مفهوم العدالة

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة:

  • تحديد مفهوم العدالة.
  • ضرورة تطبيق مبدأ العدالة على الأرض.
  • معالم دولة العدالة ودولة الإمام المنتظر ”عجل الله مظهره الشريف“

المحور الأول:

تحديد مفهوم العدالة، العدالة إعطاء كل ذي حق حقه مع الموازنة بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع فعندنا عنصران:

العنصر الأول:

في مفهوم العدالة إعطاء كل ذي حق حقه، ربما يظن كثيراً أن العدالة هي المساواة بين الناس، المساواة بين الناس في توزيع الثروة هذا ليس صحيحاً ليست العدالة هي المساواة في توزيع الثروة، لماذا؟

لأن المجتمع البشري خلق متفاوتاً في الطاقات والقدرات قال تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً، البشر متفاوتون في الطاقات، هناك من يستطيع أن ينتج عشرين مشروع اقتصادياً في سنة واحدة وهناك من يستطيع أن ينتج مشروعاً واحداً وهناك من لا يستطيع أن ينتج أي مشروعاً يخدم المجتمع الإنساني على الأرض، بما أن البشر متفاوتون في طاقتهم ومتفاوتون في قدراتهم إذاً لو وزعت عليهم الثروة بشكل متساوي لكن ذلك ظلماً وليس عدلاً، تفاوتهم في الطاقات يعني تفاوتهم في الإنتاج وتفاوتهم في الإنتاج يقتضي أن توزع الثروة لكل شخصاً بمقدار ما أنتج وبمقدار ما أعطى وبمقدار ما بذل، إذن العدالة ليست مساواة إنما العدالة إعطاء كل ذي فرداً من الثروة بقدر إنتاجه وبقدر طاقته التي بذلها كما عبرنا إعطاء كل ذي حق حقه.

العنصر الثاني:

الموازنة بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع، هناك بحثاً بحثه فلاسفة علم الاجتماع، هل أن للمجتمع وجود أم ليس للمجتمع وجود؟ افرد له وجود، لكن هل المجتمع له وجود وراء وجود الفرد مضافاً لوجود الفرد هناك وجود نسميه بالمجتمع أم لا؟ يعني عندما يجلس أمامي عشرون شخصاً هؤلاء العشرون شخصاً لهم وجود زيد، بكر، خالد، عمر وفلان هل لهذه الهيئة، هيئة عشرين شخص أمامي هل لهذه الهيئة وجود أيضاً مضافاً لوجود الأفراد أم لا؟ هل للمجتمع وجوداً أم ليس للمجتمع وجود؟

بعض فلاسفة علم الاجتماع يقولون لا يوجد شيء إلا الأفراد، المجتمع مكون من أفراد، الذي له الوجود هو الأفراد زيد، بكر وخالد هؤلاء هم الموجودون أم أن ليس هناك شيء في عالم المادة وفي عالم الخارج شيء نسميه مجتمع، المجتمع مجرد مفاهيم نحن إخترعناها، هناك مجتمع وهناك اجتماع هذه مفاهيم نحن اخترعناها وإلا ليس لها وجود، الوجود للأفراد لزيد، لبكر، لعمر ولخالد ليس هناك وجود آخر يسمى بالمجتمع نحن اخترعنا مفهوم المجتمع وعنوان المجتمع إذن مفهوم المجتمع مفهمو اختراعي وليس موجوداً في عالم المادة وعالم الخارج هذه نظرية.

النظرية الصحيحة التي يؤيدها كثير من فلاسفة هذا العلم أن هناك وجوديين:

1 - وجود للفرد.

2 - وجود للمجتمع.

