مقياس السعادة والشقاء

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ

صدق الله العلي العظيم

هناك مجموعة من الآيات إذا قراها الإنسان قراءة بدوية أولية يستنتج منها أن السعادة والشقاوة قضاء لازم على الإنسان قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ أي أن هناك من كتبت له الهدايه فهو مهدي من أول الأمر وهناك من حقت عليه ألظلاله فهو ضالا من أول الأمر وبالتالي فمن هداه منذ البداية فهو سعيد ومن حقت عليه الضلالة فهو شقي إذا السعادة والشقاوة أمر لازم وقضاء لازم على الإنسان فلا يمكنه أن ينفك عن ما كتب له فإن كتب له أن سعيد من المهديين فهو كذلك وأن كتبه له أنه من أهل الشقاء فلن يتغير عما كتب له وكذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿الله أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى.

بمعنى هو أعلم بكم منذ أن كنتم أجنة في بطون أمهاتكم أن هذا تقي وهذا فاسد وهذا سعيد وهذا شقي قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىوكذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، إذاً هناك شبهة تستحكم على ذهن الإنسان وهو أن السعادة والشقاوة أمر لازم لا محيص عنه فلا يمكن للإنسان أن يغير صفحة حياته بعد أن كتب عليه أنه شقي ولا يمكنه أن يتغير بعد أن كتب عليه أنه سعيد قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَوقال تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌفهما السبيل للتغير إذاً؟!

هنا الجواب عن هذه الشبه يتبين باستعراض عدة أمور دققيه لابد من الالتفات إليها:

الأمر الأول: تعرضا فيما سبق إلى ما ذكره الفلاسفة من أن الواحد لا يصدر إلا الواحد وهذه القاعدة تحتاج إلى بيان لأنه لها ارتباط بمحل البحث، هناك واحد بالشخص وهناك واحد بالنوع، إذا كان مقصودنا الواحد بالشخص «بمعني الفعل الواحد مقابل الأفعال الكثيرة مقابل الأفعال المتعددة» الواحد بالشخص مثلي أنا جسم واجد وليس أجسام متعددة فجسمي واحد بالشخص الواحد بالشخص كجسمي لا يمكن أن يصدر عنه إلا واحد بالشخص بمعنى أنه لا يمكن أن يصدر عني قيام وقعود في آن واحد لا يمكن أن يصدر عني في آن واحد كتابة ونوم لا يمكن الواحد بالشخص لا يصدر عنه إلا واحد بالشخص.

كما أن الواحد بالنوع لا يصدر عنه إلا واحد بالنوع ما هو المقصود بالواحد بالنوع؟! المقصود بالواحد بالنوع يعني المسانخه والمشاكله مثلاً: الإنسان لا يمكن أن يولد إلا إنسان لا يمكن أن يولد الإنسان شيء غير مسانخ إليه شيء ليس مشاكل إليه يولد الإنسان قرد لا يمكن أن يحدث هذا، التفاحة لا تنبت إلا تفاحة التفاحة لا تتحول إلى خيار لا يحدث هذا كل واحد بالنوع ينتج ما يسانخه وما يماثله لا أنه ينتج ما يغايره وما يباينه إي القاعدتين تنطبق على الله عز وجل؟! الواحد بالشخص لا يصدر منه إلا واحد بالشخص أو الواحد بالنوع لا يصدر عنه إلا واحد بالنوع؟! نقول: لا الثانية لا الأولى، كيف؟!

الله تبارك وتعالى لا تنطبق عليه الواحد بالنوع لا ينتج إلا واحد بالنوع الله تبارك وتعالى لا تنطبق عليه الواحد بالشخص لا يصدر منه إلا واحد هذه القاعدة انتزعت من الوجود الإمكاني من الوجود المادي بمعنى أن الواحد في عالم المادة لا يصدر منه إلا واحد في هذا العالم هذه القاعدة منتزعة من عالم المادة من عالم الوجود الإمكاني فلا يمكن تسريتها على الله تبارك وتعالى وهو المجرد عن المادة وأحكامها وشؤونها لا تسري على الله، الله واحد لكن يصدر منه الكثير في آن واحد، لكن القاعدة الثانية تنطبق عليه ما معنى ذلك؟!

الله وجود وجود واحد وجود كله قدرة كله علم كله حياة هذا الوجود الواحد الذي هو عين العلم القدرة والحياة هذا الوجود الواحد يصدر عنه وجود واحد ما معنى يصدر منه وجود واحد؟!

