المهدي لطف الحياة

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ

الآية المباركة وهي قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ كل المسلمين ينتظرون يوماً يتحقق فيه تأويل القرآن، إلى الآن لم يتبين لنا تأويل كل القرآن إلى الآن لم يتحقق تأويل القرآن كله، إذن فكل المسلمين ينظرون «يتوقعون»، ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ، أي يتوقعون يومٌ يظهر فيه تأويل القرآن كله وتنكشف في سائر حقائق القرآن، وما هو ذلك اليوم؟؟

سيأتي يومٌ يتبين فيه تأويل القرآن يوم، وسيذعن الجميع برسالة السماء، ﴿قُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فما هو يوم التأويل الذي ينتظره المسلمون؟؟

لم يحدد كثير من المفسرين يوم التأويل ولكن الرواية الواردة عن الصادق : قال يوم يأتي تأويله هو يوم قائم آل بيت محمد ويوم القيامة، بمعنى أن تأويل القرآن يمر بمرحلتين:

المرحلة الأولى: تأويل المضامين الدنيوية للقرآن وهذا يتحقق عن قيام الهدي.

المرحة الثانية: تأويل المضامين الأخروية للقرآن وهذا يتحقق عند يوم القيامة.

حديثنا إنطلاقاً من الآية المباركة في محاور ثلاثة:

المحور الأول: بيان حقيقة التأويل، ما معنى تأويل القرآن.

علاقة القرآن تأمر بثلاث مراحل: مرحلة الاستظهار، ومرحلة التفسير. ومرحلة التأويل.

مرحلة الاستظهار:

معناها أن القرآن بما أنه خطاب عربي، فإذا عرض على العرف العربي فإن العرف العربي يفهم من ظاهر الخطاب معنى معين، ما يفهمه العرف العربي لأنه أهل اللغة، لغة القرآن، يسمى مرحلة الاستظهار، وهذه المرحلة كل من له قدرة على معرفة الأدوات التي من خلالها يمكن اقتناص ما هو الظاهر القرآني فهو قادر على خوض هذه المرحلة.

ولذلك أُمر كل مسلم بالتدبر في القرآن ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا، ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً.

التدبر في القرآن فرع استظهار، ويتوقف على الاستظهار من الخطاب القرآني، والاستظهار يعني الرجوع في فهم الخطاب القرآني إلى أهل اللغة والعرف العربي والأدوات التي من خلالها يقتنص من يفهمه العرف العربي.

مثلاً: قوله تعالى ﴿أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، العرف العربي يفهم منها أن الربا محرم مطلقاً في كل زمن وفي كل مجتمع، لأن الآية مطلقه، فالعرف العربي يأخذ بإطلاق الخطابي ويبني عليه النتيجة.

مرحلة التفسير:

وهي أرقى من مرحلة الاستظهار، وهي تعني تحديد المراد الإلهي من الآية، ما هو مراد الله من الآية، وهي مرحلة صعبة، من الجائز أن أقول ما أفهمه من القرآن هو هذا «يسمى استظهار»، ولا أستطيع أن أقول ما يريده الله تعالى من الآية هو ما فهمته «لأنها مرحلة تفسير».

وقد ورد عن النبي : من فسر القرآن برأيه فليتبؤ مقعدة من النار. لنا لأننا أهل اللغة والعرف العربي مرحلة الاستظهار، بأن نقول ما نفهمه من ظاهر الخطاب القرآني هو هذا المعنى، لكن ليست لنا مرحلة التفسير لأن مرحة التفسير تعني تحديد المراد الإلهي الواقعي من الآية، العلماء يقولون التفسير كشف القناع عن الآية المباركة وهذا يتوقف على الرجوع للنصوص الواردة في تفسير الآية المباركة.

مثلاً: قوله تعالى ﴿بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إذا اعتمدنا على عقولنا لا نستطيع تحديد المراد الإلهي في الآية، لكن عند الرجوع للرواية الصحيحة الواضحة الواردة في تفسير الآية المباركة، الرواية تقول: «بقية الله قائم آل بيت محمد ».

