حقوق الإنسان في المدرسة الإسلامية

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا

انطلاقاً من الأية المباركةً نتحدث حول محورين:

  • في الأساس لحقوق الإنسان بحسب المدرسة الإسلامية.
  • في ما تميزت به هذه المدرسة من حقوق الطفولة.

المحور الأول:

هناك مدرستان معاصرتان تناولاتا حقوق الإنسان: معاصرتان تناولاتا حقوق الإنسان:

1» المدرسة الليبرالية.

2» المدرسة الإسلامية.

المدرسة الليبرالية:

كيف تناولت المدرسة الليبرالية حقوق الإنسان؟ ركزت هذه المدرسة على ثلاثة عناصر:

العنصر الأول: المرجع في حقوق الإنسان الطبيعة. علي أي أساس نقوم حقوق الإنسان؟ نقوِم حقوق الإنسان على ما أنتجته الطبيعة، الطبيعة أنتجت الإنسان حراً، وُلِد الإنسان وهو حر، حرٌفي فكره، حرٌ في سلوكه، حرٌ في ممتلكاته، بما أن الإنسان وُلِد وهو حر، إذً المقياس في حقوق الإنسان هو الحرية، الطبيعة أنتجت الإنسان حراً، بما أن الطبيعة أنتجت الإنسان حراً، فالحرية هي المقياس وهي الميزان في حقوق الإنسان، كما يقول الفيلسوف الإنجليزي كانت ”أن الإنسان غاية وليس وسيلة“ الإنسان هو الغاية، الغاية من كل القوانين والهدف من كل القوانين توفير الحرية لهذا الإنسان، فحرية الإنسان هي الغاية وليس الوسيلة، الأنسان كما أنتجته الطبيعة حراً، فحريته غاية، وحريته هدف لجميع القوانين.

العنصر الثاني: ان للإنسان الحرية المطلقة مالم تتعارض مع حرية الآخرين، مالم يضر ويخدش بحرية الآخرين فلهو الحرية المطلقة، هو حرٌ في فكره، هو حرٌ في سلوكه، هو حرٌ في طرق امتلاكه للثروة، هو حرٌ في علاقاته مالم يعتدي على حرية الآخرين فهو حر، الحرية المطلقة مكفولة للإنسان بمقتضى مافرضته الطبيعة عندما أنتجت الإنسان حراً.

العنصر الثالث: مسألة الملكية، الملكية حقٌ مقدس، بمعني أن لا قيود لملكية الإنسان، الإنسان بإمكانه أن يمتلك كيفما شاء وبأي طريقٍ شاء ومتى شاء، المِلكية مفتوحة الأبواب بمصراعيها أمام هذا الإنسان يمارسها بالنحو الذي يريد، إذاً هذه عناصر ثلاثة تناولتها المدرسة الليبرالية حينما تناولت حقوق الإنسان وحينما تحدثت عن حقوق الإنسان.

نسجل نحن ثلاث ملاحظات على هذه المدرسة ثم ننتقل ماتطرحه المدرسة الإسلامية حينما تتناول مسالة حقوق الإنسان: على هذه المدرسة ثم ننتقل ماتطرحه المدرسة الإسلامية حينما تتناول مسالة حقوق الإنسان:

الملاحظة الأولى:

عندما نقول الإنسان كما أنتجته الطبيعة، الطبيعة أنتجت الإنسان حراُ، فالحرية هي المقياس والحرية هي الميزان، الإنسان أنتجته الطبيعة لا يتميز عن الحيوان، لو جعلنا المقياس الإنسان كما أنتجته الطبيعة لم يكن هناك مائزٌ جوهريٌ وفاصلٌ حقيقيٌ بين الإنسان وبين الحيوان، الإنسان كما أنتجته الطبيعة مجموعة من الغرائز، مجموعة من الميول، مجموعة من النزعات الشهوية، لو جعلنا الميزان الإنسان كما أنتجته الطبيعة لم يبقى فرقٌ واضح بين الإنسان والحيوان، الإنسان يحتاج الى لغة، يحتاج الى بيئة، يحتاج إلى تربية، حتى تكتمل فيه فصول الإنسانية وتكتمل فيه مظاهر الإنسانية، فلو جعلنا الإنسان كما أنتجته الطبيعة مقياساً للحقوق، لم يبقى فرقٌ بين الإنسان والحيوان.

