العطاء الروحي ليوم عاشوراء

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

صدق الله العلي العظيم

إنطلاقاً من الآية المباركه نتحدث في محورين:

  • المحور الأول: العلاقة بين عالم الملك وعالم الملكوت.
  • المحور الثاني: مضامين العطاء الروحي ليوم عاشوراء.

المحور الأول: القرآن الكريم ذكر أن الموجودات تتألف من عنصرين:

عنصر ملكي.

عنصر ملكوتي.

العنصر الملكي: هو الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

العنصر الملكوتي: هو الذي أشار إليه القرآن بقوله ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

فكل موجود من هذه الموجودات يتألف من هذين العنصرين، العنصر الملكي وهو عباره عن الأبعاد الماديه للوجود من طول وعرض وعمق. والعنصر الملكوتي هو عنصر غيبي وراء الماده يحيط بهذه الكُتله الماديه وعِلاقة العنصر الملكوتي بالعنصر الملكي علاقةُ الإحاطه، أي أن العنصر الملكوتي هو المحيط بينما العنصر المادي مُحاط، لذلك يقول القرآن الكريم﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍأي أن الملكوت هو الذي يحقق اليد الإلهيه والنفوذ الإلهي في الأشياء، فنفوذ قدرته تبارك وتعالى في جميع الموجودات الماديه الملكيه من خلال العنصر الملكوتي المحيط بها ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

من هنا نفهم أن لعالم الملكوت تأثيراً على عالم المُلك، مثلاً الإنسان مُكون من جسد يعيش الأبعاد الماديه وأيضاً مكون من روح، الروح هي التي تشكل العنصر الملكوتي الذي تكون نسبته إلى الجسد نسبة الإحاطه فالروح محيطة بالجسد مُأثرةٌ فيه لذلك الروح ملكوتيةٌ والجسد ملكيٌ.

هذه العلاقه بين عنصر الملكوت وعنصر الملك تعرض لها علماء الكلام في عدة موارد من الأفكار العقائديه، نذكر منها موردين:

المورد الأول: ربط الأمر الملكوتي بالأمر الملكي، حقيقة الإعجاز عندما يقوم النبي أو الوصي بإظهار مُعجزه من المعاجز.

مثلاً عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام يتحدث لنا القرآن بقوله ﴿وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ المعجزه شئ مادي، وجود الطير شئ مادي، إكماء الأكمه الأبرص هذا شئ مادي ملكي، بينما السبب المؤثر في وجود هذه الأشياء الماديه هو أمر ملكوتي وهو إرادة المعصوم، إرادة المعصوم هي السبب وراء وجود هذه المعاجز أي أن إرادة المعصوم إذا إتصلت بالله تبارك وتعالى فإتصال الإرادة بالله سبب ملكوتي يتحقق على إثره أشياء ملكيه ماديه مثل صنع الطير وإبراء الأكمه والأبرص، كيف أثّر الأمر الملكوتي وهو الإراده في الأمر الملكي وهو أشياء ماديه؟

أثر عِبر العنصر الملكوتي، يعني هذه الأشياء التي نراها ماديه مثل الطير، مثل عافية الأكمه والأبرص في الواقع لها عنصر ملكوتي محيط بها ومن خلال عنصرها الملكوتي المحيط بها تؤثر فيها إرادة المعصوم نبياً كان أو إماماً، حتى الحجر له عنصر ملكي وعنصر ملكوتي القرآن الكريم يقول ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ هذا الحجر نحن لا نفقه منه إلا العنصر الملكي وهو الماده لكن لا نفقه العنصر الملكوتي لهذا الحجر الذي عبر عنه القرآن بالتسبيح، نأتي إلى الجبل القرآن يقول ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ كيف يتصدع الجبل من خشية الله وهو ماده جامده؟ الجبل له عنصر ملكي هو الذي نراه، لكن له عنصر ملكوتي مُحيطٌ به ومن خلال ذلك العنصر الملكوتي يتأثر الجبل ويتصدع من خشية الله.

إذن ما دامت الأشياء محاطه بعنصر ملكوتي فبإمكان المعصوم عن طريق إرداته القدسيه المتصله بالله عزوجل التي عبر عنها القرآن الكريم ﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ أن تؤثر في الأشياء وتوجد هذه المعاجز والكرامات.