مرحلة التأويل:

مرحلة التأويل أرقى من مرحلة التفسير، ما هو المقصود بالتأويل؟؟ التأويل: إرجاع الشيء إلى مبادئه، كل ظاهرة اجتماعية إذا نحللها يسمى التحليل «تأويل» لأن ترجع الظاهر إلى مبادئها وأسبابها، مثلاً: ظاهر القنوات الشيعية التي بلغت من الكثرة حداً كبيراً، عندما تفلسف هذه الظاهر، ما هي مبادئ هذه القنوات الشيعية المنتشرة؟؟ تحليل مبادئ القنوات يسمى بعملية التأويل، عندما نقول بأن هذه القنوات الشيعية تعني أن التشيع أنتشر منذ ثلاثين سنة إلى الآن على رقعة ومساحة من الأرض والعالم، بحيث أصبح التشيع رقم صعباً يفكر فيه كل السياسيين وهم في حال تفكير وقلق من هذا الانتشار في مساحة كبيرة من العالم كله.

إذن انتشار رقعة التشيع الذي يقلق السياسيين مبدأ من مبادئ كثرة هذه القنوات الشيعية المختلفة المتنوعة.

القرآن أيضا له تأويل! كيف له تأويل؟ «القرآن له مبادئ حتى نرجعه إلى مبادئه ونعتبره عملية تأويل!!؟» نعم، القرآن له مبادئ، كيف له مبادئ؟؟

القرآن مر بمرحلتين، الوجود الإجمالي والوجود التفصيلي، الآية نفسها تقول ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ، يعني القرآن مر بمرحلتين مرحلة إحكام «كان وجود محكم» ثم صار وجود مفصل ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ.

أين أحكمت آياته؟؟ وأين فصلت؟؟ القرآن مر بمرحلتين من الوجود، مرحلة الوجود الإجمالي التي عبرت عنها الآيات بأم الكتاب ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ وعبرت عنها باللوح المحفوظ ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ وعبرت عنها بالكتاب المكنون ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ أم الكتاب، الكتاب المكنون، اللوح المحفوظ، هذه كلها عبارة عن الوجود الإجمالي الذي كان للقرآن قبل نزوله إلى الوجود التفصيلي، قبل نزوله على قلب النبي .

عندما كان القرآن في أم الكتاب قبل أن ينزل مفصلاً، وكان في اللوح المحفوظ، في الكتاب المكنون، كان مجموعة مبادئ، لم يكن آيات مفصله، آية تتحدث عن الميراث أو السماء أو الآخرة أو الفلك «لا» كان مجموعة من البادئ، عندما كان القرآن في الكتاب المكنون ن في اللوح المحفوظ، كان مجموعة من القواعد والمبادئ، في ذلك الكتاب المكنون كان له وجود إجمالي وهو عبارة عن مجموعة من المبادئ والقواعد، ثم تحول القرآن إلى سور وآيات ومعاني ومضامين مفصلة، ونزل على النبي كذلك وقال ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً.

إذن، توضحت لنا عملية التأويل، ما معنى عملية التأويل؟ معنى عملة التأويل «أنا إذا عندي قدرة على تأويل القرآن ماذا أعمل»؟؟

إرجاع الآيات القرآنية إلى مبادئها الموجودة في اللوح المحفوظ، لأن مبادئها هناك وليست هناك، مبادئ القرآن الكريم في اللوح المحفوظ في الكتاب المكنون في أم الكتاب، عملية التأويل ماذا تعني؟؟ تعني أن أي آية، مشكلة، مبهمة، متشابهة، من أجل تأويلها أرجعها إلى مبادئ الكتاب، ومبادئ الكتاب في اللوح المحفوظ إذن لابد من إرجاعها إلى اللوح المحفوظ «هذه عملية التأويل».