ما صدر عن الله تبارك وتعالى وجود ولم يصدر منه غير الوجود كما الإنسان لا يصدر منه شيء غير الإنسان كما أن البذرة لا يصدر عنه غير النبات الله وجود ولا يصدر عنه إلا الوجود هذا معنى الواحد بالنوع لا يصدر منه إلا الوجود هذا معنى النوع الواحد يعني ما يسانخه وما يشاكله، فالله واحد في وجوده صدر عنه وجود واحد كما يقولون «الفيض المنبسط أو الفيض ألظلي».

إذاً من أين أتت هذه الاختلاف إذا الوجود واحد أنا وأنت وجود واحد أنا وأنت وذاك والشجر والحجر واحد من أين أتت هذه الاختلافات؟! الاختلافات إما نوعية أو شخصية ولكل واحد من الاختلافات سبب ومنشئ، الاختلافات النوعية: مثل فرس، إنسان، نبات حجر هذه اختلافات نوعية.

الاختلافات الشخصية: مثل هذا ذكي هذا غبي هذا ضعيف بدن هذا قوي بدن هذا غضوب هذا حليم هذه اختلافات بين أبناء البشر اختلافات شخصية من أين أتت هذه الاختلافات؟!

إما الاختلافات النوعية: إنسان وحجر فمنشئها الماهيات هناك ماهيات أفيض عليها الوجود فكل ماهية تأخذ من الوجود حصتها التي تناسبها كيف؟! مثال: الشمس إذا تسطع تفيض نور واحد لا تفيض أنوار هي تفيض نور واحد من أين تأتي الاختلافات؟! من الأشياء التي تستقبل ضوء الشمس ليس من الشمس، القمر يستقبل ضوء الشمس بنور معين الأرض تستقبل ضوء الشمس بنور معين النافدة تستقبل ضوء الشمس بنور معين هذا الاختلافات بين الأنوار لم يأتي من الشمس وإنما أتى من الأشياء التي استقبلت نور الشمس كل شي أخد من نور الشمس بقدره وبحصته، القمر أخد حصة من نور الشمس تنسجم معه، الأرض أخذت حصة من نور الشمس تنسجم معها كل شيء أخد من نور الشمس حصة تنسجم مع طاقته تنسجم مع ذاته وإلا النور هو واحد لأنه الشمس واحد نورها واحد لا يوجد اختلاف من الشمس الاختلاف جاء من الأشياء التي استقبلت نور الشمس كذلك بالنسبة إلى الله تبارك وتعالى هو وجود واحد أفاض وجود، من أين أتت الاختلافات؟

من الماهيات التي استقبلت هذا الوجود والتي أفيض عليها هذا الوجود فكل ماهية أخذت من الوجود حصة تنسجم معها الإنسان أخد حصة من الوجود تنسجم معه سمينا الوجود إنسان الشجر أخد حصة من الوجود سميناه شجر الحجر أخد حصة من الوجود تنسجم معه سميناه حجر إذاً هذه التسميات إنسان وشجر وحجر هذه الاختلافات لم تأتي من الوجود نفسه الوجود نفسه واحد إنما جاءت من اختلاف الماهيات التي أفيض عليها هذا الوجود وتلقت نور الوجود كثير من الآيات القرآنية فيها رمز وتشبيه لا يشترط أن تكون حقيقة لذلك قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَلا يوجد قول وقول هذا مجرد رمز تشبيه هو يريد أن يقول أن قدرته تعالى نافدة في السماء والأرض لتعبير عن هذا المعنى استخدم هذه العبارة قال: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَهنا مسألة رمزية قال تبارك وتعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا يعني الماء الذي نزل من السماء واحد والاختلاف من أين أتي؟!

من الأودية ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَاهذا الوادي صغير أخد ماء صغير ذاك الوادي كبير أخد كثير هذا الوادي نظيف أخد ماء نظيف هذا الوادي وسخ أصبح الماء فيه وسخ، إذاً اختلاف المياه لم يأتي من الماء النازل إنما جاء من قبل الأودية التي استقبلت الماء وتقلت الماء هذه الآية كناية عن ماء الوجود كناية عن نور الوجود نور الوجود واحد والاختلاف في المتلقي والقابل لهذا الوجود «هذا يسمى الاختلافات النوعية».

