معالم الشخصية المؤمنة

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة:

  • المحور الأول: في بيان حقيقة النفس والشخصية.
  • المحور الثاني: بيان سر الشخصية.
  • المحور الثالث: معالم الشخصية المؤمنة.

المحور الأول: هناك مفردتان تمران على أذهاننا وهما:

1 - النفس.

2 - الشخصية.

ما هي حقيقة النفس؟! وما هي حقيقة الشخصية؟!

النفس: ليست معطى حسي حتى يمكن الوصل إليه عبر الأدوات التجريبية أو عبر المقاييس الحسية، إذن كيف يمكن الوصول إلى النفس؟! وكيف يمكن اكتشافها إذا لم يمكن الوصول إليها عبر المقاييس والأدوات التجريبية هناك طريق يذكره الفلاسفة للوصل إلى النفس واكتشافها يقولون: غير المغفول عنه غير المغفول عنه ما معنى هذه الكلمة؟!

معناها أن للإنسان عنصريين:

  • العنصر الأول: عنصر يمكنه أن يغفل عنه.
  • العنصر الثاني: عنصر لا يمكنه أن يغفله عنه.

وذلك العنصر الذي لا يمكنه أن يغفل عنه هو قوامه وهو كيانه، كيف؟!

هذا الإنسان منذ أن ولد، ولد مادي متشبث بالمادة متعلق بالمادة ولذلك يذكر القرآن الكريم عن هذا الإنسان: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ويقول: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ويقول: ﴿المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدُّنيا الإنسان متعلق بالمادة لأنه ولد وهو مادي ولد وهو جسم لكن مع ذلك هل يمكنه أن يتحرر من هذه المادة؟! هل يمكن أن يمر على الإنسان لحظة يغفل عن هذه المادة كلها ويتحرر من جميع علائقها أم لا؟!

يمكن، ما هو ذلك الوقت؟! ما هي تلك اللحظة التي يمكن فيها الإنسان أن يتحرر من كل علائق المادة ويغفل عنها؟! تلك اللحظة هي لحظة الخوف الإنسان إذا أصابه خوف ذريع إذا تعرض إلى خطر عظيم إذا تعرض إلى خطر وخيم عليه الخوف ستجده لا يفكر في أولاد ولا في أموال ولا في المادة ولا حتى يفكر في جسمه يفكر في شيء واحد إلا وهو نفسه فهذا الإنسان المكون من عنصرين مادة وهو هذا الجسم وعنصر أخر يسميه أنا نحن ترى هذا الإنسان إذا مر بالخوف الذريع وخيم عليه الخطر يتنازل عن كل شيء ويتخلص من كل شيء ويبقى يتشبث بعنصر واحد وهو كلمة «أنا» يحمي نفسه ويتقي عليها ويدرى عنها هذه معناه أن الإنسان غفل عن عنصر وبقي متشبث بعنصر غفل عن العنصر المادي وهو جسده ثروته أمواله أولادة وتشبث بالعنصر الأخر وهو الذي يسميه «أنا» نفسي نحن.

إذن هناك عنصر يغفل عنه وهناك عنصر لا يغفل عنه فما يغفل عنه وهو المادة ليس هو كيان الإنسان وليس هو قوام الإنسان وإلا لما أستطاع الإنسان أن يغفل عنه وذلك العنصر الذي يضل الإنسان متشبث به حامي عنه محيط به هو قوامه هو كيانه هو الذي نسميه «بأنا» إذن حقيقة النفس غرفناها حقيقة النفس هي ذالك العنصر الذي لا يغفل عنه الإنسان لحظة من لحظات حياته ويضل يدور حوله اكتشفنا الطريق للوصول إلى النفس وإلى ميل النفس الطريق لاكتشاف النفس هو أن يغفل الإنسان عما سواها دونها وهذا معنى أن العنصر المغفول عنه غير العنصر الذي ليس مغفول عنه هذه هي حقيقة النفس.

