الليبرالية والمعرفة

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث حول علاقة الإنسان بالدين من خلال محاور ثلاثة:

المحور الأول: في تعامل اللبرالية المعرفية مع اعتناق الدين، اللبرالية لها أقسام ثلاثة:

  1. لبرالية سياسية.
  2. لبرالية اقتصادية.
  3. لبرالية معرفية.

اللبرالية السياسية: هي عبارة عن سيادة القانون أي أنه لا توجد سلطة لأحد على أحد ولا ولاية على أحد وإنما السلطة والسيادة هي للقانون وليست للأفراد والفئة الحاكمة هي جهة مسئولة عن تنفيذ القانون وتطبيقه من دون أن تكون لها الولاية أو السلطنة على أحد.

البرالية الاقتصادية: هي عبارة عن تحرير رأس المال عن الموانع الاستثمار فمن أمتلك رأس مال فقد أمتلك الحرية في استثماره وتنميته فإزالة الموانع والعوائق أمام حرية الاستثمار وعدم هيمنة الطبقة الإقطاعية على السوق المالية هي عبارة عن اللبرالية الاقتصادية.

اللبرالية المعرفية: نحن ليس حديثنا عن اللبرالية السياسية أو الاقتصادية، إنما حديثنا في القسم الثالث وهو اللبرالية المعرفية، اللبرالية المعرفية ترتكز على ركيزة فكرية معينة وهي مبدأ المعارف البعديه، ما هو المقصود بهذا المبدأ؟! هل المعرفة العلمية معرفة قبلية أو معرفة بعدية، هل المعرفة العلمية هي المعرفة السابقة على ميدان التجربة أو اللاحقة لميدان التجربة؟!

البرالية المعرفية ترى أن المعرفة العلمية ذات القيمة هي المعرفة البعديه بمعنى بعد أن يخوض الإنسان ميدان التجربة فما يتحصل عليه من المعارف بعد خوض التجربة هي المعارف العلمية هي المعارف ذات القيمة فالمعرفة العلمية بعدية وليست قبلية وربما بعض اللبراليين قد يستدل بالقرآن الكريم على أن المعرفة العلمية بعدية وليست قبلية بمثل قوله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فإذا تم طرح هذا المبدأ إلا وهو المعرفة البعديه يترتب على هذا المبدأ ثمرتان:

الثمرة الأولى: أن القيمة العلمية لليقين الرياضي وليست لليقين الذاتي، ما هو الفرق بين اليقين الذاتي واليقين الرياضي؟!

اليقين الذاتي: هو اليقين الذي لا يقبل المراجعة والمداخلة فهو يقين ليس فيه مرونة يقين لا يقبل مراجعة أو مداخلة.

بينما اليقين الرياضي: هو اليقين الذي يقبل المراجعة والمداخل فهو يقين مرن، أضرب لك أمثلة: مثلاً يقين الإنسان بوجوده أنا متيقن بأني موجود كما يقول ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود يقيني بوجودي يقين لا يقبل المراجعة يعني مستحيل أنا أقول لك أتركني أراجع نفسي أنا ليس موجود اليقين بالوجود يقين ذاتي لا يقبل المراجعة ولا يقبل المداخلة فهو يقين حاسم غير مرن.

بينما اليقين العلمي: بنظرية النشى والارتقاء من ندخل الآن في تفاصيلها نحن نعرض مثال علمي فقط، نظرية النشئ والارتقاء أن الأنواع من الكائنات الحية الموجودة على الأرض مثل الإنسان مثل الحيوان هذه الأنواع تطورت يعني لم تخلق هكذا يعني ليس أول إنسان خلق بهذه الصوره التي عليها الإنسان الفعلي إنما خضعت هذه الأنواع الحية لقانون التطور وانتقلت من حيوانات بدائية برمائية إلى أن أصبحت بهذه الصورة.

أصحاب هذه النظرية نظرية النشى والارتقاء يقولون قام الدليل عليها يعني الاكتشافات الجيولوجية بنظرهم أثبتت أن الإنسان خضع لقانون التطور خضع لقانون النشى والارتقاء ولم يكن بهذه الصورة الفعلية ونتيجة هذه الاكتشافات حصل اليقين بنظرية النشى والارتقاء هذه اليقين يسمونه «اليقين الرياضي» لماذا؟!

