مسيرة الانسان وعلاقته بالقضاء والقدر

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة:

1/ علاقة إرادة الإنسان بالقضاء والقدر.

2/ ضرورة التغير بالنسبة لمسيرة الإنسان.

3/ سنن التغير التي يعتمد عليها الإنسان في مسيرته.

المحور الأول:

هناك سؤال يتبادر لذهن كل إنسان، هل أننا نسير على مخططاً جاهزاً رسم لنا قبل أن نأتي إلى هذا العالم أما أننا نبني مسيرتنا ونبني تاريخنا بأيدينا وإرادتنا؟ هل هناك خارطة جاهزة لا سبيل لأرادتنا ولا لاختيارنا في صنعها ونحن نسير عليها؟ أم ليس هناك خارطة جاهزة قبل وجودنا؟، نحن رسمنا هذه الخارطة بأيدينا وبإرادتنا؟ عندما نرجع لآيات القرآن الكريم نجد أن الآيات القرآنية على ثلاثة أصناف:

الصنف الأول:

صنف ظاهره أن هناك خارطة جاهزة يسير عليها الإنسان ليس لإرادته وليست لاختياره مجال للتغير أو التبديل، مثلاً قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، ومثلاً قوله تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ، ومثلاً قوله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ، هناك خزانه وهناك خارطة مهيأة له ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ.

الصنف الثاني:

صنف ظاهره أن مستقبل الإنسان ليس جاهزاً وليس مرسوماً، مستقبل الإنسان ومصير الإنسان بيد الإنسان نفسه وبإرادة الإنسان نفسه قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ، إرادة الإنسان تصنع التغير قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فمصيرهم كان بأيديهم وبإرادتهم ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ، ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً الأمر بيده وبإرادته.

الصنف الثالث:

صنف زاهرة أن هناك مخططاً قبل وجود الإنسان لكن هذا المخطط يقبل التغير ويقبل التبديل، مثلاً قوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، وقوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ أي أن هناك قابلية للتغير وقابلية للتبديل.

هذه الأصناف من الآيات القرآنية، كيف نجمع ما بينها؟، وكيف نوحد مضموناً يجمع هذه الآيات المباركات؟ فهنا نطرح عدة أسئلة. هل القضاء حتمي؟ هل لإرادة الإنسان مدخليه في تغير القضاء؟ هل أن هناك عوامل أخرى تتدخل في تغير القضاء وراء الإرادة الإلهية أما لا؟

هل القضاء حتمي؟

حتى نعرف أن القضاء حتمي أم غير حتمي علينا أن نقدم الموجودات إلى «عالم الخلق وعالم الأمر»، القرآن الكريم يقول: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ هناك خلق وهناك أمر، هناك عالم أسمه عالم الأمر، هناك عالم أسمة عالم الخلق، لكل عالم قانون ولكل عالم قضاء.

عالم الأمر: العالم الذي المؤثر المباشر فيه إرادة الله تبارك وتعالى، هناك عالم لا مؤثر فيه إلا إرادة الله، يعني لا توجد أسباب ولا توجد وسائط، السبب المؤثر الوحيد المباشر فيه إرادة الله تبارك وتعالى، هذا يسمى بعالم الأمر وعالم المجردات عن المادة كعالم الملائكة مثلاً. هذا من أين أخذناه؟؟

من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، هناك عالم لا يعتمد إلا على أمره تبارك وتعالى، السبب المؤثر المباشر فيه أمره تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، هذا العالم يسمى بعالم الأمر، مثل عالم الملائكة.