الاختلافات الشخصية: ذكي واذكي غبي وأغبى حليم وغضوب جبان وشجاع هذه الاختلافات الشخصية أيضاً جاءت من الوجود؟! «لا» هو وجود واحد من أين أتت؟! من العوامل المادية، تداخل العوامل الوراثية هالعروق هو منشئ هذه الأمور الوجود واحد لكن هذه النطفة التي يتخلق منها الإنسان التي يتكون منها الإنسان قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍهذه النطفة في قرارها المكين في الرحم هي مادة وهذه المادة الصغيرة مسطبتنة للجينات الوراثية وهذه الجينات الوراثية: هي عبارة عن تداخل العروق وتداخل العروق هو منشئ هذه الأمور ذكي وغبي وشجاع وجبان كله بقتضئات وراثية قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ الأمشاج هي المختلطات عروق تختلط أصول تختلط جذور وراثية تختلط نتيجة اختلاط الجذور الوراثية يحمل هذه صفة وراثية معينة يحمل ذاك صفة وراثية أخرى قال تعالى: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا.

إذاً هذه الاختلافات الشخصية لم تأتي من الوجود الوجود واحد إنما جاءت من العوامل الوراثية المستبطنة في المادة التي تكون منها الإنسان وتخلق منها الإنسان.

الأمر الثاني: الإنسان يقول أن الله خلقني شقي ماذا أفعل؟! شخص يقول لماذا ولدك شقي يقول: ماذا أفعل الله خلقه وكيح شقي الله خلقه شقي صحيح هل الشقاء لازم؟! ألازم كما يقولون إما لازم ذاتي أو لازم عرضي، اللازم الذاتي: مثل الضحك بالنسبة للإنسان خلق الإنسان وهو مستعد لئن يضحك طبيعي هذا في كل إنسان هذا لازم ذاتي، ذات الإنسان تقتضي القدرة والقابلية على الضحك مثلاً: شخص يقول أنا رأيت حمار يضحك هو مشتبه يمكن رأى الحمار يأكل شيء، الإنسان هو الذي خلقت له القابلية والاستعداد للضحك.

لازم عرضي: مثل الإفريقي يطلع أسود يعني أن تكونت نطفة من رجل أسود أصبح هذا الشكل مثال: هناك شخص من السادة صديقنا سيد إيراني أبيض البشرة شديد البياض أزج افريقية قلنا له ما هو المنتج؟! قال: أدعوا لي قلنا له ماذا نقول: اللهم بيض وجهه بعد أن ولد له المولد أتصلنا به مولود مبارك إن شاء الله الآن ماذا نقول؟! قال: طلع أسود عرق الأم غلب.

إذا بالنتيجة: أنه سواد هذا الإفريقي لازم عرضي وليس لازم ذاتي ليس مثل القابلية للضحك هذا لازم ذاتي لكل إنسان قابلية للضحك أما السواد لازم عرضي يرجع إلى أصوله وجذوره المادية، هل السعادة هكذا؟! هل الشقاوة هكذا؟! هل يمكن أن يقول إنسان الشقاء لازم ذاتي؟! أو لازم عرضي؟! قضاءه الله عليّ فأصبحت شقي «لا» ليس الأمر كذلك أبداً لو كان الشقاء لازم للإنسان لبطلت القوانين العقلائية لكل دولة قانون صح أو لا قانون يتضمن أمر المواطنين ونهي المواطنين ويتضمن وضع مكافئات للمواطنين المنضبتين وعقوبات للمواطنين المخالفين لو كان الشقاء لازم للإنسان لكن وضع هذه القوانين لغوا وعبثاً لآن الشقي لا يمكنه أن ينضبط لو كان الشقاء لازم للإنسان لبطل أنزال الكتب وبعث الأنبياء والرسل والله تبارك وتعالى يقول: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِإذا لم يكن يستطيع يقوم بالقسط لأنه شقي إذاً أنزال الكتب والرسل وإعطائهم البينات لغو وعبث.

فلا هدفيه للقوانين العقلائية ولا هدفيه للقوانين السماوية والرسالات السماوية كلها لغوا وعبث فهو شقي منذ ولادته، لو كان الشقاء لازم لم يحتج الله على الإنسان لا يبقى على الله حجة على الإنسان بعد أن خلقه شقي فلا حجة علية وهو تبارك وتعالى يقول: ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَوقال تعالى: ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِوقال تعالى: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍو لو كان شقي أي أن الشقاء لازم له لم يكن هناك مورد للبينة لم يكن هناك مورد للحجة أصلا لا معنى للاحتجاج عليه وهو شقي، فالشقاء والسعادة أمرانا اختيارينا يصنعهم الإنسان بإرادته واختياره سعادتك بيدك وشقائك بيدك وليس أمر لازم كيف؟!