المورد الثاني: بحث البداء عند الشيعة الامامية يذكر علماء الكلام أن المسببات في عالم الوجود لا تنحصر أسبابها في الأسباب الماديه، مثلاً شفاء الإنسان من المرض لا ينحصر سببه في شرب الدواء، قد يكون سبب شفاء الإنسان من المرض الصدقه، قد يكون سبب شفاء الإنسان من المرض صلة الرحم، كيف نربط بين هذا وهذا؟ هذا الأمر يذكره علمائنا في البداء يقولون شخص مأيوس من حياته تعطلت أجهزة بدنه، شارف على الموت، صار في حالة الإحتضار، بمجرد أن يكون هناك عمل صالحٌ من صدقة أو صلة رحم فإنه من الممكن أن يبدو خلاف مانراه، نحن نرى أن هذا الشخص قد يموت أجهزة بدنه قد تعطلت وهو يحتضر لكن يبدو لنا بعد ذلك خلاف مانراه نتيجة عمل صالحٍ يقوم به كالصدقة أو صلة الرحم، ورد عن النبي «تزكي الأعمال تنمي الأموال تعمر الديار تنسئ الآجال» بمعنى تطيل العمر، ماهي العلاقة بين صلة الرحم وشفاء الإنسان من مرضه؟ ما هي العلاقة بين صلة الرحم وطول عمر هذا الإنسان؟ العلاقة مبنيه على تأثير عالم الملكوت في عالم الملك نعود إلى نفس القانون الذي تم ذكره، شفاء الإنسان من مرضه وطول عمره صحيح بأنه أمر مادي ملكي لكنه مُحاط ٌبعنصر ملكوتي وعِبر ذلك العنصر الملكوتي تُأثر الصدقة فيه وتُؤثر صلة الرحم فيه.

لأجل ذلك عندما نبحث قضية الحسين ، الحسين بن علي حدثت معركته في عام 61 للهجره في العاشر من المحرم لكن قضيته إمتدة إلى قرون وإلى يومنا هذا رَغم أنه لا توجد قضيه حاربها الحُكام كما حاربوا قضية الحسين، لا توجد قضيه حاربها الظالمون في زمن بني أميه وبني العباس ومن بعدهم كقضية الحسين ومع ذلك صمدت، رغم هذه الحرب الطويله الشرسه المتعددة الألوان صمدت وخلُدة قضية الحسين ، ماهو السبب وراء ذلك؟

السبب يرجع إلى تأثير عالم الملكوت في عالم الملك، هناك مجموعه من العوامل تشبث بها الحسين يوم عاشوراء نحن بنظرنا هذه أشياء صغيره ماهي علاقتها؟ هذه الأشياء الصغيره هي سبب ملكوتي في خلود ثورته وقضيته، عطش الحسين، إرادة الحسين، صبر الحسين، مظلومية الحسين، هذه المضامين الروحيه والنفسيه التي حدثت يوم عاشوراء نحن نراها أشياء صغيره كم شخص لديه إراده وكم شخص مات مظلوماً وكم شخص عنده صبر... لكن هذه الأشياء الروحيه كان لها تأثيرٌ ملكوتيٌ في خلود قضية الحسين «إن لجدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً» فهناك مجموعه من المضامين الروحيه تجلت يوم كربلاء وكانت سبباً في أن تتولد حراره معنى تفاعل ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ يعني هناك إنجذاب في قضية الحسين لقلوب المؤمنين هذا الإنجذاب الملكوتي سببه مجموعه من العوامل الملكوتيه التي حدثت عطشه صبره مظلوميته إرادته هذه المجموعه شكلت الجاذبيه لقضية الحسين .

المحور الثاني: المضامين الروحيه التي تجلت يوم عاشوراء وكانت عاملا مؤثراً في جاذبية الحسين وفي خلود قضية الحسين .

ماهي هذه المضامين الروحيه؟

المضمون الأول: اللجوء إلى العباده عند مواجهة الحدث، عندما تواجه حدث ماذا تصنع؟

عندما تقدم على عمليه جراحيه خطيرة ماذا تصنع؟ مثلاُ إنسان يريد أن يسافر سفر مجهول لا يعرف كم أمده ماهي نتائجه؟ ماهي عواقبه؟ كيف يتعامل مع هذا الحدث؟.