الملاحظة الثانية:

عندما يقال أن الإنسان له الحرية المطلقة مالم يعارض حرية الآخرين، هل الإنسان حرٌ أن ينطوي على نفسه؟! هل للإنسان حقٌ أن ينطوي على نفسه ويعتزل الحياة ويصبح عضواَ مشلولاَ لا حركة له في في بناء الحضارة وفي صنع الحياة؟! هل من حق الإنسان بحجة حرية الإنسان أن ينطوي وأن ينعزل عن بناء الحضارة وصنع الحياة؟! ليس الأمر كذلك!! لو قلنا بأن الإنسان حرٌ حتى في أن يعتزل وحتى أن ينطوي على نفسه، فهذه الحرية عبارة آخرى عن تربية الإنسان على الأنانية، أن لا يفكر الا في أناه ولا يفكرإلا في نفسه، من حقه أن يعتزل، من حقة أن ينفتح، من حقه أن ينطوي على ذاته، من حقه أن يشُل حركته، هذه ليست حريةً وإنما تربيةٌ للإنسان على الأنانية والخلود والتقوقع حول دائرة النفس.

الملاحظة الثالثة:

نحن عندما نقول أن الأنسان له الملكية المطلقة، يكتسب أموالاً وثروةً كيفما شاء وبأي طريق شاء ومتى شاء، هذا الطرح ليس عملياً، لماذا؟ نحن عندما نلاحظ الواقع الخارجي الذين يقتدرون على الملكية المطلقة طبقة من الناس وليس جميع الناس، الطبقة الرأسمالية التي تمتلك رأس مال، تمتلك فرص عمل، تمتلك علاقات مؤثرة، هؤلاء هم الذين يمكن أن نقول لهم الملكية المطلقة بأشتى أبوابها وحقولها. اما هناك طبقة من الناس لا تملك الوسائل للحصول على الثروة التي تصل عبر فتح باب الملكية. إذا هذا الطرح ليس طرحاً عملياً كي يكون بنداً أساسيا من بنود حقوق الإنسان.

المدرسة الإسلامية:

المدرسة الإسلامية تناولت مسألة حقوق الإنسان، كيف تناولتها المدرسة الإسلامية بحيث تميزت عن المدرسة الليبرالية؟

المدرسة الإسلامية طرحت أصولاً أربعة لمسألة حقوق الإنسان:

الأصل الأول:

من هو المرجع في حقوق الإنسان؟ هل المرجع هو الطبيعة أم المرجع شيئا آخر؟

المدرسة الليبرالية ترى أن المرجع في حقوق الإنسان الطبيعة، الطبيعة أنتجت الإنسان حراً، إذاً المقياس في حقوق الإنسان هو الحرية. المدرسة الإسلامية تقول لا، المرجع في حقوق الإنسان هو الأصيل في الوجود، من هو الأصيل في الوجود؟! الأصيل في الوجود هو الله، يعني الله تبارك وتعالى. إذا آمن الأنسان بالله، آمن بأن هناك موجوداً أصيلاً، الوجود ذاتيٌ له وباقي الموجودات إنما قد اكتسبت وجودها منه وقد اكتسبت حقيقها منه، الذي له الوجود بالذات وبالأصالة لم يكتسب الوجود من غيره ولم يستقي الوجود من غيره هو الله تبارك وتعالى، هذا الذي له الوجود بالأصاله هو الذي أفاض الوجود على الأشياء الآخرى وعلى الماهيات الآخرى وعلى الحقائق الآخرى فوجدت، من له الأصالة في الوجود هو المرجع في الحقوق. الإنسان مادوره؟ أنا لست أصيلاً في هذا الكون، أنا أخذت وجودي واكتسبت حياتي من مصدر آخر وهو الله تبارك وتعالى، أنا لست أصيلاً في هذا الكون، بما أنني لست أصيلاً، إذاً ماهو دوري؟؟ دوري دور الخليفة، دور الوكيل قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.