كما أن الفرد موجود المجتمع أيضاً موجود، كيف؟

هناك فرق بحسب المصطلح في علم الفلسفة بين التركيب الإنضمامي والتركيب الاتحادي، ما هو الفرق بين المصطلحين؟

أولاً التركيب الإنضمامي:

هو الذي لا يتفاعل أجزاءه ولا يتأثر بعضها بالبعض الآخر، مثلاً: أنا أتي وأبني غرفة يعني جدار، إسمنت، سقف، باب ونافذة هذة تسمى غرفة، هذة الغرفة مكونة من أجزاء من باب، وسقف، وجدار ونافذة هذه الأجزاء ل تتفاعل ولا تتأثر ببعضها البعض، أجزاء كما هي يعني هذا الجدار هو الجدار وهذا السقف هو السقف وهذا الباب هو الباب هذة الأجزاء لا تتفاعل فيما بينها هي، هي كما بنيناها وهي هي كما صنعناها هذا يسمى مركب انضمامي لأن أجزاءه لا تتفاعل.

ثانياً: المركب الاتحادي:

يعني أجزاءه تتفاعل، كيف؟ مثلاً: الماء، الماء مكون أكسجن وهيدروجين يعني الأكسجين يظل أكسجين لا، هناك تفاعل بين هذين العنصرين بين الأكسجين والهيدروجين يوجد تفاعل ونتيجة هذا التفاعل بين هذين العنصرين صار لنا وجود ثالث ليس أكسجين وحده وليس هيدروجين وحده هناك وجود ثالث يسمى الماء إذن الماء مركب إتحادي وليس مركب انضمامي يعني وجوداً جديداً نشأ عن تفاعل بين جزئيين ونشأ عن تفاعلاً بين عنصرين هذا الوجود الثالث نسميه ماء هذا مركب إتحادي.

المجتمع من هذا القبيل عندما يجتمع أفراد يقال هذا زوج وهذة زوجة هؤلاء أولاد، عندما تجتمع الأسرة يتحقق تفاعل بين هذة العناصر بين أب وأم وأولاد نتيجة التفاعل بين هذة العناصر يتخلق لنا ويتكون لنا وجود ثالث نسميه الأسرة أو نسميه المجتمع، المجتمع مركب إتحادي يحصل ويتحقق نتيجة التفاعل والارتباط والتأثير والتأثر بين الأفراد، هناك أفراد وجدوا في بقعة معينة زرعوها وبنوها وتفاعلوا فيما بينهم بتأثير وتأثر فنتيجة هذا التفاعل تولد وجود ثالث نسميه بالمجتمع.

إذن المجتمع موجود، موجود وجوداً ثانوياً نتيجة التفاعل بيت الأفراد، ولذلك ولد في الثقافات وولدت العلوم وولدت العادات وولدت التقاليد هذة كلها نتيجة التفاعل بين الأفراد، المجتمع هو مجموعة ثقافات ومن عادات ومن تقاليد ومن مفاهيم نشأت نتيجة التفاعل بين الأفراد ولد عن هذا التفاعل ما يسمى بالمجتمع، حتى يوضح أكثر، علماء النفس يقولون للإنسان عقلاً عقل باطني وعقل لغوي، العقل الباطني هو العقل الذي يعتمد علية الإنسان في استقبال المعلومات وفي تحليل المعلومات وفي الاستنتاج من هذة المعلومات، العقل المستقبل والمحلل والمستنتج هذا عقل باطني ليس هناك إشكال فيه.

وهناك عقل لغوي، كيف يعني لغوي؟

يعني هناك قدرة عند الإنسان من خلالها يستطيع أن يكسب اللغة ومن خلالها يستطيع أن يكسب التبادل في المفاهيم بينه وبين الشخص الآخر، القدرة التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يفهم وأن يتفهم هذة تسمى «بالعقل اللغوي» وهذا غير العقل الذي يستنتج ويحلل.

يوجد عندنا قوة أخرى تسمى «بالعقل اللغوي»، العقل اللغوي دوره التفهيم والتفهم أن الإنسان يتوصل إلى وسائل يفهم بها أفكاره ويتفهم بها أفكار الآخرين سواء كان هذة الوسائل ألفاظ أو كتبة أو شيء آخر.