لذلك عملية التأويل غير متيسرة وتختص بفئة معينة وهي الفئة المتطلعة على القرآن في اللوح المحفوظ وفي الكتاب المكنون وفي أم الكتاب، الفئة المتطلعة على القرآن في وجوده الإجمالي الذي كان مجموعة من المبادئ تلك الفئة المتطلعة على اللوح المحفوظ هي القادرة فقط على تأويل القرآن.

ولذلك القرآن ذكر لنا عدة عبارات، مثلاً: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا أي لم نعطي تأويله لأحد، وقال في آية أخرى ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وقال في آية أخرى ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.

إذن أوتوا العلم والراسخون في العلم والذين اصطفينا من عبادنا، من هم هؤلاء الفئة؟؟

تأتي آية توضح لنا ذلك وتقول ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ لا يمسه «يعني لا ينال ذلك الكتاب المكنون، وعلماء اللغة العربية يقولوا الضمير يعود إلى أقرب الموارد يعني لا يمس الكتاب المكنون»، المس ليس بمعنى اللمس «اللمس شيء والمس شيء» القرآن الكريم يقول ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ مسني تعني نالني وبمعنى النيل، لا ينال الكتاب المكنون إلا المطهرون، من هم المطهرون؟؟

القرآن يفسر بعضه بعضا ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، إذن الفئة القادرة على تأويل القرآن بتفسير القرآن هم أهل البيت الذين طهرهم الله طهارة عملية وطهارة علمية، والطهارة هنا مطلقه.

طهارة عملية: لا يرتكبون ذنباً ولا خطاً، وطهارة علمية: ليس في علومهم علم أرضي وكل علومهم لدنية من السماء لم تندس بالعلوم الأرضية، ولأجل هذه الطهارة العلمية والعملية ملكوا الأهلية لتأويل القرآن الكريم.

ولذلك فعلا بعض الآيات القرآنية تستغرب منها ولا يستطيع أحد أن يفسرها، إذا لم نرجع لأهل البيت العارفين بالتأويل لا يستطيع أحد أن يفسرها، مثلا قولة تعالى ﴿وْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ هل نستطيع تبين ما معناها؟؟

خذ هذا القرآن وضعه على جبل هل يتصدع؟! أبداً، فما معنى الآية؟؟ هذه تحتاج إلى تأويل يرجع فيه إلى أهل البيت.

مثلاً قوله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا كيف الأرض تنقص؟؟! هل يقول علماء الفلك بأن الأرض في حركتها تنقص!! فما المعنى؟؟

عوامل التعرية التي تحف بالأرض تنقص من قشرتها، والأرض لا تنقص، إذن ما معنى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا؟؟ لا نستطيع نحن الاهتداء إلى تأويل الآية لولا الرجوع لأهل التأويل وهم أهل بيت النبوة.

ما معنى قولة تعالى ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى كثير من الأشياء غير موجودة بالقرآن!!؟ ما هو معنى تبياناً لكل شيء؟؟

إذن هذا النوع من الآيات «بتحدي أي إنسان» لا يستطيع أن يصل إلى معناها وتأويلها إلا بالرجوع إلى الثقل الذي أودعه النبي مع القرآن فقال «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وقد أنبئني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وأخرهم المهدي المنتظر قائم لآل بيت محمد».

ولذلك ورد في الرواية عن الصادق : «سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لكل أمراً خفي» على يده يظهر تأويل القرآن، وفي رواية أخرى في تفسير قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قال: تختلف هذه الأمة في الكتاب كما اختلفت أمة موسى وذلك عندما يظهر قائمنا فيخرج لهم الكتاب بخط علي بن أبي طالب فينكروه». إذن المسألة مسألة أنهم أعرف بتأويل القرآن من غيرهم.

المحور الثاني: إرادة الله.