ماهو الطريق لمواجهة الحدث؟ الحسين يعلمنا مواجهة الحدث في ليلة عاشوراء، كما يقول الإمام زين العابدين «بات الحسين وأصحابه ليلة عاشوراء ولهم دوي كدوي النحل يتزودون من العباده» اللجوء إلى العباده هو الطريق لمواجهة الحدث، لماذا؟ لأن مواجهة الحدث تخلق حاله عارمه من القلق في نفس الإنسان ولا علاج لهذا القلق إلا الرصيد الروحي المُشبع، ولا سبيل إلى هذا الرصيد الروحي إلا اللجوء إلى العباده ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ويقول القرآن الكريم ﴿اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ يقول الإمام الباقر «وكان علي إذا فزع من أمر لجأ إلى الصلاة» يصلي ركعتين، مواجهة الحدث تحتاج إلى رصيد روحي وهذا الرصيد الروحي يحصل عليه الإنسان عِبره الصلاة وعِبره العباده.

المضمون الثاني: إفتتاح المشروع بالدعاء.

عندما تريد إفتتاح يومك، البعض يفتتح يومه بالموسيقى الهادئه تخفف عن مشاعري وعن روحي، والآخر يقول أفتتح يومي بأن أشم رائحه طيبه، وغيره يفتتح يومه بنظره وبسمه لزوجتي، كلٌ له طريقه، الإفتتاح المُؤثر في بركة اليوم وفي نجاح اليوم الإفتتاح بالدعاء أن تفتتح يومك بالإتصال بالسماء، إبدأ يومك بالدعاء كما ورد عن النبي «كل أمرٍ لم يبدأ فيه بإسم الله فهو أبتر» إفتتح يومك بالدعاء، الدعاء يكون منهلاً للبركةِ والبُعد عن الأذى والألم في هذا اليوم، إفتتح مشاريعك التجاريه الفكريه بالدعاء، الحسين إفتتح يومه بالدعاء، جلس يوم عاشوراء تيمم لعدم وجود الماء هو وأصحابه صلوا صلاة الفجر وبعد صلاة الفجر وقف الحسين وقال «اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شده وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف منه الفؤاد وتقل فيه الحيله ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك عمن سواك ففرجته وكشفته، فأنت ولي كلِ نعمه وصاحب كلِ حسنة ومنتهى كلِ رغبه» يعلمنا الحسين أن نفتتح مشاريعنا بالدعاء بالإتصال بالله تبارك وتعالى، قد يقول قائل نحن نذكر الله في قوله تعالى ﴿َوقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وندعو ليل ونهاراً لا يوجد إستجابه إذن أين هذا الوعد الإلهي ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ليس المقصود بالإستجابه أن تحقق مرادك، هاتفتني إمرأه تقول كل يوم أدعوا الله على زوجة ابني في الصبح والظهر لم يتغير شئ، ليس المراد بإستجابة الدعوه أن يتحقق مطلوبك لأن الإنسان قد يطلب ماهو شر له ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ.

إذن ماهو المقصود بالإستجابة؟ المقصود بالإستجابة متى حصل الدعاء الحقيقي بمعنى المنقطع إلى الله، ترتبت عليه إفاضة رحمةٍ من الله، إقرأ هذا الحديث الشريف عن الباقر «مارفع أحدٌ يده إلا إستحي الله أن يردها صفراً حتى يضع من فضله ورحمته فيها ما يشاء فإذا رفع أحدكم بالدعاء فلا يردها حتى يمسح وجهه وصدره» ماهو المقصود بهذا الحديث؟ المقصود من هذا الحديث هو تفسير للآية ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إستجابه يعني إفاضة رحمه، أنت تدعو بشئ والله يفيض عليك برحمه من نوع آخر، يفيض عليك رحمة في بدنك، رحمة في ثروتك رحمة في أهلك، رحمة في علمك رحمة في رزقك، الدعاء الحقيقي يعني الذي يصحبه الإنقطاع إلى الله عزوجل لا تنفصل عنه الإستجابة والإستجابة بإفاضة الرحمة على الإنسان من هنا كان الدعاء مفتتحاً لأي مشروع تريد الدخول فيه فإنه مبدأ للرحمه.

المضمون الثالث: كثرة ذكر الله.