نأتي إلى حقيقة الشخصية لكل إنسان شخصية لطفل شخصية للمريض شخصية لكل إنسان شخصية والقرآن الكريم عبر عن هذه الشخصية بقوله: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً يعني شخصيته لكل إنسان شاكلة لكل إنسان شخصية، فما معنى الشخصية التي هي كيان الإنسان؟!

هنا نأتي إلا علم النفس يعرف لنا الشخصية، الشخصية: هي الهيكلية التي تنبعث منها النظم النفسية شوف إنسان دائماً يسلك الحلول الهادئة هذا إنسان ما يدخل في أزمات دائما يبحث عن الأوضاع الهادئة، شوف إنسان بالعكس دائماً يزج نفسه في الأزمات شوف إنسان دائماً يبحث عن الحلول الهادئة شوف إنسان دائماً يبحث عن الحلول الحماسية هذا الإنسان له هيكليه له هيكلية تبعثه على أن يسلك الطرق الهادئة هذه الهيكلية هي شخصيته شخصية الحلم شخصية الهدوء هذا الإنسان الأخر «لا» هيكليته تبعثه على الحماس تبعثه على القفز تبعثه على أن يزج بنفسه في الأزمات، إذن هيكليته هي الحماس المسيطر على كيانه الهيكليه التي تنبعث منها نظم الإنسان ظواهر الإنسان تصرفات الإنسان تلك الهيكلية نسميها «بالشخصية» شخصية الإنسان وتلك الهيكليه نسميها «بالشاكلة» ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ.

المحور الثاني: ما هو سر الشاكلة؟! أو ما هو سر الشخصية؟! كيف نعرف سر الشخصية؟!

سر الشخصية بسر الاختيار، كيف شر الشخصية بسر الاختيار؟! اضر ب لك مثال: تارة الإنسان تعرض عليه وظيفتان أحدى الوظيفتين أكثر راتب من الأخر واضح يختار الأكثر راتب أحدى الوظيفتين أكثر أبداع وعطاء من الأخرى يختار الوظيفة الأكثر أبداع وتارة الإنسان تعرض عليه وظيفتان متساويتان في الراتب متساويتان في الجهد متساويتان في الانجاز ومع ذلك هو يختار أحدهما لماذا أختار؟! سر الاختيار هنا محير لعلماء النفس، لماذا أختار أحدى الوظيفتين دون الأخرى والحال إنهما متساويتان أو متقاربتان ما هو سر الاختيار؟! لماذا أختار أحدى الوظيفتين؟! لماذا أختار أحدى الزوجتين؟! لماذا أختار أحد الثوبين وهما متساويين في الصفات الجذابة؟! سر الاختيار يكشف عن سر الشخصية سر شخصيته في سر اختياره لذلك هذا اللغز، ما هو سر الاختيار لكي يرتكز عليه معرفة سر الشخصيه؟!

هنا اتجاهات ثلاثة في علم النفس البشري الوضعي:

الاتجاه الأول: اتجاه الإرادة: ما معنى الإرادة؟! يعني أن الإنسان يختار اعتباط الاعتباطية هي التي تقوده لئن يختار أحد الأمرين لأنه لا يوجد مرجح كلاهما متساويان فاختياره لأحدهما اعتبار محض يعني أعمل إرادته فاختار مثلاً: ترى إنسان عطشان جداً وعرض عليه كأسان لا يرجح يقول أنا أريد أن أشرب أتي ليّ بكأس واحد اعتباط يختار أحدهما لأجل رفع عطشه أو تأتي إلى إنسان أرتكب جريمة وهرب أي يذهب! رأى أمامه طريقان أما هذا وإما هذا في هذا الوقت يختار أحدهما اعتباط هذه الاعتباطية بمعنى إعمال الإرادة وتفعيل الاختيار لا على أساس عامل داخلي هذه الاعتباطية تكشف عن سر شخصية الإنسان أن الإنسان ليس دائماً يمشى وراء عوامل ليس دائماً يمشي وراء أهداف ليس دائماً يسير وراء منهج بل هذا الإنسان تحكمه الاعتباطية والإرادية في كثير من أحايينه وظروفه.