عالم الخلق: هناك عالم توجد فيه وسائط بين إرادة الله وبين هذا الموجود توجد فيه أسباب ومسببات، هذا العالم يسمى بعالم الخلق، عالم الخلق خاضع لقانون الأسباب والمسببات المادية وليس السبب المباشر فيه الأمر الإلهي، هناك أسباب ومسببات مادية، ما معني هذا الكلام؟

الله بإمكانه أن يوجد جسد الإنسان، جسد الإنسان من عالم الخلق جسد الإنسان من عالم المادة وليس من عالم الأمر وعالم المجردات عن المادة، بإمكانه أن يخلق جسد الإنسان بدون أي سبب مادي وبدون أي واسطة مادية، هذا بإمكانه أن يخلق فعلي وكلامي وصلاتي مشيّ من دون أي واسطة، بإمكانه ولكنه تبارك وتعالى حيث علم أن صلاح الوجود المادي يتوقف على حركة الأسباب والمسببات المادية، علم أن هذا العالم المادي لا يمكن أن يكتب له صلاح إلا بالحركة والحركة تعتمد على سلسلة من الأسباب المادية والمسببات المادية. هذا العالم المادي المتحرك حركته تحتاج إلى سلسلة من الأسباب المادية لذلك ربط الله المسببات في هذا العالم بأسباب مادية بوسائط مادية مع إمكانه أن يخلقه بلا وسائط.

لذلك سمي هذا العالم الذي يعتمد على وسائط مادية والذي يعتمد على أسباب مادية لكي يتحرك سمي «بعالم الخلق» مقابل «عالم الأمر» الذي لا توجد به وسائط مادية، المؤثر المباشر فيه أمر الله تبارك وتعالى إذا عرفنا الفرق بين عالمين فلكل عالم قانون، عالم الأمر أي عالم المجردات عن المادة كعالم الملائكة هذا العالم لقضاء فيه حتمي، عالم يرتبط بأمر الله بشكل مباشر ويرتبط بإرادة الله بشكل مباشر، القضاء فيه حتمي ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ وقال تعالى: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، القضاء هناك في عالم الملائكة قضاء حتمي لا يقبل التغير والتبديل.

بينما نأتي إلى «عالم الخلق»، هذا العالم يحتاج إلى وسائط مادية، المفيض للوجود هو الله لكن إفاضته للوجود ربطها هو جل وعلا ربطها بأسباب مادية وربطها بوسائط مادية تماماً الإنسان مثلاً: عندما يريد أن يكتب بعض السطور على ورقة معينة يأتي بالقلم ويده تعمل، القلم يتحرك ويده تتحرك وعقله أثناء الكتابة يتحرك الذي يفيض الكتابة هو الإنسان، الإنسان بما أعطى من طاقة هو الذي يخلق الكتابة لكن إيجاد الإنسان للكتابة لم يصبح بشكل مباشر أعتمد على وسائط، واسطة حركة اليد وواسطة حركة القلم، الإنسان يفيض وجود الكتابة بما أعطي من طاقة وقدرة خلاقة لكن إفاضة الكتابة احتاجت إلى وسائط، واسطة حركة اليد وواسطة حركة القلم، الله تبارك وتعالى بإمكانه أن يوجدنا بلا وسائط لكنه تبارك وتعالى ربط إفاضة الوجود من أجل ضمان حركة عالم المادة ربطة بوسائط مادية.

مثلاً: الجنين يوجد بواسطة مادية لقاء بين الذكر والأنثى، المفيض للوجود هو الله لكن لقاء الذكر والأنثى واسطة في ذلك الفيض وهكذا الأمور الأخرى.

عالم المادة، عالم يعتمد على الوسائط المادية لأجل أنه يعتمد على الوسائط المادية هذا العالم ليس القضاء فيه حتمي دائماً بل القضاء في هذا العالم المادي ينقسم إلى قسمين:

1/ قضاء حتمي.

2/ قضاء غير حتمي.