 لا حظ الحسين ما فتئ يوم العاشر عن ذكر الله، الحسين يوم العاشر قام بأعمال ضخمه، تصور إنسان من الصباح إلى ساعه بعد الظهر وهو مستقبل جنائز ويعالج جروح، ويضمد جرحى ويحمل موتى ويهدأ الأطفال ويجلس مع النساء ويصبرهن، ويقاتل الأعداء ويخاطب الأعداء يخطب فيهم، ويسلي أصحابه ويحفزهم على القتال، كل هذه الأعمال الضخمه التي تحتاج إلى طاقه من الإرادة وطاقه من الصبر، وطاقه من التحمل النفسي خاضها الحسين يوم عاشوراء من الصباح إلى مابعد الظهر، لكنه ما مرت عليه لحظه إنفصل عن ذكر الله طوال الوقت وهو يكرر لا حول ولاقوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، هون ما نزل بي أنه بعين الله، اللهم رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك، وعندما خطب في القوم بدأ بذكر الله وأصر على ذكر الله قال «الحمد لله الذي خلق الدنيا، فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته، فلا تغرنّكم هذه الدنيا الدنيه، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد إجتمعتم على أمر أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنبكم رحمته، فنعم الرب ربّنا، وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد ، ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتباً لكم ولما تريدون، إنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبعداً للقوم الظالمين»

ذكر الله أصر عليه الحسين والإكثار من ذكر الله ليعلمنا ضرورة الكثره من ذكر الله، الإنسان يحتاج لذكر الله حاجة فطرية حاجة ذاتيه، لا يحتاج القرآن ولا الأحاديث يقول لك أنت تحتاج إلى ذكر الله حاجة فطرية من خلال أمرين:

الأمر الأول: ما يذكره علماء النفس أن الإنسان يحتاج إلى الأمن النفسي، من الحاجات الفطريه لدى الإنسان حاجته إلى الأمن النفسي لا يمكن أن يبدع ويعطي وينتج حتى يشعر بالأمن النفسي، والأمن النفسي كيف يحصل عليه الإنسان؟ يحصل عليه بالإنتماء، علماء النفس يقولون الإنتماء يحقق الأمن، مثلا الإنتماء إلى العشيره يعطيك شعور بالأمن، الإنتماء إلى المؤسسه موظف في مؤسسه توفر لك راتب مستمر هذا يعطيك شعور بالأمن، الإنتماء إلى العشيره والقبيله يعطيك شعور بالأمن، الإنتماء إلى المؤسسه يعطيك شعور بالأمن، الإنتماء إلى مجتمع يحترمك ويقدرك يعطيك شعور بالأمن، الإنتماء هو الطريق لتحقيق الأمن النفسي، هذا الذي يذكره علماء النفس نحن نأخذه نقتبسه نقول إذا كان الإنتماء طريقاً لتحقيق الأمن فالإنتماء إلى أعظم قوة وأعظم مصدرٍ للعطاء وأعظم مصدرٍ للمدد ألا وهو الله عزوجل سوف يعطيك أكبر رصيد من الأمن النفسي والأمن الروحي إنتمي إلى الله ستشعر بهذا الرصيد أكثر.

والإنتماء إلى الله ماهو الطريق إليه؟ كثرة ذكر الله ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ وهناك حاجه أخرى وهي حاجة الإنسان لإستمطار المدد، الإنسان في كل وقت يشعر بالضعف يحتاج أن يستمد القوه كل وقت يشعر بالنقص يحتاج إلى أن يستمد الكمال، إستمطار المدد من القوه والحيويه والكمال ماهو الطريق إليه؟ ذكر الله‏﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْألا تريد أن تستمد مني الطاقه والحيويه والنشاط أذكرني ‏﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ذكرُ الله منشأٌ للشعور بأن هناك مدداً وعناية وإحاطة تمنحني الدفئ، تمنحني الحيويه تمنحني النشاط، من هنا يحتاج الإنسان إلى كَثرة ذكر الله تبارك وتعالى، حتى الصلاة القرآن دقيق في التعبير﴿وَأَقِمْ الصَّلَاة لذكرِ الصلاة فقط وسيله صحيح هي الصلاة واجبه لكنها وسيله وليس كهدف، الصوم واجب لكنه وسيله ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَالهدف من الصلاة والصوم ذكر الله ﴿وَأَقِمْ الصَّلَاة لذكرِبمعنى أن الهدف من هذه العبادات والطقوس كلها أن يكون الله حاضراً في قلبك حاضراً في وجدانك فإن حضوره في وجدانك يعطيك الشعور بالأمن ويعطيك الشعور بإستمداد القوة والنشاط.

