عقيدتنا في أهل البيت عليهم السلام

نحن نرى أن مسؤوليتنا العقائدية أن نسير على درب هؤلاء الفحول من علمائنا الأبرار «قدهم» وخصوصاً شيخنا الأستاذ التبريزي «قده» الذي نستقي من بحر فوائده ونتعلق بطيب أنفاسه الولائية القدسية

شبكة المنير مر?ز ابحاث العقائدية دار الصديقة الشهيدة (ع) - قم المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الحجة السيد منير الخباز حفظكم الله ذخراً لحماية شريعة سيد المرسلين، بما ان?م صاحب خبرة ودراية بمعتقدات علمائنا الأعلام ومراجعنا الكرام رحم الله الماضين وأيد الباقين، فما هي حدود المعتقد بالأئمة الطاهرين بحسب نظركم الشريف؟

الجواب:

بسم الله والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين

إن مفتاح العقائد وأولى المناقب هو الاعتقاد بالحقيقة المحمدية فإن سائر العقائد المرتبطة بشأن أهل بيت العصمة وسائر المقامات الكمالية متفرعة على هذه العقيدة وهذا المقام النوري وهو أن الأئمة المعصومين نور واحد وهو الصادر الأول وهو مبدأ كل نور كما هو مفاد زيارة الجامعة وروايات عالم الأنوار المستفيضة، وبيان ذلك بذكر أمور:

الأمر الأول:

إن الوجود نوعان من الفيض وهما الأقدس والمقدس، فالأقدس هو مبدأ الوجود المنبسط المقدس، والأقدس هو النور المحمدي، المعبر عنه بالحقيقة المحمدية، ومقتضى ذلك كون هذه الصفوة العلة المادية للوجود مضافاً لعليتهم الصورية بلحاظ أن ما في الوجود من ألوان الكمال وصوره موجود وجوداً إجمالياً في الفيض الأقدس - الذي هو أول صادر عن النور الواجبي - كما أن مقتضى هذا الفيض كون أرواحهم ذات ولاية تكوينية على كل ذرات الوجود المقدس وهو المعبر عنه بالعلة الفاعلية غير المستقلة أو ما يعبر عنه بثبوت التفويض الإذني لهم لا التفويض العزلي، كما أنه مادام الغرض من إيجاد الكون هو وصوله للكمال، والفيض المحمدي الأقدس هو مجمع الكمال فهم العلة الغائية للكون كما نطق به حديث الكساء المستفيض عن طريق تسلسل الإجازات الروائية كما أشار إليه جدي العلامة فرج العمران - قده - في كتابه الأزهار الأرجية وبهذا البيان تبين أن النور المحمدي العلوي الفاطمي الحسني الحسيني المهدوي مجمع العلل الأربع للوجود ولكن باختلاف الحيثيات والجهات.

الأمر الثاني:

إن مقتضى كونهم الأنوار المحيطة بالعرش المسبحة للبارئ عز وجل ثبوت النبوة للنبي والإمامة لهم جميعا منذ عالم النورانية قبل عالم المادة غاية الأمر أن تصديهم لأعباء الإمامة الظاهرية منوط بقدرتهم ومساهمة الظروف في تمكينهم من ذلك، وهذا ما أجلس أمير المؤمنين خمسة وعشرين سنة في داره حتى قال”لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها”وهذا هو المغزى من قول الحسين يوم عاشوراء لأخته زينب أرجعي علي بن الحسين لئلا ينقطع نسل آل محمد أو لئلا تخلوا الأرض من حجة - حسب اختلاف الروايات - فإن مفاده أنه لو قتل السجاد فإن الظروف لن تسمح للباقر بالتصدي لأعباء الإمامة الظاهرية لأن الأمويين سيقومون بقتله بحجة أنه صغير عمره ثلاث سنوات، والصغير ليس كفؤاً للإمامة، مع أن المسيح عيسى قد نطق بالنبوة وهو في المهد فكيف لا تثبت الإمامة للباقر وعمره ثلاث سنوات وهو أفضل من عيسى .

الأمر الثالث:

إن مقتضى كون النور المحمدي أول صادر هو كونه أكمل مظهر لجلال الله وجماله، ولازم ذلك اتصاف حامل ذلك النور نبياً أو إماماً بالعصمة المطلقة في الأحكام والموضوعات العامة والخاصة حتى من الخطأ والسهو كما أن مقتضى ذلك طهارة الآباء والأعراق من دنس الشرك والفاحشة إذ لا يعقل أن تكون بعض منازل النور الأقدس مدنسة وهو المشار إليه في قوله عز وجل”وتقلبك في الساجدين”كما أن مقتضى كونهم علة الوجود كونهم أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة لتقدم العلة على المعلول رتبة وشرفاً.

الأمر الرابع:

إن مقتضى الولاية التكوينية العامة العلم بغيوب عالم الإمكان كله فإن الولاية مساوقة للعلم وأما ما هو من مختصات علمه عز وجل فهو العلم بتمام غيب ذاته عز وجل وكون العلم عين ذاته تبارك وتعالى ويتفرع على ذلك أن علم النبي بالقرآن منذ عالم النورانية على نحو العلم التفصيلي وإنما كان نزوله لإقامة الحجة ونفي الريب في النبوة كما يتفرع على ذلك أن الإمامة الاعتبارية بمعنى كون النبي أو الإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ونفوذ حكمه في الأنفس والأعراض والأموال هي من تجليات الولاية التكوينية الملكوتية على الوجود.