أنا دوري دور الخلافة وليس دور الأصالة، أنا لست أصيلا في هذا الكون أنا مجرد وكيل ومجرد خليفة، بما أني لست أصيلا، إذاُ أنا لا أملك شيئاً لأنني لست أصيلا في الكون، لا أملك نفسي لا أملك جسمي لا أملك أموالي لا أملك نَفَسي لا أملك شيئاً، كل ماعندي إنما هو عاريّه إنما هو أمانة، أنا مجرد خليفة حتى على نفسي وحتى على جسمي وحتى على نَفَسي وحياتي وأموالي، أنا مجرد خليفة ووكيل لا أملك شيئاً، المِلكُ كله للأصيل في هذا الكون ألا وهو الله تبارك وتعالى.

بناءً على هذا، المرجع في الحقوق هو الله، هو الذي يقرر حقوق الإنسان لان الإنسان ملكه، هو الذي يقرر نظام حقوق الإنسان لان الإنسان منتزعٌ منه مستقى منه ومستفادٌ منه، فهو المرجع في تنظيم وفي تقرير حقوق الإنسان، لأجل ذلك نجي الى مسألة الأموال وملكية الأموال، الآية المباركة تقول: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاما ما معنى جعل الله لكم قياما؟ يعني هذه الأموال إنما هي وسيلة لكي تتقوتوا بها، القيام يعني القوت الضروري، جعل لكم هذه الأموال قياماً أي جعل قِوامُ حياتكم بهذه الأموال جعل قوت حياتكم وزاد حياتكم بهذه الأموال، هذه الأموال ما هي الاوسيلة لتحصيل قوام الحياة ولتحصيل زاد الحياة، وليست غاية وليست هدفاً، أنتم خلفاء في التصرف بهذه الثروة في مايبني الحياة ومايبني قوام الحياة. الأصل الأول من أصول حقوق الإنسان أن المرجع في الحقوق هو الله تبارك وتعالى.

الأصل الثاني:

هناك عنوان تطرحه المدرسة الإسلامية يختلف عن العنوان الذي تطرحه المدرسة الليبرالية، العنوان الجامع الذي تطرحه المدرسة الليبرالية عنوان «حقوق الإنسان» بينما العنوان الجامع الذي تطرحه المدرسة الإسلامية عنوان «كرامة الإنسان»، يختلف عنوان حقوق الإنسان عن عنوان كرامة الإنسان، القرآن الكريم قال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاما معنى كرمنا بني آدم؟ يعني سائر هذه الحقوق، سائر هذه النعم إنما أعطيناها للإنسان تكريماً له على إنسانيته، هذه الحقوق جُعلت للإنسان تكريماً له على آدميته، معنى ذلك أن الإنسان الذي حافظ على إنسانيته يستحق هذه الحقوق لانها جُعلت تكريماً له، والإنسان الذي شوه إنسانيته وخرج عن إطار الإنسانية فليس موضوعاً لهذه الحقوق، موضوع الحقوق الإنسان الحقيقي يعني الذي عاش قُطرَ الإنسانية عاش حقيقة الإنسانية عاش مبادئ الإنسانية، أما الذي خرج عن إطار الإنسانية، فليس أهلاً لأن يُكرم وليس أهلاً أن يعطى هذه الحقوق.

مثلا: صدام أو يزيد أوالحجاج الذي خرج عن مبادئ الإنسانية، شوه إنسانيته تحول الى وحشٍ كاسر، تحول الى حيوان يعيش العنف والإرهاب والدمار، إذا خرج عن إطار الإنسانية فليس أهلاً للكرامة وليس أهلاً لان يُعطى الحقوق لأن هذه الحقوق إنما أعطيت تكريما للإنسان ولما تُعطى لأي موجودٍ يعيش الصفات الجسدية التي يعيشها كل إنسان.