متى يكون حتمي ومتى يكون غير حتمي؟

هذا العالم المادي المعتمد على الوسائط وسلسلة الأسباب المادية ينقسم إلى نظم وظواهر، فيه أنظمة وفيه ظواهر تخضع لهذه الأنظمة، أما الأنظمة فهي ثابتة والقضاء فيه حتمي، مثلاً: إذا بلغت درجة حرارة الماء مئة في الظروف الاعتيادية نقصد إذا بلغت درجة حرارة الماء مئة فإنه يغلي هذا نظام، هذا النظام لا يتغير في الظروف الاعتيادية، الظاهرة قد تتغير الماء ينتقل من درجة معينة من الحرارة إلى درجة أعلى من الحرارة، حرارة الماء قد تتغير من درجة إلى درجة، الماء قد يتغير من مائع إلى بخار ومن بخرا إلى مائع هذه ظواهر، الظواهر تتغير من حرارة إلى حرارة أعلى، من مائع إلى بخار، من بخار إلى مائع هذه ظواهر والظواهر تتغير، أما النظام الذي يحكم هذه الظواهر إذا بلغت درجة حرارة الماء مئة فإنه يغلي هذا النظام لا يتغير، إذن عندنا نظام وهو ثابت ويسمى «قضاء حتمياً».

وعندنا ظواهر وهي متغيرة والقضاء فيها «غير حتمي»، مثلاً: إلى إرادة الإنسان، الإنسان قبل أن يريد شيءً عدة أسباب وعدة مقدمات وعدة خطوات يمر بها، مثلاً أنا أريد أن أستمع المحاضرة في المأتم الفلاني أولاً: أتصور المحاضرة، ثانياً: أذعن بأن فيها فائدة أو ليس فيها فائدة، ثالثاً: إذا كانت هناك موانع أو عوائق عن حضوري للمحاضرة أدفع هذه العوائق والموانع، رابعاً: يحصل لي شوق ورغبة نحو المجيء لاستماع المحاضرة، خامساً: تأتي مرحلة الإرادة، الإرادة ما هي؟ إشارة الدماغ للأعصاب بالحركة، هذه الإشارة الدماغية عندما يرسل الدماغ إشارة لأعصاب البدن وأعضاءه بأن تتحرك، جاءت مرحلة الإرادة ومرحلة الإرادة مسبوقة بخطوات كما ذكرناها، إذا جاءت مرحلة الإرادة حصل الفعل قبل أن تأتي مرحلة الإرادة الفعل لا يحصل.

إذن عندنا نظم في هذا الكون وهذه النظم ثابتة ونسميها بالقضاء الحتمي وعندنا ظواهر والظواهر قد تتغير وقد تتبدل والقضاء في الظواهر المادية ليس قضاء حتمياً، حتى أشرح الأمر أكثر عالم المادة، عالم الصراع بين الأسباب وعالم الصراع بين العوامل لأجل أنه عالم الصراع بين العوامل والأسباب فالقضاء فيه ليس حتمياً، مثلاً: عندما يولد الإنسان أحياناً يخرج الإنسان من بطن أمه وهو يملك جسم صلباً وهذا الجسم قابل لأن يبقى مئة سنة لو لم تحصل له طوارئ تعجله بفنائه، صلابة هذا الجسم أعطي جسم صلباً صلابة هذا الجسم سبب يقتضي البقاء مئة سنة، هذا يسمى قضاء وهناك قضاء معاكس هذا الإنسان الذي يمتلك جسماً صلباً يعيش في بيئة ملوثة كونه يعيش في بيئة ملوثة سبب للفناء وصلابة الجسم سبب للبقاء كلن منهما قضاء ولكن منهما قدر هذا الإنسان حف بقضائيين متعاكسين صلابة الجسم والبيئة الملوثة حف بقدرين متعاكسين صلابة الجسم والبيئة الملوثة ونتيجة الصراع بين هذين القضائيين وبين هذين القدرين لا يكون القضاء حين إذن حتمياً، هذا الأمر معرض للتغير قد يطغى هذا القضاء على هذا القضاء فيبقى، قد يطغى هذا القضاء على الأول فيفنى، إذن القضاء في الظواهر المادية غير حتمي لماذا؟

لأن الظواهر المادية محفوفة بأسباب متعاكسة ومحفوفة بصراع بين أقضية متناقضة وبين أقدار متناقضة لذلك القضاء في الظواهر المادية ليس قضاءً حتمياً وإن كان القضاء في النظم قضاءً حتمياً.