الاتجاه الثاني: اتجاه الغريزة: فرويد يقول «لا» المسألة مسألة غريزية، كيف؟! لا يمكن أن يختار هذا الإنسان طرف إلا بعامل غريزي العامل الغريزي هو الذي دفعه ليس هناك اعتباط أبداُ هناك سبب غريزي وإن لم نصل إلى كنه ذلك السبب وأن لم نحدد ما هيه ذلك السبب هناك منشأ غريزي سبب غريزي يقود هذا الإنسان إلى أن يختار أحد الكأسين وهو عطشان يختار أحد الطريقين وهو هارب يختار أحدى الوظيفتين وهما متساويتان هناك منشأ غريزي وسر غريزي، يعني مثلاُ: هذا الإنسان عرض عليه وظيفتان متساويتان في الراتب في العطاء في الانجاز لكن هو إنسان كسول يختار ما هو أقرب لنفسه ما هو أكثر انسجام لميوله العامل الغريزي هو الذي يلعب دوره في الاختيار أو ترى لا هذا إنسان مقدام يختار ما هو الأنسب لميوله هذه الميول الإقداميه الحماسيه الميل الغريزي هو الباعث نحو الاختيار فإذا استطعننا أن نحدد هذا الميل الغريزي ما هو استطعنا أن نحدد سر شخصية الإنسان.

الاتجاه الثالث: يقول المسألة مسألة حافز المحرك للإنسان نحو الاختيار هو الحافز الباعث للإنسان نحو ترجيح أحد العملين على الأخر هو الحافز ليس العامل الغريزي وليس الاعتباطية، ما هو الحافز؟! الحافز الثقافة المكتسبة هي التي تحفز الإنسان ما يكتسبه الإنسان من ثقافة أسريه من ثقافة بيئية من ثقافة شللية ما يكتسبه الإنسان من ثقافة يشكل حافز هذا الحافز يجعله سبب ومنشى لاختيار أحد العمليين أو أحدى الوظيفتين، مثلاُ: هذا الإنسان الشيعي الإمامي مسألة البكاء على شخص قتل قبل ألف وثلاثمائة سنة بالنسبة لإنسان من مذهب أخر لا تعني شيء إنسان ليس من المذهب الإمامي لا تعني له القضية شيء يقول لك أنا في شنو أضيق جهدي ووقتي من أجل إنسان قتل قبل ألف وثلاثمائة سنة لا أجد داعي لهذا العمل بينما هذا الإنسان الإمامي الثقافة البيئية أو الأسرية أنغر ست في نفسه وشكلت حافز نحو هذا العمل الذي هو في نظر الأخر عمل قبيح مثلاً أو عمل عبث الثقافة البيئية شكلت لذا الإمامي حافز على أن يبكي على أن ينحب ”يا فضيل أتجلسون وتتحدثون قلت: بلى سيدي قال: أني أحب تلك المجالس، فأحيوا فيها أمرنا من جلس مجلسنا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“ فكذلك هذا الإنسان إذا عرض عليه عملان وظيفتان سوف يختار ماله حافز عنده يعني ما كان منسجم معه ثقافته، ثقافته الأسرية البيئية الاجتماعية، هذه اتجاهات ثلاثة تحاول إلى أن تصل تحليل سر الشخصية لذا الإنسان.

المحور الثالث: معالم الشخصية المؤمنة: أذكر لك هنا أمور ثلاثة ترتبط بهذا المحور:

الأمر الأول: عرفنا معنى الشاكلة، الشاكلة: هي الشخصية التي ينطلق منها الإنسان، المنظور الإسلامي يرى أن الإنسان مر بعدة شخصيات وليس له شخصية واحدة وليس له شاكلة واحدة له عدة شخصيات له عدة شواكل.

الشخصية الأولى: الشخصية العلمية: ما معنى الشخصية العلمية؟!