الأصل الثالث:

أن الأمور ثلاثة، ليست كلها حقوق، نحن نلاحظ اختلاف بيننا وبين المدرسة الليبرالية في البند القانونوي، نحن لانعبر عنها كلها حقوق وإنما نقول الأمور ثلاثة:

1/ضرورات. 2/وحقوق3/ وانبغاءت. وفرقٌ بين هذه العناوين الثلاثة.

العنوان الأول: الضرورات، ما معنى ضرورات؟ يعني التي تقوم الحياة بها ولايمكن تقوم الحياة الابها، مثلا حياة الإنسان ليست حقاً للإنسان، حياة الإنسان ضرورة والضرورة أعظم درجةً من الحق، لو كانت الحياةُ حقاً فمن حق الإنسان أن يتنازل عن حياته، إذا كانت الحياة حقاً لي اذاً فمن حقي أن أتنازل عنها، من حقي أن أنتحر، من حقي أن أقضي على حياتي، من حقي أن أعتزل هذه الحياة وأنتقل الى عالمٍ آخر لأن الحياة من حقوقي ولكل إنسان أن التصرف في حقوقه بما يريد، الإسلام يقول ليست الحياة حقاً لك، إنما الحياة ضرورة يقوم عليها الوجود ويقوم عليها الكون، والضروره أعظم درجةً وأعظم مرتبةً من الحقوق قال تعالى: ﴿أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا الحياة ضرورة وليست حقاً حتى يتنازل عنه الإنسان متى ماأراد وكيفما أراد.

العنوان الثاني: عنوان الحقوق، مثل حق الزوجة على الزوج أن ينفق عليها، حق الولد على والده أن ينفق عليه، النفقة حق يمكن أن تتنازل عنه الزوجة ويمكن أن تهبها للزوج، هذا حقٌ من الحقوق.

العنوان الثالث: عنوان إنبغاءت، يعني هناك أمور كمالية رجحها الإسلام ولم يفرضها فرضاً مثلا قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ الإنسان المتدين من شأنه أن يتزين كي يكون عنصراً جذباً للآخرين، هذا ليس حقاً ولكنه إنبغاء أي أمرٌ كمالي ترجحه المدرسة الإسلامية. فعرفنا أن الأمور ثلاثة ضرورات وحقوق وإنبغاءت.

الأصل الرابع:

الإسلام يختلف عن المدرسة الليبرالية في أنه يمزج بين الحقوق والأخلاق، لاحقوق بدون أخلاق، المدرسة الليبرالية تفصل بين الأمرين، هناك حقوق وهناك قيم، أما المدرسة الإسلامية فترى الإمتزاج والإنصهار بين مسألة الحقوق ومسألة القيم، لايمكن الفصل بين الحقوق وبين القيم، لايمكن الفصل بين الحقوق وبين الأخلاق، مثلاً من حق الإنسان أن يلبس مايشاء ولكن هل من حق الإنسان أن يعيش الشذوذ الجنسي بحجة أن هذا من حقوقه؟ هل من حق الإنسان أن يعيش الممارسات الجنسية الشاذة كما تُشّرعه بعض الدول؟ أن من حق الإنسان أن يقع زواجٌ بين الرجلين أو بين الإنثيين، هل هذا من حقه؟

