المعرفة الإيمانية

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقا من الآية المباركة التي تتحدث عن فاعلية الايمان وتأثيره نتحدث في محاور ثلاثة:

  • المحور الأول: في حقيقة الإيمان.
  • المحور الثاني: الميزان في قيمة الإيمان.
  • المحور الثالث: تكامل الإيمان.

المحور الأول: في حقيقة الإيمان: ما هي ماهية الإيمان؟! قد يقول إنسان أن الإيمان هو الإقرار والإذعان ولكن الاقرار على نوعين:

  1. أقرار انفعالي.
  2. أقرار فعلي.

فهل الإيمان أقرار انفعالي أو أقرار فعلي؟!

مثلاً: إذا رأى الإنسان الشمس بعينيه وأحقره لهبها أقر بها وأذعن بها لكن أقرار الإنسان بالشمس أقرار انفعالي الشمس فرضت نفسها عليه الشمس أجبرتا أن يقر بها هذا «أقرار انفعالي» وتارة يكون الاقرار فعلي مثلاً: الإنسان يسمع أن الماء إذا بلغت درجة حرارته مئة في الظروف الطبيعية فأنه يغلي قد لا يصدق الإنسان فيقوم بالتجربة المكرره إلى أن يحصل له الإذعان والإقرار بهذه القضية فهنا الإقرار فعلي وليس انفعالي بمعنى أن الإقرار خضع لعملية فكرية واعية فالإقرار الفعلي: ما كان عن عملية واعية، والإقرار الانفعالي: ما كان أقرار قهري على الإنسان.

الإيمان الذي يدعوا إليه القرآن وتحث عليه الآيات الشريفة: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْليس من سنخ الإقرار الانفعالي وإنما هو من سنخ الإقرار الفعلي، كيف؟!

الإيمان يتشكل من عناصر أربعة: الانكشاف، واليقين، وعقد القلب، والخضوع.

عنصر الانكشاف:

إذا قام الدليل والبرهان على فكرة معينة فقد انكشفت تلك الفكرة هنا يتحقق العنصر الأول، مثلاً الإنسان لا يدري أن هذا القرآن وحي من الله أم لا من يقرأ القرآن وينظر إلى الآيات التي تحدثت عن أسرار الكون وأسرار الطبيعية قبل أن يكتشف الإنسان هذه الاسرار بألف وأربعمائة سنة عندما يقرأ قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ القرآن يشير إلى حركة الأرض قبل أن تكتشف حركة الأرض هنا هذا يسمى انكشاف أنكشف له أن القرآن وحي من الله إذا لم يكن وحي من الله لما أشار إلى أسرار لم يكتشفها الإنسان إلا بعد مئات السنين هذا العنصر الأول عنصر الانكشاف.

عنصر اليقين:

إذا انكشف الواقع ايقن الإنسان بذلك الواقع المنكشف وذكرنا في الليلة السابقة أن العقل يرى ملازمة عقليه بين انكشاف الواقع وبين اليقين بذلك الواقع المنكشف هنا إذا تبين للإنسان أن القرآن وحي من الله أذعن وصدق بعقله ما أنكشف لديه هذا الركن الثاني والعنصر الثاني وهو عنصر اليقين﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ.

عقد القلب:

مطاوعة القلب للعقل هناك كثير من المعلومات تبقي حبيسة العقل وهناك معلومات تتخطى العقل فيطاوعها القلب المعلومات التي يتطابق العقل والقلب عليها هي المعلومات الايمانية أما المعلومات التي تتقوقع في العقل ولا تنفذ إلى القلب ليست معلومات إيمانية، أضرب لك مثال: هذه النقطة مطاوعة القلب للعقل هذه النقطة يبحثها علماء النفس كما يبحثها علماء الأصول عندنا في الفكر الاسلامي يمثلون بهذا المثال لو أن شخص وضعنا أمامه جسد إنسان ميت في غرفة مظلمة مغلقة هذا الإنسان ينتابه الخوف تنتابه الهواجس من هذا الإنسان الميت الذي أمامه، لماذا؟! مع أنه يعلم أن هذا الإنسان ميت يعني العنصر الأول وهو الانكشاف متحقق مع أن لديه يقين أن هذا الميت لا يؤدي ولا خطر فيه يعني العنصر الثاني متحقق وهو اليقين لكن العنصر الثالث إلى الآن لم يحدث مطاوعة القلب للعقل تيقن عقله أن هذا الميت لا خطر فيه لكن قلبه لم يصدق عقله لم يتطابق قلبه مع عقله هنا لا يتم له الإيمان لابد أن يتحقق العنصر الثالث العنصر الثالث عنصر الإرادة أن تتدخل الإرادة فتعقد القلب على طبق العقل عقد القلب على طبق العقل عنصر أساس من عناصر الإيمان.

ولذلك يقول القرآن الكريم حكاية عن كفار قريش: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ يعني أنهم حصلوا على عنصرين فقط لكن فقدوا العنصر الثالث انكشف لهم الواقع وقامت لديهم الأدلة على خالقيه الله وتيقنت نفوسهم بتلك الأدلة لكن قلوبهم لم تطع عقولهم لكن الإرادة لم تتدخل فلم تعقد قلوبهم على طبق يقينهم لذلك لم يصبحوا مؤمنين﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْإذن العنصر الثالث وهو عقد القلب ضروري.

عنصر الخضوع:

ما معنى الخضوع؟! هو اللين والمحبة لا يمان بدون لين وبدون محبة أضرب لك مثال: الإنسان عندما يعيش تحت دولة ظالمة يقول لك أنا أعيش تحت دولة ظالمة ولا أستطيع على تغيرها ولا استطيع على تبديلها فأن مضطر إلى أن أسلم بها مضر إلى أن أعقد قلبي على التسليم لأوامر هذه الدولة ولأحكامها إلا أن عقد القلب هذا ليس إيمان، لماذا؟!

لأنه ليس عن حب ولين وخضوع إنما هو عن اضطرار عقد القلب على اضطرار ليس إيمان عقد القلب عن حب ولين وخضوع هو الإيمان ولذلك يركز القرآن الكريم على مسألة الحب والخضوع﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ القرآن يركز: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ الحب والخضوع لله عز وجل عنصر أساس من عناصر الإيمان﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ فقدوا الحب فليسوا بمؤمنين وإن كانوا مسلمين بأن الله خالق لكن هذا ليس إيمان، إذن الإيمان عملية واعية عملية فعلية وليست انفعاليه الإيمان يرتكز على هذه العناصر الأربعة انكشاف ويقين وعقد قلب وخضوع بدون ذلك لا يتحقق الإيمان.

المحور الثاني: ما هو الميزان في قيمة الإيمان؟!

أنا أنقلك إلى بحث مطروح عند فلاسفة الغرب البحث في المعرفة لذا فلاسفة الغرب هل أن الميزان في المعرفة على المعرفة المعلله أو على المعرفة المدللة هناك اتجاهان:

الاتجاه الأول: يقول الميزان والمدار في المعرفة على المعرفة المعلله فرويد فوكو يمشون على المعرفة المعللة، ما معنى المعرفة المعللة؟! يعني الفكرة التي تولد في ذهن الإنسان ونسميها معرفة هذه الفكرة لم تتولد اعتباط وإنما نشئت عن سبب هناك سبب غرس الفكرة في ذهن الإنسان فالفكرة معللة لذلك السبب قيمة هذه الفكرة بقيمة سببها وعلتها ما هي الأسباب للأفكار؟!

هنا يذكرون ثلاثة أسباب: البيئة، والعاطفة، والتكامل.