لا يوجد شيء في الكون إلا وهو خاضع لإرادة الله ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، لا يوجد شيء إلا بإرادته، لكن ما معنى إرادة الله؟؟

إرادة الله في القرآن تطلق على معاني ثلاثة:

المعنى الأول: إفاضة الوجود، قال تبارك وتعالى ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الإرادة هنا بمعنى إفاضة الوجود. وفي بعض الأحاديث إنما إرادته فعله.

المعنى الثاني: الإرادة بمعنى حبس الفيض، ما معنى حبس الفيض؟؟ قوله تعالى ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء من يُرد في الجملة الأولى غير من يُرد في الجملة الثانية.

الإرادة في الجملة الأولى ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ بمعنى إفاضة الوجود، إذا أراد الله أن يهديه أفاض عليه نور الهداية، والإرادة في الجملة الثانية بمعنى حبس الفيض ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ بمعنى حبس فيض الهداية عنه، ذاك أعطاه فيض الهداية وهذا حبس عنه فيض الهداية، فالإرادة هنا بمعنى حبس الفيض ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء.

المعنى الثالث: بمعنى إعداد الأسباب، ما معنى إعداد الأسباب، مثلاً قوله تعالى ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ما معنى الإرادة هنا؟؟

الإرادة هنا بمعنى إعداد الأسباب، بمعنى أن الأسباب تجتمع، أسباب الهلاك والدمار تجتمع، فإذا اجتمعت أسباب الهلاك والدمار أذن الله في حصول المسبب ألا وهو العذاب الشامل.

وهنا نسأل سؤال والذي هو لب الموضوع، نقول طول عمر الإمام المهدي «عج»، «نحن لا نتكلم عن الغيبة» نتحدث الآن عن فلسفة طول العمر سواء كان غائباً أو حاضراً.

طول عمر الإمام «عج» بأي معنى من معاني الإرادة، هل أن طول عمر الإمام المهدي جاء لعامل أرضي بشري؟؟ أو جاء لتخطيط سماوي؟؟ هل أن الإمام ولد صدفة في ذلك التاريخ وعاش يقي نفسه من الأمراض إلى أن بقي هذا العمر الطويل لأجل أسباب طبيعية محضة!! «يعني الإمام يعتمد في بقائه هذا العمر الطويل على أسباب طبيعية محضة» لا دخل للتخطيط السماوي فيها، فبقائه هذا العمر الطويل صدفة!! وإلا جائز أن يقتله أحد وينتهي مثلاً؟! أما أن القضية تخضع للإرادة الإلهية وتخطيط سماوي!! أي أن الله أراد أن يبقى هذا العمر الطويل والإرادة بالمعنى الثالث وهو إعداد الأسباب؟؟

الصحيح الثاني وهو أن الله أراد بتخطيط سماوي أن يعيش الإمام هذا العمر الطويل. وناجم عن إرادة لله بالمعنى الثالث بإعداد الأسباب لبقاء عمره الطويل.

المحور الثالث: ما هي فلسفة بقاء الإمام هذا العمر الطويل؟ هل بقاء عمره الطويل هادف أم صدفة؟؟ ما هي هدفية بقائه هذا العمر الطويل؟؟ بقاء الإمام هذا العمر الطويل يعود لثلاثة وجوه:

الوجه الأول: الشهادة الحسية، ما معنى الشهادة الحسية؟ هنالك أمرين:

الأمر الأول:

هناك فرق في علم القانون بين الشهادة العلمية والشهادة الحسية، إذا رأيت رجُلاً يتحرك حركة مريبة فتارة أراه بعيني يرتكب جريمة «هذه تسمى شهادة حسية، رأيته بعيني»، وتارة لم أراه بعيني لكن القرائن التي تحف به وهو يتحرك استنتجت من هذه القرائن نتيجة قطعية 100% أنه يرتكب جريمة، هذا الاستنتاج «يسمى شهادة علمية» وليست شهادة حسية.