الإنسان قبل أن يهبط إلى عالم المادة كان روح وتلك الروح لم يكن لها تفكير ولم يكن لها مشاعر كانت تملك شيء واحد فقط وهو العلم الروح قبل عالم المادة تمتلك خاصية واحدة وهي خاصية الاكتشاف والعلم الله عز وجل عندما خلق الأرواح أفاض عليها أنوار ملكوتيه فاكتشفت ملكوته وتعلمت ملكوته وبقي هذا العلم فطرة لذا الإنسان﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ما هي هذه الشهادة شهادة لفظية «لا» معنى هذه الشهادة أن الله كشف لهذه الأرواح ملكوته فتعطرت وتشرفت بذلك العلم الشهودي وبقي هذا العلم الشهودي رصيد في فطرة كل إنسان﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ إذن هذه أول شاكلة أول شخصية مر بها الإنسان هي الشخصية العلمية.

الشخصية الثانية: الشخصية المادية: كيف؟! أول ما أرتبط الإنسان أرتبط بالنطفة هذا الحيوان المنوي المجهري أول ارتباط للإنسان بهذا الحيوان المنوي تلك الشخصية العلمية اختصرت صارت ضمن هذه النطفة الصغيرة ضمن هذا الحيوان المنوي المجهر﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ علقة بجدار الرحم وبدأت تتحول إلى نشئ إنساني هذا أول ارتباط للإنسان بعالم المادة أول منزل من منازله يصير حيوان منوي ضئيل هذا الارتباط أعطى للإنسان عاملين جديدين:

1 - العقل.

2 - المشاعر.

1 - القوة الأولى: العقل: قبل أن ينزل إلى عالم المادة لم يكن بحاجة إلى تفكير لأنه الملكوت مشاهد أمامه لا يحتاج إلى تفكير بعد أن نزل إلى عالم المادة، عالم المادة عالم ضيق عالم نقص وليس عالم سعة وليس عالم إحاطة لأنه عالم المادة عالم الضيق عالم النقص ولد عالم المادة للإنسان قوة تسمى «قوة التفكير» يستطيع أن يتجاوز بها هذا العالم الذي هو محيط به ليوصل إلى المعلومات والقضايا الكلية﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا الهمها وقت تسويتها المقصود بالتسوية هنا تسوية مادية لأنه الله تبارك وتعالى يقول: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فيما تسويتها أعطاها قوة العقل ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا «9» وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا.

القوة الثانية: المشاعر: كيف أتت لهذا الإنسان المشاعر؟! أتت نتيجة الاحتكاك بالمادة، نتيجة الاحتكاك بعالم المادة صار جائع عطشان فرح حزين غضوب حليم كل هذه المشاعر تولدت نتيجة الاحتكاك بعالم المادة﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً «19» إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً «20» وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً وقال تعالى: ﴿خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ قال في آية ثالثة: ﴿وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً هذه المشاعر والانفعالات حصلت حينما أرتبط بالمادة، إذن أصبح لدينا شاكلة جديدة، الشاكلة الجديدة والشخصية الجديدة شخصية مؤلفة من عقل ومشاعر.

القوة الثالثة: الشخصية الوراثية: طيب هذه صحيح أرتبط بحيوان منوي لكن تدري هذا الحيوان المنوي المجهري ما هو معناه؟! هذا يحمل في طياته خارطة العائلة كلها هذا الحيوان المنوي المجهري يحمل خارطة الجينوب البشري بصمات الآباء والأجداد كلها تنعكس في هذا الحيوان المجهري الصغير إذن عندما أرتبط به ارتباط بالآلاف من الآباء بالآلاف من الأمهات أختصر هذه القبائل كلها في هذا الحيوان المجهري الصغير وتشكلت بذلك الشخصية الوراثية جاءت سمات الآباء وسمات الأجداد لتفعل فعلها وتؤثر أثرها والقرآن يشير إلى السمة الشخصية يشير إلى البصمة الشخصية الوراثية المشئومة المؤمنة، المشئومة يقول ﴿رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا «26» إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا فاجر يولد فاجر ويشير إلى الشخصية الوراثية مؤمنة عندما يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ «33» ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بعضها من بعض يعني السمات الوراثية تفعل فعلها وأثرها ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، إذن هناك شاكلة جديدة وهي الشاكلة الوراثية، هل هذه الشاكلة الوراثية هي التي تسطير على مصير الإنسان وشخصية الإنسان؟!.