نأتي إلى الأسباب الثلاثة:

البيئة:

هذا الإنسان ولد في بيئة شيعية أصبحت معلوماته شيعية عنده معلومات عن الإمامة عن العصمة عن الولاية منشأ هذه المعلومات البيئة فمعرفته معللة يعني مستندة إلى علة وهي البيئة هذا الإنسان نشا في بيئة سنية هذا الإنسان بدأ يحمل معلومات الشرك والبدعة هذه المعلومات ولدت من بيئة تربى فيها إذن معلوماته معللة ببيئة معينة.

العاطفة:

أحياناً هي سبب المعلومات كيف؟! إذا أحب الإنسان شخص صدق فيه كل جميل وإذا بغض شخص صدق فيه كل قبيح الحب يقود إلى المعلومة أحياناً لأنني أحبه أبحث أين المعلومات التي تمجده تمدحه تثني عليه لأنني أبغضه أبحث عن كل سقطاته عن كل عثراته أين المعلومات التي تقدح فيه تطعن فيه الحب العاطفة منشأ للمعلومات، عندما يقال لماذا تعتقد أن معاوية كاتب الوحي؟! يقول لأنه يحب معاوية حبه لمعاوية يقوده إلى أن معاوية كاتب الوحي إلى أن يزيد أمير المؤمنين العاطفة تقود إلى المعلومات: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.

الاعلام:

أحياناً الأعلام المتكامل سبب من اسباب المعلومة أنظر الآن في الربيع العربي أطاح بحكومات في مصر وفي تونس في ليبيا أطاح بحكومات وأتى بحكومات أخرى الربيع العربي لم ينجح لولا الأعلام لولا أن هناك اعلام ركز على وسائل الاتصال وبدأت المعلومات تتمر خلال ثواني لملايين الناس ما استطاع الربيع العربي أن يؤتي ثماره، إذن الأعلام منشأ للمعلومة سبب لولادة المعلومة الأعلام.

إذن الاتجاه الأول يقول المعرفة معلله يعني المعرفة تستند لعللها سوا كانت العلة بيئة عاطفة أعلام وقيمة هذه المعلومة بعلتها نقول هذه معلومة بيئة هذه معلومة عاطفية هذه معلومة إعلامية هذا الاتجاه الأول.

الاتجاه الثاني: من يرى المعرفة المدللة ديكارت يرى المعرفة المدللة ماذا يعني المعرفة المدللة؟! ديكارت يقول: هناك فرق بين الفكرة وبين المعرفة لا نخلط كل صورة ترد إلى أذهاننا فهي فكرة لا نستطيع أن نسميها معرفة العاطفة تحدث لدينا أفكار البيئة تحدث لدينا أفكار الاعلام يولد لدينا أفكار لكن هذه ليست معارف أفكار متى تصبح معرفة؟! إذا استندت إلى دليل كل فكرت لا تستند إلى دليل فهي ليست معرفة إذا استندت إلى الدليل والبرهان أصبحت معرفة فالمعرفة مدلله وليست معللة يعني هذه الصورة التي تسند إلى العلل والأسباب هذه يسمونها أفكار وليست معارف ما أستند إلى العاطفة أو البيئة أو الاعلام هذه أفكار وليست معارف إنما تكون معارف إذا استندت إلى الدليل فالمعرفة مدللة وليست معلله.

الاتجاه الديني: الاتجاه الديني ماذا يقول؟! الاتجاه الدين يرتكز على أمرين:

الأمر الأول: أن هناك خلط بين سبب المعرفة وقيمة المعرفة يعني نحن لدينا مرحلتان من تأتينا فكرة من تأتينا صورة إلى أذهاننا هناك مرحلتان:

المرحلة الأولى: نبحث ما هو سبب الفكرة يعني الفكره ما هو سببها ما هو منشأها هذه هي المرحلة الأولى.

المرحلة الثانية: بعد أن نعرف سبب الفكر نبحث عن قيمتها، ماهي قيمة هذه الفكرة؟!