قانونياً في علم القانون لا اعتراف بالشهادة العلمية «حتى ولو أنت قاطع 100%»، ما هو المعترف به هو الشهادة الحسية، لماذا؟

لأن الشهادة الحسية هي الشهادة القاطعة للعذر والاحتجاج، لو أنت شهدت عليَّ بعمل معين، أنا سوف احتج عليك وأقول هل رأيتني؟!! أنا أقول قاطع 100% أنك عملت كذا وكذا، 100% أو 1000% هل رأيتني أم لا؟؟

لا ينقطع العذر ولا تنقطع الحجة إلا بشهادة حسية، إذن الشهادة الحسية هي ذات القيمة القانونية لأنها هي القاطعة للعذر.

لذلك نرى حتى يوم القيامة الإنسان يتفلسف وهو يوم القيامة، يؤتى بالإنسان المذنب يوم القيامة يُرى كتابه ودفتره يقال هذا عملك ولا يقبل!! ﴿وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً القرآن الكريم يقول ﴿يوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا مع أن الملائكة تشهد، مع أن كتاب عمله يشهد، مع ذلك يجادل الإنسان، ما الذي يفحم الانسان يوم القيامة ويسكته؟؟ الشهادة الحسية ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، إذا قامت الشهادة الحسية من الجوارح حين آذن يصمت الانسان ويفحم ويسلم بالأمر. إذن القيمة القانونية للشهادة الحسية.

الأمر الثاني:

كل زمان وضع الله فيه شاهداً على المجتمع يشهد على أعماله ومظالمه شهادة حسية!! هذه وظيفة الإمام الحجة هو هذه الشهادة الحسية، مثلاً: عيسى بن مريم، يقول القرآن الكريم ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ لما كنت أنا فيهم كانت وظيفتي الشهادة الحسية على أعمالهم ومظالمهم ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ.

يقول القرآن في حق النبي محمدٍ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً كان الرسول في حياته يشهد شهادة حسية على الأمة وبعد وفاته يشهد شهادة علمية على الأمة.

كل زمن له إمام يشهد عليه، القرآن الكريم يقول ﴿يوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ لماذا يؤتى بإمامهم؟؟ حتى يشهد عليهم. هذا هو إمامكم الذي كان شاهد حسي يشهد على أعمالكم ومظالمكم ﴿يوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ.

إذن لكل جيل ولكل زمن حجة وإمام يشهد على أعمال العباد فيه شهادة حسية، من أجل ذلك ولد الإمام المنتظر في موعده وبقي إلى أن يأذن له الله بالظهور، بقي هذا العمر الطويل ليسجل الشهادة الحسية على جميع الجرائم والمظالم الذي ارتكبت في حق الأمة الاسلامية منذ يوم وفاة أبيه الإمام العسكري إلى يوم ظهوره، هو أحد الشهود الحسيين الذين يشهدون بهذه المظالم.

ولذلك في الروايات، الرواية الصحيحة عن الصادق في تفسير قوله تعالى ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، «يعني في ليلة القدر» قال فيها يفرق كل أمر من حق أو باطل وما يكون في السنة ولله فيه البداء والمشيئة من الأرزاق والأعمار والآجال والأعراض والأمراض» كل ذلك تلقى إلى النبي ثم إلى الأئمة حتى تنتهي إلى صاحب الزمان.

وهذا المعنى نقرأه في دعاء ليلة النصف من شعبان «اللّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا وَمَوْلُودِها... سَيْفُ الله الَّذِي لايَنْبُو وَنُورُهُ الَّذِي لا يَخْبُو وَذُو الحِلْمِالَّذِي لايَصْبُو مَدارُ الدَّهْرِ وَنَوامِيسُ العَصْرِ وَوُلاةُ الأمْرِوَالمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ مايَتَنَزَّلُ فِي لَيْلَةَ القَدْرِ».

الوجه الثاني: الشهيد السعيد المفكر الكبير الإمام السيد محمد باقر الصدر «قده» في كتيبه «بحث حول المهدي»، في هذا الكتيب تحدث عن البقاء للعمر الطويل وذكر عبارة أصبحت مثار للجدل حولها.