إذن العقل اللغوي وسيلة التفهيم والتفهم، هذا العقل اللغوي من أين أخده الإنسان العقل الباطني ولد مع ولادة الإنسان، الإنسان منذ ولد يتميز عن الحيوان بعقل يستقبل ويحلل ويستنتج ولكن العقل اللغوي لم يولد مع الإنسان وإنما اكتسبه من المجتمع، المجتمع يعطيه العقل اللغوي لو عاش الإنسان في مغارة وحدة لما اكتسب العقل اللغوي، القدرة على التفهيم والتفهم هذة القدرة «قدرة اكتسابية» وليست قدرة ذاتية، هذة القدرة الاكتسابية يحصل عليها الإنسان من خلال المجتمع ومن خلال معيشته مع البيئة ومن خلال تعلمه إذن العقل اللغوي وليد المجتمع بينما العقل الباطني ذاتياً فطرياً للإنسان فلمجتمع له وجود، وهذا ما يقرره القرآن الكريم، القرآن الكريم يقرر بأن المجتمع شيء آخر غير الإنسان موجد آخر غير الإنسان قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ مثل ما للإنسان أجل للأمة أيضاً لها أجل، الحضارة الرومانية كان لها أجل وانتهى وحضارة الفراعنة كان لها أجل وانتهى ولكل حضارة أجل ولكل أمة أجل قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ جاء الأجل موت الحضارة وموت الأمة.

إذن المجتمع له وجود وبما أن المجتمع له وجود والفرد له وجود فهناك حقوق للفرد وهناك حقوق للمجتمع والعدالة الموازنة بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع، مثلاً: إنسان يقول أنا من حقي أن أمتلك ثروة ومن حقي أن انمي ثروتي وأموالي بالشكل الذي أريد فأنا أريد أن أشيد مصنعاً في وسط المدينة وهذا المصنع من خلاله تنمو ثروتي وينموا إنتاجي تقول له أنت عندما تشكل مصنع في وسط المدينة تشكيل المصنع في وسط المدينة يوجب تلويث البيئة وإذا تلوثت البيئة تضرر المجتمع إذن هناك حالة تعارض بين حق الفرد وحق المجتمع، حق الفرد أن ينمي ثروته بالنحو الذي يريد وحق المجتمع أن يعيش في بيئة سليمة وصحية فإذا حصل التزاحم بين حق الفرد وحق المجتمع هنا يأتي دور العدالة في الموازنة بين حق الفرد وحق المجتمع.

إذن العدالة إعطاء كل ذي حق حقه مع الموازنة بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع.

المحور الثاني:

العدالة حق إنساني وهدف سماوي، منذ أول يوم وجد الإنسان على الأرض كان هدفه إقامة العدالة وهذا هو هدف السماء قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ حتى تنطبق العدالة فالعدالة هدف سماوي كما هي هدف إنساني، لذلك لابد من تطبيق العدالة ليتحقق هذا الهدف، العدالة ربما هي موجودة في بعض البلدان وفي بعض المناطق وفي بعض المجتمعات لكن الهدف لم يتحقق بعد، الهدف تطبيق العدالة على كل الأرض الهدف السماوي والإنساني تطبيق العدالة على الأرض كلها وهذا الهدف لم يتحقق بعد، إلى يومنا هذا لم يتحقق هذا الهدف.

إذن ما لم يتحقق هذا الهدف فبعثة النبوات لغو وبعثة الرسل لغو ورسالة السماء لغو، لا تكون رسالة السماء صحيحة ولا بعثة الأنبياء والرسل صحيحة إلا مع تحقق هذا الهدف وهو تطبيق العدالة التامة على الأرض كلها.

إذن بما أن الله لا ينع لغواً فلابد أن يحقق هذا الهدف يوماً ما، وهو أن يطبق العدالة التامة على الأرض كلها قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ الزبور كتاب داود، كتاب داود أولاً ابتدأ بالذكر الإلهي ”لا إله إلا الله“ بعد أن بدء بالذكر الإلهي جاءت الكلمة الثانية قال تعالى: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، ما معنى يرثها عبادي الصالحون؟