المضمون الرابع: من المضامين الروحيه التي تجلت يوم كربلاء:

إقامة الصلاة، الكل سمع من الخطباء أقبل سعيد الحنفي إلى الحسين وقال «يا أبا عبد الله لقد حان وقت صلاة الظهر ولا أريد أن أخرج من الدنيا إلا وقد صليت معك هذه الصلاة، قال صدقت هذا أول وقتها» صلى الحسين صلاة الخوف بمعنى ركعتين وكانت السهام تترى عليه، هذا درس روحي هذا الدرس تكرر من أبيه أمير المؤمنين يوم صفين، الإمام علي يوم صفين والحرب مستعره على قدم وساق نزل من على فرسه وقف يصلي قالوا يا أبا الحسن أنت قائد الحرب وتصلي والحرب قائمه أبا الحسن أهذا وقت صلاه قال «على ما نقاتلهم إنما نقاتلهم لأجل الصلاة» أراد أن يعطينا درساً في أهمية الصلاة﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى الصلاة الوسطى وهي صلاة الظهر في الكافي عن الإمام الباقر هذه الرواية الصحيحه «الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله وهي وسط صلاتي صلاةٍ بالغداة وصلاةٍ بالعصر» صلاة الظهر هي وقت الإزدحام وقت العمل وقت الوظيفه فعادة الإنسان يؤخرها وهو خلاف المحافظة﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَىنحن نقرأ في زيارة الحسين «أشهد أنك قد أقمت الصلاة» كل مؤمن يصلي وليس فقط الحسين إقامة الصلاة تختلف عن الصلاه، إقامة الصلاه هي مجموعه من الخطوات يقوم بها الإنسان إذا قام بها قيل له أنت مقيم الصلاه إبراهيم يقول﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ إقامة الصلاه مجموعة أمور:

الأمر الأول: الصلاة في أول وقتها، تصلي الظهرفي أول وقتها والفجر والمغرب، الصلاة في أول وقتها هذه أول خطوه من خطوات إقامة الصلاه.

الأمر الثاني: أن تصلي بخشوع، ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَتكون صلاتك صلاة حقيقية وليس صلاة صوريه لسانيه، ورأى الإمام أمير المؤمنين رجلا يصلي وهو يعبث بلحيته قال «لو خشع قلبه لخضعت جوارحه».

الأمر الثالث: أن تضم النافله إلى الفريضه، فقد ورد عن الإمام الصادق «إنما شرعت النافله ليكمُل بها مانقص من الفريضه» النافله تكمل الفريضه.

الأمر الرابع: تفعيل أهداف الصلاه، الصلاة لها أهداف القرآن الكريم يقول﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ تفعيل أهداف الصلاه، تحويل الصلاه من صوره إلى سلوك.

إذا قام الإنسان بهذه الأمور الأربعه الصلاة في وقتها، الصلاة عن خشوع، الصلاة مع النافله، تفعيل أهداف الصلاه، قيل لهذا الإنسان أنه مقيم الصلاة﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ «اشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة».

إذن الحسين في هذا المضمون الرابع أراد أن يعلمنا معنى إقامة الصلاه «صدقت هذا أول وقتها» وصلى والسهام تترى عليه كرش المطر.

المضمون الخامس: الإستعداد للبلاء.