لأنه يقين يقبل المراجعة يعني يقين مرن يقبل المراجعة والمداخلة باكتشافات جديدة بتجارب جديدة يمكن أن يزول هذا اليقين يمكن أن تسجل ملاحظات على هذا اليقين، إذن اليقين الرياضي هو اليقين الذي ينبع من التجربة ينبع من الاكتشافات وهذه اليقين هو ذو القيمة العلمية هو ذو القيمة المعرفية فبما أن المعرفة بنظر اللبرالية المعرفية هي المعرفة البعديه وليست القبلية، إذن اليقين العلمي هو اليقين الرياضي يعني اليقين المستند للتجربة وليس اليقين الذاتي هذه الثمرة الأولى.

الثمرة الثانية: مسألة الحكم بالارتداد هذه مسألة تشغل بال اللبرالية المعرفية حكم الدين بالارتداد لو فرضنا أن إنسان أعلن انكاره للخالق «عز وجل» بعد أن كان مسلم أو أنكر الدين، هل يصح عليه بالارتداد؟! يقول هذا مرتد أم لا؟! البرالية المعرفية تقول ليس لأحد الصالحية أن يحكم على هذا الإنسان بالارتداد، لماذا؟!

لوجهين: عقلي، وشرعي.

الوجه الأول: الوجه العقلي: الدين ليس تكليف وإنما هو حق اللبرالية تقول الدين ليس تكليف ليس لأحد أن يلزمك بالدين الدين حق وليس تكليف من حقك أن تبحث ومن حقك إذا بحثت أن تعتقد ومن حقك إذا اعتقدت أن تعلن ومن حقك أن تصنع شيء فمن حقك أن تبحث أو لا تبحث من الأصل هي مسألة حق، الدين حق وليس تكليف لا توجد جهة تفرض على الإنسان أن يعتنق الدين لماذا؟!

لأنه نحن لو قلنا الإسلام يفرض علينا أن نعتقد به يأتي شخص ويقول لك هو الإسلام، والإسلام يقول﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ الإسلام يفرض نفسه يقول لك هذا غير معقول هذا دور الإسلام يفرض نفسه يعني الإسلام يطلب من الناس أن تؤمن به يقول لك هذا دور هذا لا يصح عقلاً أن يفرض الإسلام نفسه ويطلب الإسلام من الناس التدين به هذا دور.

الوجه الثاني: الوجه الشرعي: المستفاد من الآيات القرآنية أن التدين حق وليس بتكليف وأن بيد الإنسان الخيار في أن يتدين أو لا يتدين كما في قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّكما في قوله تعالى: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا، إذن القرآن نفسه يطرح مسألة التدين مسألة حق وخيار وليست مسألة إلزام.

النتيجة: أن البرالية المعرفيه ترى أن المعارف العلمية بعدية وليست قبلية وأن القيمة العلمية لليقين الرياضي لا لليقين الذاتي وأن مسالة الدين هي مسألة حق وليست مسألة تكليف ولا إلزام.

المحور الثاني: مقابل هذا الاتجاه ماذا يطرح الاتجاه الفلسفي الديني؟!

الاتجاه الفلسفي الديني يرتكز على ركيزتين:

الركيزة الأولى: أم مفتاح المعارف هو المعارف القبلية وليست المعارف البعديه قيمة المعرفه بأن تستند إلى المعارف القبلية لا إلى المعارف البعديه كيف؟! يعني الآن أنت تحت لو خط ميدان التجربة وعبر المقاييس التجريبية وصلت إلى معارف هذه المعارف التي وصلت إليها ببركة التجربة لا يمكن انعقاد اليقين الرياضي عليها إلا ببركة المعارف القبلية، كيف؟!

أضرب لك مثال: يعني مثلاُ الإنسان خاض التجربة وتصول إلى هذا القانون الحديد يتمدد بالحرارة الحديد إذا خضع لحرارة بنسبة معينة يتمدد هذا القانون لا يمكن تحصيله إلا بعد التجربة، لكن هل التجربه وحدها تؤدي إلى هذا القانون من دون معارف قبلية من دون قضايا سابقة على ميدان التجربة؟!

