمع، الامام الحسن ع كان هناك اختلاف بين شيعته في ضية الصلح لكنه اتضن هذا الاختلاف بحكمته وسياسته والامام الحسين كان شخصية حوارة مع من قاتله حيث جلس لأكثر من ساعة وتحاورا في خيمة واحده...