هل لإرادة الإنسان وللعوامل الأخرى مدخليه في تغير القضاء والقدر أما لا؟ هنا نقطة تسمى في المعتقدات الإمامية بالبداء ماهو المقصود بالبداء؟

نحن نعرف أن عالم المادة كما شرحنا عالم يخضع لأسباب يعني ليس السبب المؤثر المباشر أمر الله، هناك وسائط وهناك أسباب، أراد الله إيجاد زيداً عن طريق واسطة وهي لقاء أبيه وأمه، أرد الله أن يصلي زيد عن طريق واسطة وهي إرادته واختياره، أراد الله أن يعطي زيد بواسطة وهي إرادته واختياره إذن هناك وسائط في هذا العالم، العالم المادي، هل الوسائط تنحصر في الأسباب المادية؟

المسبب مادي لكن سببه قد لا يكون مادي، المسببات المادية لا تنحصر أسبابها في الأسباب المادية، مثلاً: زيد مرض، الآن يحتاج إلى الشفاء، الشفاء أمر مادي هذا المسبب المادي قد يكون سببة مادياً وهو شرب الدواء وقد يكون سببه غير مادي، المسببات المادية لا تنحصر أسبابها بالأسباب المادية هذي خلاصة بحث عقيدة البداء، خلاص عقيدة البداء المسببات المادية لا تنحصر أسبابها في الأسباب المادية، هناك أسباب غيبية وراء الأسباب المادية قد تؤثر في المسببات المادية وهذا ما دلت علية النصوص الشريفة «لا يرد القضاء إلا الدعاء»، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ورد عن النبي محمد : «من أعطى ثلاثاً أعطى ثلاثاً، من أعطى الشكر أعطيَ الزيادة، لان الله يقول: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ومن أعطى التوكل اعطي الكفاية لأن الله يقول: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ومن أعطى الدعاء أعطي الإجابة لأن الله يقول ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ.

إذن الدعاء سبب لأشياء مادية لكنه سبب غير مادي، الصدقة كما ورد عنه تدفع البلاء، وورد عن الإمام أمير المؤمنين ”“: «إنما من يموت بالذنوب أكثر ممن يموتوا بالإجاج، وإن من يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيشوا بالأعمار» كيف؟

هناك إنسان أجله أن يعيش مئة سنة، لماذا؟ لأنة أعطي جسماً صالحاً للبقاء مئة سنة جهاد قوي عنده يبقى مئة سنة، لكن هذا الإنسان يشرب المخدرات باختياره وإرادته هذا يموت بذنبه ولا يموت بأجله «إنما من يموت بالذنوب أكثر ممن يموتوا بالإجاج، وإن من يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيشوا بالأعمار» هذا شخص خرج من بطن امة عليلاً فيه أمراض يعني جسمه لا يقبل البقاء أكثر من أربعين أو خمسين سنة بحسب الأجل الطبيعي لجسمه ولكن نتيجة صدقاته وقضائه لحوائج المؤمنين ودعواته والخيرات التي تنبع على يديه هذا الإحسان أبقاه سبعين سنة يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار.