إذن لا نخلط بين المرحلتين المرحلة الأولى ما هو سبب الفكرة كيف ولدت كيف نشئت عندما نبحث عن سبب الفكرة وعن ولادتها هنا يأتي اتجاه «فرويد» الذي يقول المعرفة معلله ويذكر لنا الأسباب والعلل علل ولادة الأفكار هذه مرحلة.

المرحلة الثانية: بعد أن تولدت الفكره ماهي قيمتها؟! ما هو ميزانها؟! هذا بحث أخر الاتجاه الاسلامي لا يعنيه السبب ما هو سبب الفكر هل هو العاطفة؟! هل هو البيئة؟! هل هو الإعلام؟! هل هو المرض؟! أحيانا المرض يولد أفكار الإنسان الوسواسي وسوسته تولد له أفكار الإنسان الذي عنده انفصام في الشخصيه الانفصام يولد له أفكار سبب الفكر متعدد عاطفة بيئة مرض أعلام الاتجاه الديني لا يعنيه سبب، ما هو سبب المعرفة؟! ليس مهم المهم ما هي قيمتها بعد أن تولدت من أي سبب كان ما هي قيمة هذه المعرفة؟! كيف نحن نستطيع أن نزل قيمة هذه المعرفة؟! هذه الركيزة الأولى في الاتجاه الديني.

الركيزة الثانية: قيمة المعرفة ليست بعلتها ربما تكون المعرفة عاطفية لكنها قيمة صحيحة قيمة المعرفة بكونها علم لاحظوا هذا التعبير الدقيق المعرفة قيمتها بأن تصبح علم والعلم هو مطابقة المعرفة للواقع هل هذه المعرفة مطابقة للواقع أم لا؟! إن كانت مطابقة للواقع فهي علم إذا مخالفة للواقع فهي جهل قيمة المعرفة بأن تصبح علم ومعنى العلم أن تكون المعرفة مطابقة للواقع القرآن الكريم يركز على العلم المعرفة بكونها علم﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا وقال تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وقال تعالى: ﴿‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏ العلم، كيف نكتشف أن هذه الفكرة مطابقة للواقع فهي علم أو غير مطابقة فهي جهل هو لا يخلو أما أن تكون الفكرة تجريبية فمعرفة صدقها بالمقاييس التجريبية لا ندري هل أن الماء إذا بلغت درجة حرارة مئة فأنه يغلي أم لا؟! نكتشفها بالتجربة، هل أن الحديد يتمدد بالحرارة أم لا؟! نكتشفه بالتجربة بواسطة التجربة نستطيع أن نقول لهذه المعلومة قيمة لأنها طابقت الواقع وإذا كانت المعلومة عقلية وليست تجريبية كيف نكتشف أنها مطابقة للواقع؟! من خلال عرض دليلها على الموازين العلمية كل علم له موازين الطب له موازين الهندسة له موازين المنطق له موازين كل علم له موازين علمية إذا عرض دليل أي فكرة على الموازين العلمية المذكورة في كل علم فطابق الموازين العلمية استطعنا أن نقول هذه الفكرة علم مطابقة للواقع لماذا؟!

لأنه دليلها مطابق للموازين العلمية مثلاً: نحن نعتقد أن علي هو الإمام بعد النبي محمد هذه المعلومة ليست تجريبية حتى نحن نثبت صدقها بالتجربة معلومة عقلية كيف نثبت صدقها؟! نراجع أدلتها عندما نرجع إلى قوله عز وجل: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ الآية استخدمت أداة حصر، إنما أداة حصر حصرت الولاية في ثلاثة «الله والرسول وفئة من الذين أمنوا ليس كل الذين أمنوا» ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَلا يوجد معنى للولاية ينحصر في الثلاثة إلا الأولوية بالتصرف وإلا لو كانت الولاية بمعنى المحبة لم تنحصر في الثلاثة لو كانت الولاية بمعنى النصرة لم تنحصر في الثلاثة من يحبوا المؤمنين وينصر المؤمنين لا ينحصر في الثلاثة، إذن للولاية معنى ليس هو النصرة ليس هو المحبة للولاية معنى يقبل الحصر في الثلاثة، ما هو ذلك المعنى؟! الأولوية بالتصرف في شؤون الناس هذا المعنى هو المنحصر في الله والرسول وفئة من الذين أمنوا وصفتهم الآية المباركة.