نأتي إلى الأمر الثاني: هنا يفترق المنهج الإسلامي عن المنهج الوضعي، المنهج الوضعي يقول: هذه الشخصية وهذه الشاكلة ترجع إلى عامل اعتباطي ترجع إلى عامل غريزي ترجع إلى عامل حافز يأتي الإسلام ويقول «لا» هذه فقط عوامل ثانوية لا أكثر الغريزية والحافز والإرادة ما هي إلا عوامل ثانوية وليست عوامل اساسية هذه العوامل تولد الاستعداد ولا تولد الشخصية الفعلية بمعنى من أنحدر من عائلة كريمة يتولد عنده الاستعداد للكرم لك يمكن أن يصبح بخيل من يتحول من عائلة غضوبة يتولد لديه الاستعداد للغضب لكن يمكن أن يصبح حليم من ينحدر من عائلة مثلاً معطاء بادله يمكن أن يتحول إلى إنسان بخيل، إذن الغريزة العامل الوراثي الحافز كل تلك العوامل أثرها هو مجرد غرس الاستعداد وليس بناء الشخصية الفعلية وليس بناء الشاكلة الفعلية إن لم تكن حليم فتحلم﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ هذا الاستعداد يمكن أن يتحرر منه الإنسان استعداد البخل فيصبح كريم استعداد الغضب فيصبح حليم.

إذن ما هو العامل المؤثر بالمنظور الإسلامي في بناء الشاكلة في بناء الشخصية التي على أساسها يتميز الإنسان؟! المحور الأساس الإحساس بالمسؤولية العقل، كيف يعني الإحساس بالمسؤولية؟! شخصيتك بقدر حسك شخصيتك بقدر التفاتك لنفسك نحن ذكرنا أول المحاضرة يمكن أن يغفل الإنسان عن كل شيء إلا نفسه بقدر التفاتك لنفسك تصاغ شخصيتك بقدر اهتمامك بنفسك تبتني شخصيتك محور شخصيتك إحساسك بذاتك إحساسك بنفسك إحساسك بالمسؤولية عن هذا الكيان وعن هذا القوام ولذلك ركز الإسلام على هذا الإحساس على محورية العقل في الاهتمام بالنفس وتربية الإحساس بالمسؤولية﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى «39» وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى وقال تعالى: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ أنت، احساسك بالمسؤولية.

من هنا نأتي إلى الأمر الأخير من حديثنا: معالم الشخصية المؤمنة الشخصية الفاعلة الشاكلة المؤمنة:

المعلم الأول: الثبات:

﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ما هو القول الثابت؟! العقيدة الراسخة، العقيدة الراسخة تشكل رصيد في بناء شخصية الإنسان وسلوك الإنسان القول الثابت هو العقيدة الراسخة ورد عن الإمام الصادق : ”القول الثابت ولاية أمير المؤمنين“ القرآن الكريم يتحدث عن أثر القول الثابت في بنا شخصية الإنسان﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قادهم التفكير إلى أن يكونوا﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْويقول القرآن الكريم: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا «يعني النبي » بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ لأنهم أموا به عزروه ونصروه الإمام يقود إلى التعزير، التعزير هو التعظيم يريد القرآن أن يقول لا إيمان بدون تعظيم الإيمان بالنبي يعني الاهتمام بعظمة النبي والاهتمام بعظمة النبي يعني الاهتمام بذكرى ميلاده بذكرى وفاته بذكريات أبنائه وذريه هذا هو التعزير ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُهذا المعلم الأول.