كيف؟ الحسين عندما ودع أهله زوجاته ليلى والرباب، أخواته زينب وأم كلثوم، بناته سكينه رقيه وفاطمة، ماوعهم بالبكاء ولا ودعهم بالعويل وقف وقال «أخيه زينب إستعدوا للبلاء واعلموا أن الله حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شر الأعداء وسيجعل عاقبة أمركم إلى خير، وسيعذب أعدائكم بأشد العذاب ويعوضكم عن هذه البليه بأنواع الكرامه والجزاء، فلا تشكو ولا تقولوا بألسنتكم ماينقص من قدركم» هذه الوصيه الحسينيه الخالدة إفتتحها بقوله إستعدوا للبلاء، كيف الإنسان يستعد للبلاء؟ الإنسان مثلا يولد له ولد معوق كيف يتعامل مع هذا الحدث؟ إنسان مثلا يحلُ عليه مرض خطير، كيف يتعامل مع هذا البلاء؟ إنسان تاجر معروف فجأة تنكسر تجارته يصبح مفلس كيف يتعامل مع هذا البلاء؟ الحسين يعلمنا يوم عاشوراء الإستعداد للبلاء لا بالإستسلام وإنما بالإسلام هناك فرق بين الإستسلام والإسلام، عندما تذهب إلى طبيب نفسي وتقول له عندي بلاء فما هو الحل؟ يقول لك يجب أن تتقبله فهذا أمر لا تستطيع تغييره يجب أن تتعامل معه بواقعيه، صحيح انا لا أستطيع تغييره لكن كلمة أنا لا اقدر على التغيير هذا يسمى إستسلام أريد شئ يخفف معاناتي يخفف آلالامِ، إذن أنت تحتاج إلى درجة الإسلام فوق درجة الإستسلام، كيف يعني الإسلام؟ القرآن الكريم يقول﴿وَمَنْ يُسْلِم وَجْهَهُ إِلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسِن فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ الرواية الشريفه إنسان إذا يريد أن يصلي يقول «وجهة وجهي وأسلمت أمري» أنت تعلم نفسك بهذه الأذكار كيف تستعد للبلاء؟ الإستعداد للبلاء الإسلام لله يعني تفويض الأمر إلى الله بأن يقول الإنسان يارب كتبت علي هذا البلاء فأعني بعطفك ومددك على الصبر والتحمل، على أن أتعامل مع هذا البلاء معاملة الإنسان المطمئن الواثق من خير هذا البلاء ونتيجة هذا البلاء.

المضمون السادس: وصول الإنسان إلى درجة الفناء.

لا حظوا إذا واجه الإنسان الحدث، إنسان أصيب بحادث سياره وبدأت تنزف الدماء من بدنه وهو ينظر إلى نفسه وهو في حالة خطر هو الآن دخل في حدث، كيف يتصرف؟ هنا درجات للعروج إلى الله من خلال الحدث كيف تعرج إلى ربك من خلال الحدث؟

الدرجة الأولى: التوكل على الله.

 بمعنى أن أثق بأن ما كتب لي لا يضيع وهو بعين الله، أن أثق بأن الله لن يكتب لي إلا ماهو صلاح لي﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَوهذا الحسين يوم عاشوراء «إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم».

الدرجة الثانية: الرضا بالحدث.

 أن تتحول من التوكل إلى الرضا فهذه تحتاج إلى شحنه روحيه عاليه أن ترضى بما حدث أن تعتبر ما حدث نعمه وليست نقمه، الرضا بقضاء الله مرتبة عظيمه من مراتب العروج إلى الله، الحسين يتحدث عن هذه المرتبه «اللهم رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك» ويقول عندما خرج من مكه «رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين» وسرت هذه المعنويه حتى لأصحاب الحسين ، برير في صباح يوم العاشر إستعدوا للقتال والسهام بدأت تترى عليهم برير يمازح عبد الرحمن الأنصاري قال: يا برير ليس هذا الوقت وقت باطل، فقال برير لقد علم القوم أني ما أحببت الباطل لا شاباً ولا كهلاً ولكننا مستبشرون بما نحن لقون فما بيننا وبين الحور العين إلا أن تأتي علينا هؤلاء الطغاة بأسيافهم» الرضا بالحدث يحتاج إلى شحنه روحيه عاليه عبر عنها الحسين وأصحابه.

الدرجة الثالثة: درجة التسليم.

 والمقصود بها أن لا يرى الإنسان لنفسه منية أمام الله عزوجل لا يأتي إنسان ويقول أنا لي سمعه ومكانه وثروه أنت أمام الله لا إنية لك، كثير من الناس يعيش هذه الحاله إنسان يعيش وجاهه إجتماعيه لكنه في المسجد يكون كأي إنسان متواضع، يأتي إنسان يخدم في المسجد أو في المأتم يخدم في الموكب هذا الإنسان الذي لا يشعر بأنية له لا يشعر بأن له موقعيه في مقام خدمة المبادئ، خدمة القيم السماويه، وهذا الذي يعيش مرتبة التسليم، التسليم أن لا ترى لنفسك نفسية ولا إنيه فليس هناك ثنائيه بأن تقول أنا وأنت بل ليس هناك إلا أنت والله رب العالمين.