الله تبارك وتعالى علم بمصير الإنسان هذا ليس فيه شك علم الله بمصير هذا الإنسان وما سيفعله هذا لا كلام فيه كما علم بأجله كما يعلم أن هذا سيولد من هذا فلان وفلانة وسيكون عمره كذا وأجله كذا وسائر شؤونه علم بمصيره من حيث السعادة والشقاوة علم بأني هذا سيكون سعيداً وعلم بأن هذا سيكون شقي هذا لا كلام فيه، ولكن هل علم الله بأنني سأكون شقي علم مطلق أو علم بأنني سأكون شقي علم مشروط؟!

لو علم الله بأنني أعصية علم مطلق للزم أن أعصية حتى أحقق علم الله وإلا لكان علم الله جهلاً والله منزه عن الجهل فلوعلم بأنني أعصية علم مطلق لوجب أن أعصية وللزم أن أعصيه حتى أحقق علم الله وإلا لكان علم الله جهلا والله منزه عن الجهل فلو علم أنني أعصية علم مطلق لوجب أن أعصية وللزم أن أعصية فأصبحت مجبوراً على المعصية فخرجت المعصية عن كونها معصية لأنها أمر أكرهت وأجبرت عليه «لا» علم الله بأنني أعصية عن اختيار مني وإرادة فهو علم مشروط بالإرادة والاختيار، علم بأنني أعصية عن اختيار مني وليس علم بأنني أعصية ويكفي «لا» علم بأنني أعصية عن اختيار وعن إرادة محضة مني.

مثال: أنا الآن أتي بإنسان وضعه مدير إلى شركتي ومؤسستي وأن أعرف هذا الإنسان من الأول أعرف شخصيته كلها دارسنها أعلم بأن هذا الإنسان سيخربط في إدارة مؤسستي سيخون الأمانة مثلا سيسرق مثلا لكن سيسرق باختياره وإرادته فما علمت به ليس أنه سيسرق مطلقاً علمت بأنه سيسرق عن اختيار منه وإرادة منه لذلك الأمر لا يخرج عن إرادة فما علمت به ليس بأنه سيسرق مطلقاً علمت أنه سيسرق عن اختيار منه وإرادة منه لذلك الأمر لا يخرج عن كونه اختيارياً فما علم به الله المعصية عن الاختيار لا المعصية وما علم به الله الطاعة عن الاختيار لا الطاعة وما علم به الله الطاعة عن الاختيار لا الطاعة وما علم الله به الشقاء عن الاختيار لا الشقاء فلو صدر مني الشقاء بدون اختياري لكان ذلك أبطالاً لعلم الله لأنه ما علم به الله هو صدور الشقاء عن اختيار مني فلو صدر الشقاء بدون اختيار مني لكان هذا تغيير لعلم الله وإبطال لعلم الله وتحول علم الله جهلا والله منزه عن الجهل وهو العالم بكل شيء.

إذا رجعت النتيجة إلى ماذا؟! إلى الاختيار والإرادة يا عبدي أن أعلم بك بأنك ستكون شقي ولكن ستكون شقي عن اختيار منك وإرادة منك، لذلك القرآن يفسر بعضه بعضاً هذه الآيات التي قرانها التي ربما يستظهر منها أن الله كتب الشقاء على الإنسان منذ ولادته قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ «29» فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ أو قوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ما هو المقصود من هذه الآيات؟!

المقصود بها: أن الله عندما خلقه علم أن بعض هؤلاء شقي وبعض هؤلاء سعيد ولكنه في عين الوقت علم أن من هو شقي منهم فإن شقائه عن اختياره وأن من هو سعيد منهم فإن سعادته عن اختياره وأما أنا في أي قسم هنا أو هنا هذا راجع إلى إرادتي أنا، أنا صحيح أعلم أن الله عندما خلق الخلق قضي بأن قسم شقي وقسم سعيد والقسم الشقي شقي بإرادته والقسم السعيد سعيد بإرادته أنا ادخل نفسي في أي القسمين هذا يرجع لي أنا وبإرادتي أنا وباختياري أنا قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ «29» فَرِيقًا هَدَى «لأنهم أردوا الهداية» وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ «لأنهم أرادوا الضلالة».