إذن هناك أسباب غير مادية وإن كانت المسببات مادية عندما يؤمن الإنسان بأن الأسباب لا تنحصر بالأسباب المادية سوف يحصل على الأمل في التغير وسوف تنتعش عنده فرصة التغير ورؤية التغير أما إذا آمن الإنسان بأن لا سبب إلا الأسباب المادية فإنه سوف يصاب بالإحباط واليأس لأنه لا مؤثر في شفائه من مرضه إلا شرب الدواء وشرب الدواء لم يجدي شيئاً، لا مؤثر مثلاً في نجاحه إلا المذاكرة والمذاكرة لم تجدي شيئاً إذا آمن بأن لا أسباب إلا الأسباب المادية أصيب بالإحباط واليأس وإذا آمن بأن الأسباب تتنوع مادية وغير مادية قويت عنده رؤية التغير وإرادة التغير وزاد عنده أمل التغير لذلك ورد عن إمام أمير المؤمنين ”“: «ما عبد الله بشيء أحب إليه من البداء» يعني الاعتقاد بأن الأسباب لا تنحصر في الأسباب المادية هذا الاعتقاد الذي هو البداء أحب العبادات إلى الله لأنه يجعل الإنسان واثقاً من التغير بقدرة الله وبإرادته تبارك وتعالى.

هل لإرادة الإنسان مدخليه في تغير القضاء؟ نعم، كيف يتغير قضاء الله واقدره بإرادتي؟

لأن قضاء الله وقدرة أنيط بإرادتي، كيف يعني قضاء الله وقدره أنيط بإرادتي كي يتغير قضاء الله وقدره بإرادتي وباختياري؟ كيف يتم ذالك؟

نذكر الأمثلة من النصوص الشريفة ثم نشرح ذلك:، سئل النبي محمد أنحن في أمر فرغ منه؟ أم في أمر مستأنف؟ انحن نمشي على خريطة جاهزة أم أننا نصنع الخارطة ونرسمها بأيدينا؟ هل نحن في أمر فرغ منه؟ أم خارطة جاهزة لا نستطيع تغيرها؟ أم في أمر مستأنف نحن نصنعه ونحن نستأنفه، قال نحن في أمر فرغ منه ونحن في أمر مستأنف، يعني هناك قضاء حتمي وهناك قضاء غير حتمي، القضاء المتعلق بالنظم قضاء حتمي، القضاء المتعلق بالظواهر المادية قضاء غير حتمي.

عن الإمام أمير المؤمنين ”“ كان الإمام أمير المؤمنين يستظل بجدار وهو يتحدث مع بعض أصحابه فقال له من يتحدث معه يا أمير المؤمنين إن الجدار أألن للسقوط ففر الإمام أمير المؤمنين وانتقل للطرف الآخر فقال له يا أمير المؤمنين كيف تفر من قضاء الله؟ قال أفر من قضاء الله إلى قدره، يعني هناك قضائان وهناك قدران، قضاء يقول إذا بقيت تحت الجدار فسوف يسقط عليّ وقضاء يقول إذا انتقلت بإرادتي واختياري إلى مكان آخر فسوف أسلم من سقوط الجدار، أنا بإرادتي رجحت القضاء الثاني على القضاء الأول، رجحت القدر على القضاء إذن إرادة الإنسان دخيلة في تغير القضاء، كيف دخيلة في تغير القضاء؟ والقضاء علم الله وعلم الله لا يتغير! وكيف يتغير قضاء الله بإرادة الإنسان ويتغير علم الله بإرادة الإنسان؟

ما أراده الله تبارك وتعالى ليس هو المسبب وحده، ما أراد وعلم وقضاه، حصول المسبب عن سببه، كيف؟ الآن نحن مثلنا بمثال غليان الماء، فالآن أشرح هذا المثال مرة أخرى، عندنا سبب مادي وهو إذا بلغت درجة حرارة الماء مئة هذا سبب مادي، عندنا أيضاً مسبب مادي وهو أن الماء يغلي عندنا سبب ومسبب، ما لذي قضاه الله؟ ما لذي أراده الله، ما لذي علم به الله؟

إذا كان ما قضاه الله هو الغليان فسوف يحصل الغليان على كل حال بلغت درجة حرارة الماء مئة أو ما بلغت لأن الله أراد الغليان فبما أن الله أراد الغليان وحدة سوف يحصل الغليان من دون أي سبب لكن الله ما أراد الغليان وحدة أراد أن يحصل الغليان عن هذا الطريق وهو طريق بلوغ درجة الغليان حرارة الماء مئة فهو أراد المسبب عن سبب معين أراد هذا الأثر عن مؤثر معين وأراد هذة الظاهرة بواسطة معينة لأنة أراد المسبب عن سبب معين إذن لابد أن يحصل السبب أولاً كي يحصل المسبب.