إذن من هذا نعرف أن هذا الدليل للإمامة مطابق للموازين العلمية لأجل ذلك مؤده هذا الدليل فكرة صائبة إذن هي علم لأن دليلها مطابق للموازين فعرفنا من هذا المحور أن قيمة المعرفة ليست بكونها معللة كما يراها فرويد ولا بكونها مدلله كما يراها ديكارت وإنما بكونها علم مطابق للواقع بعد أثبات مطابقته بعرض الدليل على الموازين العلمية الآن نربط بين هذا المحور والمحور السابق في المحور السابق تحدثنا عن حقيقة الإيمان في هذا المحور تحدثنا عن قيمة المعرفة.

نستنتج: أن قيمة الإيمان باستناده إلى المعرفة الصحيحة قيمة الإيمان باستناده إلى العلم قيمة الإيمان بأن يكون مقترن بالعلم لا قيمة للإيمان إذا لم يكن مستنده للعلم إذا لم يكن نابع من العلم لأنه عرضت للاهتزاز والزوال والتبخر، إذن المدار على الإيمان العلمي على العلم الايماني لا على كل إذعان ولا على كل أقرار ولا على كل خضوع.

المحور الثالث: هل الإيمان ثابت أم الإيمان يتكامل ويترقى؟! الإيمان ليس ثابت الإيمان خاضع للتكامل الآية التي قرأنها: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَالإيمان يزاد، كيف الإيمان يزداد؟! نحن شرحنا في المحور الأول حقيقة الإيمان قلنا الإيمان عناصر أربعة انكشاف ويقين وعقد قلب وخضوع من عناصر الإيمان اليقين وبما أن اليقين يزاد إذن الإيمان يزاد الإيمان تابع لليقين كما أن اليقين يتكامل ويترقى إذن الإيمان يتكامل ويترقى، كيف اليقين يتكامل ويترقى؟!

الفلاسفة يقولون: العلوم ثلاثة: علم عقلي، وعلم شهودي، وعلم فنائي.

نتيجة تنوع العلم يتنوع اليقين ويتكامل، نأتي إلى:

العلم العقلي:

هو عملية عقلية تصوريه عبارة عن الانتقال من الأثر إلى المؤثر كيف؟! يعني الإنسان مثلاً إذا رأى الدخان من بعيد إذا رأى الدخان يعلم بوجود نار لا يحدث بدون نار علمه بالنار علم عقلي ليس علم شهودي يعني هو أجرى عملية عقليه رأى الأثر فكتشف منه المؤثر هذه عملية عقليه أجراها على أثرها علم بوجود النار هذا علم عقلي واليقين المتولد منه يسمى «علم اليقين» أول درجات اليقين.

العلم الشهودي:

عندنا قسم ثاني من العلم إلا وهو العلم الشهودي يعني العلم الوجداني مثلاُ الإنسان لا رأى النار أمام عينيه ولمس النار فأحس بحرارتها عندما أحس بحرارة النار أصبح عنده علم ثاني «علم وجداني» بوجداني أنا أشعر بحرارتها ولذعتها هذا الشعور الوجداني يحدث يقين أرقى من اليقين الذي يحدثه العلم العقلي يسمونه «عين اليقين» القرآن الكريم أشار إلى هاتين الدرجتين ﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ «5» لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ «6» ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ في بعض الروايات الواردة عن النبي محمد : ”أن حرارة جهنم لتصل العباد في المحشر منذ سبعين عام“.