وأن ما صدر من النبي من النصوص المتواترة معنى كحديث الغدير وحديث الدار وحديث المنزلة وحدث التصدق بالخاتم وغير ذلك إنما هو بيان عن ثبوت الإمامة الواقعية والاعتبارية للإمام أمير المؤمنين منذ عالم النورانية لا أنه جعل حادث.

كما أنه يترتب على ثبوت الولاية التكوينية العامة لهم وكونهم وسائط الفيض وكونهم الشرط المتمم لقابلية الكون لتلقي فيض الوجود، رجحان التوسل بهم ورجحان الاستغاثة بهم على نحو المباشرة كقولنا”يا علي أدركني”فإن خطابهم بذلك راجح شرعاً لأنه وضع لهم في موضعهم الكمالي الذي وضعهم فيه الباري تبارك وتعالى، ومخاطبة أي شخص بأدنى مما وهب الله له من الكمال ظلم وحيف.

الأمر الخامس:

قد دلت النصوص المختلفة على أن المقامات الكمالية الدنيوية قد وزعت بين الأنوار المعصومية فقد أعطي النبي مقام باء الفتح وألف الاسم الأعظم فهو أشرف المخلوقات وأعطي الإمام علي أنه باب علم النبي وأعطي أصحاب الكساء الفضل على غيرهم وأعطي الحسين مقام سيد الشهداء بالمصطلح الشرعي والمصطلح الكمالي العرفاني، وأعطي المهدي «عج» مقام الخاتمية للوجود“بكم فتح الله وبكم يختم”وأعطيت الزهراء الجوهر الجامع بين نور النبوة والإمامة فذاتها القدسية تتضمن نور النبوة لنزول جبرائيل عليها كما في الروايات الصحيحة بالتأويل كما نزل على أبيها المصطفى بالتنزيل، وتتضمن نور الإمامة لأن لها مقام الأولوية بكل مؤمن من نفسه، كما أن من مقاماتها العظيمة أنها أول مظلوم شهيد من آل النبي فإن المظلومية والشهادة من المقامات العقائدية الكمالية وليست من القضايا التاريخية، فقد تعددت طرق الرواية من كتب الفريقين بما يوجب الوثوق والاطمئنان بوقوع فاجعة الدار من إحراق الباب والعدوان على جسد الزهراء حتى قضت مظلومة شهيدة.

الأمر السادس:

إن مقتضى إحاطتهم بعالم الإمكان غيبه وشهادته علمهم بالمنايا والبلايا علماً فعلياً ما لم يشأ أحدهم منع ذلك وحجبه عن نفسه، فإن علم الإمام بيده، فقد يعمل ولايته لحجبه عن نفسه لمصلحة عامة او كما قيل بالنسبة لعلمهم بالعورات وما هو المستور.

الأمر السابع:

إن مقتضى الفطرة البشرية الاتصال بالكمال والجمال ورفض النقص والقبح وبما أن الأئمة وجه الكمال والجمال الإلهي فمقتضى الفطرة ولائهم والبراءة من أعدائهم كما نصت النصوص على ذلك ومن أجلى مصاديق الولاية إقامة الشعائر الحسينية وان استلزمت الأضرار التي لا تعد جناية على النفس كما هو ظاهر صحيح معاوية بن وهب الوارد في دعاء الإمام الصادق لزوار سيد الشهداء ولذلك جرت سيرة مراجعنا العظام على إحياء الشعائر وإبرازها ومنهم شيخنا الفقيه المقدس الشيخ التبريزي «ره» الذي دعم إقامة الشعائر وأصر على إحيائها بكل حرارة وإخلاص وتصدّى لنفي الشبه بمتانة علمية رصينة ونحن نرى أن مسؤوليتنا العقائدية أن نسير على درب هؤلاء الفحول من علمائنا الأبرار «قدهم» وخصوصاً شيخنا الأستاذ التبريزي «قده» الذي نستقي من بحر فوائده ونتعلق بطيب أنفاسه الولائية القدسية.

كما أن أبرز مصاديق رفض الظلم والبراءة من الظالمين هو لعنهم فإن اللعن من المبادئ القرآنية التي ركز عليها الكتاب الكريم كما في قوله عز وجل”إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنوا في الدنيا والآخرة”وقال”ألا لعنة الله على الظالمين”وركزت عليها أغلب الزيارات المتواترة إجمالاً عن أهل بيت العصمة كل ذلك بهدف تربية المسلم على الكمال ورفض القبح والظلم والطغيان.

هذه هي خلاصة العقائد المستفادة من الأحكام العقلية القطعية أو من النصوص المتواترة أو المستفيضة أو من القرائن المجتمعة الموجبة للوثوق والاطمئنان وهي عقيدة السلف الصالح من علمائنا وأساتذتنا قدّس الله أسرارهم، والله الهادي للصواب