نأتي إلى أفعال الإنسان الاختيارية، أنا اصلي الله يريد صلاتي أولا؟ يريد صلاتي، كيف يريد صلاتي؟

لا يمكن أن يوجد شيء في هذا الكون إلا بإرادته تبارك وتعالى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ الله يريد صلاتي لكن كيف يريد صلاتي؟ لو أراد الله صلاتي وحدها لأنجزت الصلاة رغماً عن أنفي، لو وجدت الصلاة قهراً عليّ لكن الله ما أراد صلاتي هكذا، الله أراد وقضى وعلم بهذه القضية والله أراد صلاتي عن إرادتي وعن اختياري كما أراد الغليان عن سبب معين وأراد الأفعال عن إرادة وعن اختيار وأراد أن اصلي عن اختيار مني وعن إرادة مني وأراد أن اصلي برغبة مني لا عن قهر وإجبار بما أن ما أراده الله هو صدور الأفعال عن اختياراً وإرادة من الإنسان نفسه فمن المستحيل أن تحصل الصلاة بدون إرادة لأنه أراد الصلاة عن إرادة، من المستحيل أن تقع الصلاة من دون اختيار لأنه أرادها عن الاختيار من المستحيل أن تقع المعصية بدون اختيار لأنه أراد هذه بسبب الاختيار.

إذن بالنتيجة: أصبح اختياري وإرادتي دخيلاً في قضاء الله، ما قضاه تعالى تحقق الأمور عن إرادة مني لا تحقق الأمور قهراً عليّ وجبراً علي فلابد أن تتدخل إرادتي واختياري كي يتحقق ما قضاه الله وإرادة وعلم به، فإرادتي دخيلة من هنا جاءت الآية المباركة التي افتتحنا بها قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ قد يقول الإنسان الله إما يعلم بأني أصلي أو لا، إذا لا يعلم بأني أصلي فهذا جهل والله منزه، إذا يعلم بأني أصلي لازم أن اصلي يعلم بأنني سأصلي عن اختياراً مني وإرادة مني فلابد أن تكون الصلاة منوطةٌ بالاختيار والإرادة وإلا لم يتحقق ما علم وما أراده وما قضاه تبارك وتعالى.

إذن إرادة الإنسان دخيلة في تغير القضاء لأن القضاء أنيط بتلك الإرادةقال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى قال تعالى: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ.

إذن عرفنا الجمع بين الآيات القرآنية المختلفة، بعض الآيات ظاهرها القضاء حتمي، هذه الآيات تتعلق بالقضاء في عالم الأمر وفي عالم النظم بعض الآيات ظاهرها القضاء غير حتمي هذه الآيات تتعلق بالظواهر المادية وقلنا بأن القضاء في الظواهر المادية قضاء غير حتمي، ظاهر الآيات بعض الآيات أن الأمر بإرادة الإنسان نعم القضاء في الظواهر المادية منوط بإرادة الإنسان ومنوط باختيار الإنسان، أنت الذي تصنع أحياناً قضائك وقدرك وأنت الذي تصنع أجلك باختيارك، أحياناً إرادة الإنسان تصنع كل شيء إرادته واختياره أنت أحياناً تصنع قدرك وقضائك باختيارك هل أنه قضي عليّ أن أكون طبيباً فلا يمكنني التغير أو قضي عليّ أن أكون مهندساً فا يمكن لي التغير؟ لا، أنا بإرادتي واختياري أرسم مستقبلي لأن الله أناط القضاء والقدر في الظواهر المادية بإرادتي وباختياري، الإنسان بيده إرادة التغير قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ومن لم يخالطه شوق الحياة تبخر في جوها وانتثر، الإرادة دخيلة في تغير القضاء والقدر المرتبط بالظواهر المادية المنوطة بإرادة الإنسان وباختيار الإنسان.