«لا» غير معقول، كيف؟! لو أتي إنسان وقال لك الحرارة كما تحدث التمدد تحدث الانكماش تقبل! تقول له «لا» لماذا؟! لماذا الحرارة لا تولد هذين الأثرين؟! تقول له التضاد غير معقول لا يعقل لشيء واحد أن ينتج أثرين متضادين هي الحرارة نفسها تحدث انكماش وتمدد في آن واحد غير معقول لا يعقل لشيء واحد أثران متضادان طيب هذه القضية من أين أتت؟! ليس من التجربة جاءت قبل التجربة بمعنى أن الإنسان يؤمن بفطرته ببديهية عقله من دون حاجة إلى التجربة إلى أن الشيء الواحد لا يولد ضدين هذه قضية بديهية، إذن هناك قضية فطرية سبقت ميدان التجربة وهي أن الواحد لا يولد ضدين وهذه القضية المعرفية لولاها لما أنتجت التجربة فتوقف انتاج التجربة على معلومات قبلية على معارف قبليه.

تأتي مثلاً شخص قال لك أنت أقمت التجربة مثلاً مليار مرة أخضعن الحديد إلى الحرارة بنسبة معينة فتمدد مليار مرة لو قال شخص كل هذه المرات كان من قبيل التقارن ولم يكن من قبيل التأثير، يعني كيف التقارن؟! هذه مسألة هل أن الظواهر الطبيعية علاقتها علاقة التقارن أو علاقة السببية والتأثير؟! التقى ذكر بأنثى فتلقحت البويضة هذا تقارن أو تأثير؟! يعني هل هذه الظاهرتان صدفة اقترنتا لقاء الذكر بالأنثى ظاهرة تلقح البويضة ظاهرة لا ربط بين بالظاهرتين أصلاً مجرد اقتران في الحدوث؟! «لا» يقول بينهما ماذا؟! سببية الظاهرة الأولى سبب للظاهرة الثانية بينهما سببية وتأثير هذه البذرة وضعناها في التربة وضعن لها سماد سقيناها ماء أنتجت لنا نبتة بين هذه الظاهرتين ظاهرة سقي البذرة ماء وظاهرة ولادة النبته هناك تقارن أوهناك سببية، هناك سببيه.

إذن لو قال لك شخص بأن تزامن الحرارة مع تمدد الحديد مجرد تقارن ليس إلا حتى لو حصل مليار مرة هو تقارن في الحدوث لرفضت ذلك قلت لا بينهما سببية وتأثير هذه معناه أنت تؤمن بقضية قبلية سابقة على التجربة وهي مبدأ السببية وأن العلاقة بين الظواهر الطبيعية علاقة سببية وتأثير وليست علاقة اقتران.

إذن بالنتيجة: لم تستطيع أن تحصل على المعرفة البعدية إلا بمعرفة قبلية لم تستطيع أن تصل إلى اليقين الرياضي وهو اليقين المتولد من التجربة إلا بيقين ذاتي وهو اليقين بالمعارف القبلية السابقة على التجربة وبالتالي فالاتجاه الفلسفي الديني يقرر أن المعارف القبلية هي رأس المال وهي المفتاح وعلى أساسها يتم الانتاج وعلى أساسها يتم الوصل إلى المعارف البعديه.

الركيزة الثانية: هل الإنسان بالخيار بين العلم وبين اليقين؟! شخص يقول باختياري أومن بما علمت أو لا أومن هذا شي باختياري أنا مخير المسألة مسألة حق وليس مسألة إلزام لا يوجد شيء يلزمني، هل هناك ملازمة بين العلم بالشيء واليقين به أم لا؟! هذه المسألة مطروحة فلسفية ومورد بحثها بحث العصمة عقيدتنا في العصمة ترتبط بهذه المسألة العقلية.

أضرب لك مثال أوضح لك المقصود من ذلك: عندما يعرض على الإنسان كأس عصير برتقال لذيذ ويجعل بين يديه فتقع في العصير حشرة سامة حشرة خطرة هذه الإنسان بمجرد أن يعلم بالخطر ينصرف ليس فقط لا يشرب بل ينصرف نفسياً أصلاً لا يفكر في الشرب فضلاً عن أن يقدم على الشرب تفكير لا يفكر، ما الذي حدث هل هناك ملازمة بين العلم بالخطر واليقين به وترتيب الأثر عليه علم بالخطر فأمنت به فاجتنب مورده؟! نعم إذا كان عاقل هكذا مقتضى العقلانية إذا هو عاقل إذا هو مريض شيء أخر أما لمرض علقي أو لمرض نفسي حتماً عنده خلل مقتضى العقلانية هو الملازمة بين العلم بالشيء والإذعان به إذا لم يذعن إذن هناك خلل في البين خلل عقلي أو خلل نفسي.