قال: «السر في بقاء الإمام العمر الطويل أن ضخامة الدور يقتضي ضخامة في الكفاءة، فأبقى الله الإمام هذا العمر الطويل لكي تكون معاصرته للحضارات المختلفة والدول المتباينة رصيداً نفسيا له يعده ويؤهله للقيام بدوره وهو إقامة الدولة العادلة على الأرض كلها»، هذا الكلام أصبح مثار للجدل أي أن الإمام ما يحتاج وهو منذ ولادته إمام ويمتلك الطاقات والمواهب التي تؤهله للقيام بدوره فجاهزيته للقيام بدوره لا تحتاج إلى أن يعاصر الحضارات المختلفة والدول المتباينة حتى يكتسب منها رصيد يؤهله إلى القيام بدوره، إذن ما معنى هذا الكلام؟؟

نحن نوجه كلامه «قده» بالتكامل اليقيني في المقام الروحي!! ما معنى التكامل اليقيني في المقام الروحي؟؟

هناك أمران، الأمر الأول:

في الرجوع لتاريخ الأنبياء نرى كل الأنبياء مروا بفترات امتحان وابتلاء، مثلاً: إبراهيم ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً وقال في حق الأئمة من بني إسرائيل ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا لم نعطيهم الإمامة حتى تجاوزوا الامتحان بالصبر، وقال في حق يوسف ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً، وكذلك قال في حق موسى بن عمران، الأنبياء السابقون مروا بفترات امتحان وابتلاء، وكان ذلك الامتحان عنصر ضروري لبلوغهم أعلى مقام يقيني من المقامات الروحية، حيث يترج النبي من درجة علم اليقين إلى درجة عين اليقين إلى درجة حق اليقين.

يتكامل في المقامات الروحية تكامل يقينياً إلى أن يصبح مؤهلاً لدرجة الإمامة ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً.

هل النبي محمدٌ وأهل بيته يخضعون للتكامل أيضا؟؟ بمعنى أهم يسيرون مسار تكامل في المقامات الروحية أما لا؟؟ نعم يتكاملون، على مستوى العلم وعلى مستوى المقام الروحي، كيف ذلك؟؟

أما على مستوى العلم، نرجع إلى البحار للشيخ المجلسي الجزء 26 هناك باب في أن الأئمة يزاد في علومهم، رواية قطعية تعددت طرقها ورواتها عن الصادق والكاظم والرضا «إنا لنزاد كل ليلة ولو لا أننا نزاد لنفد ما عندنا أو لأن انفدنا»، هذه الزيادة في أين؟؟ رواية الديلمي يقول «هل يزاد الإمام في الحلال والحرام، قال لا، أما الحلال والحرام فقد نزل على النبي بكماله ولا يزاد الإمام في الحلال والحرام»، أي أن التشريع مكتمل من زمن النبي لا زيادة، إنما يزاد في ما سوا ذلك «أي معلومات أخرى» غير المعلومات التشريعية.

وفي رواية ثعلبة بن ميمون قال: هل يزاد الإمام شيء لا يعلمه رسول الله، قال لا، إذا كان ذلك عرض على النبي أولاً ثم على الأئمة ثم علينا.

إذن الإمام يخضع لتكامل علمي في كل لحظة وفي كل آن، مع أنه في كل لحظة هو أكمل الناس، ولا تمر لحظة على الإمام هناك من هو أعلم منه، هو في كل لحظة أعلم الناس وأكمل الناس، ولو لم يكن أكمل لما جاز كونه إماماً لقبح تقديم المفضول على الفاضل.

إذن مع أنه في كل لحظة أعلم الناس وأكملهم مع ذلك هو في كل لحظة يزداد في معلوماته في غير علم التشريع.