المعلم الثاني: انشراح الصدر:

لا يمكن لك أن تبقى دائماً في ظلمة لا يمكن لك أن تبقى دائماً في جب في سجن تحرر من الجب تحرر من السجن تجاوز هذه الظلمة أن تحتاج إلى نافدة من الأمل تفتحها على قلبك أنت تحتاج إلى بريق من النور يضيء قلبك ويضيء روحك هذا البريق من النور لا يأتي هكذا أنت تحتاج أن تسعى إليه إذا سعيت للنور أنار الله قلبك﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء وقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ انشراح الصدر هو الأوبة من الذنوب إذا أذنب آبه إلى ربه ”إنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ“ الندم اللين هو انشراح الصدر هو الذي يفتح باب من النور على قلبك وعلى روحك هذا معلم أساس في الشخصية المؤمنة إلا وهو الانفتاح على النور: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا.

المعلم الثالث: الحكمة:

المؤمن حكيم، الحكمة أن تضع الشيء في موضعه ﴿وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الحكمة يعني أن تدرس العواقب لا تقدم على عمل بدون دراسة لنتائجه لا تقفز على عمل بدون دراسته لنهايته ووأهدافه قراءة العمل ودراسة نتائجه هي الحكمة التي لابد أن يتحلى بها المؤمن ولذلك يقولون: ”الحكمة ضالة المؤمن“ يعني المؤمن ضالته أن يكون متزن أن يضع قدمه في موضع الذي يليق بها ولذلك ورد عن الإمام زين العابدين حتى في الأصدقاء يقال لك لابد أن تختار صديق حكيم: ”خمسة لا ترافقهم من هم؟! الفاسق فه بايعك بأكله أو بأقل منها والكذاب فأنه كسراب يقرب لك البعيد ويبعد عنك القريب والبخيل فأنه يمنعك من أحوج ما تكون إليه والأحمق فأنه يريد أن ينفعك فيضرك وقاطع الرحم فأني وجدته ملعون في كتاب الله“.

المعلم الرابع: التقوى:

﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى التقوى يعني الوقاية، وقاية النفس وقاية النفس إنما ترتكز على الخوف من الله ”من لم يخف ربه لم يستطع أن يقي نفسه“ ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ التقوى هي الوقاية والوقاية منطلقها الخوف من الله﴿فَأَمَّا مَن طَغَى «37» وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا «38» فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى «39» وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى «40» فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ورد عن الإمام علي : ”إنما هي نفسي أروضها بالتقوى“.

المعلم الخامس: اليقين:

الإنسان إذا ملك عقيدة وانشراح صدر وحكمة وتقوى وصل إلى درجة اليقين﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ اليقين يعني ماذا؟! يعني شعور الإنسان بمدد الله وعنايته المؤمن يشعر دائماً بأنه محفوف بعناية الله محفوف بتسديد من الله محفوف برعاية من الله عز وجل﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ هذه الروح هي اليقين هؤلاء هم الذين سيطر اليقين على قلوبهم طبعاً هناك علم يقين وعين يقين وحق يقين نحن ليس في صدد شرحها اليقين هو المعلم الخامس الذي يصل إليه الإنسان في صياغة شاكلته وفي صياغة شخصيته.

المعلم السادس: الاطمئنان:

هو ما يعبر عنه القرآن الكريم بالحياة الطيبه﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً الحياة الطيبة يعني ماذا؟! يعني حياة الهدوء هناك شخص قلق هناك شخص مطمئن الشخص المطمئن وأن كان فقير حياته أطيب من الثري حياته أطيب من القلق وأن كان ثري الشخص المطمئن وأن كان محكوم حياته أطيب من الشخص القلق وأن كان حاكم الحياة الطيبة حياة الاطمئنان التي يعبر عنها القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.

الشخصية المطمئنة هي التي لا تهزها النوائب ولا تزلزلها الاعاصير ولا تلين ولا تتغير هي دائماً في حالة رضا في حالة سكون في حالة هدوء﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ الشخصية المطمئنة شخصية وادعة ساكنة راضية﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ «27» ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً «28» فَادْخُلِي فِي عِبَادِي «29» وَادْخُلِي جَنَّتِي وورد عن الإمام الصادق : ”النفس المطمئنة جدي الحسين“ الحسين مطمئن شخصية مطمئنة لم تتزلزل ولم تتوانى ولم تضعفها النوائب ولا المصائب شخصية مطمئنة ثابتة.

وصلى الله على محمد وآل محمد