المدرسة الليبرالية تقول هذا من حقه، وُلِد حراً فله الحرية، المدرسة الإسلامية تقول لايمكن الفصل بين الحقوق وبين الأخلاق، الحقوق تحدها الأخلاق، لايمكن التفكيك بينهما، لذلك إنما تجعل وتقع الحقوق للإنسان إذا كانت في إطار الأخلاق أي إذا كانت في إطار الفطرة البشرية، بما أنه ليس من الفطرة البشرية الزواج بين المِثليين الرجلين أو الأنثيين، هذا شاذ عن الفطرة البشرية، إذا هذا ليس من الحقوق لأنه لايلتقي مع القيم الفطرية ولايلتقي من الأخلاق الفطرية، هؤلاء الذين يعيشون هذا النهم وهذا النفَس مرضاء، يُهيئ لهم مصحات تعالج انحرافهم وشذوذهم، لا أن من حقوقهم الشذوذ عن القيم الفطرية التي هي حدود وأَطر للحريات وللحقوق المفروضة. إذن هذه أصول المدرسة الإسلامية مقابل ما ذكرته المدرسة الليبرالية في مسألة حقوق الإنسان

المحور الثاني:

أول كرامات الإنسان حقوق الطفولة، منظمة اليونسيف تكلمت عن حقوق الطفولة لكن المدرسة الإسلامية تميزت عن حقوقٍ لم تذكرها المنظمات الإنسانية الأخرى ولم تتعرض لها اللوائح القانونية لحقوق الإنسان، تحدثت المدرسة الإسلامية عن حقوقٍ للطفولة لم يتحدث عنها نظامٌ آخر. ما الذي تميزت به المدرسة الإسلامية في مجال حقوق الطفولة؟ قسمت حقوق الطفولة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الحقوق الإعدادية

كيف؟ قبل مجيء الطفل الى الدنيا أو قبل أن يتكون جنياً في بطن أمه، قبل أن ينعقد نطفة له حقوق، المدرسة الإسلامية جعلت حقوقاً للإنسان قبل أن يتكون في بطن أمه، قبل أن تنعقد نطفته في جدار الرحم المدرسة الإسلامية جعلت له حقوقا إعدادية معينه. ماهي هذه الحقوق؟

الحق الأول: حق الاغتراب، ما معنى حق الإغتراب؟ ورد عن النبي : ”اغتربوا ولاتضوو“ مامعنى هذا الحديث؟ معناه كما يذكر الشيخ المجلسي صاحب البحار ”قدس سره“ أن الزواج من العائلة الواحدة من الأرحام قد يكون مصدراً للأمراض، أحيانا يكون مصدراً لانتشار أمراض وراثية لا يمكن تفاديها ولا يمكن علاجها، لذلك متى ما شخص الإنسان أن عائلة معينة أو قبيلة معينة هو ينتمي إليها هو ينتسب إليها لكن متى ما شخص أن تداخل عروق العائلة وتداخل أنساج هذه العائلة يكون وسيلة لانتقال الأمراض الوراثية، فهو هنا منصوح كحق من حقوق طفله الذي سيأتي ولابد أن يأتي سليماً معافى من هذه الأمراض الوراثية، من حق طفله أن يغترب عن هذا النسب العائلي. إذاً، من حق هذا الطفل أن يُولد سليماً من الأمراض، أن يولد معافى من الأمراض، هذا حق من الحقوق الإعدادية السابقة على تكون الطفل.

الحق الثاني: حسن الاختيار، الإسلام يركز على حسن الاختيار ”اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس“ ”إياكم وخضراء الدمن قالوا وما خضراء الدمن قال المرأة الحسناء في منبت السوء“ ولذلك ذكر القرآن الكريم على لسان نوح : ﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا «26» إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ولايلدوا: إشارة إلى العوامل الوراثية المستحكمة، كيف أن هذه الجينات الوراثيةعبر الحامض النووي تنقل هذه الصفات الوراثية المؤثرة. إذاً حسن الاختيار حق من حقوق الطفل الذي لم يأتي بعد ولم يتكون بعد ولكن من حقه حسن الاختيارأي حسن اختيار الأم التي تلده والأم التي ستربيه وتحتضنه.