نأتي إلى مسألة العصمة، العصمة لها منشأ وهو العلم المعصوم ليس مجبور على الطاعة ولا مجبور على ترك المعصية وإلا لم يكن له ثواب ولم يكن له حق في ثواب لماذا؟! المعصوم العصمة ترجع إلى منشأ علمي علم المعصوم بمفاسد المعصية ومنافع الطاعة هو الذي استلزم انصرافه نفسي عن المعصية فضلاً عن ارتكابها هذا المعصوم يعلم بفساد المعصية كعلم بأصابعه الخمسة ومعلمه بمفاسد المعصية أصبح مستلزم لانصراف نفسه عن التفكير في المعصية فضلاً عن ارتكابها لكنه يستطيع، إذن رجعت العصمة إلى مسألة ملازمة بين العلم وبين الإذعان بين العلم وبين اليقين.

إذن هناك قضية عقلية من عالم بالشيء أذعن به ما لم يكن هناك مانع ما لم يكن هناك خلل أو مرض من هنا نحن نأتي إلى مسألة الارتداد نقول الدين لا نتكلم الآن هل الدين يفرض عليك الإسلام أو لا يفرض نأتي إلى العقل المسألة مسألة عقلية العقل يقرر أن الأدلة على وجود الخالق جل وعلا وعلى حقانية الدين هذه الأدلة قائمة وموجودة وثابتة من علم بهذه الأدلة كان علمه بها مستلزم للاذعان لولا خلل عقلي أو نفسي هذه مسألة عقلية لا يحتاج الإسلام أن يقول لك المسألة عقلية.

إذن بالنتيجة: يقول الإنسان التدين حق «لا» الدين ليس حق إلزام ولكن ليس إلزام شرعي إلزام عقلي ليس الدين حق بل التدين إلزام لكن ما هو مصدر الإلزام العقل، العقل يقول مقتضى العقلانية أن تبحث عن أدلة وجود الخالق ومقتضى قيام الأدلة على وجود الخالق أن تؤمن به هذا مقتضى الملازمة العقلية إلا أن يكون هناك مانع يعني خلل عقلي أو نفسي وإلا، ولذلك القران الكريم يقول: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ لو رجعوا إلى طبيعتهم الفطرية الإنسانية لوجدوا الأدلة على أثبات الخالق محققة إلى ماذا؟! إلى اليقين والإذعان ولكنهم كابروا وأظهروا الجحود وأظهروا الإنكار للخل في النفوس أوفي العقول، إذن الركيزة الثانية من ركائز الاتجاه الفلسفي الديني أن العقل يفرض التدين بمقتضى الملازمة بين العلم بأدلة وجود الخالق وبين الإيمان به لولا وجود خلل في البين.

المحور الثالث: في البيان القرآني لحقيقة التدين: هناك سلطات ثلاث:

  • السلطة الأولى: السلطة تكوينية.
  • السلطة الثانية: سلطة شرعية.
  • السلطة الثالثة: سلطة عقليه

القرآن يحدث عن كل سلط من هذه السلطات الثلاث

السلطة الأولى: السلطة التكوينية.

هل يوجد سبب تكويني يفرض على الإنسان التدين؟! هل يرى الإنسان ملزم داخلي يفرض عليه التدين؟! «لا» تكويناً هو ليس مجبور على التدين تكوينا بمعنى الكيان النفسي للإنسان لا يوجد فيه ما يلزمه بالتدين هو يعيش حرية داخليه هو يعيش حرية طبيعية لا يوجد إلزام تكويني بالتدين وهذا المعنى لعلى أشارة إليه الآية المباركة﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ «لا» النافيه وليست نهاية لا يوجد أكراه في الدين لماذا؟!

لأنه أساساً الاكراه على الدين غير معقول لا يعقل الإكراه على الدين، لماذا؟! لأنه بنية الإنسان النفسية هي بنية اختيارية وليست بنية جبرية فبما أن البنية النفسية اختيارية إذن لا يعقل الإكراه على الدين أصلاً هذا أمر غير معقول الدين موطنه القلب والقلب منطقة حرة في العالم توجد مناطق حرة لا تخضع لدولة هذا القلب منطقة حرة القلب منطقة حر لا يسيطر عليها أحد لا يوجد موجب تكويني في داخل القلب يفرض التدين ولذلك ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”لو ضربت بسيفي هذا خيشوم المنافق على أن يحبني ما أحبني لو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن على أن يبغضني ما أبغضني وذلك أنه قضي فنقضى على لسان رسول الله “، ”يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق“، ”علي قسيم الجنة والنار“ إذن هذا الحديث العلوي يقرر لينا أن القلب منطق حرة هذا يحب وهذا يبغض لا يمكن يغير هذا ولا يمكن نغير هذا حب تكويني، إذن فبنتيجة لا توجد سلط تكوينية تلزم بالتدين.