يعني العدالة تحتاج إلى الإنسان العادل، هل يمكن تحقيق العدالة بدون إنسان عادل؟ غير ممكن، لذلك في دولة الإمام ”عجل الله فرجه“ يبدأ من الإنسان إذا اوجد الإنسان العاجل أوجد العدالة على الأرض. النظم التربوية في عصر الإمام، النظم التربوية في الأسرة وفي المدرسة وفي الشارع وفي السوق وفي أي مكان، النظم التربوية في عصر الإمام ”“ نظم تربي الإنسان على العدالة، فإذا تكون الإنسان العادل تحققت العدالة على الأرض ولا يمكن تحقق العدالة بدون إنسان عاجل لذلك تبدأ دولة الإمام بتحقيق الإنسان العادل حتى تتحقق العدالة على الأرض.

لذلك عن النبي محمد ”صل الله عليه وآله“: «لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي، من ولد فاطمة، من ولد الحسين يوافق اسمه أسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلم وجورا» كيف يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا؟ كيف؟؟

الأرض فيها مناطق غير مأهولة بالسكان ومناطق شاسعة مثل مناطق القطب الشمالي، منطقة غير أهلة كيف يملئها عدلاً؟

الرسول ”صلى الله عليه وسلم“ قال: «يملأ الأرض» يعني لا تبقى منطقة من مناطق الأرض إلا وتعيش العدالة التامة التي تتحقق على يديه ”“، كيف يعني يملأها عدل؟ هذة منطقة قطبية لا يسكنها أحد!، ما هي علاقتها بالعدالة وما هي علاقتها بالظلم والجور. «يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا» كيف يعني؟

معنى ذلك عندما يظلم الإنسان يظلم حتى الطبيعة، الإنسان لا يظلم إنسان آخر فقط، الإنسان عندما يظلم البشر يظلم الطبيعة أيضاً ويظلم الفضاء أيضاً ويظلم الوجود أيضاً. ظاهرة الاحتباس الحراري وما ينتج عنها ليست ظلم للإنسان أو ظلم لمجتمع بشري هي ظلم للأرض وظلم للطبيعة وظلم للوجود.

إذن ظلم الإنسان تجاوز الإنسان، ظلم الإنسان أثر على الكون وأثر على الطبيعة وأثر على التوازنات البيئية على الأرض، ظلم الإنسان تعدى وتجاوز الحدود لذلك إنسان هذا العصر أو ما بعد هذا العصر ملأ الأرض ظلما لأن ظلمة أثر على الطبيعة وأثر على الكون فالإنسان في هذا العصر ملأ الأرض ظلما، جبال جليدية في القطبين تذوب وتتحول إلى ماء نتيجة ظلم الإنسان للطبيعة.

إذن النتيجة: الإنسان ملأ الأرض ظلما ووصل ظلمة لكل منطقة لأنه ظلم البيئة، ظلم الطير وظلم الحيوان وظلم كثيراً من الكائنات الحية، هذا الظلم الذي ملأ الأرض الإمام ”عجل الله فرجه“ بدولته العادلة المبنية على تربية الإنسان العادل حتى ينتج عدالة على الأرض، بتربيته للإنسان العادل يملأ الأرض قسطاً وعدلا حتى الطبيعة تطمئن في دولته، التوازنات البيئية تطمئن في دولته وجميع الكائنات الحية تألف الحياة والعيش المستقر الهادئ في دولته فهو يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ

المحور الثالث:

يومه يوم العدالة التامة، يومه يوم تربية الإنسان العالم، ولكن ما هي المعالم لدولته ”صلوات الله وسلمه عليه“ نذكر معلمين من أهم المعالم:

المعلم الأول:

الحضارة الكونية، ما معنى الحضارة الكونية؟ لماذا خلق الإنسان؟ كثيراً ما نطرح هذا السؤال على أنفسنا لماذا خلق الإنسان؟ فيجيب إنسان بأن القرآن قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ إذن الهدف من وجود الإنسان هو العبادة، لا هذا الجواب خطأ!، لماذا؟