وكذلك قوله: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَوقال تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌلأنهم أردوا ذلك فختم على قلوبهم هناك آيات قرآنية توضح هذا وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا هم أول شيء زاغوا البداية منهم لأنهم زاغوا لآنهم أرادوا الظلال أرادوا الزيغ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْوقال تعالى: ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

يهدي الله من يشاء فاعل من الذي يشاء؟! ليس الله العبد﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ يعني يهدي الله العبد الذي شاء الهدايه، ويضل من يشاء بمعين يضل العبد الذي شاء الضلالة يشاء هنا تعود على العبد وليس على الله من شاء الهداية هدي من شاء الضلالة ضل بمعنى حبس عنه الفيض حبست عنه الرحمة لأنه شاء الضلالة قال تعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًاكَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِلأنه أراد الضلالة قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْلا يجعلها ضال إلا إذا هو أراد ولا يجعلها سعيد إلا إذا هو أراد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْوقال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

إذا بالنتيجة: الأمر راجع للإنسان نفسه سعادته شقائه باختياره بإرادته.

الأمر الثالث: ما هي السعادة والشقاء؟! الميزان في السعادة والشقاء السعادة الروحية والشقاء الروحي وليس السعادة المادية والشقاء المادي، الإنسان لقصر نظره لأنه إنسان محدود التفكير محدود العقل قصير النظر يضن أن السعادة في عالم المادة السعادة في الأموال، السعادة في الترف، السعادة في بحبوحة المادة إذا نام على وسادة مريحة وعنده رصيد في البنك ممتاز ويأكل أحسن الطعام ويلبس أحسن إلباس فهو سعيد لقصر نظره يضن أن السعادة في عالم المادة ولكن هذا غير صحيح مسكين، السعادة الحقيقة بسعادة الروح لاحظ هذه الآيات القرآنية قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً المعيشة الضنك هي: القلق هذا الذي تراه السلطان المسيطر على البلاد طولها وعرضها ترى هو أكثر إنسان يعيش قلق هذا الإنسان الثري الذي عنده أموال طائلة ترى هو إنسان يعيش قلق كل يوم قلق وتردد وخوف لأنه حصل على شيء يخاف فوته.

هذا الإنسان المصر على المعاصي والرذائل ترى هو يعيش حالة قلق وعدم استقرار هذه معيشة ضنك قال تعالى: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقَاً حَرَجَاً ضيق القلق ضيق عدم الاطمئنان، إما هذا المؤمن قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًهو فقير لكن حياته طيبة ما معنى حياة طيبة؟! يعني حياة استقرار نفسي قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.

هناك آية أخرى قال تعالى: ﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَبمعنى أنهم كافرون بالنعمة أحياناً تكون الأولاد عذاب عليه أحياناً أمواله عذاب عليه قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَاأما في الدنيا وأما في الآخرة لا تفكر هذه سعادة «لا» هذه سعادة زائفةسعادة زائلة سعادة محفوفة بالألم محفوفة بالحرج محفوفة بالقلق محفوفة بالضيق السعادة المادية سعادة زائفة زائلة لأنها محفوفة بالألم والقلق والحرج قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا.

وقال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا «29» ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِلماذا هم يريدون الحياة الدنيا فقط لأنه عقولهم قصيرة علمهم قليل ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ لأنه معلوماتهم قاصرة يظنون أن السعادة هي الدنيا فقط قال تعالى: ﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا «29» ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ لو ملكوا علم حقيقي نافع لعرفوا أن السعادة سعادة الروح العلم سعادة لأنها سعادة روحية التقوى سعادة لأنها سعادة روحية قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَاوليست هي السعادة الحقيقة قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِوَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ.

إذاً بالنتيجة: إذا الإنسان ابتلي في هذا الحياء ببعض البلايا لا يظن أنه حرم السعادة وانه أصبح شقي لأن الله أبتلاه «لا» خسر سعادة مادية لكن هذه السعادة المادية زائفة إما السعادة الروحية فهي في قربه من الله فهي في وصوله إلى الله ولو كان ذلك لأجل شقاء مادي الشقاء المادي المقرب إلى الله سعادة حقيقة «إن كنت عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً أو مقتر عليَ رزقي فأمحو من أم الكتاب شقائي وحرماني وتقتير رزقي وكتبني عندك سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات» ما معنى هذا الكلام؟!

أن كنت قضيت علي في أم الكتاب نتيجة أعمال السابقة أنني شقي الآن وفقني بمدد ورحمة منك ليّ محو هذا الصفحة التي كتبتها عليّ في أم الكتاب للتحول إلى صفحة جديدة وهي صفحة السعادة والخير، الإنسان لا يمكن أن يكون سعيد بعد أن كان شقي إلا بتوفيق من الله ومدد ورحمة هذا معنى فمحوا، فمحوا من أم الكتاب شقائي بمعني فوفقني وسددني برحمتك ومددك أن أنتقل من صفحة الشقاء إلى صفحة السعادة.

وصلى الله على محمد وآل محمد