المحور الثاني:

التغير، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ التغير على قسمين:

1/ تغير انفعالي.

2/ تغير فعلي.

التغير الانفعالي: هو التغير في الشعوب الميتة والمجتمعات الميتة هي التي تكتسب التغير من المجتمعات الأخرى، المجتمعات التي لا تملك عناصر الحياة ولا تملك عوامل الحياة تكتسب نموها وحضارتها من المجتمعات الأخرى، تأخذ ثقافتها من المجتمعات الأخرى وتأخذ مرافق حياتها من المجتمعات الأخرى وتأخذ سائر مظاهر الحضارة من المجتمعات الأخرى، هذه المجتمعات الميتة تتغير ولكن تغير انفعالياً.

تغير فعلي: والتغير الفعلي هو الذي تعرضت له الآية ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ، التغير الفعلي يعتمد على عنصرين هما:

1/ إرادة.

2/ هدف.

الإرادة: هي الإرادة الجماعية وليس الإرادة الفردية فالإرادة الفردية لا تغير من شعب ولا تغير مجتمع ولا تغير أمه، الذي يغير الأمة الإرادة الجماعية ولذلك قال تبارك وتعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ قال ما بقوم ولم يقل ما بفرد، المسألة مسألة إرادة قومية وإرادة جماعية قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ إذن الإرادة إرادة جماعية.

الهدف: الهدف قد يكون هدف مكرراً، وقد يكون هدف مصلحياً، وقد يكون هدفاً إلهياً.

الهدف المكرر: مثلنا نحنا الآن في مجتمعاتنا دائماً أهدافنا مكررة، أنا ثري هدفي أن أبني مسجد أو هدفي أن أبني حسينية أو هدفي أن أبني ماهو متعارف عليه هذه تسمى بالأهداف المكررة، المساجد كثيرة والحسينيات كثيرة والمراكز كثيرة والمأتم كثيرة، هذه تسمى أهداف مكررة، الأهداف المكررة لا تغير المجتمعات ولا تغير الأمم.

الأهداف المصلحية: هناك أشخاص يقومون بمشاريع ضخمة في مجتمعاتهم لكن بهدفهم، يعني مشاريع بأسمائهم ومشاريع بألقابهم ومشاريع لعوائلهم، هذه مشاريع مصلحيه أيضاً المشاريع المصلحية التي ترتبط بالاسم واللقب والعائلة لا تنهض بالأمة ولا تغير المجتمعات.

الهدف الإلهي: عندما يكون الهدف لله عندما يقوم الإنسان بمشروع جديد غير مكرر ويكون هدفه لله تبارك وتعالى، هذا الهدف الغير مكرر، هذا الهدف الإلهي هو الضمان، ضمان التغير، التغير يحصل بمثل هذه الأهداف الإلهية غير المكررة قال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً عندما نراجع سيرة أهل البيت ”صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين“ وتركيزهم على الأهداف الإلهية وتركيزهم على الأهداف العظيمة التي ضحوا من أجلها وبذلوا النفيس والغالي من أجلها نعرف قيمة الأهداف التي تؤثر في تغير المجتمعات وفي تغير الأمم عندما نستمع إلى أحدهم وهو يقول:

إلهي تركت الخلق طراً في هواك

فلو   قطعتني   في   الحب   iiإرباً

 
وأيتمت     العيال    لكي    iiأراك

لما      مال     الفؤاد     iiلسواك

مشروعي التقرب إلى الله مشروعي هذا المشروع، مشروع التضحية ومشروع العطاء ومشروع البذل مشروعاً بهدف إلهي محض.