السلطة الثانية: سلطة الشرعية.

 هل الشرع يلزم بالتدين يعني هل الإسلام يفرض التدين القلبي به أم لا؟! «لا» في فرق بين التدين القلبي والتدين الظاهري التدين السلوكي الإسلام لا يفرض التدين القلبي وإنما يريده عن اختيار وعن قناعة نعم لو أعلن الإنسان رفضه لدين بعد أن كان مسلم ولم تكن لديه شبهة محتملة في حقه يحكم عليه بالارتداد، إذن لا توجد سلطنة تشرعيه على الإنسان التدين القلبي وهذا معنى﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْنحن لا نفرض التدين في القلب ظاهراً نعم وأما التدين في القلب ليس على الإسلام سلطنة على فرض التدين في النفس﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ، ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا، مسألة الارتداد وما هي حيثياته ومتى يقام حد الارتداد ومتى يحكم بالارتداد مسألة شرعي لا أريد أن أدخل فيها أريد أن أبين أن لا توجد سلطنة تكوينية تلزم بالتدين لا توجد سلطنة تشريعه تلزم بالتدين القلبي.

السلطنة الثالثة: سلطنة عقلية.

 هذه نؤمن بها نقول نعم العقل كما شرحنا في المحور الثاني العقل له سلطنة العقل يفرض عليك العقلانية ومقتضى العقلانية أن تلتفت إلى المنبهات والأدلة الفطرية التي تعيش في دخلك وتدلك على وجود الخالق ومقتضى الالتفات إلى هذه الأدلة الفطرية الإيمان بوجود الخالق هذا كله نعبر عنه بالسلطنة العقلية يعني ملازمات عقلية يقرره عقلك بما أنك عاقل عليك أن تبحث عن الأدلة بما أنك عاقل مقتضى العلم بهذه الأدلة أن تدعن بها وتؤمن بمؤداها ولذلك القرآن الكريم يثير هذه القضية العقلية القرآن الكريم لا يستدل على وجود الخالق بقول الخالق هو القرآن هو كلام الخالق لا يقول الدليل على وجود الخالق قول الخالق «لا» يثير قضايا عقليه يقول مثلاُ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا يقول مثلاً: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ يقول مثلاُ: ﴿وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قضايا فطرية عقلية يثيرها وينبه عليها يريد أن يقرر القرآن أن المرجعيه للعقل والسلطنة للعقل ومقتضى مرجعية العقل وسلطنته أنت تلتفت إلى هذا المخزون الفطري الذي في نفسك الذي يدلك على وجود خالقك﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ولذلك إذا نقرأ هذه الآية: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ بعض علمائنا يقولون هذه امضائيه وليست تأسيسه يعني مفاد الآية هو أمضاء لما يحكم به العقل أساساً العقل يقول ذلك أساساً العقل لو خلي وحده هو يقول من أعتنق غير الإسلام لم يكن له مقبول لأنه مقتضى العقلانية أن يعتنق ما قامت الأدلة الفطرية عليه وما قامت الأدلة الفطرية عليه هو دين الإسلام هذه قضية عقلية الآية ترشد إليها وتنبه إليها وليس مفاد الآية مفاد تأسيسي تعبدي.

لذلك القرن يركز على العقل مرجعية العقل: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِي «17» الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ كما أن أهل البيت يركزون دائماً على إثارة العقل على مرجعية العقل وأن الإنسان إذا رجع إلى عقله سيقوده عقلة إلى الهدى دائماً خطابهم للعقل الإمام الحسين أمام الجيش الذي أنخدع ببريق الدرهم والدينار وجاء مندفع لإبادة ثقل رسول الله طلباً لجوائز السلطان اراد الحسين أن يحرك عقله يحرك فكره حتى يثير ما في مخزونه ”أن لم يكن لكم دين فكونوا أحرار في دنياكم“.

وصلى الله على محمد وآل محمد