على مستوى المقامات الروحية، أيضا الأئمة والنبي يخضعون لتكامل في المقامات الروحية، قوله تعالى ﴿وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وقال في آية أخرى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ما هو معنى تثبيت الفؤاد؟؟

ليس معناه أن النبي ينتقل من الشك إلى اليقين أو من القلق إلى الإطمئنان، أو كانت المعلومة مشوشة ثم تصبح واضحة.

معنى تثبيت الفؤاد هو التكامل في المقام الروحي، ينتقل من مقام روحي إلى مقام روحي آخر في كل لحظة وفي كل آن، وكذلك بالنسبة لأهل البيت .

مثلاً الإمام علي يبقى في داره 25 سنة، هذا امتحان وابتلاء، هذا الابتلاء بدون هدف؟؟ طبعاً بهدف، هذا الابتلاء تكامل في مقامه الروحي.

الإمام الحسن يتعرض لهذه الهجمة الشرسة يعني بدون هدف؟؟ طبعاً بهدف. ابتلاء هذا الابتلاء تكامل في مقامه الروحي.

الحسين يتعرض لهذه المجزرة البشعة بدون هدف؟!! طبعاً بهدف، ابتلاء يعطيه تكاملاً في المقام الروحي.

الأمر الثاني:

هذا التكامل في المقام الروحي للأئمة الطاهرين ليس دخيلاً في إمامتهم، هم أئمة منذ ولادتهم كما ورد في روايات عالم الأنوار «خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين» من كان نوراً قبل خلق الوجود كيف تكون إمامته محتاجة إلى التكامل في المقام الروحي؟

إذن التكامل في المقام الروحي ليس دخيل في إمامتهم، وليس دخيل في جاهزيتهم وصلاحيتهم للقيام بأدوارهم كدور المهدي «عج». إذن لماذا هذا التكامل في المقام الروحي؟

هذا من أجل أن يعوض بمقامات ملكوتيه معينة، مثلاً: في البحار الجزء 44 باب 29 باب عما عوض به الحسين بن علي نرا روايات متعددة «إن الله عوض الحسين عن قتله ”بماذا عوضه؟ بثواب في الآخرة لا، ثوابه في الآخرة معلوم، ومسلم“ بأن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره».

الحسين مأموم للإمام الحسن، كثر من علمائنا يقول الحسن أفضل من الحسين، لأن الحسين كان مأموم للحسن، مع ذلك الله جعل الإمامة في ذرية الحسين، لماذا؟

الرواية تشرح لنا، الحسين مر بامتحان عسير لم يمر بها إمام أخر، لأن الحسين مر بهذا الامتحان العسير وهو تعرضه لهذه المجزرة العظيمة، هذا الامتحان الذي تعرض له كان تكاملاً في مقامه الروحي، وذلك التكامل عوض عنه بأن جعلت الإمامة في ذريته والشفاء في تربته والإجابة تحت قبته.

إذن فمن المحتمل أن مقصود السيد الشهيد الصدر «قده» أن الإمام المنتظر في طول العمر الذي أعطي إياه، هذا طول العمر 1200 سنة مثلاً، هذا العمر الطويل أعطي إياه امتحاناً له وابتلاء له، وهفي هذا الابتلاء والامتحان يتحمل المنتظر آلام لا يتحملها أحد.

ألم الجرائم التي ترتكب في حق الأمة الإسلامية، يشاهدها بعينه يومياً وغصصها يتحملها يوماً بعد يوم.

ألم أخر ألم الغيبة، الغيبة تعني عدم القدرة على نشر العلوم والمعارف كما يريد الإمام ، / وإذا تريد تعذب عالم تمنعه عن الكلام، العالم ألمه في أن لا يقدر على نشر علمه، ونشر معارف، لذلك كان ألم أمير المؤمنين 25 سنة في داره هذا أكبر ألم له أن يمنع عن نشر معالمه ومعارفه.