الحق الثالث: الشرعية، من حق الطفل أن يتكون من أبوين شرعيين، هذا حقٌ لا تنادي به المدارس الأخرى لكن الإسلام ينادي به، من حق الطفل أن يتولد من أبويين شرعيين، الطفل الذي يفقد الشرعية يعيش شخصية مضطربة يعيش شخصية مهزوزة، يشعر بعقدة النقص وأنه أقل من الأخرين حينما يلجأ إلى أبويه وحينما يحتمي بهما وحينما يتذرع بهما. إذاً، من أجل ألا يعيش هذا الطفل المسكين عقدة النقص وعقدة الحرمان فمن حقه قبل أن تنشئ نطفته أن تنشئ من أبوين شرعيين. هذا مانسميه بالحقوق الإعدادية

القسم الثاني: الحقوق الجنينية

هذا الطفل انعقدت فيه النطفة والتقى الحوي من المنوي مع البويضة وتكونت النطفة والتصقت بجدار الرحم، حينها بدأ الجنين يخط حياته وبدأ يتكون، هنا تثبت له حقوق يسميها الإسلام بالحقوق الجنينية:

الحق الأول: حق الحياة والبقاء، ليس من حق أحدٍ أن يجهضه، هذا قضاءٌ على حياته حتى ولو كان نطفة، في الرواية المعتبرة عن الإمام الصادق : ”المرأة تخافُ الحبل فتشرب الدواء“ يعني تشرب الدواء الذي يسقط النطفة بعد انعقادها ”قال لا، قلت إنه نطفة، قال إن أول ما يُخْلق نطفة“ هذا إنسان وإن كان نطفة، هذا إشارة إلى الوجود الإجمالي والوجود التفصيلي، كل مخلوق له وجود إجمالي وله وجود تفصيليي، هذه الشجرة المثمرة لها وجودان، وجودٌ تفصيلي، شجرة مثمرة ذات عروق وأغصان، وكان لها وجودٌ إجمالي عندما كانت بذرة، هذه الشجرة كلها كانت موجودة وجوداً إجمالياً ضمن البذرة، أيضاً هذا الإنسان العملاق بأفكاره، العملاق بإنجازاته، كان موجوداً وجوداً إجماليا في تلك النطفة الصغيرة الحقيرة، كان موجودٌ ضمنها.

إذن هو إنسان فلا يجوز الإجهاض عليه ولا يجوز قتله وإن كان نطفة، لذلك يذكر الفقهاء أنه بعد انعقاد الروح يعني بعد اثنا عشر أسبوع، إذا أكمل الجنين اثني عشر أسبوعاً انعقدت الروح وأصبح إنساناً كاملاً، قبل اثني عشر أسبوع هو إنسان، لكنه يعيش حياتاً نباتية تدريجية، هو إنسان يعيش حياة نباتية، بعد اثني عشر أسبوع لا يجوز إجهاضه على كل حال حتى لو كان مشوهاً، حتى لو كان مريضاً، قبل اثني عشر أسبوع، إذا كان بقاءه حرجاً شديداً لا يُتحمل على أمه، يجوزلها إجهاضه إذا لم يكمل اثني عشر أسبوعاً وكان بقاءه حرجاُ شديداً لا يُتحمل، يجوز لها إجهاضه ولكن مع دفع الدية، النطفة ديتها أربعون دينا.

مثلاً: العلقة ديتها ثمانون دينار، المضغة ديتها مائة وعشرون دينار، لكل مرحلة من مراحل وجوده دية معينه عندما يجهض عليه، إذاً، الحق الجنيني الأول حق البقاء وحق الحياة.

الحق الجنيني الثاني: النفقة، كيف أنا أنفق على هذا الجنين وهو في بطن أمه؟ كيف يكون له حق النفقة؟ يقول القرآن الكريم: ﴿وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ إذا طلق الرجل امرأته تستحق النفقة مع أنه طلاقها، تستحق النفقة حتى تضع ذلك الجنين، النفقة نفقةٌ عليها ولكنها بالنتيجة نفقة للجنين محافظةً على غذاءه ومحافظةً على حياته، يشترط الإسلام على زوجها الذي طلقها بقاء النفقة حتى تضع حملها، إذا وضعت حملها بدأ القسم الثالث من الحقوق ألا وهو حقوق مابعد الولادة:

الحق الأول مابعد الولادة: حُسن الإسم، أن تختار له اسم حسن، من حقه أن تختار له اسمٌ حسن، أن لاتسميه اسماً قبيحاً، ورد عن النبي : ”من حق الولد على الوالده أن يُحسن اسمه وأن يستفره أمه وأن يأدبه وأن يعلمه كتاب الله“، يستفره امه: يعني يغدق على امه من حنانه ومن عطفه ومن نعم الحياة، حتى إذا احست الأم بالإطمئنان والإستقرا، ربة ابنها تربية مستقرةً هادئةً، ولذلك ورد في الحديث أفضل الأسماء ماعُبد وحُمد، ويستحب أن يسمى المولد سبعة أيام محمد ثم يُختار له أي اسمٍ آخر يراد تسميته.

الحق الثاني من حقوق مابعد الولادة: الرضاع، له حقٌ في لبن امه كما يقول الأطباء: الذي يرتضع من لبن امه، لبن امه بمثابة الحصانة من كثير من الأمراض، وكما يقول علماء النفس: الطفل الذي يشرب حليب امه إنما يشرب حنانها وعطفها وهدوئها وسكينتها، ليست المسألة مسالة مادية، وإنما هي مسألة نفسية ومسألة وجدانية، لذلك كان للطفل حقٌ في لبن امه، لذلك القرأن الكريم يذكرأن الأم لو طلبت أُجرة على إرضاع الطفل تعطى الأجرة، المهم أن يصل حليب امه إليه فَإِنْ قال تعالى: ﴿أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ.

الحق الثالث: تعليمه الأدب، أدب الكلام، أدب الحوار، أدب التعامل مع الناس، ورد عن الإمام أمير المؤمنين أنه يقول لإبنه الإمام الحسن ”يابني إنما قلب الحدث كالأرض الخالية كلما أُلقيا فيها شئٌ قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك وينشغل لُبك وجدتك بعضي بل وجدتك كلي“.

الحق الرابع: حق التعليم، فرص التعليم ربما تكون متوفرة لهذا الطفل ولكن المقصود أن هناك تعليماً خاصاً، المقصود تعليم الطفل علماً خاصاً كما ورد عن الإمام الصادق ”علموا أولادكم من علمنا ماينتفعون به لاتسبقكم المرجى“ تراث أهل البيت ينبغي أن يطلع عليه أبنائنا، تراث أهل البيت ملئ بالقيم، ملئ بالمعلومات، ملئ بما يغني الإنسان في حضارته وفي حياته وفي إنجازاته، تراث أهل البيت هذا التراث الضحم ينبغي أن يصل الى أبنائكم قبل أن تسبقكم التيارات الآخرى والإتجهات الاخرى لتؤثر على صنع أبنائكم، لتزرع أفكاراً غريبةً في أذهان أبنائكم، علموهم من علمنا مايكون حصانةً لهم ومايكون جُنةً لهم قبال واتجاه الأفكار الاخرى، وإذا نظرنا الى أطفال أهل البيت كيف تميزوا؟

تميزوا بالبيئة، البيئة فرضت أن يكونوا متميزين، البيئة التي عاشوها فرضت أن يكونوا عباقرة وأن يكونوا نوابغ لأنهم تلقوا من بيئة العلم ومن بيئة المعرفة ومن بيئة الأدب السامي مايجعلهم رموزاً للمسيرة الإنسانية ورموزاً للتاريخ المشرق، لاحظوا أطفال أهل البيت كيف تسابقوا يوم كربلاء لنصرة الحسين ، هم أطفال لكنهم وعوا معنى التضحية، وعوا معنى الفداء، وعوا معنى قيمة المبادئ وقيمة القيم، لذلك تسابقوا واحداً تلو الآخر دون أبي عبدالله الحسين وهذا لم يقتصر على ابناء أهل البيت، بل أبناء الأنصار الذين تأثروا بقيم الحسين وتأثروا بمدرسة الحسين .