يعني سبعين سنة ضوئية أنت بينك وبين جهنم تصل حرارتها ولهبها هذا «علم يقين» إنسان يستدل على هذه الحرارة بجهنم بعد ذلك يعبر الصراط والصراط يمر بجهنم فيحصل له علم أخر وهو «عين اليقين» إذا وقع الإنسان في النار وأصبح جسمه ناري صار علم ثالث «العلم فنائي».

العلم الفنائي:

كيف العلم فنائي؟! يعني يحصل اتحاد بين العلم والمعلوم، مثلاً: شخص يشرب دخان سبعين سنة ماذا يحدث له؟! يصبح قطعة من الدخان يخيم النكتون على صدره ويصبح هذه الإنسان قطعة من الدخان إنسان دخاني هذا الإنسان إذا وقع في النار واستقر بها بمرور الوقت يصبح قطعة من النار إنسان ناري القرآن دقيق في تعبيره﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا الناس هم يتحولون إلى نار الناس هم يتحولون إلى وقود ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ يصبح جسم ناري يصبح قطعة من النار إذا أصبح قطعة من النار فعلمه بالعلم «علم فنائي» ودرجة اليقين المترتبة على هذا العلم يسمى «حق اليقين» هذه أعلى درجات اليقين كما أن درجات اليقين تزداد درجات الإيمان تزاد وينتقل الإنسان من درجة إلى درجة كلما عظم يقينه بالله كلما عظم علمه بالله أزاد يقينه وهذه التفاوت حتى بين الأولياء والأنبياء حتى بين الأنبياء والأئمة حتى بين الأئمة أنفسهم.

الأئمة انفسهم أيضاً لهم درجات في علمهم بالله تبارك وتعالى الإمام زين العابدين يقول لأبنه الباقر: ناولني صحيفة أعمال جدي أمير المؤمنين يأخذ الإمام زين العابدين تلك الصحيفة وهو إمام معصوم فيبكي ويقول من يقدر على عبادتك يا أمير المؤمنين "هناك درجات وتكامل في صراط العلم بالله تبارك وتعالى فعندنا علم يقين وعين يقين وحق يقين علماء العرفان يضيفون درجة رابعة يسمونها «صدق اليقين»، ما معنى صدق اليقين؟!

العلم على قسمين: قسم ليس له أثر عملي، وقسم له أثر عملي.

مثلاً: أنا أعلم بأن المسافة بين الشمس والأرض ثلاثة وتسعون مليون ميل لكن هذا العلم ليس له أثر عملي ما هو أثره على سلوكي؟! ما هو أثره على حياتي؟! علمت أو لم أعلم، علم ليس له أثر عملي وهناك علم له أثر على سلوكي علمي بالقبر علمي بالآخرة علمي بالموت له أثر على حياتي له أثر على سلوكي العلم الذي له أثر عملي إذا سيطر على الإنسان بحيث كل تصرفاته نابعة من ذلك العلم يسمونه «صدق اليقين» الإنسان الذي يسيطر عليه علمه فلا يتحرك إلا بعلمه هذا إنسان «صادق اليقين».

هناك إنسان يحركه هواه هناك إنسان تحركه عاطفته هناك إنسان تحركه مصالحة الشخصية المحركات والدوافع كثيرة قد تكون المحرك مصلحة قد تكون عاطفة قد تكون الخوف قد يكون المرض كل هذا ليس من صدق اليقين في شيء صدق اليقين أن تستند كل الحركات إلى العلم واليقين شخص لا يتحرك ولا يسكن ولا يفكر ولا يحب ولا يبغض إلا استناد إلى علمه ويقينه بربه حاكميه اليقين على جميع التصرفات هي «صدق اليقين» هذا إنسان صادق اليقين ولذلك ترى بعضهم يفتخر وصل إلى هذه الدرجة درجة «صدق اليقين» أن يقينه مبدأ تصرفاته تالله ما هذا فعال ديني ولا فعال صادق اليقيني العباس أبن علي السلام عليك أيها العبد الصالح.

وصلى الله على محمد وآل محمد