إذن الإمام المنتظر يتحمل آلام ثلاثة:

  1. ألم الغيبة، بعدم القدرة على نشر العلم والمعرفة كما يريده الإمام.
  2. ألم الجرائم التي ترتكب في حق الأمة الإسلامية.
  3. أم المعاصي التي يرتكبها بعض شيعته فيراهم بعينه فيتألم لأجلهم.

هذه الآلام الثلاثة امتحان للإمام، يعيش عمر طويل، يتحمل فيه هذه الآلام الثلاثة لماذا؟ هذه الآلام لن تذهب سدا، هذا الامتحان لن يذهب سدا.

إذن بقاء الإمام هذا العمر الطويل متحمل لهذه الآلام الشديدة له هدف، والهدف أن يتكامل في المقام الروحي والغرض من هذا التكامل الروحي، أن يعوضه الله تبارك وتعالى، ويجازيه على صبره وعلى ألمه وتحمله بأن يجعل الدولة الخاتمة على يده، وأن تكون بهجة الدين والمؤمنين تحت لوائه عجل الله تعالى فرجه الشريف.

إذن البقاء هذا العمر الطويل ليس دخيلاً في الإمامة، وليس دخيلاً في اللياقة والجاهزية للدور، هو دخيل في العوض، أي أنه امتحانا عوض عليه وجوزي عليه بهذا الدور العظيم وبهذه الدولة الخاتمة، بأن تكون بهجة الدين وفرحة لمؤمنين على يده.

الوجه الثالث: حفظ الشريعة، إن الله تبارك وتعالى يقول ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الغرض من نزول الشريعة والهدف من نزولها انتشار العدالة والقسط، وانتشار العدالة والقسط يتوقف على حفظ الشريعة.

فكما أن حكمة الله شاءت أن ينصب لنا أنبياء وأئمة، فقد شاءت حكمته أن يحفظ الشريعة بهؤلاء الأنبياء والأئمة فوظيفة كل إمام حفظ الشريعة في زمانه، والحفظ له ثلاث درجات:

  1. حفظ تشريعي، عبر عنه الله تبارك وتعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ حفظ القرآن عن التحريف بيد الإمام المنتظر «عج».
  2. حفظ تعليمي، ما يقوم به الفقهاء في الحوزات العلمية، هو حفظ للشريعة حفظ تعليمي، ترويج الشريعة، تروجي علومها هو حفظ تعليمي للشريعة، وهذه الدرجة تحت نظر الإمام أيضاً.
  3. حفظ عملي، كل مجتمع فيه فئة مؤمنة فلا تخلو الأرض، كل مجتمع فيه فئة متدينة تحفظ الشريعة حفظ عملي، القرآن الكريم يقول ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ من هؤلاء المؤمنين الذين الله اشتراهم؟؟ ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ هؤلاء هم المسئولين عن الحفظ العملي، حفظ الشريعة حفظ عملياً.

إذن هناك حفظ تشريعي يقوم به الإمام بحفظ القرآن في زمن الغيبة عن أي تحريف وهناك حفظ تعليمي يقوم به الفقهاء في الحوزات العلمية استناداً لمدد الإمام وبركة الإمام «عج»، وهناك حفظ عمل يقوم به المؤمنون في كل مجتمع وبلدة وهؤلاء المؤمنون يحفظون حدود الله مسددين ومؤيدين من قبل المهدي «عج» ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ الروح التي يؤيد الله بها المؤمنين هي روح المهدي المنتظر «عج».

إذن هو يقوم في عصر الغيبة بحفظ التشريع وحفظ التعليم وحفظ التطبيق والعمل.

وهذا الحفظ للدين هو هدف آبائه وأجداده، هو مسئولية آبائه وأجداده، ما قام أمير المؤمنين إلا لأجل حفظ الدين وما قام الحسين بن علي إلا لأجل حفظ الدين وقال: ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.

وأعطاه الله فتيه قام عليهم حفظ الدين منهم القاسم بن الحسن عمره 11 سنة لكنه كان يفيض شجاعة وبسالة حفظ لمبادئه ودينه.....

والحمد لله رب العالمين