العبادة مجرد طريق، العبادة وسيلة وليست غاية، الإنسان خلق لغاية أخرى والعبادة وسيلة لتحقيق تلك الغاية وطريق لتحقيق تلك الغاية، الإنسان خلق لكي يبلغ الكمال يقصد إلى حد الكمال والعبادة طريقاً من الطرق التي توصله إلى الكمال ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ العبادة طريق من طرق الوصول إلى الكمال، الإنسان خلق لكي يصل إلى الكمال والعبادة طريق لذلك ومن الكمال إقامة الحضارة الكونية، الإنسان مسئول عن إقامة حضارة كونية وليس حضارة أرضية نحن إلى الآن أقمنا حضارة أرضية لكن إلى الآن لم نصل إلى حضارة كونية، الإنسان مازال يحلق حول الأرض ولم يذهب بعيد، وصل إلى القمر؟ لم يذهب بعيد هذا الإنسان، مازال الإنسان يدور حول الأرض ومازال الإنسان يحوم حول الأرض ومازال الإنسان لم يتقدم بعد يعني لم يصل إلى إقامة الحضارة الكونية.

لماذا نقول بأن الهدف إقامة الحضارة الكونية؟

لو لم يكن الهدف من وجودنا كمجتمع إنساني إقامة الحضارة الكونية استغلال هذا الفضاء كله وبجميع دراته ومجراته استغلال هذا الفضاء كله بحضارة شمولية كونية شامخة لو لم يتحقق هذا الهدف لكان وجود السماء والفضاء لغو وما الداعي إليه!، طيب إذا كان الإنسان لا يستثمره ما هو الهدف من وجودة، لماذا خلقت هذة السموات السبع وخلقت هذة المجرات وخلقت هذة الكواكب والمجموعات الشمسية؟. لو لم يكن الهدف منها استثمار الإنسان لها واستغلال الإنسان لها لأصبح وجودها لغواً والغو لا يصدر من الحكيم تبارك وتعالى، إذن الهدف من هذا الوجود بمجراته وداراته وشموسه وكواكبه الهدف إقامة الحضارة الكونية أن الإنسان يقيم حضارة وهذا ما ذكرته الآية المباركة قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ما معنى سخر لكم ما في السموات وما في الأرض؟

يعني هذا الكون بسمائه وأرضه مملوء بالكنوز انتم عليكم أن تكتشفوها وأنتم عليكم أن تصلوا إليها وأنتم المسئولون عن اكتشاف كنوز الكون كله قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فأنتم كإنسان مسئولون عن إقامة حضارة كونية إذا تحققت هذة الحضارة الكونية الشمولية تحقق الهدف من وجودكم وتحقق الكمال الذي هو هدف منشود لكم، متى تتحقق الحضاريات؟

إلى الآن نحن نعيش الحضارة الأرضية، متى تتحقق الحضارة الكونية؟ متى يأتي يوماً نقول أستخرج الإنسان كنوز الكون واستعمر الإنسان الوجود وسيطر الإنسان على هذا الكون كله متى؟

عندما يصل الإنسان إلى حقائق العلوم ويصل الإنسان إلى النتائج في جميع العلوم، يعتبر هذا الإنسان تمركز في الكون كله قال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا هذة هي الحضارة الكونية أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فنفذوا واستغلوا الكون كله قال تعالى: ﴿لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ والسلطان هو العلم، حقيقة العلم في كل فن وفي كل مجال إذا وصل إليها الإنسان نفذ من أقطار السموات والأرض ويومه ”“ هو يوم وصول الإنسان للحقائق العلمية، كثير من الناس يتصورون بأن دولة الإمام دولة بدوية يخرج ويركب على حصان ويحمل سيف ويقاتل بالرمح مثلاً! لا. دولة الإمام حضارية، دولة الإمام هي نتيجة تراكم التجربة البشرية، التجربة البشرية ما تتوقع ولا تتخلف فالتجربة البشرية إلى الأمام تتقدم، هذة التجربة البشرية الحضارية تتكامل وتتنامى نتيجة تراكم التجربة البشرية الحضارية تتحقق في دولة الإمام ”عجل الله تعالى فرجه الشريف“ دولته قمة الحضارة وكمال الحضارة، دولته كما قلنا دولته هي التي تحقق الحضارة الكونية في هذا الوجود بأسره لأن دولته دولة العلم ودولة الحقائق العلمية.