الحسين وصل إلى درجة التسليم وعبر عنها يوم عاشوراء عندما قال «اللهم رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك، يا غياث المستغيثين» وكان يعبرعن هذا التسليم في كل موقع عندما ذبح الرضيع على يديه قال «هون مانزل بي أنه بعين الله» هذا تسليم.

الدرجة الرابعة: الفناء.

 والمقصود بها أن يبذل الإنسان كل ماعنده في سبيل رضا الله، بمعنى أنا لا أنتظر الحدث يأتي لكي أرضى به أنا أبادر ولا أنتظر، المبادرة بالبذل والعطاء، عطاء كل شئ عندي في سبيل الله هذا هو المحقق لمرتبة الفناء كل ماعندي لله، وهذه المرتبه تجلت يوم عاشوراء بصور حيه بصور عظيمة.

العباس بن علي عندما نزل إلى الماء وهو فارس قد اشتد به العطش ويحتاج إلى رمق من الماء كي يستمد القوة ويستعيد النشاط ويواجه القتال، لكنه تذكر أنه ما خُلق لأجل نفسه وإنما خُلق لأجل الدين، ماخُلقت لأجل نفسي كي أحوم حول نفسي، خلقت لأجل الدين والدين يتمثل في الحسين قال

يانفس من بعد الحسين هونِ

هذا   حسين   وارد  iiالمنون

تالله     ماهذه    فعال    iiدينِ



 
وبعده   لا   كنتِ   ولا  iiتكونِ

وتشربين     بارد     iiالمعينِ

ولا    فعال   صادق   iiاليقينِ

لأنني خُلقت للدين خلقت للحسين» لأن الحسين هو الممثل للدين فتجلت منه أروع صور الإيثار لأخيه الحسين ليعلمنا صورة من صور الفناء لله عزوجل.

ومن أروع صور الفناء ما تجسد في العقيلة زينب، زينب امرأة عظيمة، زينب شريكة الحسين في نهضته، زينب التي قال عنها الإمام زين العابدين وهو امام معصوم والإمام المعصوم لا يقول كلام مجاملة «عمه أنت بحمد الله عالمه غير معلمه» امرأة عالمه رزقت العلم من لدني من أمها الزهراء ومن ابيها المرتضى «أنت بحمد الله عالمه غير معلمة وفاهمة غير مفهمه» هذه المرأة العظيمة كيف تجلت فيها صور الفناء في الله يوم عاشوراء؟ زينب التي كانت عند جسد الحسين ليس هي زينب العقيلة هذه أختها الصغرى زينب، بنات الإمام علي زينب الكبرى وزينب الوسطى وزينب الصغرى، زينب الكبرى هي العقيلة هي شريكة الحسين، زينب الصغرى زوجة مسلم بن عقيل هي التي كانت عند الجسد الشريف وقت مصرعه، وأما زينب العقيلة كانت نائب الحسين ، هي التي تدير وضع الخيام بعد خروج الحسين إلى المعركة ماخرجت من الخيمه حتى قتل الحسين بن علي.

زينب العقيلة يقول حميد بن مسلم «رأينا امرأة خرجت من الخيمه تجر أذيالها خفراً وصونا تمشي بإطمئنان بثقة إلى أن وصلت إلى جسد أخيها مدت يديها تحت الجسد رفعته قليلا وقالت «اللهم تقبل منا هذا القربان» نحن ما جئنا من المدينة إلى هنا لنخوض قتالا جئنا لنتقرب إليك بأزكى وأغلى دم ألا وهو دم الحسين سيد شباب أهل الجنة «اللهم تقبل منا هذا القربان» امرأة واعية تعرف أهداف الثورة أهداف الحركة «اللهم تقبل منا هذا القربان» هذه المرأة العظيمة كانت جالسه مع الإمام زين العابدين فهبت الرياح السوداء وتغير الجو فقال زين العابدين «عمه ارفعي طرف الخيمه، رفعت طرف الخيمه ثم الفت إليها قال: عمه زينب عظم الله لكي الأجر أحسن الله لك العزاء لقد حلت الفاجعة الكبرى والمصيبة العظمى، قالت: ماذا حدث يابن اخي قال لقد قتل والدي الحسين، قالت: أرني ذلك أخذ بيدها» أراها فإذا هي ترى رأس الحسين يتلوى على رأس رمح طويل.