هناك رواية عن الإمام الصادق ”علية السلام“: «يؤمن به أهل الكفر قبل أهل الكتاب» يؤمن به أهل الكفر قبل المسلمين، لماذا يؤمن به أهل الكفر؟ لأنه يتكلم بلغة علم ويتكلم بلغة حضارية ويطرح حقائق علمية لا يطرح عنف ولا يطرح استبداد ولا لغة أخرى عندما يظهر، يظهر بمنطق علمي ويظهر بمنطق حضاري لذلك تؤمن به دول الغرب دولاً توصف بأنها دول الكفر هي تؤمن به قبل دول الإسلام لأنها تمشي على المنطق العلمي وعلى المنطق الحضاري والإمام هذا منطقه عند خروجه ”صلوات الله وسلامه عليه“.

المعلم الثاني:

نزول عيسى أبن مريم عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام، عيسى إبن مريم كما تعرفون بإجماع المسلمين بأنه ما قتل تبعاً للقرآن الكريم قال تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ الله رفعه إليه في مكان أمين إلى أن يأتي اليوم الذي يرجع فيه إلى هذة الأرض مرة أخرى، لماذا عيسى أبن مريم؟ لماذا لم يكن موسى؟ لماذا لم يكن داود؟ لماذا لم يكن سليمان؟ لماذا قرنه الله بالإمام عيسى أبن مريم؟

في الرواية الموجودة في صحيح البخاري: «كيف بكم إذا نزل عيسى أبن مريم عليكم وإمامكم منكم» عيسى أبن مريم هو الذي ينزل، لماذا خصوصية عيسى أبن مريم؟

هناك رواية أخرى تفسر هذا الكلام تقول: «في آخر الزمان تكون الغلبة لأتباع عيسى»، آخر الزمان تكون القوة والاقتصاد والحضارة بيد أتباع عيسى أبن مريم، ربما يكون هناك وجود إلى ديانات أخرى البوذية مثلاً توجد ديانات أخرى كثيرة بالملاين على الأرض وبالمليارات على الأرض ولكن مقادير الأمور يعني عصب الاقتصاد وعصب الحضارة بيد أتباعه بيد النصارى أتباع عيسى أبن مريم في آخر الزمان لأجل ذالك حتى يصدق به يعني يصدق بالإمام ”عجل الله مخرجه“ وينقاد إليه هؤلاء ينزل عيسى أبن مريم بنفسه فينجذب له أتباعه ويحف المؤمنون به ويقولون جاء نبينا وعاد إلينا مرة أخرى فيتقدم نبيهم ويقول: «أما أنا فأنا مأموم لهذا الإمام المهدي المنتظر ”عجل الله فرجه الشريف“» ويصلي خلفه في بيت المقدس.

إذن السر والحكمة في قرن الإمام بعيسى أبن مريم حتى يكون ذلك عضداً لأقامه دولته ومستمسكاً للإيمان به ودليلاً على صدق دعواه وصدق إمامته ”عجل الله تعالى فرجه الشريف. كثير من الناس يتخوفون ويقولون إذا خرج سيقتلنا ولا يسامحنا على أخطأنا ولا على ذنوبنا وسوف يسفك الدماء بعض الناس تقول“ عجل فرجه ”ولكن بداخلها تخاف أن يخرج، هو جده النبي المصطفى قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ هو مصدر الرحمة وهو مصدر العطاء وهو مصدر البذل كل من ساهم معه ببناء الدولة تمحى خطاياه وتمحى ذنوبه وتمحى رذائله، الإمام“ ”هو مصدر الرحمة والرزق والعناية والاهتمام بكل المؤمنين به وبكل المساهمين في بناء دولته“ عجل الله فرجه الشريف " والإمام لا يخوض حرب إلا حرب دفاعية عن نفسه وعن أتباعه وإلا ليس مبدأه القتل أو العنف أو سفك الدماء، مبدئه مبدأ أجداده مبدأ الرحمة.